ألقى الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أ. د. علي القره داغي ، كلمة اليوم السبت الموافق 14 مارس 2015م وذلك في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر (دور الوسطية في مواجهة الإرهاب وتحقيق الاستقرار والسلم العالمي) المنعقد على مدار يومين في المركز الثقافي الملكي بالمملكة الأردنية الهاشمية .
ومن المنتظر أن يقدم القره داغي بحثاً علمياً في الجلسة الأولى للمؤتمر (الإطار المفاهيمي) سنقوم بنشره لاحقاً وعنوانه : دور المجامع العلمية والثقافية في التصدي للتطرف ، وننشر الآن كلمة الأمين العام في جلسة المؤتمر الافتتاحية وهي كالتالي :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ، وبعد
أصحاب السعادة والسماحة والفضيلة
أحييكم بتحية الإسلام العطرة فتحية من عند الله تعالى مباركة طيبة ، ويسعدني أن أسعد بهذه الوجوه الطيبة ، والعقول النيرة التي استجابت لهذه الدعوة المباركة من الأمانة العامة للمنتدى العالمي للوسطية الذي وطأ الأكناف ، ومهّد السبيل ويسر الأسباب لعقد مؤتمر دولي حول مشكلة الإرهاب ومنهج الإسلام في علاجها ، وذلك في ظل الظلال الوارفة للممكلة الأردنية الهاشمية .
داعياً الله تعالى أن يبارك في هذه الجهود الطيبة من المنظمين لهذا المؤتمر الهام الذي جاء في وقته ، وفي جهود المملكة الهاشمية ملكاً وحكومة وشعباً داعين الله تعالى بتضرع أن يسدد خطاها وأن يزيدها أمناً واستقراراً وازدهاراً .
سادتي الكرام
إن أمتنا الإسلامية اليوم تمر بمرحلة تعدّ من أخطر المراحل التي مرت بها من حيث حجم المؤامرات الداخلية والخارجية ، وكثرة الفتن والشدائد والكُربات ، وحجم التخطيط والدقة والمكر والدهاء كما قال الله تعالى : (وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) [إبراهيم : 46] .
وأخطر من ذلك كله أن هذه الفتن تطبق بأيدي العرب والمسلمين ، وتمول بأموالهم ، ولكن المستفيد الوحيد هو أعداء الإسلام ، وأن الأمة ستتفرق أكثر ، وتتجزأ أشد ، وتخسر الموارد البشرية والمالية كما لا يخفى ، مما يستدعي وقفة حقيقية أمام هذا المشهد .
وفي خضم هذه المشاكل الكبرى يتضخم دور الجماعات المتطرفة في سوريا والعراق وليبيا وغيرها بسبب الظلم والاضطهاد والجرائم التي ارتكبت ، فعاثت في الأض فساداً وتهلك الحرث والنسل ، بل وحرق الإنسان ، وتدمير الآثار وتعطي صورة مشوهة جداً عن هذا الدين العظيم الذي أرسله الله رحمة للعالمين .
إن هذه الجرائم التي ارتكبها هؤلاء الارهابيون ، والظلمة المستبدون قد ساهمت مساهمة فعالة في إنجاح المشروعات المعادية التي تريد لنا الانكماش والتفكيك الأكثر ، ولأنفسهم التمدد والتوسع ، ونسيان القضية الأولى القدس وفلسطين المحتلة ، وفي زيادة الفقر والبطالة والتخلف والحرمان ناهيك عن ملايين المهجرين من سوريا والعراق وغيرهما دون أي رعاية تذكر.
أمام هذه الفتن والشدائد التي لا تخفى على أحد والتي إن لم تعالج بحكمة وقوة وحسم فإن أمتنا ستكون أمام مهب الريح وعاصفة لا يعلم بخطورتها إلاّ الله تعالى .
ولذلك أوجه ندائي باسم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يضم عشرات الآلاف من العلماء والمفكرين إلى أمتنا الإسلامية مؤكداً على ما جاء في بلاغ مكة المكرمة الذي حمّل الجميع مسؤوليتهم عن الوضع الراهن أمام الله تعالى ، ثم الأجيال اللاحقة ، وأوجه صرخة الملهوف إلى قادة الأمة الإسلامية بالوحدة والاعتصام بحبل الله المتين ، والإصلاح الشامل الذي يحقق العدل ، ويصون الكرامة الإنسانية ، والأخذ بأسباب القوة وبذل كل ما يمكن بذله لخروج الأمة من هذه المحنة.
وأما العلماء فمسؤوليتهم كبيرة في البيان والصدع بالحق بالحكمة والموعظة الحسنة ، والوقوف مع خط الأمة الوسط والمنهج الرباني بعيداً عن التحزب وإثارة الفتن.
ورسالتنا إلى الشباب : أنتم وقود الأمة وقوتها ومستقبلها فلا يجوز صرفها في إضعاف الأمة وتشويه صورة دين الرحمة ، فأرواحكم وشبابكم وأموالكم أمانة يجب صرفها فيما يريده الله تعالى ، وعليكم الرجوع إلى العلماء الراسخين ، والثقة بهم ، وترك المتعالمين ، وأمراء الفتنة ، انظروا ماذا حدث لأمتكم بسبب التطرف والإرهاب فاستغله الطامعون للتدخل المباشر ، والسيطرة على ثرواتنا ، كما استثمره الآخرون لتفكيك أمتنا ولتمدد مشروعهم ، ولمحرقة أهل السنة والجماعة ، وارجعوا إلى سيرة رسولكم الحبيب صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الناس أجمعين ، وربّوا أنفسكم على التحلي بالصبر والأناة في الإصلاح ، والتدرج في بلوغ الأهداف ومراعاة سنن الله في التغيير ، والأخذ بفقه الميزان والموازنات والمآلات وترشيد العاطفة والحماس بالحكمة التي ذكر الله تعالى أنها نزلت مع الكتاب لأهميتها فقال تعالى : (وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) [النساء : 113] وأن وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم هي تربية الأمة عليها مع الكتاب (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) [آل عمران : 164].
وفي الختام نقول : إن الإرهاب لا دين له فلا يجوز تحميله على أي دين ، وإنما يجب السعي لعلاجه بجميع الوسائل المادية والفكرية والمعنوية والإعلامية ، وإن القضاء على أسبابه المتنوعة هو العلاج الناجع ، وأقترح أن يكون منطلقنا في هذا المؤتمر فعلاً لا ردّ فعل وأن يكون سيعنا لوضع النقاط على الرحوف من خلال استراتيجية شاملة بالتعاون مع بقية الدول والمؤسسات الخاصة بالعلماء في كل مكان.
أكرر شكري لكل من ساهم في عقد هذا المؤتمر ، ولهذه المملكة الهاشمية ورجالاتها على حسن الاستقبال والحفاوة وكرم الضيافة ، وعلى وقوفهم الدائم مع شعوب المنطقة سوريا والعراق وغيرهما ، والتخفيف من آلامهما باحتضانهم ورعايتهم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أ.د. علي محيى الدين القره داغي
الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين