فهناك آثار عامة وآثار خاصة لهذه المؤلفات الخاصة بالاقتصاد الاسلامي ، وبغيره ، يمكن تلخصيها فيما يأتي :

أولاً ـ المساهمة بكتبه الكثيرة الموصلة ـ مع غيره من العلماء المفكرين  والفقهاء ـ في فتح باب الاجتهاد في القضايا الاقتصادية الجديدة[1] من خلال اجتهاد منضبط بضوابط الشرع ، فقد أفاض الشيخ في التعريف بالمجتهد والمفتي ، وشروطهما ، ومنها المعرفة بواقع العصر في كتابه ( الاجتهاد في الشريعة الاسلامية ) : الصفحات ( 5 – 49 ) ، وفي كتابه ( الفتوى بين الانضباط والتسيب ) : الصفحات ( 27 – 59 ) .

 

  ولا سيما أن الشيخ تطرق إلى مغزى الاجتهاد ، وبالتالي يستطيع الاقتصادي العالم أن يجتهد في تخصصه إذا أحاط بأصول الاستدلال وقواعد الترجيح .

 

 

ثانياً ـ القيام بالتأصيل الشرعي والفقهي ، للاقتصاد الاسلامي علماً ونظاماً ونظرية وتطبيقاً من خلال كتابه القيم : ( دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الاسلامي ) وفي كتابه : ( مشكلة الفقر وكيف عالجها الاسلام) .

 

 

ثالثاً ـ المساهمة في الدراسة والتفكير في تطبيقات الاقتصاد الاسلامي من خلال البنوك الاسلامية ، حيث ساهم الشيخ مع غيره من علماء الاقتصاد أمثال الدكتور أحمد النجار ، ود. عيسى عبده ( رحمه الله ) ، ومن رجال المال أمثال الحاج سعيد لوتاه في إنشاء أول بنك إسلامي وهو بنك دبي الاسلامي .

 

 

رابعاً ـ المساهمة في هذه النهضة المعاصرة من خلال كتبه الخاصة والعامة ، ومن خلال ما قام به من تطبيقات عملية لا اجتهادية ، حيث قرن القول بالعمل ، فدعوته إلى الاجتهاد ـ مثلاً ـ لم تقف عند باب النظر والقول ، بل تجاوزته إلى باب العمل والتطبيق ، فقد قام فعلاً بالاجتهاد في معظم القضايا التي تصدى لها في كتابه القيم ( فقه الزكاة ) وكذلك غيره من كتبه الفقهية والفكرية والتربوية والاجتماعية .

 

 

خامساً ـ المساهمة في تأصيل الفكر الاقتصادي ، حيث ذكر الشيخ في القضايا الاقتصادية التي تناولها : الأصول التي ترجع إليها بوضوح ، حتى لا يقال : إنه أتى بشيئ يخالف أصول الاسلام ، بل تشهد له ، حيث يقول في مقدمة كتابه (مشكلة الفقر وكيف عالجها الاسلام ) : ( و ما عرضناه هنا من علاج الاسلام لمشكلة الفقر قد رددناه إلى أصوله ومصادره الاسلامية الخالصة من الكتاب والسنة ، وأقوال الأئمة المجتهدين من فقهاء الاسلام ، حتى لا يتهمنا امرؤ متحيز ، أو جامد بأننا نقدم إسلاماً جديداً ليس هو الاسلام الذي عرفه الصحابة ، وفهمه أبو حنيفة ومالك وغيرهما من الأئمة ، كما زعم ذلك بعض المستشرقين فيما يكتبه الدعاة إلى الاسلام اليوم )[2].

 

  وقد أشار الشيخ في ذلك إلى الرد على بعض المستشرقين الذين يريدون أن يحصروا الاسلام في دائرة ضيقة وفي حدود الروحانيات دون أن يكون منهج حياة كما أراده الله تعالى فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)[3] ولا يريدون للاسلام الشمولية ولا اعتباره رحمة وخيراً للعالمين أجمعين كما أنزل في ذلك عدد من الآيات ، فقال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[4] وقال تعالى : ( وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً )[5] .

 

  فقد بين الشيخ القرضاوي في كتبه ( حقيقة ما بعث الله تعالى به محمداً صلى الله عليه وسلم من الهدى والرحمة وما شرع على يديه من أحكام تعالج مشكلات الفرد والمجتمع علاجاً يقتلع الداء من الجذور ، لا مجرد علاج سطحي بمسكنات وقتية ، تحفف الألم ساعة من الزمن ، ولا يستأصل جرثومة المرض )[6] .

 

  فقد حاول هؤلاء المستشرقون أن يشككوا في كل جديد في الاسلام ، بل هم أساساً شاكون ويشككون في الاسلام نفسه ، ولذلك إذا وجدوا شيئاً نافعاً في الاسلام ، قالوا : إنه إسلام جديد لم يعرفه الصحابة ولا أصحاب المذاهب الأربعة ، علماً بأن هذا ليس حباً منهم في الصحابة أو أصحاب المذاهب الفقهية ، بل محاولة جادة لتجريد الاسلام من صلاحيته للتطبيق في كل عصر ، ولكن أنى هم قادرون على ذلك والله تعالى قد جعل هذا الدين خاتماً وخالداً وصالحاً إلى يوم الدين .


([1]د. يوسف ابراهيم : ورقته السابقة المنشورة ضمن كتاب      ص

([2]) مشكلة الفقر وكيف عالجها الاسلام ط. وهبة بالقاهرة ط 1980 ص 4

([3])  سورة الأنفال / الآية 24

([4])  سورة الانبياء / الآية 107

([5])  سورة النحل / الآية30

([6]) مشكلة الفقر وكيف عالجها الاسلام ط. وهبة بالقاهرة ط 1980 ص   4