للشيخ القرضاوي دور مبارك في نشأة البنوك الاسلامية من الجوانب الآتية :

أولاً ـ العضوية ، والرئاسة لعدد من هيئات الفتوى والرقابة الشرعية :

    يقول أ.د. جمال الدين عطية : ( بدأت صلة الشيخ بهذا المجال حين كان مستشاراً لبنك دبي الاسلامي في سنواته الأولى ثم دعي إلى المشاركة في ندوة تلفزيون قطر مع الأمير محمد الفيصل بخصوص طرح شركة استثمار الخليج لشهادات المضاربة ، فقد نتج عن تشجيع الشيخ لهذا النشاط أن اكتتب القطريون بسبعة ملايين دولار في اليوم التالي لهذه الندوة ، مما جعل الأمير محمد الفيصل يحرص على دوام صلة الشيخ بالمشروعات الأخرى التي كان الأمير بسبيل تأسيسها فاختاره عضواً في مجلس ادارة بنك فيصل المصري عند انشائه ، ثم عضواً في الهيئة الشرعلية العليا لدار المال التي أسست في البهاما وانطلق نشاطها من جينيف بسويسرا كشركة قابضة لمشروعات الأمير في مجالات البنوك والاستثمار والتكافل ” التأمين ” )[1] .

  ولم يقف دور الشيخ عند مجموعة الأمير فيصل ، بل اختير رئيساً لهيئة الفتوى والرقابة الشرعية لمصرف قطر الاسلامي الذي أنشئ في عام 1982 ، ولبنك قطر الدولي الاسلامي فيما بعد ، ولبنك التقوى ، ثم مؤسسة الراجحي ، ومجموعة البركة ، والبنك الاسلامي الأول ، فكان الشيخ هو القاسم المشترك بين معظم هذه المصارف إلى وقت متأخر .

  ومن خلال مشاركتي مع فضيلته في عدد من الهيئات الشرعية التي كان يرأسها مثل بنك التقوى وبنك قطر الدولي الاسلامي ، والبنك الاسلامي الأول وغيرها ، وجدت الشيخ محترماً الآخرين بشكل كبير ، مرناً في مناقشته الآراء واسع الصدر عند الاختلاف لا يحاول فرض آرائه ـ مهما كان ـ على الآخرين ، وإنما يستعين بالحجة والبرهان لاقناع الآخرين ، ويستمع إلى أدلتهم مع استعداده الكامل لقبول آرائهم ، بل رأيناه يترك ما هو الراجح لديه لأجل صدور القرار بالاجماع ، أو لما فيه مصلحة البنك .

  ولكن هذا فيما فيه مجال للاجتهاد والاختلاف ، أما إذا كان الاختلاف حول الثوابت ، أو حول ما يخالف مقاصد الشرعية في الاقتصاد فقد كان الشيخ يرفضه رفضاً مطلقاً .

ثانياً ـ المساهمة في التأسيس :

  والحقيقة أن دور الشيخ القرضاوي لم يكن محصوراً في كونه مستشاراً شرعياً لبنك دبي الاسلامي ( البنك الاسلامي الأول ) ولا كونه رئيساً لعدد من الهيئات الشرعية ، وإنما دوره كان أكثر من ذلك ، حيث ساهم ( من خلال مؤلفاته الخاصة بفقه الزكاة ، وعلاج مشكلة الفقر ، وبيع المرابحة ، وتحريم الفوائد البنكية ، وغير ذلك ) في التهيئة لأجواء القبول بالبنوك الاسلامية ، بل بضرورة وجودها ، والابتعاد عن البنوك الربوية ، من خلال اقتصاد اسلامي نابع من مبادئ وأحكام الشريعة الغراء .

  كما ساهم الشيخ أيضاً في تأسيس بعض هذه البنوك بماله الخاص مثل بنك التقوى ، ومصرف قطر الاسلامي وغيرهما .

  وقد عرف المجتمع الاسلامي للشيخ جهوده المباركة في هذا الميدان بتقديم البنك الاسلامي للتنمية جائزته في الاقتصاد الاسلامي إليه عن العام 1411هـ عرفاناً منه بالجهود المتميزة التي بذلها في هذا الميدان منذ ان كانت المصارف الاسلامية فكرة إلى أن أصبحت واقعاً ، فعمل على مساندتها ودعمها حتى أصبحت معلماً من معالم النهضة الاسلامية المعاصرة[2] ، عبر عنها الشيخ القرضاوي بقوله : ( إنها تجسيد للصحوة الاسلامية في ميدان الاقتصاد الذي هرزم المسلمون فيه فترة من الزمن ، كانت هزيمة كادت تكون كاملة أمام الأنظمة الغربية )[3] .

ثالثاً ـ المساهمة في تهيئة الأجواء لنشاة البنوك الاسلامية :

  وقد ساهم الشيخ القرضاوي في تهيئة الأجواء المناسبة لنشاة البنوك الاسلامية من خلال مؤلفاته التي ذكرناها ، وبخاصة دفاعه المؤصل عن ( بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه البنوك الاسلامية ) ، الذي كان قد أثير حوله جدل واسع ، فكان لكتابه الذي حمل نفس الاسم دور كبير في توضيح الحقائق الفقهية ، والمساهمة في ترجيح كفة القائلين بالجواز ، وكذلك كتابه ( فوائد البنوك هي الربا المحرم ) .

  وكذلك ساهم الشيخ في تأصيل القضايا المصرفية من خلال حضوره المكثف في معظم المؤتمرات الاقتصادية التي نظمتها البنوك الاسلامية ، والمؤتمرات التي عقدتها المجامع الفقهية التي هو عضو فيها مثل المجمع الفقهي الاسلامي التابع لرابطة العالم الاسلامي ، ومجمع الفقه الاسلامي الدولي وغيرهما .

رابعاً ـ دوره في ترشيد المصارف الاسلامية وتوجيهها لتطبيق الاقتصاد الاسلامي :

  وقد حمل الشيخ همّ البنوك ، حيث كان قلقاً من أن تبقى البنوك الاسلامية تدور في دائرة البدائل المتوافرة في البنوك الربوية ، دون أن تنهض بالمبادئ الحاكمة في الاقتصاد الاسلامي من التنمية الشاملة ، وتطبيق الأحكام الخاصة بالاستثمار من المشاركة الحقيقية في الغرم والغنم ، والدخول في المشاريع الاستثمارية والتنموية .

  وكنت أحسّ من خلال حديثي أو مناقشتي مع فضيلته حول البنوك الاسلامية بقلق وخوف من انحراف البنوك الاسلامية عن مسيرتها ومبادئها وأهدافها التي وضعت له ، وكان يتمنى أن تخرج من إطار المرابحات الدولية إلى واحة المشاركات وبقية العقود الاسلامية .

  ولذلك كان حازماً في مواجهة الحيل أو المخارج التي كان يراد للمصارف الاسلامية أن تسير عليها ، مثل ما يسمى ( التورق المصرفي ، أو التورق المنظم) الذي يتم من خلال المرابحات الدولية ، وهو في حقيقته عبارة عن بيع درهم بدرهمين بينهما حريرة ـ كما قال ابن عباس في بعض البيوع الآجلة ـ فكان  الشيخ يعلق عليه بان التورق المصرفي اليوم هو بيع درهم بدرهمين بينهما اوراق شكلية فقط حتى الحريرة غير موجودة .

  فقد كان الشيخ حازماً في إصدار قرارات الهيئات الشرعية التي كان يرأسها حيث لا يخاف فيها لومة لائم ، حيث كان يبدي رأيه دون مجاملة ، ويعطي رأيه قوة الحق المعلن بإخلاص ، فيحنما خسر مصرف قطر الاسلامي مبالغ بسبب تعامله مع بنك الاعتماد والتجارة الذي أفلس كان توجه البعض نحو تحميل المودعين هذه الخسارة ، فتصدى الشيخ له وأعلن بوضوح أن الخسارة على البنك ( المضارب : المساهمون ) لأنه أخطاً في هذا التعامل ، وبالتالي فلا تحمّل هذه الخسارة الناجمة عن خطأ البنك على المودعين ، وفعلاً قبل البنك بذلك وتحمل هو الخسارة كلها .

  ومنذ فترة ازداد هاجس القلق من الشيخ ، ومن كثير من المخلصين على مسيرة البنوك الاسلامية ، ولا سيما مع انتشار التورق المصرفي المنتظم الذي سماه بعض الفروع الاسلامية التابعة للبنوك الربوية في بعض الدول العربية بـ        ( تورق الخير ) و ( تورق البركة ) ،… وكذلك أخذ مبلغ شهري من البطاقات الائتمانية ( فيزا كارت ، وماستر كارت) الذي سماه أحد المصارف ببطاقة اليسر حيث هاجم الشيخ هذه المحاولات حتى كتب في بعض الجرائد القطرية بأن التحايل على الربا أشد من الربا نفسه .

اعلى الصفحة


([1])   أ.د. جمال الدين عطية  : بحثه المنشور ضمن كتاب القرضاوي         ص 197- 198

([2])  د. يوسف ابراهيم : ورقته المنشورة ضمن كتاب ص 1971

([3]) بيع المرابحة للآمر بالشراء ص 6