السؤال الأول : متى بدأت اهتمامات فضيلتكم بالقضايا الاقتصادية ؟ وما الذي دفعكم لذلك ؟

فضيلة العلامة القرضاوي حفظه الله :

  عنيت بالاقتصاد ، لأنه جزء من نظامنا الاسلامي ، ومن شريعتنا الاسلامية ، وحيث ان أحد أركان الاسلام الخمسة يتعلق بالاقتصاد ، وهو : الزكاة ، وأحد     ” الموبقات السبع ” يتعلق بالاقتصاد ، وهو : الربا ، الذي آذن القرآن مرتكبيه بحرب من الله وبرسوله ، وقد رأيت عدداً من الدعاة الاسلاميين يهتمون بهذا الجانب مثل الامام المودودي ، والاستاذ محمود أبو السعود ، والاستاذ البنا في مقالاته عن ” مشكلاتنا في ضوء النظام الاسلامي ” وقد جمعها في رسالة ، ومنها : المشكلات الاقتصادية ، والشيخ الغزالي في كتابه الأول حول ” الاسلام والأوضاع الاقتصادية ، والمناهج الاشتراكية ، والاسلام المفترى عليه بين الشيوعية والرأسمالية ” وبعد ذلك الأستاذ سيد قطب في ” العدالة الاجتماعية في الاسلام ” .

  ثم اني بعد أن دخلت في كلية أصول الدين ، درست فيها ، إلى جوار العلوم الشرعية من التفسير والحديث وأصول الفقه ، درست : المنطق وعلم الكلام والفلسفة والتأريخ خلال سنوات الكلية الأربع ، حتى اني درست الفلسفة بكل أقسامها ، الشرقية واليونانية والاسلامية والحديثة  ، كما درست علم النفس في سنة دراسية واحدة ، وفي تخصص التدريس : توسعت في دراسة علم النفس ، كما درست علوم التربية تأريخها وأصولها وفلسفتها وتطبيقاتها .

  وهنا بدا لي أن أقرأ في علم الاقتصاد ، وعلم الاجتماع ، وهما في نظري علمان مهمان من العلوم الاجتماعية .

  وأكد هذا التوجه عندي عندما سجلت رسالتي للدكتوراه في كلية أصول الدين عن   ( الزكاة وأثرها في حل المشاكل الاجتماعية ) فبدأت أقرأ في علم الاقتصاد ، ولا سيما الاقتصاد السياسي ، وفي علم المالية ، وما يتعلق بالضرائب وفلسفتها .

السؤال الثاني : هل كتابكم ” فقه الزكاة ” هذا السفر العظيم ، أول كتاب لكم في النظام المالي والاقتصاد الاسلامي ؟

فضيلة العلامة القرضاوي حفظه الله :

 أول كتاب أصدرته في الاقتصاد الاسلامي كان كتاب ” مشكلة الفقر وكيف عالجها الاسلام ” وقد لقي قبولاً عاماً من الاقتصاديين والشرعيين وان كانت طبعته الأولى مليئة بالأخطاء المؤسفة ، وهو في الحقيقة ثمرة من ثمرات ” فقه الزكاة ” فقد كتبته في أول الأمر ليكون مقدمة لكتابي عن الزكاة ، ونصحني المشرف على رسالتي في ذلك الوقت أن أفردها وأخرجها منفضلة عن الكتاب لطولها واخذت بنصيحته وفصلتها وأضفت إليها بعض الفصول وخرجت في شكل كتاب مستقل ، وهو من بركات بحثي في الزكاة .

  ثم كانت بحوثي وكتبي المختلفة في الاقتصاد الاسلامي عن الزكاة ، مثل : بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الاسلامية ، ودور القيم والأخلاق في الاقتصاد الاسلامي ، وفوائد البنوك هي الربا المحرم ، وغيرها ، وهو ما قدره ( البنك الاسلامي للتنمية ) ، فمنحني جائزة البنك في الاقتصاد الاسلامي لسنة 1411هـ  .

السؤال الثالث : جهودكم العملية لانشاء البنوك الاسلامية في العالم الاسلامي          ” داخل وخارج قطر ” ؟

فضيلة العلامة القرضاوي حفظه الله :

  اهتممت من قديم بقضية البنوك الاسلامية قبل أن تقوم ، وبعد أن قامت ، وكنت من أوائل المؤيدين لها ، والداعين إليها ، وآزرت الكتور أحمد النجار أول من أقام بنكاً بلا فائدة في مصر ، وحينما أسس الأمير محمد الفيصل آل سعود ( اتحاد البنوك الاسلامية ) وكان أمينه العام الدكتور النجار شددت أزره ووقفت بجانبه .

  وحينما أنشئ ( بنك فيصل المصري ) كنت في مقدمة من سانده ، واختاروني في غيابي عضواً في مجلس الادارة ، وحين أنشئ ( بنك فيصل السوداني ) في الخرطوم : ذهبت إلى هناك عدة أيام لأحاضر الذين رسخوا للعمل في البنك بعد اختبارات مهمة ومفيدة .

  وحين أنشئت ( شركة الاستثمار الخليجي ) برئاسة محمد الفيصل كان لي دور أساسي في انجاحها حيث كان المشتركون فيها من دولة قطر لهم النصيب الأكبر ، وكان نجاحها هو الذي أدى إلى إقامة ( دار المال الاسلامي ) .  

  كما أسهمت مع المجموعة التي دعت إلى إقامة مصرف إسلامي في قطر ، حتى قام أول بنك اسلامي فيها ، وهو مصرف قطر الاسلامي ، الذي احتفل من قريب بمرور خمسة وعشرين عاماً على تأسيسه .

السؤال الرابع : رئاستكم لعدد من الهيئات الشرعية للبنوك الاسلامية ؟

فضيلة العلامة القرضاوي حفظه الله :

 لقد تشرفت بالعمل في هيئات الفتوى والرقابة الشرعية في عدد من المصارف الاسلامية وهي المكلفة بأن تسير البنك على طريق الشريعة الاسلامية ، وقراراتها ملزمة ، لا تستطيع إدارة تنفيذية ، ولا مجلس إدارة ، أن يعارض قراراتها أو يهملها ، ولو فعل لفقدت البنوك الاسلامية اسلاميتها وشرعيتها ، وانسحب الناس منها من اليوم الثاني .

  كنت عضواً في الهيئة الشرعية لشركة الاستثمار الخليجي ، ثم لدار المال الاسلامي ، ولشركة الراجحي للصيرفة والاستثمار .

  كما تشرفت برئاستي لعدد من المصارف الاسلامي مثل مصرف قطر الاسلامي ، وبنك قطر الاسلامي الدولي ، شركة بيت الاستثمار ، بنك  قطر  الوطني الاسلامي ، ومصرف فيصل الاسلامي بالبحرين ، وبنك الاستثمار الاسلامي الأول ، وبنك أبو ظبي الاسلامي ، والهيئة الموحدة للبركة .

 وقد انسحبت منها جميعاً ، ما عدا بنوك قطر ، فلم أستطع أن أفلت من ضغطهم .

 وقد أنشأ اتحاد البنوك الاسلامية في السبيعينيات من القرن العشرين ، هيئة عليا للفتوى والرقابة الشرعية ، تمثل البنوك الاسلامية الفاتحة في ذلك الوقت ، اختاروني نائباً لرئيسها ، واستمرت عدة سنوات ثم توقفت .

السؤال الخامس : رأيكم وتقييمكم لما وصلت إليه البنوك والشركات الاسلامية ؟

فضيلة العلامة القرضاوي حفظه الله :

  لقد عرضت لهذا الموضوع الهام  في مناسبات شتى ، وأصبحت أمسك قلبي بيدي خوفاً على المصارف الاسلامية التي أنظر إليها كما ينظر الوالد المشفق على ولده إذا لمح فيه بوادر الانحراف عن الطريق المستقيم .

  فرغم الانتشار الكبير للبنوك الاسلامية ، وأنها أصبحت تصب فيها عشرات المليارات ، حتى ان البنوك العالمية من أمريكية وبريطانية وغيرها ، باتت تفتح لها فروعاً اسلامية ، رغم هذا التوسع أمسيت قلقاً شديد الخوف على البنوك الاسلامي ، أن تبتعد عن الأهداف الحقيقية التي أسست من أجلها ، وأن تنغلب عليها الشكلية حتى تفقد روحها واتجاهها ، وأن تجد ـ بل قد وجدت ـ من إخواننا العلماء الذي سماهم بعض الكتاب ( فقهاء البنوك ) من يسوغ لهذه التوجهات بمخارج وحيل شرعية ، وبهذا أضحينا نسعى ونحيا على هامش الاقتصاد الرأسمالي الربوي ، ولو نظر أستاذ اقتصادي اجنبي إلى ما تقوم به ، لعجب ، بل ضحك مما تفعله فنحن نتبنى كل ما تبناه النظام الرأسمالي ، ولكن باسم آخر ، والعبرة بالمسمى والمضامين لا بالأسماء والعناوين .    

السؤال السادس : ما الذي ترونه فضيلتكم إضافته في هذه المقابلة ؟

فضيلة العلامة القرضاوي حفظه الله :

  من كتابي ( أمتنا بين قرنين)[1] الذي صدر في ختام القرن العشرين واستقبال القرن الحادي والعشرين : علقت على بروز الاقتصاد الاسلامي ، وما انتهت إليه البنوك الاسلامية ، تعليقاً أراه مهماً ومفيداً ويعبر عن رأيي يحسن بي أن أنقله هنا:

  ( من ثمار الصحوة الاسلامية ، التي لا يخطئها الدارس لمسيرة الأمة في هذا القرن : بروز ظاهرة ” الاقتصاد الاسلامي ” نظرياً وتطبيقياً .

  لقد كان هذا الاقتصاد غائباً من الناحية النظرية عن الكاتبين في الفكر الاقتصادي ، وفي التأريخ الاقتصادي ، وقد لمست هذا بنفسي عندما كنت أبحث في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات حول الزكاة ، وكنت أقرأ في كتب الاقتصاد السياسي ، وقد كانوا يتحدثون عن الاقتصاد عند الرومان قديماً ، وعند اليونان ، وعند الفرس والهنود وغيرهم ، ولكنهم لا يذكرون ما كان عند العرب والمسلمين ، الذين سادت حضارتهم نحو عشرة قرون ، وكان لهم نظرياتهم وأحكامهم التي تنظم شؤون المال والاقتصاد ، وكان لهم مراجعهم ومؤسساتهم .

  ثم لم تمض مدة طويلة ، حتى بدأت دورة جديدة ظهر فيها الاقتصاد الاسلامي بقوة ، على المستوى النظري وعلى المستوى العملي .

  وفي منتصف السبعينات 1976م عقد المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الاسلامي في مكة المكرمة ، و شارك فيه نحو ثلاثمائة من رجال الاقتصاد ورجال المحاسبة والادارة من جانب ، ورجال الشريعة والفقه الاسلامي من جانب آخر .

  وقد شاركت في هذا المؤتمر ، وكان مما شهدته ولمسته ، أن كثيراً من رجال الاقتصاد كانوا أشد حماساً للأفكار الاسلامية من كثير من رجال الشريعة .

  وقد أسرّ لي الكاتب الاسلامي المعروف الاستاذ فهمي هويدي بملاحظة مهمة ، وهو أنه شهد منذ نحو عدة سنوات مؤتمراً في ماليزيا انقسم فيه المشاركون إلى فريقين فريق يحرم الفائدة تحريماً باتاً ، وآخر يحاول تبريرها بوجه وآخر ، وأما هذا المؤتمر فقد كان كله فريقاً واحداً مجمعاً على تحريم الفوائد ، واعتبارها هي الربا المحظور شرعاً .

  وكان مما قدم في هذا المؤتمر قائمة ببلوجرافية أعدها الاستاذ الدكتور محمد نجاة الله الصديقي أستاذ الاقتصاد في كلية التجارة بجامعة الملك عبدالعزيز تتضمن القائمة  الكتب والبحوث التي كتبت باللغة العربية والأوردية والانجليزية ، فكانت عدة مئات .

   وهذه القائمة قد تضاعفت بعد ذلك ولا شك ، وقد أضيفت إلها كتب وبحوث جمة ، ليس من السهل حصرها ، منها رسائل واطروحات علمية ( أكاديمية ) للماجستير والدكتوراه في كليات الشريعة والاقتصاد والتجارة والحقوق وغيرها ، في عدد من البلاد العربية والاسلامية .

 كما أنشئت أقسام علمية للاقتصاد الاسلامي في عدد من الجامعات .

 وأسست كذلك مراكز لأبحاث الاقتصاد الاسلامي ، أشهرها ( مركز أبحاث الاقتصاد الاسلامي ) بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة ، وفيه عدد من الباحثين الأكفاء ، مثل الأساتذة محمد عمر زبير ، وأنس الزرقا ، ورفيق المصري ، وإخوانهم .

  وكذلك ( معهد البحوث والتدريب ) في البنك الاسلامي للتنمية ، وهو بنك الأمة الاسلامية الذي يقوم بدور مهم في  تمويل مشروعات ضرورية ونافعة في كثير من البلدان والأقليات الاسلامية .

  وصدرت أكثر من مجلة تتحدث عن الاقتصاد الاسلامي ، منها مجلة ( الاقتصاد الاسلامي ) التي تصدر عن بنك دبي الاسلامي ، ومجلة ( النور ) التي يصدرها بيت التمويل الكويتي .

  وعلى المستوى العلمي والتطبيقي ، ظهر أول بنك إسلامي تجاري في دبي من دولة الامارات العربية المتحدة أوائل السبعينات من القرن العشرين ، ثم قامت بنوك إسلامية أخرى ، مثل بنك فيصل الاسلامي المصري ، وبنك فيصل الاسلامي السوداني ، وبيت التمويل الكويتي ، والبنك الإسلامي الأردني ، ثم مصرف قطر الاسلامي ، وبنك البحرين الاسلامي ، وبنوك البركة الاسلامية ، ومصرف فيصل الاسلامي بالبحرين ، ثم توالى إنشاء البنوك الاسلامية في بلاد شتى عربية وإسلامية ، مثل البنك الاسلامي في ماليزيا ، وشركة الراجحي للاستثمار في المملكة السعودية ، ومصرف أبو ظبي الاسلامي ، وقد تزايد عدد البنوك الاسلامي حتى وصل إلى أكثر من مائة مصرف .

  وقد قامت مؤسسة مهمة للاشراف على البنوك الاسلامية هي الهيئة العامة للمحاسبة المالية للمصارف والمؤسسات المالية الاسلامية ، وكان  اسمها قبل ذلك ( مجلس المعايير ) وهي هيئة تعمل على إصدار معايير تحتكم إليها المصارف الاسلامية ، وقد صدرت منها عدة معايير ذات أهمية بالغة ، مثل معيار الافصاح ، ومعيار المرابحة .

  وقد أنشأت هيئة المحاسبة مجلساًَ شرعياً ، يعتبر بمثابة هيئة عليا للفتوى والرقابة الشرعية للمصارف الاسلامية .

  وأنا أذكر هنا كيف مر الفكر الاسلامي في قضية الربا باعتبارها حجز الزاوية في المجال الاقتصادي ، ففي وقت من الأوقات كان هناك من يريد أن نقبل الربا ، كما نقبل الخمر والمسكرات ، بل الزنى نفسه ، وأن المدنية الحديثة تفرض علينا أن نأخذها بخيرها وشرها ، وما يحمد منها وما يعاب ، وحتى قال بعضهم : لماذا  نغلق أبواب البغاء ؟ ولماذا لا نفتحه لمن يريده تحت إشراف الدولة ؟ يريد أن تعمل الدولة قوادة للزناة والفاجرين !

  ثم ارتقى الفكر إلى مرحلة أفضل من هذه ، ولم تكن هي المرحلة المقبولة ، وهو أنه أراد أن يفرق بين أنواع الربا بعضه وبعض ، وأن الربا المحرم إنما هو ربا الاستهلاك لا ربا الانتاج والتجارة ، وان الربا الحالي ليس هو ربا الجاهلية الذي جاء القرآن بتحريمه ، ومنهم من قال : الربا المحرم هو ما كان أضعافاً مضاعفة وليس 10% ونحوها .

  ومنهم من زعم أن الربا حرام ، ولكننا في حالة ضرورة ، وهي ضرورة عامة للمسلمين جميعاً ، والضرورات تبيح المحظورات .

  وكلها محاولات ( تبريرية ) لتحليل الحرام ، وإباحة المحظور ، الذي آذن القرآن مرتكبيه بحرب من الله ورسوله ، والذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكله ومؤكله وكاتبه وشاهديه .

  ثم جاءت مرحلة أقوى من هذه المرحلة ، وهي الرد القوي على المدرسة التبريرية ، وتفنيد شبهاتها ، وإعلان حرمة الربا بصراحة ، وبيان أن على المسلمين أن يتحرروا من رجس الربا ، ومن لعنة الله لمقترفيه ، وذلك بأن يقيموا ( بنوكاً بلا فائدة) وأن هذا ممكن إذا تعاون المخلصون من علماء الاقتصاد وعلماء الشرع وأصحاب رؤوس الأموال .

  ثم كانت المرحلة الأهم ، وهي مرحلة ايجاد ( البديل الشرعي ) فنشأ أول بنك إسلامي في دبي ، تبعته بنوك وبنوك في آسيا ، وأفريقيا ، وفي أمريكا ، وأوربا .

  ونحن الآن في مرحلة ( تحسين البدائل ) وتطويرها إلى ما هو أفضل ، ومن سار على الدرب وصل ، ولكل مجتهد نصيب .

  بل أقول : ان هناك في داخل حركة ( المصارف الاسلامية ) اتجاهات ودراسات ناقدة تحاول أن ترتقي بهذه المصارف نوعاً وكيفاً ، بعد أن قويت وتكاثرت عدداً  وكماً ، وذلك بالخروج من دائرة النظام الرأسمالي القائم ، والذي يتحكم في اقتصاد العالم ،  والذي لا تزال البنوك الاسلامية تعمل في إطاره ، بمعنى أنها تحاول أن توجد لكل عملية تجري في البنوك الربوية ، بديلاً شرعياً لها ، عن طريق مخارج فقهية ، بتغيير بعض الصور أو وضع بعض الشروط أو القيود ، أو نحو ذلك مما قد يغير الشكل نوعاً ما ، وإن بقي الجوهر كما هو .

  وأبرز مثل لذلك هو ( بيع المرابحة للآمر بالشراء ) الذي تجريه المصارف الاسلامية ، وهو بديل شرعي للتمويل الربوي الصريح ، ولا شك مباح ، وقد ألفت كتاباً في الدفاع عن شرعيته ، ولكني مع هذا حذرت البنوك الاسلامية أن تظل        ( سجينة المرابحة ) فإنها في هذه الحالة تعيش في كنف الاقتصاد الرأسمالي ، ولا تقدم نموذجاً آخر متميزاً في جوهره ومضمونه .

  وأذكر هنا ما قاله صديقنا العالم الجليل الشيخ صالح الحصين نائب رئيس الهيئة الشرعية لشركة الراجحي للصرافة والاستثمار ، حين علق على استغراق بعض البنوك الاسلامية في عملية المرابحة ، حتى ان بعضها لتبلغ فيه 90% أو أكثر من معاملات البنك ، قال : إن كان هذا هو أكبر همّ البنوك الاسلامية ومحور عملها ، وغاية سعيها ، فما أجدرنا أن نتمثل بقول الشاعر :

إن كان منزلتي في الحب عندكمو                ما قد لقيت فقد ضيعت أيامي !

 وأذكر هنا أن أحد البنوك الاسلامية ، وهو ( بنك التقوى ) لم يدخل في بيع المرابحة قط ، كما لم يدخل سوق السلع والمعادن الدولية ، لما يحيط بها من شبهات الشكلية والصورية .

  فإذا أضيف إلى ما تقدم أن كثيراً من المصارف الاسلامية لا يطبق كل الشروط التي تفرضها وتلزم بها هيئات الرقابة الشرعية في بيع المرابحة ازداد الطين بلة .

  وآفة المصارف الاسلامية أنها ابتليت منذ انشائها وإلى اليوم بقيادات جاءتها من البنوك الربوية ، ولا تملك خلفية ثقافية إسلامية ، ولا حتى إيماناً برسالة الاسلام الاقتصادية ، وملئوا المصارف بأتباع لهم على شاكلتهم ، فهم يخربون المصارف الاسلامية من داخلها للأسف ، بسوء فهمهم ، وسوء تطبيقهم ، وربما بسوء نيتهم.

  والواجب على المصارف الاسلامية أن تعمل بالتضامن فيما بينها على تطوير نفسها ، والدخول في مجال التنمية والاستثمار والتجارة المباشرة ، والتعامل مع الأسواق ، لا مع الأوراق ، وأن يقوم ذلك كله على دراسات علمية موضوعية ، وعلى تخطيط واع سليم ، ثم يكون العزم والتوكل على الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ )[2] .

  وعلى المصارف الاسلامية واجب آخر ، وهو العناية بالعنصر البشري فيها ، ابتداء من حسن الاختيار وفق معايير اسلامية وعلمية ، وهو اختيار ( القوي الأمين ) أو ( الحفيظ العليم ) الذي يجمع بين الجانب المتعلق بالكفاية والخبرة ، والجانب المتعلق بالدين والأخلاق وخشية الله تعالى .

  ثم على المصارف الاسلامية أن توالي هؤلاء الموظفين بحسن الرعاية والتدريب والتذكير ، حتى يظلوا شاعرين بأنهم يقومون على ثغرة من ثغرات الاسلام ، وأنهم يتعبدون لله تعالى بعملهم ، ويجاهدون في ميدان خطير هو ميدان الاقتصاد .

ولا صلاح للمصارف الاسلامية ما لم تصلح قيادتها وموظفوها ) .

اعلى الصفحة
 


([1]) الصفحات 199-123

([2]سورة الطلاق / الآية3