الدوحة – العرب
أكد د.علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن كل مصائب الأمة سببها الاستبداد والدكتاتورية، مبينا أن المظالم الكثيرة التي وقعت على الشعوب العربية هي التي جعلتها تقبل بالتدخل الخارجي، كما حدث في الكويت والعراق واليوم في سوريا.
وحمل النظام السوري نتائج التدخل الأجنبي لأنه السبب فيما يحدث في سوريا من قتل وتدمير.
وقال: إن الديكتاتورية تجعل الحاكم كالإله: يحيي ويميت وتجعل الشعب كلأ مباحا كالقطعان لا يبدع ولا يحقق أي خير.
وذكر في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع عائشة بفريق كليب، أن الغرب يحقق جميع أهدافه من خلال النظم المستبدة.
وقال: إن النصوص الشرعية من الكتاب والسنة والتجارب التاريخية أثبتت أن الظلم والاستبداد والطغيان والدكتاتورية هي سبب هلاك الأمم والشعوب وهي سبب انتهاء الحضارات وزوال الدول.
وذكر أنه حينما يصل الحاكم مرحلة الاستبداد والطغيان فلا بد أن يزيح كل من يقف ضده أو يعرقل مسيرته، مستخدما القتل والإبادة والإهلاك والسجن والنفي ليخلو له الجو.
وقال: إن المستبد إذا صفيت له الأجواء، وقضى على المعارضين يصل به الغرور لدرجة الاستغناء عن الله تعالي وعن الشعب.
واستشهد على ذلك بقول الله عز وجل: «كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى*أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى».
وأضاف أن الحاكم المستبد يصل به الغرور عندما يتخلص من معارضيه لأن يقول مثلما قال فرعون: «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى» ويقتل من يشاء من المعارضين، ويعفو عمن يشاء من القتلة المجرمين ويقول: «أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ».
وأشار إلى أن المستبد والطاغية ينظر إلى شعبه كأنه مجرد عبيد خلقوا لخدمته وتنفيذ أوامره وتحقيق أهوائه.
وذكر أن الشعوب المغلوبة على أمرها تخشى الحكام المستبدين وتطيعهم بسبب الظلم والقتل والإجرام والترهيب والترغيب، كما قال الله عز وجل في حق فرعون: «فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ».
وأوضح أن الآية السابقة تدل على أن الطغاة والمستبدين ينشرون الفساد والفسق بين الشعوب فيضعفونها، ثم يستخفون بها أشد الاستخفاف وحينئذ تطيعهم الشعوب ويتبعونهم في كل ما يأمرون به وينهون عنه، كما قال الله عز وجل: «مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ» فهو يسد عليهم كل طرق التفكير ويفرض عليهم فكرا معينا ورؤية واحدة يرى أنها الصواب وغيرها الخطأ.
لكل فرعون سحرة
وذكر القرة داغي أنه إذا كان لفرعون سحرته الخاصة، الذين يقلبون الحقائق، ويسحرون أعين الناس، فإن كل طاغية ومستبد له سحرته الخاصون من الإعلاميين والشعراء الذين يبيعون دينهم بعرض زائل من حطام الدنيا.
واستدل بواقعة الشاعر أبوالعتاهية الذي رفع مقام الخليفة العباسي المأمون إلى مقام غير مقبول عندما قال له:
أتته الخلافة منقادةً***إليه تجرر أذيالها
فلم تك تصلح إلا له***ولم يك يصلح إلا لها
ولو رامها أحد غيره***لزلزلت الأرض زلزالها
ولو لم تطعه بنات القلوب***لما قبل الله أعمالها
وأشار إلى أن الشاعر الأندلسي ابن هانئ تجاوز أبا العتاهية عندما مدح المعز لدين الله الفاطمي، الذي أسهم في استجلاب الصليبيين إلى مصر والشام فقال:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار***فاحكم فأنت الواحد القهار
وكأنما أنت النبي محمد***وكأنما أنصارك الأنصار
أنت الذي كانت تبشرنا به***في كتبها الأحبار والأخبار
هذا إمام المتقين ومن به***قد دوخ الطغيان والكفار
هذا الذي ترجى النجاة بحبه***وبه يحط الإصر والأوزار
هذا الذي تجدي شفاعته غداً***وتفجرت وتدفقت أنهار
ولفت د.القره داغي إلى أنه في العصر الحاضر استجدت للطغاة وسائل أقوى من الشعر، تتمثل في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وشبكات الإنترنت والقنوات الفضائية، حيث حشدوا لها من المرتزقة الإعلاميين الذين وظيفتهم الكذب والدجل وتحويل الحق باطلا والباطل حقا، كما نرى اليوم في مصر وسوريا وغيرهما.
حرب القرآن على الطغاة
وقال د.القره داغي: إن القرآن الكريم قد حارب هؤلاء الطغاة أشد المحاربة وجعلهم مسؤولين عن هلاك شعوبهم، ولذلك قدس الحرية وأعلى شأنها حتى إن الله عز وجل لم يرد أن يمس الحرية لأجل فرض الدين، فقال تعالى: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ «.
ولفت القره داغي إلى أن وظيفة الرسل والأنبياء عليهم السلام هي بيان الحق والرشد وفضح الباطل وإظهار خطورته للناس، ثم يتركون الناس أحرارا في اختيار ما يشاؤون، ويتحملون نتيجة اختيارهم، كما قال الله عز وجل: «فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ».
وشدد الدكتور القره داغي على أن الحرية هي مصدر الإيمان الصحيح فلا يصح إيمان لإنسان تم إكراهه على الاعتقاد بما لا يقتنع به.
وقال إن الحرية هي مصدر الإبداع والتقدم والحضارة والبناء وبدونها يصبح الشعب عبئا وكلا على الدولة وعالة على الحكومة قال تعالى: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ*وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ».
وذكر أن الآية الأولى تدل على أن الشعب إذا سلبت منه حريته يصبح مثل العبد المملوك الذي لا يقدر على شيء نافع، ولا يمكن أن يستوي هو مع شعب حر قادر له إرادته.
ودلت الآية الثانية على أن الشخص أو الشعب مسلوب الإرادة والحرية يكون مثل العبد الأبكم الذي يخاف أن يتكلم بشيء ويخشى عاقبته، فلا يصدع بالحق ولا يقول الخير خوفا من الطاغية، كالأبكم عن الحق، الذي هو كل وعبء على مولاه وسيده.
وختم القره داغي ببيان أن الشعب المسلوب الإرادة لا يبدع ولا يعتمد على نفسه ويعتمد على غيره في الإعاشة ومتطلبات الحياة، وفي المقابل نجد الشعوب التي تنعم بالحرية لها قدراتها على أن توقف الظالم عند حده، وتمنعه من الظلم والطغيان عندما لا يحقق مصالحها.