الأجرة بنسبة من رأس المال :
وبناء على القول السابق فلا مانع من أن تكون الأجرة نسبة من رأس المال مثل 2% ، وذلك بطريق أولى ، لأنها معلومة ولا جهالة فيها .
استئجار الأجير بطعامه وكسوته :
أجاز جماعة من الفقهاء منهم المالكية ، وأحمد في رواية استئجار الأجير بطعامه وكسوته ، وكذلك الظئر ـ المرضعة ـ وذهب أبو حنيفة وأحمد في رواية حصر ذلك في الظئر في حين ذهب الشافعية ، والصاحبان ، وأحمد في رواية إلى المنع مطلقاً .
أنواع الأجرة :
اتفق الفقهاء على أن الأجرة قد تكون نقداً ، ومبلغاً من النقود من أي نقد كان ، وقد تكون عيناً من الأعيان ، وقد تكون منفعة من المنافع ، ولكنهم اختلفوا في بعض التفاصيل التي لا يسع المجال الخوض فيها ، وإنما نذكر بعض القضايا ، والمصطلحات الجديدة في هذا المجال ، وذلك مثل إعطاء العامل حصة من الأرباح من خلال إعطائه راتب شهر أو شهرين تحفيزاً له ، ومثل المنحة التي تصرف له في مناسبات عدة ومثل مكافأة الانتاج تقديراً لكفاءته في أدائه العمل أو قدرته في زيادة الإنتاج ، وكذلك ما يسمى بالعمولة التي تعطى للمندوبين ، والممثلين التجاريين ، وكذلك العلاوات ، والأجر الاضافي والاكرامية ، كل ذلك يعتبر من الأجرة في الفقه الإسلامي .
تعليق الإجارة على أحد الأمرين ، أو النسبة :
وأجاز بعض الحنفية بعض صورها مثل أن يدفع إلى الحائك غزلاً ينسجه بالنصف حيث أجازه مشايخ بلخ وتوسع الحنابلة في ذلك إذا كان بجزء شائع ومنعه الشافعية وجمهور الحنفية .
ومنع المالكية أن تكون الأجرة مترددة بين أمرين بأن يقول إن خطته اليوم فبدرهم ، او غداً فبنصف درهم ، أو خياطة رومية فبدرهم ، او عربية فبنصف درهم ، لأنه كبيعتين في بيعة ، فإن خاط فله أجرة مثله لفساد العقد ، وقيد بعضهم بأن لا تزيد على المسمى ، وعن مالك في أجراء يخيطون مشاهرة فيدفع لأحدهم الثوب على إن خاطه اليوم فله بقية يومه ، وإلاّ فعليه تمامه في يوم آخر ، ولا يحسب له في الشهر : يجوز في اليسير الذي لو اجتهد فيه لأتممه ، ويمتنع في الكثير ، ولو استأجره على تبليغ كتابه إلى بلده ثم قال بعد الإجارة : إن بلغته في يوم كذا فلك زيادة كذا ، فكرهه ، واستحسنه في الخياطة بعد العقد ، قال ابن مسعدة : هما سواء ، وقد أجازهما سحنون وكرههما غيره .
وأما الحنفية فلديهم خلاف وتفصيل في هذه المسألة ، حيث ذهب أو حنيفة رحمه الله إلى أن الشرط الأول (اليوم) صحيح ، والثاني (غداً) فاسد حتى لو خاطه اليوم فله درهم ، وإن خاطه غداً فله مثل أجره ، وقال أبو يوسف : الشرطان جائزان ، وقال زفر : الشرطان باطلان .
إذن ففي المسألة أربعة مذاهب :
المذهب الأول / العقد فاسد ، والشرط باطل وهو رأي المالكية ـ على التفصيل السابق ـ والشافعية ، وزفر .
المذهب الثاني / العقد صحيح ، والشرطان صحيحان ، وهو رأي الصاحبين وأحمد في رواية .
المذهب الثالث / الشرط الأول صحيح ، والثاني فاسد ، وله أجر مثله ، وهو رأي أبي حنيفة ف يظاهر الرواية .
المذهب الرابع / مثل الرأي الثالث ، ولكن في اليوم الثاني له أجر مثله لا يزداد على نصف درهم ، وهو إحدى روايتي ابن سماعة في نوادره ، عن أبي يوسف ، وأبي حنيفة .
وحجة القائلين بفساد العقد تكمن في أن ذلك يدخل في اجتماع شرطين في العقد ، او صفقتين في صفقة واحدة ، وهذا منهي عنه .
ولكن التحقيق أن المراد بهما هو إجتماع السلف مع البيع أو الإجارة .
وأما حجة القائلين بالجواز هو أن هذا الشرط ، أو الشرطين ليس فيه ، او فيهما مخالفة لنص من الكتاب والسنة ، ولا لمقتضى العقد ، ولا يؤدي ذلك إلى غرر ، وجهالة تؤدي إلى نزاع ، لذلك فالأرجح هو المذهب الثاني ، لما ذكرنا ، ولأن الأصل في الشروط الصحة إلاّ دل دليل على فسادها ، ولا دليل هنا على ذلك ، بل يحقق غرضاً مشروعاً ، وقد ذكر الكاساني أن العاقد سمي في اليوم الأول عملاً معلوماً ، وبدلاً معلوماً ، وكذلك في اليوم الثاني ، فلا معنى إذن لفساد الشرط فضلاً عن فساد العقد ، ولأنه سمى لكل عمل عوضاً معلوماً كما لو قال كل دلو بثمر ، إضافة إلى أن التعجيل والتأخير مقصودان فينزل منزلة اختلاف النوعين .
وأجاز مالك أن تكون الأجرة الكسوة بأن يستأجره على أن يكسوه أجلاً معلوماً ، وبالمقايضة بأن يدفع خمسين جلداً على أن تدبغ خمسين أخرى مثلاً ، ولم يجيزوا الكراء بمثل ما يتكارى الناس للجهالة ، ولا إكراء الدابة بنصف الكراء ، وإذا عمل فله أجرة مثله ، وأجزه يحيى بن سعيد وكذلك أجاز أن يقول : احتطب على الدابة ، ولي نصف الحطب ، أولي نقلة ، ولك نقلة (والأخيرة أجازها الجميع لأن مقدار النقلة معلوم عادة ، ومقدار الحطب يختلف) ، وجوز ابن القاسم : اعمل عليها اليوم لي ، وغداً لك ، وأجاز أشهب : احمل طعاماً إلى موضع كذا ولك نصفه ، وأجازوا كذلك أن تختلف الأجرة من شهر أو يوم إلى آخر بأن تكون أجرته في الشهر الأول خمسة ، وفي الثاني ستة أو بالعكس .