لا شك أن الأديان السماوية في أصلها رحمة للإنسانية وهدى ورحمة وذكرى للإنسان ، هكذا وصف القرآن الكريم جميع الكتب السماوية الصحيحة ، حيث يقول تعالى عن التوراة : ( إنا أنـزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون …. ) [1]، وعن الانجيل قال تعالى : ( وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة وآتيناه الانجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين )[2].
ولكن الكتب السماوية السابقة على القرآن الكريم قد ضاعت معظم معالمها بين التحريف المتعمد ، وبين النسيان الذي طرأ بعد نزول التوراة التي كتبت بعد حوالي سبعمائة سنة ، التلمود بعد ألفي سنة [3]، ونحن في هذه الدراسة نعتمد على التوراة والأناجيل المتوافرة بين أيدينا التي يعتقدها اليهود والنصارى أنها كتبهم المنـزلة .
التوراة والعنف :
ففي التوراة نصوص كثيرة تدعو بكب وضوح إلى الإبادة الجماعية بشكل غريب ، فقد جاء فيها : ( إن مدن هذه الشعوب المورثة إليك من مولاك الرب هي الوحيدة التي لم تدع مخلوقاً حياً يعيش فيها … بل ستجعلها محظورة على الحيثيين والعموريين والفريزيين كما أمرك الرب مولاك… )[4] ومنها : ( الآن إذن اضرب آمالك ، واحظر عليه كل ما يملك ولا تترك له شيئاً ، اقتل الكل ، الرجال والنساء والأطفال والرضع والأبقار والخراف والجمال والحمير ) [5].
يقول الفيلسوف الفرنسي جارودي : ( وهذا التبرير التوراتي للقتل ، هذا الإضفاء للشرعية على العداوات المتتالية وضم أرض الغير .. يجعل اليهود يرضون ويقبلون ما لا يمكن قبوله عقلاً )[6] ، وجاء في التوراة ( عددج55ع33 و 56 ( إن لم تطردوا سكان الأرض من أمامكم يكون الذين تستبقون منهم أشواكاً في أعينكم ، وماخس في جوانبكم ويضايقونكم على الأرض التي أنتم ساكنون فيها ) .
وفي سفر تثية ج7ع21ـ22 : ( لا ترهب وجوههم لأن الرب إلهك في وسطك اله عظيم ومخوف ، ولكن الرب إلهك يطرد هؤلاء الشعوب من أمامك قليلا قليلا .. لا تستطيع أن تفنيهم سريعاً لئلا تكثر عليك وحوش البرية .. ويدفع الرب إلهك أمامك ويوقع بهم اضطراباً عظيماً حتى يفنوا ، ويفع ملوكهم إلى يدك فتمحوا اسمهم من تحت السماء ) .
وفي سفر تثنية ج20ع10ـ17 : ( حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح ، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعوب الموجودة فيها يكون لك للتسخير ، ويستعبد لك ، وإن لم تسالمك وعملت معك حرباً فحاصرها وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف ، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغنمها لنفسك وتأكل غنيمة أعداءك التي أعطال الرب إلهك .. هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جداً التي ليست من مدن هؤلاء الأمم ها هنا،وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبك فلا تستبق منها نسمة واحدة ) .
ونجد في التلمود نصوصاً تدل على تمايز اليهود عن غيرهم ، منها : ( اليهود أحب إلى الله من الملائكة ، وهم من عنصر الله كالولد من عنصر أبيه ، فمن يصفع اليهود يصفع الله ) !
وجاء في التلمود ( سنهدين ص 22 ، 58 ) : ( إذا ضرب أممي إسرائيلياً فالأممي يستحق الموت)! وجاء في تلمود اورشليم بالحرف ( ص94 ) : ( ان النطفة المخلوق منها باقي الشعوب الخارجين عن الديانة اليهودية هي نطفة .. حصان ) ! ، ويعتبر التلمود أيضاً : ( الأجانب ـ أي غير اليهود ـ كلاباً لأنه مذكور في سفر الخروج ( 12، 11 ) أن الأعياد المقدسة لم تجعل للأجانب ولا للكلاب ) ! .
وفي تفسيرات للرابي موسى بن نعمان ، والحاخام رشى لعبارة سفر الخروج : ( إن الكلب أفضل من الأجنبي لأنه مصرح لليهودي في الأعياد أن يطعم الكلب وليس له أن يطعم الأجنبي ، أو يعطيه لحماً بل يعطيه للكلب ) !
ويقول الحاخام باربانيل : ( الشعب المختار فقط يستحق الحياة الأبدية ، واما باقي الشعوب فمثلهم كمثل الحمير ) ، ويقول الرابي مناحم : ( أيها اليهود انكم من بني البشر لأن أرواحكم مصدرها روح الله ، وأما باقي الأمم فليست كذلك لأن أرواحهم مصدرها الروح النجسة )! ، ويقول الحاخام أربل : ( أن الخارجين عن دين اليهود خنازير نجسة ، وإذا كان الأجنبي ـ أي غير اليهودي ـ قد خلق من على هيئة الإنسان فما ذلك إلاّ ليكون لائقاً لخدمة اليهود التي خلقت الدنيا لأجلهم )!! .
وبعض النصوص تدل على أن الله تعالى سلط اليهود على أموال باقي الأمم ودمائهم ! حيث جاء في التلمود ما يفسر هذه العبارة…هكذا : ( إذا سرق أولاد نوح ـ أي غير اليهود ـ شيئاً ولو كانت قيمته طفيفة جداً يستحقون الموت لأنهم قد خالفوا الوصايا التي أعطاها الله لهم ، وأما اليهود فمصرح لهم أن يضروا الأممي لأنه جاء في الوصايا : “لا تسرق مال القريب” … وكا دام موسى لم يكتب في الوصية ” لا تسرق مال الأممي ” فإن سلب ماله لا يخالف الوصايا .. حسب رأي علماء التلمود )! .
وجاء في التلمود أيضاً ( أن الرابي صموئيل أحد الحاخامات المهمين كان رأيه أن سرقة الأجانب مباحة ، وقد اشترى هو نفسه آنية من الذهب كان يظنها الأجنبي نحاساً ، ودفع ثمنها أربعة دراهم فقط ، وهو ثمن بخس ، وسرق درهماً آخر من البائع ) ! .
يقول السير ريتشارد بورتون في كتابه : ( اليهود ، النور ، والإسلام / ص 73 ) : ( إن أهم نقطة في المتقدات اليهودية الحديثة هي أن الأجانب ـ أي غير اليهود ـ ليسو سوى حيوانات متوحشة حقوقها لا تزيد عن حقوق الحيوانات الهائمة في الحقول ) ويقول في (ص81) : ( يقول التلمود : عندنا مناسبتان دمويتان ترضيان إلهنا ” يهوه ” إحداهما عيد الفطائر الممزوجة بالدماء البشرية ، والأخرى مراسيم ختان أطفالنا ) .
ولليهود عيدان مقدسان لا تتم الفرحة فيهما إلاّ بتناول الفطير الممزوج بالدماء البشرية وهما عيد البوريم (Porim) في مارس كل عام ، وعيد الفصح في إبريل أيام عيد الفصح عند المسيحيين[7] .
ولقد دوّن الأستاذ أرنولد ليز أهم حوادث الذبح المشهورة لبنات وأطفال النصارى في أوربا على أيدي اليهود في كتاب نشره عام 1938 بعنوان ( Jewich Ritual Murden ) حيث كان معظمهم لأجل استنزاف دمه للفطائر الممزوجة بالدماء في هذين العيدين ، وزاد عددهم على خمسين طفلاً وبنتاً ، منها حادثة في عام 1144 في بريطانيا وجدت جثة صبي عمره (12) سنة في كيس ملقى تحت شجرة مستنزف دمه من جراح عديدة أيام عيد الفصح اليهودي ، ارتشى عمدة البلدة ، ولم يقدم للمحاكمة ، ولكن منحت الضحية لقب : ( القديس وليام ) ، وفي عام 1255م في بريطانيا خطف اليهود طفلاً مسيحياً يدعى (Hugh ) أيام عيد الفصح ، فصلبوه ، واستنزفوا دمه ، ثم عثر على جثته في بئر قرب منزل يهودي يدعى جوبين الذي اعترف على شركائه بعد أن وعده القاضي بالعفو عنه ، فجرت محاكمة (91) يهودياً أعدم منهم (18) ورفض الملك هنري الثالث العفو عن اليهودي الذي اعترف .
نظرة تحليلية :
لقد اختصر الأب بولس حنا النظرة الصهيونية إلى العالم في كتابه : “همجية التعالم الصهيونية” حيث يقول : ( للنصراني إنجيل يبشر به العالم ، وللمسلم قرآن ينشره بين جميع الشعوب ، أما الإسرائيلي فله كتابان : كتاب معروف لا يعمل به ، وهو التوراة ، وآخر مجهول عند العالم يدعى “التلمود يفضله على الأول ويدرسه خفية وهو أساس كل مصيبة ” ) [8].
والعنصرية اليهودية هي مفتاح كل شرورهم وعدم اعترافهم بالغير ، وأن أموال الآخرين حلال لهم لأنهم سادة وغيرهم عبيد يعملون لهم والخطير إسناده ذلك إلى الله ، وتبريره على أساس ديني ونصوص من التوراة والتلمود كما قال الله تعالى : ( ومنهم مَنْ إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلاّ ما دمت عليه قائماً ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ، ويقولون على الله الكذب وهو يعلمون )[9] ، ويقول الأب بولس : ( إن النصارى يؤمنون بأن الله أبو الجميع ، المسلمون يؤمنون بأن الله ربّ العالمين ، وأما الصهيونيون فلا يريدون الإله إلاّ لهم وحدهم ، ولهذا عرف عندهم أنه إله إسرائيل ) [10].
قول حق يقتضيه الإنصاف :
على الرغم من تركيز الصهاينة على النصوص المتشددة في التوراة والتلمود في التشوه والعنصرية ، لكن التوراة لا تزال فيها نصوص تتحدث عن الرحمة في مجالات كثيرة ففي سفر الخروج ( 6:20) : ( الرب يصنع رحمة إلى ألوف من محبيه وحافظي وصاياه ) وفي سفر يونان ( 2:4 ) قال النبي مخاطباً : علمت أنك إله حنون رحيم طويل الأناة ، وكثير الرأفة ، ونادم على السرّ ! )
وتكرر لفظ “رحوم” أربع عشرة مرة ولا سيما بمناسبة الضيق الذي يحس به الشعب في زمن المنفى [11] وفي المزمور ( 15:86 ) في وقت الشرّ والاضطهاد أطلق المؤمن صوته قال : ( وأنت يا رب رحيم حنون طويل الأناة كثير الرأفة والأمانة ) وفي سفر خروج ( 19:33 ) قال الرب : ( اصفح عمن أصفح ، وارحم من أرحم ) .
ولكن هذه الرحمة والرأفة الموجودة في العهد القديم فسّرها معظم اليهود بأنها خاصة بإبراهيم ، ويعقوب ، وأهل يابيش جلعا ، ومسيح الرب ، وداود ، وأيوب ، وراعوت ، وشعب الله [12] وإن كانت بعض النصوص عامة للضعفاء والمساكين ، واليتامى والأرامل والغرباء ، ونحو ذلك ففي سفر التثنية ( 19:10 ) ( أحبوا الغريب فإنكم كنتم غرباء في مصر ) .
فالتوراة والمزامير لا زال فيها نصوص تدل على الرحمة والرأفة وبالأخص بالمساكين والغرباء ولكن المهم هو التطبيق كما أن هذه النصوص غلبت بالنصوص الكثيرة الواردة في الشدة والقسوة والعنصرية .
الجانب التطبيقي للإرهاب والعنف اليهودي :
إذا قرأنا تأريخ الصراعات والحروب لوجدنا أن لليهود دوراً بارزاً في هذا المجال فقد تعرضت اليهود لمحن كثيرة وحروب إبادة من قبل الرومان والفرس ، والنصارى ، وفي أماكن كثيرة ، ولكن اليهود أنفسهم لهم سجل خطير في الإبادة الجماعية ، والإرهاب والعنف على مرّ التأريخ ، معظمهم قساة حتى على أنبيائهم وصلحائهم ، فكانوا يمثلون النصوص التي ذكرناها من التوراة والتلمود ، حيث كانوا ينتقمون من الشعوب المغلوبة شرّ انتقام ، فقد جاء في شفر التثنية ( قال الرب لا تخف فإني قد دفعته إلى يدك … فأسلم الرب إلهنا إلى أيدينا عوج ملك باثنان أيضاً وجميع قومه وضربناه حتى لم يبق له باق …. رجالها ونساءها وأطفالها … ) وجاء في سفر يشوع من التوراة الإبادة الجماعية للبشر والبقر والغنم والحمير والنساء والأطفال وكل ما في مدينة أريحا ، فأحرقوها وما فيها بالنار إلاّ الذهب والفضة والنحاس فإنها جعلت في خزانة بيت الرب .
وفي سفر يشوع أيضاً من 1 ـ 27 يتحدث عن مجزرة بشرية بأمر الرب ـ حسب المذكور ـ بقتل آلاف من الأسرى ( ولما فرغ بنو إسرائيل من قتل جميع سكان العي في الصحراء والسرية رجع جميع إسرائيل إلى العي وضربوها بالسيف وكان جملة من قتل في ذلك اليوم من رجل وامرأة اثني عشر ألفاً …. )
وإذا ألقينا نظرة على التأريخ المعاصر لوجدنا جرائم بشعة ارتكبها اليهود في فلسطين على أيدي عصابات فتاكة مثل عصابة إرجون زفاي ليومي برئاسة بيجن الذي وصفه بن جوريون نفسه بأنه هتلري بمعنى الكلمة ، يقول الفيلسوف جارودي : ( وعندما قام بيجن بأول زيارة له إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، أرسلت جماعة من أعظم الشخصيات اليهودية ، على رأسهم أينشتاين رسالة إلى مدير النيويورك تايمز جاء فيها : ( ليس من المتصور أن يقوم نفس الأشخاص الذين يعارضون الفاشية في العالم بتأبيد السيد بيجن إذا عرفوا بالضبط مراميه السياسية وانشطته المختلفة فهو زعيم حزب سياسي يشبه يتنظيمه وبأساليبه ، ومناهجه وفلسفته السياسية : الأحزاب النازية والفاشية ، فأعضاء حزبه ينتمون إلى عصابة : ( إرجون زفاي ليومي المنظمة الإرهابية اليمينية المتطرفة في فلسطين … ، وتصرف بيجن وأنصاره في قرية دير ياسين العربية دليل بشع على سياسته ….، ففي 9/4/1948 هاجم فريق من الإرهابيين تلك القرية الآمنة ، ولم يكن بها هدف عسكري … وذبحوا كل سكانها تقريباً …. ويعرض الموقعون على هذه الرسالة بعض الحقائق ذات المغزى عن السيد بيجن وحزبه ، ويطالبون بإلحاح كل من يهمه الأمر أن لا يساند هذا الوجه الأخير من أوجه الفاشية ) [13].
وأما شارون رئيس وزراء إسرائيل الحالي فتأريخه مليء بالإرهاب والدماء والمنهي بمذبحة صبرا وشاتيلا التي راح ضحيتها مئات الآلاف من السناء والأطفال والشيوخ ، فكانت أول هجمة له ولرجاله على قرية قبية الفلسطينية بالأردن وذلك في ليلة 14 ـ 15 اكتوبر 1954 وذبحوا ستة وستين من الأهالي ثلاثة أرباعهم من النساء والأطفال ، وقال مراقبوا الأمم المتحدة في تقريرهم لمجلس الأمن إنهم عندما وصلوا تلك القرية بعد ساعتين من المذبحة : ( رأوا جثثاً متخنة بالرصاص ، وآثار عدد كبير من الرصاص على الأبواب والنوافذ في المنازل التي هدمت مما يدل على أن السكان قد حيل بينهم وبين مغادرة منازلهم المنهارة …. وتجمع شهادة الشهود في ليلة الرعب تلك على ان الجنود الإسرائيليين يضعون الديناميت في المنازل …. )[14] .
وذكر صحيفة ( هاعولام ) في عددها بتأريخ 24/8/1973 : ( في حرب 1967 كان الجيش الذي هاجم سيناء تحت قيادة شارون وهو المسؤول شخصياً عن مصرع مئات من الجنود المصريين ، إذ رفض اعتبارهم أسرى حرب خلال الأيام الخيرة للحرب ، لأن تعليمات موش ديان كانت : ( تقضي بعدم الالتجاء إلى اسر الجنود المصريين في سيناء وتأمر بإبادتهم ) .
ومن باب توزيع الأدوار لليهود كان اسحاق شامير هو المكلف بالعلاقة القوية بألمانيا النازية فكان أحد الزعماء الثلاثة في الجماعة المعروفة بـ ( مجموعة شتون ) حيث اكتشف المؤرخ الألماني كلاوس بونحن أثناء اطلاعه على المحفوظات السرية للرابح الثالث ، حيث كان لهذه المجموعة خطة مع وزير خارجية ألمانيا عان 1941 لتشكيل دولة اليهود في فلسطين تكون مرتبطة بمعاهدة مع الرابح الألماني ، ولذلك قام شامير بتدبير قتل الوزير الانجليزي للشرق الأوسط اللورد موين في القاهرة على يد مجموعة شترن ، وقتل الوسيط الدولي برنادون في القدس فيما بعد [15].
وحينما اعترض بيريز على شارون عن مذبحة صبرا وشاتيلا قال شارون له بمكيال أكبر فقال : أين كنت حينما ذبح ألفا شخص في تل الزعتر ـ حسب تقديرات الصليب الأحمر الدولي ـ ألست وزيراً للدفاع وقمت بتسليح الكتائب المسيحية ؟ ! [16].
وقد عاث الصهاينة فساداً أو خوفاً بعد هجرتهم إلى فلسطين فنسفت عصاباتهم جسور سكك الحديد المركزية ، كما نسفت فندق الملك داود ، وخطفت عدداً كبيراً من الضباط والجنود الانجليز ، ثم استولت على الأسلحة والذخائر من مخازن الجيش والسويس تحت مرأى ومسمع كبار قادة الانجليز اليهود المنتدبين مثل الحاكم العام هريرت صمويل ، والنائب العام نورمان بنتوش ، ومدير غدارة الهجرة حايم سون [17].
وكانت في مقدم هذه العصابات : الأرجون ، وشترن اللتان كانتا تتنافسان على الزهو والافتخار على ما سجلته من بطولة في تنفيذ ( عملية الذعر ) التي كانت بموافقة بن غوربون والقيادة العسكرية ،وهي تقضي بالقيام بحملات دموية على مزارع العرب وقراهم ليضطروا إلى الفرار ، ولأدع الحديث لكاتب الأمريكي لورنس جريسولد في كتابه المعروف : ( هذا سيف الله ) إذ يقول : ( … ففي فجر 19 إبريل 1948 بينما كان الفلاحون العرب ينصبون الخيام في سوق القرية زحفت دبابتان من طراز ( شيرمان ) إلى مداخل دير ياسين فمرت على جسدي اثنين من الفلاحين … وخلفهما خمسمائة مسلح مزودين بالأسلحة .. فأطلقوا النار على الأهالي جميعاً ..)
وفي دير ياسين تكررت مذابح أريحا التي جاء وصفها في التوراة ( واقتلوا كل من في المدينة من رجل وامرأة ، من طفل وشيخ ، حتى البقر والغنم ، والحمير بحد السيف ) .
وكانت من قطائع دير ياسين أن النساء والأطفال يقتلون أمام الرجال ثم الرجال ويقطعون إرباً إرباً ، وبعد يومين دخل مندوب الصليب الأحمر الدولي فوجد في بئر قديمة مائتي جثة [18].
وقد كررت هذه العصابات هذه الفظائع في اكثر من قرية ومدينة مثل باقا ، وقرية بيت الخوري ، وقرية نصر الدين التي كانت ضحاياها بين قتيل ومشوه ألفا ومائتين دون قرية بيت دراس بقرت بطون النساء الحوامل أيضاً ، وذبح عدد من الأطفال ، أما قرية الزيتون فقد نسف مسجدها بكل من فيه أثناء الصلاة ، ومجزرة كفر قاسم التي راح ضحيتها 57 عربياً ، بينهم 17 من النساء والأطفال إضافة إلى جرح 25 شخصاً [19].
وتفخر جريد ( مفراك ) في 7/9/1948 التي تنطق بلسان شترن بنجاح هذه العمليات في ترويع العرب، وإجبار نحو مليون عربي على الفرار إلى خارج فلسطين ،واعتبرت عملية دير ياسين ( معجزة أنزلت بالعدو أكبر ضربة شدت عزائمنا وقوّت معنوياتنا ، وهو انتصار لا تستطيع قوات الهاجاناه مجتمعة أن تحققه ) .
وتحدثت جريدة نيويورك في 15 يونيو 1940 عن احتجاج الخارجية الأمريكية على ما قامت به هذه العصابات من مذابح بشعة ضد العرب ، فقالت : ( إن لدى هيئة الأمم المتحدة صوراً تمثل بعض هؤلاء العرب وقد انتزعت أظافرهم وتلطخت أيديهم بالدماء ، وأخرى تمثل البعض الآخر وقد تهشمت عظامهم ) .
ولذلك وصف المؤرخ البروفيسور الانجليزي آرنولد توبيني بعض هذه الجرائم بقوله : ( أشعر بأن مأساة جرائم إسرائيل والصهيونية أعظم شأناً من مأساة جرائم ألمانيا النازية ) [20].
وخلال الانتفاضة الأخيرة نشاهد جرائم بشعة يقوم بها رئيس الوزراء شارون وجنده ضد الشعب الفلسطيني من التدمير ، والاغتيالات ، والقتل والتعذيب ، وهدم مئات البيوت ، واستعمال أحدث الأسلحة المطورة من الطائرات والدبابات ضد شعب أعزل .
والغريب أن بعض زعماء إسرائيل مطلوبين لدى المحاكم البريطانية ومصنفين على قائمة الإرهابيين والمجرمين ، وكانت الحكومة البريطانية تخصص مكافأة مالية كبيرة لكل من يقدم معلومات تؤدي إلى القبض عليهم ، ومنهم مناحم بيجن ، واسحاق شامير ، فقد كشف يعقوب الياب الذي سجل في كتابه جرائم الأرجون ، وليجي في فلسطين ، وذكر أسماء 140 يهودياً مطلوباً للعدالة ، كما ذكر بعض الجرائم ضد الشعب الفلسطيني الأعزل [21].
حقيقة الصراع بين اليهود والمسلمين :
كانت اليهود قبل مبعث الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم تبشر بمقدمه ، وتهدد المشركين بأنه إذا بعث خاتم الرسل فتكون معه ضدهم ، ولما جاءهم كفروا به كما سجل ذلك القرآن الكريم : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) [22]، قال ابن عطية : ( ان بني إسرائيل كانوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم قد علموا خروجه بما عندهم من صفته وذكر وقته وظنوا أنه منهم ، فكانوا إذا حاربوا الأوس والخزرج فغلبتهم العرب قالوا لهم : لو خرج النبي الذي أظل وقته لقتلناكم معه واستنصرنا عليكم به ) [23].
وقد أعطى القرآن الكريم صورة رائعة للأنبياء السابقين وبالأخص سادتنا إبراهيم ، وإسحاق ، وإسماعيل ، وموسى ، وداود ، وسليمان ، وعيسى ، فذكر خصصهم ، وجعلهم قدوة للمسلمين فقال تعالى : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) [24].
وليكن الإسلام بدِعا من الأمر بل كان مثالاً للرسالات السابقة ، وخاتماً لها فقال تعالى ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه …. )[25] وقال تعالى : ( اليوم أكلت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) [26].
ومن الجانب العملي كان حب الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته لانتصار أهل الكتاب على المشركين ، فقد اغتم المسلمون بانتصار الفرس المشركين على الروم النصارى ، وفرحوا كثيراً بانتصار الأخير على المشركين ، حتى إن أبا بكر الصديق قد دخل في رهان مع المشركين حول ذلك فقد روى أحمد والنسائي وأحمد وابن جرير بسند قال فيه الترمذي ( حسن صحيح ) عن ابن عباس قال : ( كان المشركون يحبون أن يظهر الروم على أهل فارس ، لأنهم أهل الكتاب ، فذكروه لأبي بكر ، فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( أما أنهم سيغلبون ) فذكره أبو بكر لهم فقالوا اجعل بيننا وبينك أجلاً ، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا ( وفي بعض الروايات على أربعة قلائص أي فوق ) ….. ؛ ثم جعل أبو بكر الزمن أقل من العشر بناء على أن ( بضع …. ) ما بين ثلاث إلى تسع ، فظهرت الروم بعد ، فذلك قوله تعالى : ( ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنيين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر الله من يشاء وهو العزيز الرحيم )[27] قال سفيان : ( سمعت أنهم ظهروا عليهم يوم بدر ) . وهذا يعني أن عاطفة المسلمين كانت بجانب أهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) .
دستور المعايشة السلمية مع اليهود :
ولما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة بدأ بكتابة صحيفة مع اليهود أعطاهم جميع المواطنة والمناصرة والمساهمة في الدفاع عن المدينة ، وتحديد الحقوق والواجبات ، حيث تنصّ بنودها على : ( انه من تبعانا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم ) وعلى : ( أن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم إلاّ