أيها الاخوة المؤمنون
إذا قرأنا تاريخنا الإسلامي بدقة وتدبرنا في تاريخ الأمم الأخرى نجد أن هذه الأمة الإسلامية منذ نشأتها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها قد ابتليت بمكر الأعداء وكيد الأعداء وأن الأعداء لن يسكتوا عن كل ما تريده هذه الأمة تحقيقه سواء أكان ذلك على مستوى الجانب الدعوي إلى الله ونشر الدعوة بين الناس أم كان ذلك على مستوى التنمية والتعمير والحضارة والتقدم فإن هؤلاء الأعداء كانوا ويسظلون على مر التاريخ بالمرصاد لكل حركة إيجابية تتحرك بها هذه الأمة أو تتجه نحوها.
وتلك سنة اللله سبحانه وتعالى في جميع الأمم المسلمة السابقة وفي الأنبياء والرسل وفي أتباعهم إذ الأعداء لم تتركهم قيد شعرة ولكنهم حينما كانوا يستعينون بالله سبحانه وتعالى ويعتمدون على الله ويتوكلون عليه حق التوكل ثم مع ذلك يأخذون بكل الأسباب ويستعملون عقولهم وتخطيطهم في رد هذه المكائد فإن العاقبة دائماً تكون للمسلمين وإن النصر و الظفر دائماً كانت للفئة المؤمنة وإن كانت قليلة.
ولذلك يبين الله خطورة هذه المكائد وخطورة هذا المكر في حوالي 78 آية بالنص تتحدث عن كيد الأعداء وعن مكر الأعداء وتتحدث هذه الآيات العظام عن النتائج حينما كان المؤمنون يعتمدون على الله سبحانه وتعالى وكذلك النتائج الإيجابية للأعداء حينما كان المؤمنون يغفلون عن الاعتماد على الله سبحانه وتعالى حق الاعتماد وعن الأخذ بالأسباب العقلية والكونية والمادية حق الاعتماد وهذا ما يقوله سبحانه وتعالى (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا) فالله سبحانه وتعالى اشترط شرطين أساسيين؛ الشرط الأول: هو التقوى والتقوى هو الإحسان وهو الاعتماد والتوكل على الله سبحانه وتعالى في كل تصرفاتك كأنك ترى الله فإن لم تكن تراه فإنه يراك أي تكون مع الله في كل تصرفاتك ولا تغفل عنه لحظة ولا تعتمد على نفسك لا طرفة عين ولا أقل من ذلك، ولكنه مع هذا التوكل ذكر الله مع هذه التقوى بهذا المعنى الشامل شرطاً آخر وهو الصبر والصبر يتضمن الأخذ بجميع الأسباب والصمود عليها وعدم استعجال النتائج أبداً.
حينما يجتمع هذان الأمران لا يمكن كما قال الله سبحانه وتعالى أن يضر المسلمين “كيدهم شيئاً” وكلمة شيئاً هنا نكرة و النكرة في هذا المجال للحقارة والصغارة أي: لا شيء حقيراً ولا صغيراً.
وحينما تصيبنا المصائب يكمن الخلل في أحد هذين الأمرين أو كليهما، فحينئذ نضيع مرتين؛ مرة لأننا لم نعتمد على الله ولم نتقه حق التقاة، والمرة الثانية: أننا لم نأخذ بالأسباب ولم نصبر عليها.
وحينما يعتمد الإنسان على الله سبحانه وتعالى فإن الله يحميه (وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) فمن شدة مكرهم وجمعهم وتخطيطهم كادت الجبال أن تزول منه.
نحن اليوم بين المسلمين مهما نحاول بكل مكوناتنا لا نجتمع بل نحارب بعضنا بعضاً أشد الحروب وفي داخل أهل السنة عشرات الفرق يضرب بعضها البعض بل داخل الجماعات المسلحة الإسلامية ظاهرياً يضرب بعضها البعض فانظر إلى هذا التفرق، ونحن في حالة الضعف، وكان الجاهليون يقولون: المصائب تجمعنا ولكن كل هذه المصائب لم تجمع هذه الأمة، بل تجمع شعباً واحداً أمام هذه المكائد التي تزول منها الجبال إن لم نعتمد على الله.
ومن جانب آخر كيف استطاعوا أن يجمعوا ضد دولة شرعية- ولا أقصد إلا ما اختاره الشعب المصري- قوى الشرق والغرب والفئات المضللة ومعظم الشيعة و اجتمع المتناقضان من بعض السلفية والصوفية البدعية وبعض الدول العربية التي كانت تدعي أنها تحمي أهل السنة والجماعة اجتمعت جميعاً وضحت بكل شيء وأقامت الدنيا ولم تقعدها حينما أصدر الرئيس مرسي قرارين لحماية مجلس الشورى والانتخابات، وانظر الآن كم من قوانين صدرت من رئيس غير شرعي، وهم ساكتون ومتحدون ومجتمعون أليس هذا مكراً تزول منه الجبال ومع قطع النظر عن المواقف أليس هذا مكراً أن يبرر بعض السلفية والصوفية البدعية قتل من بالرابعة العدوية بحكم أنهم إذا ما قتلوا كانت الأمة ستضيع، أليس هذا مكراً؟ بل الله سبحانه وتعالى وصف مكرهم بالكبير جداً ( ومكروا مكراً كباراً ).
ولكن إذا اعتمدنا على الله فلا قيمة لهذا المكر، و من هنا يأتي ما وصفه الله مكر الكفرة بالضعف ومكر الشيطان بالوهن والضعف من هذا الجانب، وليس تعارضاً بين الآيات، وإنما يقوى مكرهم علينا حين نترك الاعتماد على الله ويكون مكراً كباراً وتزول منه الجبال، ولكن حينما نعتمد على الله لا قيمة لهذا المكر (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا) كيدهم جميعاً، وهذا المصدر حينما يضاف إليه الضمير يراد به العموم أي يعني كيد الكفرة جميعاً بكل طوائفهم.
الله يصف مكر الكفار بعشرة أوصاف منه الضعف (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً ) ويصفه بالوهن ( وَأَنَّ الله مُوهِنُ كَيْدِ الكافرين) ويصفه بالضلال (وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) ويصفه بالخسارة (وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ) و يصفه بالأخسرين أعمالاً (وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين) ويجعل الماكرين في الأسفل (فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ) ويجعل كيدهم في تضليل ( ألم يجعل كيدهم في تضليل) ويجعل لهم العذاب الشديد (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ) وأيضاً يخسف بهم الأرض إذا استمروا في مكرهم ونحن نعتمد على الله حيث يقول (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَات أَنْ يَخْسِف اللَّه بِهِمْ الْأَرْض أَوْ يَأْتِيهِمْ الْعَذَاب مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ).
عشرة أنواع من الجزاء ولكن بشرطين: التقوى والأخذ بجميع الأسباب الدنيوية والصبر عليها، والقرآن الكريم حصر دائرة الضعف فينا في كلمة واحدة وهي كلمة التقوى، وكل أنواع المكر تأتي إلينا وتؤثر فينا من خلال هذه الدائرة حينما تضعف لأن التقوى يراد بها الاعتماد على الله واتباع أوامره ونواهيه واتباع كتاب الله وسنة نبيه وسيرته العطرة، فحينما يكون للإنسان تقوى معناه ليس عنده الأنانية والمصلحة الشخصية، ولا يمكن أن يفضل حزبه على مصالح الأمة ولا جماعته على الأمة هو عبد لله فقط، وبهذه العبودية لا يمكن أن يكون مدخلاً للكافرين.
لم يحدث على مر التاريخ الإسلامي أن المسلمين هزموا في معركة واحدة وكانوا فيها معتمدين على الله وحينما رفعوا شعار القومية هزموا شر الهزيمة وهزمت من الداخل، ومن خلال مؤامراتهم التي تنفذ من الداخل، فالمؤامرات الخارجية لا قيمة لها ولكن هذه المؤامرات تجد طريقها إلى الداخل من خلال عدم التقوى والأنانية فبالتالي الشخص يغتر بهم، ولا سيما من خلال الجاه والمال فقد غر الشيطان آدم بالمُلك وليس بالمِلك فالمِلك هو المال وقد لا يغتر به الكثير من الناس ولكن المُلك يعني الجاه والقوة فاستطاع الشيطان أن يغر آدم بالخلود والمُلك قبل آلاف أو ملايين سنين ولا يعلم به إلا الله.
والدولة العثمانية دخلت في معارك كثيرة وخدمت الإسلام خدمة عظيمة جداً ووسعت أرض الإسلام أكثر من ضِعفها، وشهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الجيش نعم الجيش وأن أميرهم نعم الأمير، فتحوا القسطنطينية ثم فتحوا اليونان وقبرص ويوغوسلافيا ورومانيا ووصلوا إلى فينّا، وكانوا يريدون أن يأخذوا فينّا ليدخلوا إلى الأندلس لإعادته إلى أرض الإسلام، ولكن الذي حدث أن استعان ملك النمسا بملك بريطانيا وملك بريطانيا له علاقات مع الصفويين فدعموا الصفويين واحتلوا بغداد فاضطر السلطان سليم الأول أن يسحب جيشه؛ لأن الصفويين أرادوا الدخول بعد بغداد إلى دمشق ثم إلى إسطنبول . فتوقفت الأمور عند هذا الحد .
هذه الدولة العظيمة لم تسقط إلا من خلال المُلك فأغروا العرب بالقومية والخلافة والتحرير ومكروا باتفاقية سايكس بيكو لتوزيع الأراضي العربية على المحتلين وأعطوا فلسطين لليهود .
فالأعداء استغلوا هذا الضعف من ناحية التقوى ووجود الأنانية والمُلك والشخصية، وكذلك استغلال الضعف في الجهة الثانية وإلا فكيف يكون لمسلم أن يتآمر ضد من يرفع شعار الإسلام ويطبق شرع الله؟ وكيف يزين الشيطان؟
ولكن حينما نعتمد على الله ويكون التقوى هو الأساس تكون النتيجة مختلفة نهائياً، فعندما قرر الرسول الخروج إلى تبوك،تخلف بعض المسلمين عن هذه الغزوة بغير عذر شرعي، ومن غير شك ولا ارتياب ومنهم : كعب بن مالك بن أبي كعب وقد قاطعه الناس حتى زوجته بأمر من الرسول فجاءه كتاب من ملك غسّان في قطعة من حرير 🙁 أمّا بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله في دار هوان ولا مذلّة ، فاْلتحق بنا نُكرمك ونواسيك. فقال كعب: هذا والله من البلاء أيضاً فأخذ الكتاب وأحرقه) لذلك جاءت الآيات من فوق السموات السبع بقبول توبة هؤلاء.
الأمة تكون محصنة بهذا الإيمان والولاء والبراء الذان ركز ت عليهما جماعة من الناس خلال مئة سنة وشددوا فيها ولما جاء وقت الامتحان فشلوا فيها لأنهم أخطأوا في فهمهم لمعانيهما.
الولاء والبراء أي أن يكون الولاء لله والبراء من الكفار أي أن أقف مع المسلمين وليس يعني أن نعلن الحرب مع غير المسلمين لأن الإسلام رحمة، ولكن الإسلام كما قال عمر: لست خباً أي مخادعا ولا الخب يخدعني.
نحن اليوم محتاجون إلى هذه الثقافة، ثقافة معرفة الأعداء وكيفية التعامل معهم، مشكلتنا في بعض الجماعات التي تشدد ولا تفرق بين المعرفة والتعامل. المعرفة والعقيدة شيء داخلي، أما التعامل فيجوز أن تتعامل مع الكفار بالتجارة والدعوة . انظر إلى ما فعله الرسول وهو في طريقه إلى المدينة ينزل عليه قسم كبير من سورة الأعراف وفيها 70 آية تتحدث عن اليهود ومكرهم، فأعطاه الله حصانة كاملة ومعلومات شاملة، ولكن في نفس الوقت أمره الله أن يحسن إليهم، ولم يأمرنا الله بالاعتداء ولم يسمح بالتعدي، وإنما أذن لنا في رد العدوان، وقد كتب الرسول في المدينة دستوراً يتكون من 47 مادة، 27 مادة منها تخص اليهود وحق المواطنة.
فالتعامل شيء والمعرفة شيء والسماع لكيدهم شيء والتأثر بهم شيء وتنفيذ مخططاتهم شيء آخر ، وهذا هو الولاء والبراء .
الخطبة الثانية
المكر في اللغة العربية هو أن يجلس الماكر بنفسه أو مع غيره في الخفاء ويخطط للآخر الذي يسمى المكيد خطة لإيقاعه في المشاكل والمصائب وطابع المكر والكيد هو عادة الخفية حتى لا تكتشف، ولكن اليوم كل المخططات مكشوفة ومع ذلك المسلمون ينفذونها بجدارة؛ لذا لم يعد يخاف الأعداء من هذا الجانب، أي من أن تنكشف مخططاتهم.
فبمجرد أن أقدم فتح وحماس على هذه الخطوة المباركة المصالحة وتوحيد الكلمة غضبت إسرائيل وأمريكا، وكانوا في السابق لا يظهرون ذلك، ولكن اليوم عاقبوا السلطة الفلسطينية، وهذا دليل على أن من كان السبب في هذا التفريق هو صاحب المصلحة، فعندهم ازدواجية في المعايير، ولا يأتي عندهم الخيار الأمني إلا مع المسلمين.
وبالأمس في سوريا قتل مئات الناس بالبراميل، وانظر إلى مكر الغرب ونحن نصدقهم بأنه إذا استخدم النظام الأسلحة الكيمياوية فسيكون لديهم أسلوب آخر، ولكن لم يفعلوا شيئاً ولم يستحوا من ذلك حتى ولو انكشفت ازدواجيتهم. وما الفرق بينالقتل باستخدام الكيمياوي أو بالبراميل المتفجرة؟ فقد دمرت سوريا ودمر تاريخها، فأين هم من هذا؟ أين الدول العربية وخاصة بعضهم الذين ورطوا الشعب السوري وتركوهم للأعداء ومكرهم؟ لذا أتضرع إلى الله أن ينصر المستضعفين على الطغاة في كل مكان.