بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة المؤمنون
اراد الله سبحانه وتعالى لهذا الدين الخاتم أن يكون دينا كاملا في تشريعاته وأحكامه، وأن يكون الدين الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى للناس أجمعين، وقد تكفل الله سبحانه وتعالى بأن هذا الدين سون يتمكن من العالم كله، وسيصل الى مشارق الأرض ومغاربها بعز عزيز أو بذل ذليل، وأنه لا يبقى موقع قدم من هذه الأرض إلا ويصل إليها صوت الأسلام وصوت التوحيد وصوت الآذان.
هذه البشائر بهذه العظمة وبهذه الشمولية بينها القران الكريم في وقت كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعيش اضعف مراحل حياته من حيث تكالب الأعداء، ومن حيث قيامهم بإيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن حيث ما فعلوه بالرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام في مكة المكرمة، وثم محاولاتهم المستميتة للقضاء التام على الاسلام وأهله في المدينة المنورة، ومع ذلك تنزل هذه البشائر. فلو كانت هذه البشائر من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بشر لما كانت البشائر أن تأتي في وقت الضعف، وفي وقت الإيذاء له، وأنهم كانوا مستضعفين، ويبحثون عن مكان يأويهم، وتأتي الايات القرانية بهذه البشائر العظيمة الكريمة، وأراد الله سبحانه وتعالى بالنسبة لنا أن تكون هذه البشائر، التي تحدث عنها القران الكريم في وقتها، معجزات عظيمة لتقوية إيماننا، بأن هذا الدين حق، وكما تحققت هذه البشائر التي رأيناها وتحققت فعلاً، فإن البقية الباقية سوف تأتي .
الله سبحانه وتعالى يبشر رسوله وهو في مكة المكرمة بأن الله سبحانه وتعالى يكتب له الأرض كلها، وأكده في آيات في السور المكية والمدني،ة ومن هذه الآيات القرأنية قوله سبحانه وتعالى (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون، إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)
تضيق الأرض بالرسول صلى الله عليه وسلم وبصحبه الكرام من قريش ومن أهل طائف ومن العرب الذين كانوا يحيطون بمكة المكرمة، والقران ينزل ويحمل كل هذه البشائر ثم يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة وهو يهاجر، ويأخذ بكل الأسباب، وترك الاتجاه المفروض أن يسلكه نحو المدينة، وأختفى في الغار، ثم لحقه مسيلمة حتى ينال جائزة قريش والرسول بأمر من الله يبشره بسوار وحلي كسرى، وقد تحقق ذلك.
ويأتي الرسول للعمرة ويجمع من الصحابة في حدود 1400 شخص، ويصلون الى الحديبية ويعترضهم القريش بجبروتها وقوتها، وتفرض على الرسول صلحا، وكاد عمر يرفض هذا الصلح لأن فيه بنود تقلل من عزة الاسلام والمسلمين، ولكن الله هو الغالب على أمره، فيعتمده الرسول صلى الله عليه وسلم وينزل القران في هذا الوقت، وقد منعوا من أداء العمرة وفرضت عليهم شروط صعبة، ومع ذلك القران الكريم ينزل ويبشر بفح المكة ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) ويأتي سنتان ويفتح مكة فعلاً، والرسول في قمة التواضع لله سبحانه وتعالى، وبعدها تفتح كل بلاد جزيرة العرب، وفي نهاية السورة يبشر الله الرسول بفتح العالم كله (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا ) ولا يمكن في هذا الوقت أن يشهد على ذلك أحد، ولا أن يقبل بأن محمدا صلى الله عليه وسلم أن يفح العالم، بل أن يفتح مكة، ولكن الله يبشره بفتح مكة في الأولى، ويبشره بفتح العالم كله، وليست بالضرورة أن يكون الفتح بالسيف والسلاح، وإنما فتح القلوب والدعوة الى الله سبحانه وتعالى وهو الأساس، وأكثر من نصف العالم الإسلامي فتح عن طريق الدعوة الى الله، ولم يفتح عن طريق السيف أو الجهاد. وهذه الاية (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا ) تكررت بصيغ أخرى في أكثر من سورة، فورد في سورة الفتح وفي سورة الصف وفي سورة التوبة.
بين الله اسباب هذا النصر، واسباب هذه الغلبة على العالم كله، غلبة الحق، وليست سطوة الباطل، وغلبة العدل وليست سطوة الظلم، وغلبة العزة والكرامة وليست المهانة والذل، أنه الدين الحق الذي يخرجنا من عبودية غير الله الى عبودية اله واحد .
وليس المقصود بالدين هنا بالأديان السماوية فقط، وإنما كل من له دين، سواء كان وثنيا أو غيرها، وسيجعل الله ان يدين الناس جميعا لهذا الدين، وأن تخضع البشرية في يوم من الأيام لهذا الدين الحق، وسوف تجرب البشرية جميع الأديان المحرفة أو البشرية والأنظمة والقوانين وسوف تفشل فيها، كما رأينا الكثير، حتى تعود الى الله سبحانه وتعالى بمحض إرادتها لأنها لا تجد سبيلاً آخر غير سبيل دين الحق، وقد رأينا في الأزمة المالية العالمية كيف صار عند الناس هلع وجزع، وأدت هذه الازمة من العالم الغربي الغني أن تكون مهيئة للإفلاس كما هو الحال في بعض الدول الأوروبية، وتلجأ هذه الدول وتبحث عن نظام إقتصادي آخر ينجيهم من هذه المشاكل وينجيهم من عذاب أليم، ولا يجدونه فعلا إلا في الاقتصاد الاسلامي أو في الدين الإسلامي، وهكذا السياسات من الاشتراكية والشيوعية الذي غلب على نصف العالم، سقط هذا النظام بسبب عدم وجود فكر صحيح يرشده، وبسبب إفلاس النظام الاشتراكي في الاقتصاد وفي السياسة ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكفي بربك أنه على كل شئ شهيد). كل البشرية في داخل نفسها لابد أن تقتنع بهذا الدين، تقبل أو لا تقبل هذا أمر آخر تعود الى طغيان النفس الأمارة بالسوء، كما كان لدى اليهود الذين عاشروا الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانوا يعرفونه حق معرفته كما كان يعرفون أبنائهم، ولكن الطمع والجشع وحب الجاه وعدم الخضوع والحسد والحقد كل ذلك حال دون أن يؤمنوا بالله سبحانه وتعالى، وأن يشهدوا برسالة الحق وبهذا الرسول العظيم، مع أنه كان هناك اشارات واضحة برسالة النبي صلى الله عليه وسلم في اناجيلهم وكتبهم.
وحينما بشر النبي بأنه سوف تفتح القسطنطينية فتحقق ذلك، وتفتح روما وسوف تتحقق ذلك ان شاء الله فتحا بالجهاد الفكري أو الدعوي أو بأي وسيلة أخرى، رغم أن الاسلام ليس له من يدعمه الدعم الحقيقي، ولكنه ينتشر شاءوا أم أبوا، لأن الإنسان العالم اذا قرأ القران بتجرد وعلى حقيقته، فلابد أن يتأثر به ويتشهد بعظمة هذا الكتاب، أو يدخل في الاسلام، أو يحتاج الى مزيد من التدبر والفكر .
لذا لابد نحن المسلمين أن نعيش في ظل هذه العزة والكرامة، وفي ظل هذه القناعة، وفي ظل هذا اليقين، ولكن اذا كنا نريد أن يتحقق هذه النتيجة، فإن أكبر مانع من موانع إنتشار الاسلام هو تصرفاتنا وسلوكياتنا داخل العالم الإسلامي ومن خلال الأقليات الإسلامية داخل اوروبا وغيرها. حيث أن بعض تصرفاتنا وسلوكياتنا لا تمثل حقيقة الأسلام، ولا تمثل أخلاقيات الرسول صلى الله عليه وسلم. الرسول كان إنتشاره بالرحمة، ويعلل الله سبحانه وتعالى في أن الأرض سيرثه من عباده الصالحين ب( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، فبالرحمة نحن نملك الأرض وليست بالقسوة والغلبة، وحينما إدعى بعض أهل المدينة حب الرسول فقال الله أن الحب الحقيقي يمكن في الاتباع فقال ( فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) ثم قال بعده ( قل أطيعوا الله والرسول وإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين) فالطاعة والاتباع هي الأساس، وليس الأمور التي تخرج عن إطار الإسلام وعن أخلاقيات الرسول وصحبه وقال تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ، تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا، سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ، ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ، وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ، وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) هذه الأيات تدل على أن هذه الغلبة تكون بأمرين بأتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وبأخلاقياته العظيمة، وبسبب أن أتباع الرسول اشداء في وقت الحرب، ولكنهم رحماء بينهم وفي وقت السلم، ويعبدون الله حق العبودية ومتحدون كزرع واحد، كالشجرة كبيرة الحجم متحدة العناصر وليسوا متفرقين .
المسؤولية كبيرة لأن هذا الدين عظيم، فعلينا أن نكون بقدر المسؤولية في اتباعنا للرسول وفي تخلقنا بأخلاقه، وحينما نتبعه ونطيعه ونحبه قبل ذلك، وحبنا يترجم الى هذه الطاعة وأتباع سنته في الأساسيات وليست في الشكليات فقط، حينئذ ستحقق كل هذه البشائر التي وعد الله سبحانه رسوله، ووعد به المؤمنين.
الخطبة الثانية
من أعظم صفات الله سبحانه وتعالى التي تكررت في القران الكريم مئات المرات، وفتح بها جميع سوره ماعدا سورة البراءة هي الرحمة (بسم الله الرحمن الرحيم) وكررها مرتين في سورة الفاتحة التي هي سبع المثاني، وهي التي لا تصح الصلوات إلا بقرائتها ( الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم) حتى كلمة الرب يحتوي على الرحمة، فهو المربي للمؤمنين وقاهر على الكافرين. وقد أعطى هذه الصفة للرسول صلى الله عليه وسلم ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) الرأفة داخليا أي في داخل نفس الرسول، فهو كله رحمة وشفقة، وخارجه رحمة عملية يطبق هذه الرأفة والرحمة الى سلوكيات حتى مع الحيوانات.
ونحن نتحدث عن الرحمة، أنظروا ماذا يفعل في سوريا من هذا الإجرام والقتل والغلظة والشدة والقسوة، وليست هناك كلمات يوصف ما يراه الانسان من صور للأطفال والنساء والشيوخ وهو يقتلون ويذبحون. فهؤلاء سلبوا الله منهم الرحمة حتى يهلكهم هلاكا مبينا، ولكن العالم الاسلامي مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى، وقد أجتمعوا كل الحكام في الامم المتحدة ولكن ما الذي عملوا أمام هذه القسوة ليلا ونهارا، ولم يتحدث إلا القلة القليلة عن هذه الجريمة. ومن أحسن ما قيل ما اقترحته قطر من أن تهيأ العلم العربي – على أقل تقدير- جيشاً لمنع المعتدين ( فقاتلوا التي تبغي)، فهؤلاء القساة لا تنفع معهم الكلمات ونسأل الله أن يهلك هذه الظلمة وأن يعجل بهلاكهم.