بسم الله الرحمن الرحيم

ملخص خطبة الجمعة 8 يوليو 2011 لفضيلة الشيخ علي محيي الدين القره داغي بمسجد السيدة عائشة بفريج كليب

أيها الاخوة المؤمنون

أولى الله سبحانه وتعالى عناية قصوى بقضية الاسرة، وتربية الاولاد، ومن هنا تضمن الايات القرانية، وكذلك السنة النبوية المشرفة، مئات بل آلاف من الآيات القرانية والاحاديث، عن تربية الذين هم اليوم أطفال، وغدا شباب، وبعد ذلك قادة المستقبل ، فأية عناية بالأطفال عناية بالاجيال اللاحقة، وعناية بتكوين القيادة الحقيقية لهذه الامة، وعناية بتكوين جيل صالح، وعناية بتكوين قادة راشدة لهذه الامة. وهذا هو الذي اوجب الله سبحانه وتعالى على الانبياء عليهم السلام، وكذلك على الصالحين، والدعاة والعلماء، أن يورثوا العلوم والاخلاق والعقائد والقيم السامية للجيل الذي يأتي بعدهم، ليكون الجيل اللاحق أفضل من الجيل السابق، وحتى تبقى القوة داخل الامة الاسلامية، وتكون قادرة على مواجهة التحديات والمشاكل، فيقول سبحانه وتعالى: “ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا” فهذا التوريث للمصطفين أي المختارين، اي للجيل الذي يكون جيلا مختارا، جيلا يكون فيه الاصطفاء والاختيار، فالتربية أمر واجب على الاباء والامهات، وعلى الاخوة الكبار بالاضافة الى مسؤولية الامة والحكام والعلماء والمربين.

ولهذه الاهمية لم يكتفي رب العالمين بذكر قصص الانبياء والمرسلين وبالايات الكثيرة ولا بالاحاديث النبيوة الشريفة، وانما ذكر لنا تجربة ناجحة رائدة رائعة في مجال تربية الاولاد وزكّاها، وخلّدها،  وجعل للتالي، القارئ لها عشر درجات على كل حرف من حروفها في ثمان آيات عظيمة.

هذه التجربة لم تكن لأحد الانبياء، وإنما لأحد الحكماء الصالحين وهو سيدنا لقمان الحكيم من نوبة مصر وسودان، الذي كان عبداً لدى سيده، وهو صغير، فقال له سيده: أذبح هذه الشاة وآتني بأفضل أجزائها، فذبحها وأتى بقلبها ولسانها، ثم قال له: إذبح شاة أخرى وآتني بأخطر أعضائها وأسوئها، فذبحها لقمان وأتى بقلبها ولسانها، فقال له السيد: كيف يا لقمان أتيت بالقلب واللسان في الحالتين، فقال: يا سيدي: إن القلب واللسان أذا صلحا، وأصلحا، فهما أحسن وأطيب، وكذلك اذا فسدا، فهما أخطر شئ، فأعتقه سيده، فاصبح فعلا لقمان الحكيم.

هذا هو لقمان الحكيم بإيجاز، أما تجربته التي سجلها القرآن فهي هذه التجربة التربوية التي تتكون من مجموعة من الموجهات والمنطلقات، والأهداف والوسائل والأدوات المادية:

أما الموجهات والمنطلقات التربوية الناجحة فقد ذكر منها القرآن الكريم في هذا المجال ما يأتي:

المنطلق الأول: تحبيب المربي والمعلم الى المتربي  وتعظيمه من خلال بيان صفاته وهذا ما يفهم من قول تعالى “ولقد آتينا لقمان الحكمة” الآية وكذلك قال تعالى “ووصينا الانسان بوالديه”، ومن هنا نفشل نحن وخاصة في دول الخليج اذا لم نحسن هذه المسألة حينما نقلل من شأن الاساتذة والمدرسين ، وحينئذ ينظر اطفالنا – لا سمح الله – اليهم كأنهم أُجراء، بينما يأتي هنا القران، بأن لا بد أن نعطي للوالدين والمربين والاساتذة موقعا كريما وعظيما، وحتى في حالة الوالدينوفي حالة الشرك، وما يحدث من كل ذلك، عليه أن يعظم هذه المربي وهذا الوالد أو الولدة وهكذا.

 ومن هنا حينما يهب شبابنا الى الخارج ولهم فكرة معينة من الجامعات الاوروبية مثل أوكسفورد أو كامبريدج وغيرها وينظرون نظرة التقديس الى هذه الجامعات وأساتذتهم، هنا يتأثر شبابنا بهم تأثرا عظيما ،وهم كذلك يحاولون أن يكونوا على مستوى راق، وأن يكون لهم علاقات عظيمة مع هؤلاء الشباب. وكم من بلادنا ايضا من شباب يقلدون ويمشون على نهج اساتذتهم، وكم كان لهؤلاء الاساتذة من تأثير على نفسية هؤلاء المتربين.

 ونفشل ايضا حينما لا يُسوِق الاب عظمة الوالدة، الام،  أو بالعكس، فحينما يقلل الوالد من شأن الام امام أولاده، اذا أولاده لا يقبلون نصيحة الام ، لأنها مبتذلة، أو لأنها مضروبة ، لأنها مهانة، ولأنها ليست عزيزة، فكيف يقبل منها كلاما وهي مهانة – لا سمح الله – وكذلك الامر بالعكس، حينما يكون الوالد لا عزيزا داخل البيت، ايضا لا يكون له تأثير ، اذا بداية الطريق الصحيح يكون في  ان الاب يسوق الام لاولاده وبالعكس، فهنا يكون الاجواء مهيئة بأن يقبل الاطفال من الوالد والوالدة .  

المنطلق الثاني: إقناع المتربي بأن فضيلة تربيته لمصلحته فقط، وهذا مأخوذ من قوله تعالى “ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد” ان التربية بالمصلحة ولكن المصلحة ممتدة من الدنيا الى الآخرة وهذا ما ذكره لقمان نفسه حيث قال في بيان خطورة الشرك ” إن الشرك لظلم عظيم”.

المنطلق الثالث: ربط جميع مفردات التربية بالعلل والحكم، وهذا ما نراه في مجمل الآيات التي ذكرت هنا. والتربية ليس بالكمية ابدا وانما بالكيفية، كلمة واحدة فقط تؤثر على الطفل من ملايين الكلمات التي لا تفيد ولا تؤثر وقد يكون لها آثار سلبية.

المنطلق الرابع: اسلوب التحبب، فالوالد حينما يربي والام حين تربي لا بد أن يحبب نفسه الى الولد، أو الطالب بالنسبة للاستاذ ،وبكل وسائل ،وبدون محبة لا تكون هناك تربية مؤثرة ابدا، ولذلك يقول لقمان ” يا بني” وهو ينادي ابنه ويصاحبةهويربطه بنفسه ويكرمه ويضلله ويجعله هو يحبه، فالطريق الى القلب بين الناس جميعا وبخاصة الاطفال ليس التعنيف ولا طريق الضرب، فالضرب تدمير لابداعاته وشخصيته، وانما الطريقة الصحيحة هي طريقة المحبة.

المنطلق الخامس: أهمية فقه الأولويات في التربية، حيث بدأ لقمان بالعقيدة، وأولاها الكثير من الوقت في آيتين، ثم ضمها في جميع الآيات فقال: “وإذ قال لقمان لأبنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم”، ربط بالله ربطا عقلانيا  حكيما دقيقا، ربطه بالتوحيد وعدم الشرك وكذلك بالقضاء والقدر والايمان بعلم الله الدقيق وقدرته ” يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير” .  وهكذا ربى الرسول صلى الله عليه وسلم رديفه ابن عباس حينما ربطه بالله وقدرته واصبح ابن عباس حبر الامة.

 ثم بعد العقيدة، ركز لقمان على العبادات، ومن العبادات الصلاة ” يا بني أقم الصلاة” واقامة الصلاة غير اداء الصلاة، اقامة الصلاة يعني حضور الجماعة والجمعة بقدر الامكان للطفل الا أن يبلغ ويبدأ مرحلة التكليف. ثم بعدها ركز على الاخلاق، وذكر من الاخلاق ثلاثة عناصر اساسية ، اصول الاخلاق القولية والفعلية والاشارات. فبالنسبة للصفة القولية قال لقمان: ” واغضض من صوت   ” وبالنسبة للصفة الفعلية قال ” ولا تمشي في الارض مرحا” وبالنسبة للاشارات فإن قسائم الوجه والابتسامة مهم جدا لذا قال: “ولا تصعر خدك للناس” اي لا تتكبر وتشمخ كما تشمخ الناقة حينما تصاب بمرض السعار.

  وقد ربطت هذه الايات بمجموعة من الاهداف منها  بناء انسان مؤمن قوي، له شخصية قوية من خلال الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ” يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانهى عن المنكر واصبر على ما اصابك ان ذلك من عزم الامور” ، تبني شخصيته ولا يرضى له القبول بالباطل وان يكون جاهرا وصادعا بالحق مهما كان  وبالتالي يكون قادرا على الكلمة وقول الحق ويكون صابرا.

وأما الأدوات التي استعملها لقمان في تربيته فهي كثيرة منها :

1-    الوعظ والترفيق والرقائق “وهو يعظه” 

2-    العقل والعلل والحكم حيث تضمنت معظم الآيات  ذلك

3-    الوسائل المادية والتصويرية في مسألتين أحدهما في مسألة (ولا تصعر خدك للناس ولا تمشي في الأض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور” المثال الثاني: “واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن انكر الاصوات لصوت الحمير”

 

الخطبة الثانية

في ظل غياب هذه التربية العظيمة – الا القلة، والامة فيها الخير – وخاصة في مسالة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالامة تحاط بالمؤامرات من الخارج وفي الداخل يضرب بعضنا البعض ، ومن هنا اذا ذكرنا اهم هذه القضايا ، فلننظر ماذا يحدث:

في اليمن السعيد، خمسة اشهر، وحوالي 90 بالمئة من الشعب، يصيح ويطلب، والامور معطلة، والبلاد سيادتها مهددة، ويكاد تتفتت، ولكن شخص واحد مع كل ما حدث له لا يزال يقول: أما أنا أو لايكون شئ، ولكن الاغرب انه لا تتعاطى الامة مع هذه المشكلة، كأنها امر عادي جدا، وكان على الامة الاسلامية بواجب الايات القرانية ان تُخرج هذا الشعب من المجاعة، فهذه مسؤولية، ونحن مسؤولون امام الله سبحانه وتعالى، وسوف نسأل عليها يوم القيامة.

وكذلك بالنسبة لليبيا ، والقتال جاري ،ولم يحسم، بينما يذكر القران الكريم” وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ الى أمر الله” يجب ان تكون هناك قوة لرد الظالم ، لأن هذا الرجل لا مانع لديه لقتل نصف شعبه في سبيل بقائه، وهو ذكر ذلك بنفسه ، ونحن مرة أخرى نسلم الامر الى الغرب، الى النيتو، ولكن هل هؤلاء يدافعون عنا بدون مصلحة وحساب، وهذا حقهم ،ولكن اين الامة الاسلامية وأين الامة العربية، ولو نحن صرفنا الاموال التي تصرف في الصفقات، لكنا امتلكنا الاف الطائرات والدبابات للدفاع عن شعوبنا، ولكن اين ذهبت هذه الاموال؟

وما يحدث في سوريا فقد أصبح جرائم بكل ما تعنيه هذه الكلمة، والذي تنشره وسائل الاعلام لا تمثل 10% من الجرائم التى تحدث هناك ، انظر الى حماه، وكأن التاريخ يعيد نفسه.

 لذلك نحن نوجه على هذا المنبر خطابنا وندائنا ومناشدتنا الى امتنا الاسلامية والعربية ، والى قادتنا أن ينهضوا ويقوموا بواجبهم، وأن يصلحوا بينهم ان كان هناك صلح، وان يحققوا لهم الخير، وأن لا يبقى شعب بهذه الصورة يقتل ويذبح بدون رقيب . فنوجه هذه الخطاب اليهم ليكون لهم كلمة في هذه القضايا وخاصة قضية سوريا فقد سكت عنها جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي، ومع الأسف يقود المسألة مرة أخرى الغرب. ونطلب نريد من تركيا أن تكمل مشوارها وأن لا تخطئ كما أخطأ مع ليبيا وان تقف مع شعب سوريا.

  ولننظر الى سودان، بعد أن تركناه،  وقد بدأ حكومة الجنوب تشن الهجمات الشديدة على المسلمين ، وقتل أكبر داعية التي كان يقوم بالدعوة في الجنوب

وسفّر اثنين من كبار الدعاة، وسوف يستمرون في هذا العنف حتى لا يبقى جنوبي مسلم.

أين المنظمة الاسلامية؟ نحن 67 دولة اسلامية واكثر من 170000000 نسمة ليس لنا صوت لا في الامم المتحدة ولا في غيرها.

أرجو من الله سبحانه وتعالى ان يرد الصوت الحقيقي للامة من خلال ممثليهم الحقيققين. آمين