أيها الإخوة المؤمنون

لا يوجد شيء في هذا الدين بعد الإيمان بالله سبحانه وتعالى أعظم من الأخلاق، فالأخلاق هي لب هذا الدين وذروة سنامه، وهي الأساس في كل المعاملات، ولذلك حصر الله سبحانه وتعالى هذه الرسالة العظيمة التي تستطيع أن تقيم دولة العدل ومجتمع العدل وأمة الخير في كلمة واحدة، وهي قمة الأخلاق، وهي الرحمة ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ).

حينما وصف الله رسوله  وشهد له في جملة  في غاية من التأكيد والترسيخ والحصر وصفه في هذه الجملة بالأخلاق العظيمة ( وإنك لعلى خلق عظيم ) بعد مجموعة من القسم يحلف الله ويؤكد بأن هذا الرسول العظيم محمداً  لعلى خلق عظيم.

هذه الجملة المؤكدة بمجموعة من الـتأكيدات: بالجملة الاسمية، وإنّ للتوكيد ولام التوكيد، والقسم، لا نجد مثلها حينما يتحدث القرآن الكريم عن عبادة الرسول  على الرغم من أهميتها، هذا إن دل فإنما يدل على أن الخلق هو الثمرة والنتيجة والحقيقة لهذا الدين ولكل إنسان يريد أن يقتدي بالرسول  بل إن الله ربط بين الصلاة والأخلاق (  إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر  ) وهذا يعني أنه إذا لم تستطع الصلاة أن تمنع صاحبها من القول الفاحش والعمل االفاحض والقول المنكر والعمل المنكر، فإن هذه الصلاة ليست الصلاة التي يريدها الله سبحانه وتعالى لتكون مذكرة للإنسان (وأقيم الصلاة لذكري)  فالصلاة دائماً تذكرالإنسان بالله، وكذلكم بقية أركان الإسلام كلها ربط الله سبحانه وتعالى بينها وبين الواقع وبين الأثر ( إن لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك ) والحقيقة هي الآثار التي تظهر على أقوال وتصرفات وسمت وحركات وتعامل الإنسان، فإن لم تكن هذه الآثار فلا بد أن يكون هناك خلل كبير في الإيمان، وستخرج العبادات عن مسارهاالصحيح؛ لخلوها من الآثار المترتبة عليها. وغدت مجرد حركات تؤدى، وخلت من معانيها السامية؛ إذ أثرها يظهر في سلوك المسلم وتعاملاته وأخلاقه.

وليس المقصود بهذا التعامل بعض التصرفات مثل ترك الزنا أو ترك غيرها من المحرمات، وإنما الأخلاق اتصاف الإنسان بالأخلاق النبيلة العظيمة، يؤديها بقلب سليم، تظهر آثارها في  حب الخير للناس، وطهرة اللسان من اللغو والرفث، مصداق قوله  ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) إلى جوارح تتحرك من خلال هذا الإيمان فيسلم منه المسلمون وغير المسلمين.

ومشكلة هذه الأمة أنها ينقصها هذا الجانب، إضافة إلى بعض الجوانب الأساسية التي أخذت بها المجتمعات غير الإسلامية لمصلحتها وجعلتها قوانين تتعامل بها على أحسن وجه وأكمله، ولما احتك بعض علماء المسلمين بالغرب وجود هذه الأخلاق بينهم، قالوا: وجدنا في الغرب مسلمين بلا إسلام، وفي عالمنا العربي نجد الإسلام العظيم، ولكن لا نرى مسلمين، ولقد أحصى أحد المحللين عدد العلماء والوعاظ فوصل بهم إلى عشرات الآلاف، ولكن أين تأثيرهم؟.

وقارنوا بين أخلاقيات التعامل في إحدى الدول الإسلامية وبين السويد، رغم أن في السويد لا يوجد واعظ واحد بالنسبة لهم كان أكثر تأثراً بالتعامل الإنساني من هذه الدولة الإسلامية، أيعقل هذا و يبقل؟ كيف نكون خير أمة أخرجت للناس ؟ وقد بين الله الخيرية للناس أي أن تكون لخدمة الناس وخيريتك لأنك تخدم الناس وتعيش للناس جميعاً وتؤثر الآخرين على نفسك، ولذلك بين بعد ذلك { تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر } فهذه الأمة تأمر بكل ما هو خير وحتى لم يقل القرآن الكريم، تأمرون بما أمر الله؛ لأن كل ما أمر الله هو المعروف والشيء الطيب والذي يعرفه العقل السليم، وينهون عن المنكر، أي ما تنكره العقول وتنكره الشرائع ( يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ) والخبائث أي: المضرات فكل ما هو خير  هو حلال، وكل ما هو شر أو ضرر أو مفسدة هو حرام، هذا هو ديننا.ما أثارت مني أن قول هذا الكلام ما وصلتني من رسائل من بعض الإخوة وأنهم وبمجرد وصولهم إلى هذه المجتمعات حصلوا على جميع حقوقهم من الكرامة الإنسانية والحرية؛ سواء كنا متجنسين بتلك الجنسيات أم لا فمجرد دخولنا لهذه البلاد يضمن لنا جميع الجوانب الإنسانية،  فهذه أعتبرها فتنة عندما يقارن الناس هذه بما هو موجود في بلادنا ويرون أوضاعنا.

 وإذا قصرت أي دولة من الدول فهذا لا يعفينا ـــ نحن المسلمين ـــ فرداً فرداً؛ لأننا سنحاسب أمام الله فرداً ( وكل آتيه يوم القيامة فرداً ) فلا أقل أن نحسن تعاملنا مع الناس والآخرين والمستضعفين مع كل من يحتاج إلينا.

نستطيع أن نحصر الإسلام في بضع الكلمات: الإسلام الحقيقي هو حسن التعامل مع الله والعقيدة والشعائر وحسن التعامل مع المسلمين بحيث تكون لهم حقوق أكثر، وحقوق التكافل والأخوة وحسن التعامل مع الآخرين غير المسليمن من جميع الأديان، فالواجب أن تتعامل معهم بالأحسن إلا في حالة الاعتداء علينا فالله أمرنا بالبر مع الآخرين وهذه الكلمة التي جعلها الله صفة الله ( إنه هو البر الرحيم) وجعلها الله هذه الكلمة من خصوصية التعامل مع الوالدين واستعملها في التعامل مع الآخرين ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) والبر أي الإحسان والقسط هو العدل مع الجميع، ولا يجوز أن نقلل من شأن أي إنسان فلما مرت جنازة يهودي واليهود فعلوا ما فعلوا بالرسول قام النبي  لهذه الجنازة، وقالت الصحابة: هذه جنازة يهودي، قال: أليست نفساً؟ فالإنسان له كرامة.

قد وفق لهذه البلاد الخليجية أن تأتي إليها ملايين من غير المسلمين ويقرب من 20 مليون شخص حسب بعض الإحصائيات فما أجمل أن نعاملهم بالأخلاق الإسلامية، وأن نكرمهم ونظهر لهم أخلاقنا الإسلامية، ولا نعتمد على الحكومة فقط، ولا على الشركة، بل ذاتياً، فهذه فرصة قد لا نجد يوماً أن توصل خيراتك فلا تجدها أو من يستحقها فهذه الفرصة، وليس هناك شيء أجمل عندهم من التعامل الطيب وحسن التعامل، ويقول الله ( وقولوا للناس حسناً ) وحسناً اسم تفضيل بمعنى أفضل كلمة أنت تستعملها، وكلمة الناس في الغالب يستعملها القرآن الكريم لغير المسلمين، أو أنها مستعملة للمسلمين وغير المسلمين.

فالمطلوب أن تقول الأحسن وأن تستعمل الفعل الأحسن فهذا هو الدين، وليس تفضلاً منك، فإذا لم نفعل ذلك فنحن آثمون على ما نفعل، وإذا تصرفنا تصرفاً سيئاً أدى ذلك إلى كراهيتهم للمسلمين وابتعادهم عن الإسلام سنسأل عنها يوم القيامة؛ ولذلك علمنا ربنا بقوله: ( رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ) نكون فتنة حينما نتصرف معهم تصرفات مؤذية نائية، ولا تعبر عن حقيقة الإسلام، وكذلك نكون حاجزين بتصرفاتنا في إسلام هؤلاء.

لا يمكن أن نتصور أننا بمجرد عبادات شكليات غير مؤثرة ولم يرحمنا رب العالمين ستكون هذه العبادات عبئاً علينا وقد تكون سبباً للمسائلة أمام الله تعالى، فلنعد إلى أنفسنا، ولنبدأ بهذا العمل، وأن نعلم علم اليقين بأن الإسلام ليس مجرد شعائر، بل جعل الإسلام شعائره أركاناً حتى تؤثر في نفوسنا، وعلى مر التاريخ هذه المعاملات الطيبة أدخلت الناس في الإسلام، فثلث العالم الإسلامي لم يدخله فاتح مسلم؛ وإنما دخلها التجار، وكان هؤلاء التجار يعلمون الدعوة، وكانوا متخلقين بأخلاق الرسول  في تعاملهم وفي تجارتهم.

ويقول رب العالمين ( يا أيها الذين آمنوا آمِنوا ) ومعنى آمِنوا أي فعّل إيمانك، واجعل إيمانك مؤثراً، واجعل أفعالك ناتجة عن هذا الايمان.

الخطبة الثانية

 حينما نفهم حقيقة أوضاعنا الأخلاقية على مستوى أمتنا الإسلامية من الهيمنة والظلم والاستبداد سواء كان هذا الظلم داخل الحكومات أو داخل الاسرة، فحينما يظلم الزوج زوجه، وحينما يظلم الإنسان أولاده ولا يربي أولاده على هذه الأخلاق ويترك أولاده يتأثرون ببيئة الغلبة والقوة والهيمنة وتظهر المتخلق ضعيفاً، والمتواضع زاهداً، فحينما نترك أولادنا لهذه البيئة التي في معظمها فساد أخلاقي حينئذ لا نستبعد وجود هؤلاء المجرمين من بعض الحكام يفعلون بشعوبهم ما يفعلون.

الحكام في الغرب أيضاً يحبون أن يستمروا في الحكم، ويحبون أن يستأثروا بالأموال وبالقوة، ولكن المجتمع القوي لا يسمح لهم بذلك، بل إذا وجد أي خلل منهم، إذا لم يقدم استقالته يُقَال، فقوة المجتمع وقوة أنظمته هي التي منعته من التجبر.

فالمجتمع بأفراده مسؤولون أمام الله تعالى في أن يكونوا متماسكين ومتخلقين، ويكون لهم القوة في درء المنكر والأمر بالمعروف.

 وإذا نظرنا إلى انتخابات سوريا مع علمنا بالتزوير، ولكن أيضاً هناك من يدعمه بأي اسم كان، وكذلك في مصر والناس بدؤوا يطبلون لمن له القوة (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ ) فقدرة الأمة على إيقاف الظالم هو المطلوب.

انظر ما يحدث في العراق بسبب المشاكل والمظالم والإقصاء، وبالتالي النتيجة مضطربة،خيراتها ليست لها، والفقر والبطالة والمشاكل تزداد، والقتل يزداد، خطة خطها غيرنا، ننفذها بأيدينا.

لذلك علينا بالعودة الحقيقية إلى هذا النظام الإسلامي، وهذه الأخلاق الإسلامية العظيمة.