أيها الإخوة المؤمنون

كلما جاءت العطلة الصيفية ظهرت أمامنا مشكلتان كبيرتان، أوقضيتان مهمتان، أحدهما: ينشغل بهما الناس كثيراً، ويولونها العناية الكبرى ، وهي قضية السفر.

والثانية: يهملها الناس في الغالب، وهي قضية الإعداد والوقاية وحماية الأسرة في فترة العطلة الصيفية، حيث تدل الإحصائيات الرسمية وغير الرسمية في معظم البلاد العربية والإسلامية على أن معظم حالات الإجرام التي يترتب عليها الفساد والإفساد تحدث في الصيف، وإن كثيراً من الأولاد والشباب والمراهقين كانوا محافظين على الطاعات وملتزمين باجتناب المنكرات في فترة الشتاء، غير أنهم يهملون في العطلة الصيفية فيتربص بهم المتربصون ممن لا يرعون في أولادنا وقيمنا إلا ولا ذمة، فيقومون بإفسادهم، وقد لا يحتاج الأمر إلى المتربصين اليوم؛ لأن الخطط التي تكيد بالأمة الإسلامية ــ كخطط الصهاينة ـــ تدل على إفساد الشباب المسلم من خلال ما تضعه بين أيديهم من برامج مخلة بالآداب، ومن خلال ما تتيح لهم من مشاهد الإباحة والعري، فأصبح إفساد الشباب من خلالها أسهل بكثير مما كان عليه من قبل، حيث يمكن من خلال الإنترنت وعن طريق المسلسلات وعن طريق وسائل الاتصال المعاصرة إذا لم تضبط من قبل الوالدين، وإذا لم يبذل الوالدان اهتماماً بمسألة التربية، فوسائل التصال المعاصرة لا يسلم من فسادها الكهول، ناهيكم عن الشباب المراهقينن الذين تقع أعينهم على الاغراءات الخطيرة.

فنحن أمام مسؤولية كبيرةن بل الواجب علينا أن نفكر ــــ  قبل التفكير في السفر وقبل العطلة ــــــ في حماية أولادنا ووقاية أسرنا وشبابنا وشاباتنا من الفساد والإفساد الداخلي والخارجي.

وسائل الاتصال المعاصرة إذا ضبطت كانت من أكبر نعم الله علينا، أما إذا أسيء استخدامها وترك فيها الحبل على الغارب كانت أكبر نقمة، وكانت الأساس في إفساد شبابنا وأجيالنا.

وحتى لا يتهرب ضعاف النفوس من مسؤولية الأسرة وتربية البنين والبنات، حملنا الله تعالى مسؤولية حمايتها ووقاية أفرادها، وجعلها مقترنة بحماية النفس { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً } وهذه الوقاية فريضة شرعيةن وضرورة مدنية، وضرورة واقعية وأسرية يقتضيها العقل السليم؛ إذ المنطق يقتضي أن لا تهمل من تنفق عليه وتتعهده بالرعاية، وتحبه وتجعله فلذة كبدك، ولا ينبغي أن تنشغل عنه ببعض القضايا التي تجعلهم في منأى عنك أو تردي بهم في مهاوي الفساد والرذيلة، أو تندحر بهم إلى الانخراط في دوائر المحرمات.

الحفاظ عليهم أسهل من إرجاعهم إلى جادة الصواب وطريق السداد بعد الانحراف، وتعهدهم في ريعان الصبا أسهل من تفقدهم في الكبر

إن الغصون إذا قومتها اعتدلت      ولن تلين إذا قومتها الخشب

وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم ما يتحمله الوالدان في سبيل تربية الأولاد ووقايتهم { كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهوانه أو ينصرانه أو يمجسانه } أي كل مولود يولد على فطرة الإسلام، وحين يفسد الولد أو حين ينحرف مع التيارات اللاأخلاقية، وحين يأتي عصياناً أو يرتكب موبقاً فالوالدان يتحملان مسؤولية ذلك، خاصة إذا كان قد أفرطا في التربية، وأكثرا من الإهمال ، وعدم العتناء، ولربما شجع بعض الوالدين أولادهم على الفساد والإفساد؛ متذرعين أن هذا من الدلال ونوع من الحب؛ وظناً أن عكس ذلك نوع من القهر وكسر الإرادة.

قال علماؤنا الأجلاء: قلوب الأولاد كالإناء الفارغ، ولا بد أن يمتلئ هذا الإناء، فإن لم تقم أنت بملئه بحب الله ورسوله وحب المؤمنين والصالحين وحب الطاعات والمبرات، أتى غيرك ليستغل هذا الفراغ ويملئه بما لا تحمد عقباه، من خلال الفساد والإفساد، فكما أن الوالدان مسؤولان عن ديانة الولد وفطرته، كذلك هما المسؤولان عن التزامه وعدم التزامه.

ثم ما الذي يجنيه الوالدان من عدم التزام أولادهما؟ حتى على سبيل المصلحة الدنيوية، ما الذي يعود على الوالدين إذا كان الأولاد طغاة جبابرة، وعصاة جلاوزة، لربما كان بعضهم سبب فساد والديه، ولربما كان بعضهم لسبب الرئيس في تعاسة والديه، ولربما شقي به الوالدان، حتى لربما تطاول البعض على الوالدين فأذاقه من فتن الدنيا وويلاتها العذاب.

فالمصلحة الدنيوية تقتضي قبل المصلة الأخروية أن يساهم الوالدان وبشكل كبير في تربية الأولاد، وهذه التربية فريضة شرعية، يُلزم بها الوالدان.

هذه القضية الأولى خذوها على محمل الجد، وهي اهم من كل شيء في الدنيا، لا تنشغلوا عنها بالبورصة ولا بالأسهم ولا بالمجالس ولا بالأصدقاء، فأفضل استثمار لكم هو الوقت التي تقضونه في تربية أولادكم، وهو الوقت الذي تحمون فيه أولادكم من الفساد والإفساد.

أما القضية الثانيةفهي قضية السفر، وكثير من الناس ينشغل به، وكأن السفر فريضة شرعية، نعم إن السفر في طلب العلم والتجارة أمر مطلوب، ولكن ما أقصده هو السفر للسياحة لمجرد السياحة، فهذا أمر استثنائي، وقبل السفر لا بد أن توجه إلى نفسك السؤال الآتي:

هل أسافر إلى بيئة آمنة؟ أستطيع فيها الحفاظ على قيمي وأخلاقي، وأصون ديني وأحفظ عرضي وكرامتي، وأحمي أسرتي وأولادي، فإن كانت البيئة التي أقصدها كذلك فلا مانع من السفر والاستجمام، أما إذا كانت البيئة التي أقصدها على النقيض، فكيف أقدم عليها؟ وكيف أقتحمها ومعي من حملني الله تعالى المسؤولية عنهم؟ كيف ألقي بأفراد أسرتي في أحضان تلك البيئة؟ فكم من أسر كانت صالحة، فسافرت دون تحديد وجهة، ولما عادت حملت بين جنبيها فساد الخلاق! وكم من أسر كانت محافظة على الدين والقيم، ولما آبت إلى موطنها حملت بين جنبات ذكرياتها الفساد والإفساد!.

إذا لم تكن قادراً على حماية أفراد أسرتك فلا تقدم بهم على بيئة غير آمنة، ولا تحملهم ما لا يطيقون، ولا تجعلهم بؤراً للفساد والخنى، وحينئذ يكون السفر حراماً، ولا يجوز لك السفر، عملاً بما يسميه علماء الأصول سد الذارائع؛ إذ كل وسيلة أدت إلى الحرام في غالب الظن فهي حرام، ولا يجوز ان تلقي نفسك إلى التهلكة التي نهى الله عنها { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } وأي تهلكة أشد جرماً من إلقاء النفس في العصيان والانحراف؟.هذه مسؤولية يجب أن تضعها نصب عينيك قبل العزم على السفر وإرادته.

إن العطلة التي تمنح هي نعمة من نعم الله تعالى، ومعناها أنك في فراغ عن الوظيفة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: { نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ } فيجب أن تشكر الله تعالى على هذه النعمة، وشكر كل نعمة يجب أن يكون من جنسها، فالمال نعمة وشكره يكون بالإنفاق، والفراغ نعمة وشكره يجب أن يكون بملئه بما يرضي الله تعالى، وعلى أقل تقدير أن لا يملأ بما يسخط الله تعالى.

ديننا دين عظيم يعطي كل ذي حق حقه، فللجسد حقه وللروح حقها، وعليك ان تمنح كل ذي حق حقه، هذا ما قصده النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه حنظلة قائلاً: نافق حنظلة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ليس ذاك ولكنْ ساعة وساعة، أي أعط لروحك ما تسمو به، ولا تمنع نفسك من مطالبها المشروعة، وقال علي رضي الله عنه: أجموا ــــــ روحوا ــــ عن قلوبكم،  فإنها  تمل كما تمل الأبدان، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: إني أجم عن فؤادي ببعض اللهو، فهذه الأمور مطلوبة، والسفر مطلوب، ولكن لا بد من مراعاة نتائجه وأخذ ما يترتب عليه من آثار بعين الاعتبار.

ولكي نغتنم هذه العطلة أدعوكم إلى وضع خطة لكم ولأسركم، تحددون فيها الأهداف، ويشترك فيها الجميع، و يأخذ فيها كل فرد في الأسرة دوره، ولتكن الأهداف المحددة هي:

الهدف الأول: الهدف الوقائي، كيف تحمون أنفسكم من الفساد والإفساد؟.

الهدف الثاني: الهدف البنائي، كيف تستفيدون من العطلة؟ وكيف تستثمرون أيامها؟.

الهدف الثالث: الهدف العلاجي، كيف تعالجون أخطاءكم؟ وما الطرق التي تصلحون بها مساوئكم؟.

بعدها تجدون الأسرة متآلفة متعاونة متماسكةن يسودها الود والاحترام، وقوامها الحب والوئام، وسيتحمل كل فرد مسؤوليته تجاه هذه الخطة؛ لأنه شارك في إعدادها.

اللهم قنا من الفساد والإفساد، واحم أولادنا من مساوئ الأخلاق، واهدنا لأحسنها يا رب العالمين.

الخطبة الثانية

  أمتنا اليوم فقدت بوصلتها الحقيقية حين تخلت عن التربية والوقاية، وكان نتاج ذلك أن حل بنا داء الأمم السابقة، رغم كثرتنا ورغم توسطنا العالم، انشغلنا بأنفسنا وتفرقنا فذهب ريحنا، وضعفت قوانا وخارت عزائمنا.

منذ مائتي عام افترقنا إلى مذاهب شتى من إسلامية و علمانية و شيوعية و بعثية، ولم نتصور يوماً أن يتحول هذا التمزق إلى صراع مذهبي طائفي بغيض.

بعضنا يجعل الاستعمار شماعة، ونحن ـــ كما يقول مالك بن نبي ـــ: عندنا القابلية للتفرق والتشرذم، نطبق بأيدينا ما يمليه عليه عدونا، ونحن ساكتون وفرحون مسرورون.

ما يحدث في العراق من صراع مذهبي من خلال الفتاوى التكفيرية من بعض من لا عقل له ولا فكر، أطلق العنان  لشرذمة من الرعاع لتعثو في بلاد الرافدين الفساد والإفساد، وتشرع في أهل السنة معاول القتل والتنكيل والتشريد والاغتصاب، بقلوب مفعمة بالحقد والكراهية.

لم تكد الأمة تصحو من مصابها في سورية حتى حل بساحتها ما يسومها سوء العذاب في العراق، وكل ذلك لينسى المسلمون قضيتهم الأولى، القدس الشريف.

وما يحدث في فلسطين أمر يخزي، من أجل ثلاثة جنود قامت الدنيا ولم تقعد، وحوصرت غزة والضفة، ويعيش شعب فلسطين في ضنك العيش من أجل ثلاثة جنود، وقانون الأمم المتحدة يجيز المقاومة بأي وسلية ضد المستعمر، و العالم ساكت.

وما يجري في مصر من تحويل أوراق قضايا الموقوفين إلى المفتي في أقل من سنة، لم يحدث في مائة عام على مستوى العالم، والعالم ساكت.

إن الله تعالى سيحاسبنا على هذا السكوت، وسيعاقبنا على ذلك { ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار }.

حال الأمة يبكي ولا نملك إلا التضرع إلى الله تعالى ليخفف عنا ما نحن فيه، وأن ينصر الإسلام والمسلمينن ويذل الكفر والكافرين، إنه ولي ذلك و القادر عليه.