أيها الإخوة المؤمنون أراد الله سبحانه وتعالى لنا الدين العظيم الإسلام، خاتم الأديان، وخاتم الرسالات، أن يكون خيراً بكل ما تعني هذه الكلمة، أن يكون خيرا للإنسان، وأن يكون خيراً للجماعة، وأن يكون خيراً للمجتمع، وأن يكون خيراً للأمة حتى يؤدي هذا الإنسان وذلك المجتمع وتلك الأمة أيضاً رسالتها الخيرة إلى العالم أجمع تحقيقاً للغاية الأسمى التي وضعها الله سبحانه وتعالى لرسالة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهي رسالة الرحمة و(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). فالآيات القرآنية كلها تدل على هذا المعنى، منها قوله سبحانه وتعالى (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا) فالله أرسل الخير المطلق لهذه الأمة حتى يكون هذا الإنسان خيراً، وحتى تكون هذه الرسالة خيراً لهذا الإسان ولهذا المجتمع ولتلك الأمة حتى تتحقق الغاية القصوى وهي أن تكون هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) . ولذلك كانت رسالات الأنبياء جميعاً – والتي كانت خاتمتها بهذه الرسالة – قائمة على الخير كما قال الله سبحانه (وجعلناهم (أي الأنبياء والمرسلين) أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين). ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو في دعائه (اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات) بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم وصف خير الإنسان وخير الأمة أيضاً بأن يكون خيراً فقال (خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره وشركم من لا يؤمن خيره بل يرجى شره) فخير الإنسان من يرجى خيره، ويؤمن شره، بأن يكون خيراً ونافعاً، وهذه الرسالة وهي الإسلام جاءت لتحقيق الخير كما يقول الله تعالى (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا ) فلذلك يجب أن تكون تربيتنا لأولادنا ولأنفسنا أن نربيهم على هذا الخير على أن يكون خيراً في حد ذاته، وصالحاً ونافعاً ورحيماً في حد ذاته، ولكن في نفس الوقت ذاته يكون خيراً للآخرين نافعاً للآخرين وصالحاً ومصلحاً للآخرين، لا يكون أنانياً فيكتفي بخير نفسه، وهذا ليس من شيم الإسلام ولا من شيم الإنسانية أن يكون الإنسان أنانياً في أنه لا يريد الخير إلا لنفسه أو أنه إذا كان بخير فلا يهمه الآخرون بل يجب عليه أن يحس بآلام الآخرين بل لا يتحقق إيمانه إلا بهذا الإحساس ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم حينما يتحدث عن المؤمنين (مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى) بحيث يتأثر ويتألم، ولا يكون إذا كان هو سعيداً فلا يتأثر ولا يهتم بالآخرين، وإذا كان هو غنياً فلا يهتم بالآخرين، وإذا كان صاحب جاه فلا يهتم بالآخرين، بل أوجب الله في كل شيء زكاة ، أوجب الله في المال زكاة كما أوجب في الجاه زكاة، كما أوجب في السعادة زكاة، بحيث تشمل سعادتك وخيرك ورحمتك وأموالك ومنافعك ومصالحك للآخرين. الإسلام يربّي هذا الإنسان ليكون قلبه خيراً وسليماً ونفسه كذلك حيرة طيبة، وعقله كذلك دائماً يتحرك ويجول ويصول لخدمة الإنسان، وأخلاقه تكون خيرة مبدعة وطيبة لا تؤذي أحداً لا الإنسان ولا الحيوان ولا البيئة ولا أي شيء إلا بحق الله سبحانه وتعالى. هذا هو الرجل هذا هو الإنسان المسلم الذي يريد الله صناعته بأن يتمكن من هذه الأرض وأن يخلف في هذه الأرض وأن يعمر ويتمكن ويتحقق في هذه الأرض حينما يكون خيراً، بل إن الإسلام إذا كان قد فرض الخيرية على الإنسان أوجب عليه أن يكون متسارعاً في الخيرات كما قال الله سبحانه وتعالى (أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) فالله سبحانه وتعالى حينما يتحدث في سورة المؤمنون ويصف الأوصاف التي تستوجب بفضل الله ومنّه الفردوس الأعلى، ولكن مع هذا العمل من سنة الله ذكر مجموعة من الشروط لوراثة الفردوس الأعلى وأهم شرط فيها (أنهم للزكاة فاعلون) أي أنهم يشتغلون ويعملون لأجل إسعاد الآخرين . نحن نعلم أن الله قد تكفل برزقنا وعلينا أن نأخذ بالأسباب ولكن لا ينبغي أن نكتفي بتحقيق أرزاقنا فقط، بل يجب علينا أن نسعى بكل جهودنا بجمع الأموال، ولكن ليس جمع الأموال هنا لأجل التباهي والطغيان والتفاخر والإسراف والتبذير، هذه محرمات، وإنما لأجل إسعاد نفسك وإسعاد أهلك وإسعاد الآخرين (والذين هم للزكاة فاعلون) واللام هنا للمنفعة أي لمنفعة الناس هم يكدّون ويتعبون وينشغلون ويشتغلون طوال الأوقات يستطيعون العمل فيها . ثم اشترط شرطاً آخر في نفس السورة حينما يقول (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) فبيّن الله سبحانه وتعالى بأن الذين يرثون الفردوس حينما تأتي حاجيات ومقتضيات الدفع هم يعطون كل ما عندهم، ولذلك يؤتون كل ما آتاهم الله، كما فعله سيدنا أبو بكر ودفع كل ما عنده فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم: ما الذي تركت لأهلك" فقال تركت لهم الله ورسوله. ثم مع هذا العطاء والبذل السخي قلوبهم وجلة ويخافون أن يكون فيه الرياء أو أنهم لم يؤدوا حق الله لذلك هم يعطون هذا العطاء وقلوبهم خائفة وجلة ، هؤلاء مع ذلك يسارعون في الخيرات وكلمة يسارعون من باب المشاركة المفاعلة أنه يشترك فيه اثنان أو ثلاثة أو أربعة ولكن واحدهم أو مجموعة منهم يسبق الآخرين ، فأنت في مسارعة فالناس يعطون وأنت تريد أن تسبقهم (وهم لها سابقون) فتسبقهم بالنية والإبداعات وأن تكون قدوة للآخرين فأولئك يرثون الفردوس وهم لها خالدون. هذا الدين شوّه بأعمالنا وتصرفاتنا ثم بإعلام أعدائنا، فهذا هو ديننا دين الرحمة والخير، حتى حينما قدم الله رسوله صلى الله عليه وسلم للأمم السابقة وصفه بمنتهى الخير فقال (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فهذا الرسول يأمرهم بالمعروف ولم يقل لهم يأمرهم بالحق مع أن هذا حق ولكن لإثبات كل ما أمر الله هو خير ومعروف للفطرة السليمة وتقتضيه الفطرة السليمة وتستجمله وتستحسنه الفطرة السليمة وينهاهم عن المنكر وكل ما أنكرته واستقبحته الفطر السليمة. حتى عندما يتكلم عن الحل والحرمة فهو { يحل لهم الطيبات } وكل شيء طيب ونافع وصالح، ولم يقل رب العالمين ويحل لهم ما أحل الله رغم أن هذا حق وأن الله هو الذي يحل ولكن ليبين حقيقة هذا الدين وحقيقة ما أحل الله أنه كله قائم على الطيب وعلى الخير، ويحرم عليهم الخبائث أي الذي تستقبحه الفطر السليمة، وأيضاً لم يقل ويحرم عليهم ما حرمه الله مع أنه حق وأن الله هو الذي يحرم ولكن الله أراد أن يبين هذا الدين وأن هذا هو ديننا وأن هذا هو الإنسان المسلم ليتميز بهذه الأوصاف المتميزة المباركة ليكون مع النبيين والصادقين والشهداء. ومن خيرية هذه الأمة أنها أمة عزيزة (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) والعزة تقتضي أن تكون يد هذه الأمة هي العليا، لا أن تكون اليد السفلى؛ لأن اليد العليا هي الخير في كل شيء واليد العليا خير من اليد السفلى ، الأمة الإسلامية يجب دائمأ أن يكون اليد العليا ولكن اليوم نحن لسنا اليد العليا في معظم الأشياء، في صناعاتنا وزراعاتنا ومنتجاتنا وملبوساتنا ومأكولاتنا ومشروباتنا، فكيف نكون قد حققنا ما يريده الله سبحانه وتعالى. أسأل الله أن يعيد لهذه الأمة قوتها ورشدها وأن يجعلها أمة عزيزة وأمة واحدة وقوية. الخطبة الثانية إن هذه الأمة ستبقى غير قادرة على الأخذ بزمام الأمور وتحقيق غاياتها ومقاصدها ما بقيت مفرقة وممزقة وضعيفة وذليلة وما بقيت اليد السفلى في كل المجالات ، انظر ماذا فعل الآخرون ، فلا تقولوا نحن حاربنا اليهود والحقيقة أننا لم نحارب اليهود إلا مرة أو مرتين وهي حجة صحيحة ولكن دول أخرى كذلك حاربت وكانت في حروب مثل كوريا فتقدمت بعدها وحتى كوريا الشمالية تقدمت من الناحية العسكرية وفي صناعة القنابل النووية أما كوريا الجنوبية فهي تنافس أمريكا في صناعاتها وهي دولة صغيرة ولا تملك البترول ولا الغاز وكذلك اليابان، وهلمّ جراً، ولا تقولوا: إن أعداءنا لا يسمحون لنا، فماذا نتوقع من الأعداء؟ هل يقدمون لنا العلم على طبق من ذهب؟ أبداً هذا لا يحدث، وإنما علينا اكتسابه بأنفسنا. واليوم لا يكتفى بأعدائنا في الخارج بل أعداؤنا موجودون في الداخل أيضاً مثل الخلايا النائمة، فإلى متى لا تعود هذه الأمة إلى كتابها ولا تعود إلى عقلها كما كان بنو إسرائيل (أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ) فهؤلاء الدماء تراق وهؤلاء الأرواح تزهق وهؤلاء الأموال تصرف ولا نستفيد منها بسبب ما نبتلى به من الحروب كل عشر سنوات أو خمس سنوات أو سنة واحدة، فإلى متى لا نعود إلى ربنا فنتوب وإلى عقولنا فنتذكر وإلا سيزداد الأمر سوءً. لذلك واجبنا كبير كعلماء ورؤساء وحكماء وإعلاميين أن نترك مصالحنا الشخصية جانباً وأن نبقى ونعيش لأجل أمتنا ولأجل ديننا ثم بعد ذلك حينما تكون أمتنا قوية نكون نحن أقوياء فلا يطمع فينا أحد (وأعدوا لهم مااستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) وإلا نكون كما قال الشيخ محمد عبده حينما زار باريس فقال "لهم في كل شاطئ أسطنبول ولنا في كل شارع مائة مسطول) والمسطول هو مختل العقل، فهل هذا ما نحن عليه حقاً اليوم، ولكن أمتنا بالأمس كانت أمة القوة، فهذا المعتصم يستجيب لنداء امرأة فأرسل جيشاً للعمورية وحرر المرأة من الروم وحرر الدين أيضاً، واليوم يجب أن نكون على هذا المستوى فاليوم يوم القوة، والقوة تصنع بالعقل والعلم.