إذا نظرنا إلى حالة أمتنا نجد أنها اليوم تمر بمرحلة خطيرة، ووصلت إلى مرحلة أصبحت فيها غير قادرة على تحقيق أي هدف استراتيجي يعود خيرها لمصلحة هذه الأمة، وهذا ما أشار أليه القرآن الكريم حينما قال الله سبحانه وتعالى في خطورة التنازع والتفرق، فرتب عليها هذه الحالة التي نحن نشاهدها اليوم فقال سبحانه (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) والأمة الفاشلة لا يمكن أن تكون قادرة على تحقيق أهدافها بل كما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم (تتداعى عليها الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها) وكما بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن ذلك ليس من قلة وإنما الأمة في ذلك اليوم كثيرون ولكنهم غثاء كغثاء السيل.
هذه الحالة لا يجوز أن تبقى ولا يجوز أت تستمر وليس هذه مما جعلها الله هدفاً لهذه الأمة التي أرادها الله سبحانه وتعالى أن تكون خير أمة أخرجت للناس، فكيف تصبح خير أمة أخرجت للناس أمة فاشلة! ولذلك وضع الله لنا مناهج عظيمة للتغيير، وهذه المناهج التي يتضمنها القرآن الكريم قادرة على تغيير هذه الأمة بل لهذه الأمة تجارب كثيرة تحولت فيها من الفشل إلى القوة والنجاح والفلاح، وتحولت فيها من أمة مستضعفة إلى أمة متمكنة و من أمة متنازعة إلى أمة واحدة كما يريدها الله ( إن هذه أمتكم أمة واحدة)
كيف يمكن أن تتغير هذه الأمة؟ فحينما نسمع إلى الشباب أو نلتقي بهم في المؤتمرات نكاد نجد فيهم آثار اليأس والقنوت وآثار الإحباط والملل والإحساس بأن هذه الأمة وصلت إلى مرحلة عاجزة، ولكن القران الكريم الذي غير أمة جاهلية إلى خير أمة أخرجت للناس وغيّر أمة متفرقة ، فهذه الممناهج نفسها قادرة على تغيير هذه الأمة وهي سنن الله سبحانه وتعالى في التغيير وهذه السنن تتعلق ليست بذات الإنسان كما هو إنسان وإنما تتعلق بما في داخل الإنسان ومن تصرفاته كما عبر القرآن الكريم عن ذلك (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ثم قال سبحانه (ذلك بأن الله لم يكن مغيراً نعمة أنعهمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) تتضمن هاتان الآيتان الكريمتان مجموعة من سنن الله سبحانه وتعالى التي لم نجد لها تبديلاً ولا تحويلاً.
من أهم هذه السنن أن سنة التغيير تتعلق بداخل الإنسان أما ذات الإنسان وبدن الإنسان فهو طائع لما يريده الإنسان في داخله وهنا عبر القرآن الكريم بكلمة (ما بأنفسهم) ولم يقل إن الله لا يغير القوم، فالقوم هم هم ، نفس البشر ، تغيرت إرادتهم وسلوكياتهم ونفوسهم وعقولهم وقلوبهم وأرواحهم فنتج من هذا التغيير الإيجابي هذه الأمة التي وصفها الله سبحانه وتعالى بأنها خير أمة أخرجت للناس، هذه سنّة عظيمة تعطينا الأمل الكبير في قضية التغيير.
انظر كيف أن الامة بمجموعها تغييرت وأن الافراد كيف كانوا في الجاهلية من عبادة الأوثان ومن الرذائل والجاهلية تغييروا إلى هؤلاء الأشخاص الذين كأنهم ملائكة يمشون على الأرض.
تغير الرجل والمرأة، فهذه الخنساء لها حادثة حينما مات أخوها صخر في الجاهلية فأقامت الدنيا ولم تقعد وخاطبت الشجر والمدر والحجر ولم تسكت هذه المرأة بأشعارها التي حركت الناس جميعاً طوال سنوات كثيرة وحينما تحولت إلى الإسلام تغييرت هذه المرأة نفسها من هذه العاطفة غير الصحيحة إلى عقلية ناضجة إلى إيمان عظيم تجهز أربعة من أبنائها للجهاد، والقدر يقضي بأن يستشهد هؤلاء الأربعة ثم بعد ذلك لما يصل الخبر باستشهاد أربعة من أولاده، هذه المرأة تتحول من مقام الصبر إلى مقام الشكر ويقول الحمد لله الذي شرفني بأنني قدمت أربعة من الشهداء وأسأل الله أن يجمعني بهم في مستقر رحمته.
التغيير ممكن للفرد وكذلك لأمتنا الإسلامية، فقد تغيرت الأمة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وما بعدها وكذلك في عصر نور الدين الزنكي وصلاح الدين الأيوبي وتحولت إلى أمة واحدة قادرة على مواجهة الصليبيين والباطنيين فأسقطوا الباطنية في المغرب الإسلامي كله وحينئذ أيضاً توحدوا وأسقطوا الصليبيين الذين جاؤوا بكل قواهم احتلوا القدس الشريف وبعض البلاد الشامية أكثر من مئتي سنة والقدس الشريف أكثر من تسعين سنة.
إذاً علينا بدل اليأس والإجباط العمل والأخذ بسنن الله تعالى وهي سنن التغيير وسنة التغيير كما أشارت الآية الكريمة إليها فقال سبحانه ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) التغيير يكون لما في الأنفس وكلمة الأنفس هي كلمة من الكلمات التي إذا اجتمعت مع رديفاتها يراد بكل كلمة معناها الخاص إذا إنفردت يراد بها العموم فكلمة الأنفس تشمل الروح إذا ذكرت وحدها وأن الله سبحانه وتعالى أطلق كلمة الـأنفس أو النفس على البدن كله وعلى الروح وعلى القلب وعلى النفس وعلى العقل وحينئذ في هذه الاية أو بهاتين الآيتين يراد بها تغيير هذه الأمور الأربعة التي يترتب عليها تغيير سلوك الإنسان كله.
هذه الأمور الأربعة ليست مترادفة لأن القرآن الكريم خصص كل واحدة منها أو كل واحد منها بمجموعة من الآيات والتفاصيل وهي الروح والنفس والقلب والعقل هذه الأمور الأربعة هي الأساس فإذا غيرناها تغيرت السلوكيات فلو خشعت قلبه لخشعت جوارحه. والروح لها غذاؤها والمقصود بالروح تغييرها من ثلاث حالات فمنهج التغيير يقتضي ثلاثة أشياء ترك ما هو من المحرمات والمفاسد والمضرات والخبائث ثم فعل الحسن والبدء بالعمل الطيب ومن ثم الانتقال من عمل الحسن إلى العمل الأحسن المستمر.
فهذه المراحل الثلاث هي المطلوبة لهذه الأمور الأربعة فالروح إذا لم تراع ستكون شريرة وستكون هابطة فحينئذ لا بد أن تغيير روح الأمة وروح الفرد إلى روح سامية وعالية وهذه غذاؤها القرآن الكريم يتلو عليهم آياته للارتقاء بهذه الأرواح ويزكيهم النفس الأمارة التي وظائفها ثلاثة أشياء خطيرة شهوة البطن والفرج والجاه، فالتربية يجب أن توجه إلى تغيير هذه الأمور الثلاثة بحيث تكون وفق ما تقتضيه هذه الشريعة، نغير هذه النفس من نفس أمارة بالسوء وشهوانية إلى نفس لوّامة ثم إلى نفس مطمئنة ثم إلى نفس راضية بقضاء الله وقدره ثم إلى نفس مرضية من عند الله سبحانه وتعالى .
والقلب له خصوصيته وله أمراضه وله أدواؤه وعلاجه الخاص والقلب مكان للحب والكراهية، وحينئذ تأتي التربية لا بد أن يصل إلى القلب السليم الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه (ويؤثرون على أنفسهم ) ولذلك جمع الله سبب النجاة على سيدنا إبراهيم في القلب السليم فقال سبحانه ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) فالقلب هو محل الإصلاح فبدونه لا عباداتنا ولا تصرفاتنا تنفع .
ثم تغيير عقليتنا ، وإن عقليتنا لم ترتفع بعد إلى التي يريدها الإسلام والفطرة السليمة، وقال الله سبجانه وتعالى أن أسباب بلاء بني إسرائيل وغيرهم من الأمم السابقة أنهم لم يستفيدوا من النورين نور الوحي ثم نور العقل فقال سبحانه (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون (أي لا يرجعون إلى الله، ولا يذكرون )أي لا يعملون عقولهم.
نحن رأينا في عصرنا الحاضر تصرف بعض الجماعات والحكومات لا الوحي ولا العقل السليم يقبل بها ونرى آثار هذه التصرفات الخاطئة التي صرفت عليها المليارات ثم أصبحت حسرة بدون أي فائدة.
العقل هو أهم نعمة من نعم الله بعد الوحي فنحن حينما نكون ملتزمين بالكتاب والسنة يجب أن لا نبتعد عن العقل وعن توجهات العقل ودراساته.
نحن مدعوون إلى هذا التغيير الجذري لعل الله بذلك يحدث أمراً ، يعيد الأمة إلى قوتها ورشدها وصلاحها .
فليس اليوم ليس لأهل السنة والجماعة أنموذج يكون حجة علينا إلا أنموذج غزة، فهذا البلد الصغير 700 كلم استطاع وحده أن يقف أمام العدو الصهيوني فهذه حجة على مليار مسلم وهم محاصرون من كل جانب ومع ذلك لما وقفوا مع الله أيدهم الله.
الخطبة الثانية
القرآن الكريم خلال 23 عاماً وبخاصة خلال 13 عاماً في العصر المكي كان تركيزه على التغيير لإخراج خير أمة أخرجت للناس واستعمل مجموعة من الأساليب والأدوات العظيمة منها : القصص حتى نعتبر بالتاريخ، ومنها الأمثال، ومنها الحوارات، حوار الله سبحانه مع الشيطان ومع غيره، وكذلك حوار الرسل والصالحين ، وكذلك القدوة الحسنة من الرسل ، وكذلك الجانب العملي والتطبيقي ثم بعد ذلك الترغيب والترهيب ثم الوعظ والإرشاد.
فالقدوة والجوانب العملية هي الأساس وسيدنا لقمان حين ربى ولده رباه من خلال مجموعة من الأمور المحسوسة.
كما استعمل القرآن جميع الأساليب المؤثرة من الأدوات العاطفية والحسية والتجريبية ووضع لهذه الأمة هذه الأهداف الثلاثة من ترك المنكرات والانتقال إلى فعل الحسن ومن ثم الانتقال إلى الأفضل والأحسن المستمر إلى أن تدفع الأمة الشر بالخير والسيئة بالأحسن ( إدفع بالتي هي أحسن).
حينما نصل إلى هذه المرحلة وحينما نحافظ على هذا التغيير الإيجابي المستمر تقوى الأمة بإذن الله تعالى.
علينا أن نغير وأن نسعى بكل جهودنا للتغيير في كل مكان وأن نقف مع إخواننا المضطهدين بقلوبنا وعواطفنا في سوريا المظلومة وفي القدس وفي فلسطين والعراق بلد الرشيد كيف يباد الآن وبهذه الطريقة، وفي ليبيا ، فكلهم أمة واحدة.
يجب أن نتغير إلى أمة تستحق الحياة وإلا والله ستستباح أراضينا كما نراه اليوم وتستباح ثرواتنا وسيعود المحتل كما يقال بأموالنا ونحن ندفع له جزاء احتلاله لنا فالمخططون يقولون الحرب العالمية الثالثة حرب صفري أي أن المحاربين أصحاب القوة لا يدفعون وأنا أقول حرب ربحية يربحون فيها.