بسم الله الرحمن الرحيم
ايها الإخوة المؤمنون
اذا نظرنا الى تأريخ الحضارات والأمم، والى تأريخ الأديان والشعوب، وممن حكموا البلاد والعباد، لنرى أن الأمة بصورة عامة لا ينصلح حالها إلا بالدين الصحيح والعقيدة الصحيحة، فهي الأساس لإصلاح الأمم، ولكن هذه الأمم بالاضافة الى الاعتماد على العقيدة والأخلاق والقيم، لا بد أن تعتمد كذلك على العقول المتطورة، وعلى الأفكار النيرة، وعلى التصورات المتقدمة، لأن الله سبحانه وتعالى لا يريد لهذه الأمة، التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس، وجعلها أمة شهيدة على الناس، لا يريد لها أن تكون أمة ضعيفة، أمة متفرقة، أمة متخلفة، أمة ليس لديها من القوة العلمية ما تكفيه، وليس لها من قوة السلاح ما تغنيه، وتكون عالة على بقية الأمم حتى في صناعاتها وتجارتها وفي تقدمها وفي علومها، فهذا الذي ما وصلنا اليه ليس ما يريده الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة، لأن الأمة الشهيدة والأمة الخيرة ليست خيرة بمجرد الصلاة والصيام، على الرغم من أهميتهما، وإنما الخيرة في كل مجالات الحياة (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ) ولم يقل رب العالمين خير أمة في مجال واحد، وإنما في جميع المجالات، ولاسيما أن هذه الأمة يجب أن تكون أمة تقيم العدل، فكيف تقيم العدل وهي ضعيفة، وأنتم تعلمون أن القاضي لا يمكن أن يحكم وينفذ حكمه الا اذا كانت هناك مجموعة للتنفيذ التي تتمثل بالحكومة والشرطة، التي تنفذ أقضية القضاة وأقضية الحكام، وبدون هذا التنفيذ تصبح هذه القرارات حبر على الورق لا يولي لها الناس العناية .
وهذه الخيرة إنما تتحقق بأمرين أساسيين، الأمر الأول: الاعتماد على العقيدة والقيم الدينية والروحية التي جاء الاسلام لأجلها. والامر الثاني: هو تطوير الدنيا وإصلاح الدنيا وتعمير الدنيا، وهذا التطوير، بالاضافة الى أن الله سبحانه وتعالى أمرنا به، إنما يتحقق بالعقول المتطورة، وبالعقول القادرة على الإبداع، وبدون الإبداع لن يكون هناك تقدم، ولن يكون هناك خيرية لهذه الأمة، وهذا ما أراد الله سبحانه لهذه الأمة أن تجمع بين الوحي الصحيح الصافي الذي لم تشبه أي شائبة ، وحفظه الله سبحانه وتعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، وهذا الوحي يصلح الداخل ويصلح الخارج، ويدفع الانسان لإستعمال أجهزته وبخاصة أجهزة العقل ليفيد دينه ودنياه .
لو نظرنا الى القران الكريم، وما تكرر فيه من أهمية العقل في القران الكريم، حيث تكررت هذه الكلمة ومشتقاتها حدود خمسين مرة، وكلمات التي لها علاقة بها مثل التذكر والتدبر والنهي وغير ذلك مئات المرات، كل ذلك يدل على أهمية استعمال العقل بصورته الصحيحة، بل إن الله سبحانه وتعالى ربط بين الفتن وبين المشاكل والمصائب وبين عدم استعمال الوحي وعدم استعمال العقل، فكلاهما مطلوب لهذه الامة حتى تدرأ المصائب والويلات، فالمصائب والويلات تحتاج الى هذين الأمرين: الاعتماد على الوحي الصحيح والاعتماد على العقول المدبرة والمحللة والمبدعة، يقول الله سبحانه وتعالى (أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ)، فبين الله سبحانه وتعالى أن هذه الفتن التي كانت تصيب بني اسرائيل، وتصيب أهل الكتاب في كل عام مرة أو مرتين، فتن الحروب وفتن المشاكل والمصائب والفقر والمجاعات والتفرق والتمزق وغير ذلك هذه الفتن، ربطها الله بـأن هؤلاء لا يستعملون الأمرين الأساسيين، لا يستعملون الوحي من خلال العودة الى الله، ولا يستعملون العقل من خلال التذكر والتدبر.
فهنا يفهم منه بوضوح أن التدبر أو التعقل، وأن إستعمال العقل الصحيح مع الاعتماد على الوحي والعودة الى الله بالتوبة والتقوى، هذه الأمور هي التي تمنع الفتن، هي التي تمنع المشاكل، هي التي تمنع المصائب، وبدون الاعتماد على الامرين حتى لو فرضا عندنا العبادات، ولكن عباداتنا ليس لها تأثير الا داخل المسجد، وخارج المسجد نتشاجر ونفتتن، اذاً لا تستطيع هذه العبادات أن تحمينا، وإنما الذي يحمينا بعد الله سبحانه وتعالى هذه العبادات المؤثرة المرتبطة بعقلية تفكر وتخطط وتنظر في المستقبل، وتنظر في المآلات وتنظر في سد الذرائع، وتبحث عن كل شئ ومآلات ذلك الشئ. وعلماءنا السابقون ربطوا بين المجتهد المقبول اجتهاده وبين من يفقه فقه المقاصد وفقه المآلات وسد الذرائع، وهذا بالنسبة للمفكرين او المجتهدين في امور السياسة وامور التجارة والزراعة، وأمور الامة، بل كل الامور التي لها شأن كبير أم شأن صغير، تعتمد على هذين الأمرين، نعتمد فيها على الوحي للإصلاح الداخل، وكذلك لتثبيت القيم وتثبيت العقيدة، ثم لا بد ان نعتمد بعد ذلك على العقلية المفكرة المحللة المبدعة حتى نحمي أنفسنا من الفتن وحتى نفكر كذلك في التقدم والتطور.
انظروا كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية دخلوا في الحروب قرونا، ولكنه بعد ذلك تعقلوا ولا سيما كوريا الجنوبية فوصلت الى عقلية بأنها لا يمكن لها أن تتقدم الا اذا نظرت الى مصالحها، وأن مصالحها في عدم الحروب وفي تشجيع الناس على الابداع والتفكير، وخلال أقل من 20 سنة تصنف كوريا الجنوبية اليوم في مجالات العلوم التقنية بالذات رقم واحد على مستوى العالم، وعلى مستوى جميع العلوم تصنف في حدود سابع دولة في العالم.
ونحن قبل مئة ومئتين سنة بدأنا بالتقدم ومع ذلك لا زلنا بدل التقدم نتأخر، وكنا نصنع واليوم حتى صناعاتنا الخفيفة والمتوسطة كل ذلك قد زال بسبب هذه العقلية التي لا تبحث عن المستقبل، إنما تبحث عن الآخر، كل شخص مشغول بالآخر، ويفكر في المنع، ويفكر في الفساد والافساد، بدل ما يفكر في الاصلاح والتطور والعناية بالنفس والمستقبل القريب العاجل والآجل. هذه العقلية المتخلفة حقيقة بعيدة كل البعد عن الاسلام وبعيدة كل البعد عن العقلية التي هم يدعون انها عقلية غربية أو أنها عقلية متقدمة أو أنها عقلية تقدمية، فلينظروا الى ما كان لدى هذه الدول المتقدمة غربيا أو شرقيا كيف وصلوا! أبالنزاعات أو بالافساد أو الاتشغال بالآخر ! كلا لم يصلوا بذلك وانما وصلوا من خلال انهم اقتنعوا بأنه لا بد أن يستقر الأمن والأمان في أي دولة من الدول، ثم بعد ذلك يأتي الأفراد جميعا والدولة توجه الافراد والشركات للتفكير السليم والتعقل المستقيم والتخطيط بعيد المدى لمستقبل هذه الامة، وأمة بهذا الحجم ولديه الموارد التي مكنها الله سبحانه وتعالى، ولا توجد مثل هذه الموارد في أي أمة من الأمم، ومع ذلك حينما ننظر الى خارطتنا فنرى امة متخلفة بكل ما تعني هذه الكلمة، وأمة فقيرة، وفي بعض الدول اكثر من 50% وبعضها 90% لا يجد الفرد أكثر من دولار واحد في اليوم، وبعضها اقل من ذلك . 25 دولة اسلامية ضمن 75 دولة عالية تعتبر من أفقر دول العالم ، حنى في دولنا الخليجية التي آتاها الله المال هذه الأموال اذا لم تستثمر، ولم تستثمر في المسقبل، واذا بقيت في مجرد الصناديق السيادية، ففي أي وقت جاء لو فرضنا انهيار للدولار، فسينتهى كل شئ، ينتهي كل ما بنينها، وما لدينا لا يساوي عشر ما لدى الامم الاوروبية وهي في حجمها مقابل الامة العربية، ومع هذه المشاكل الاقتصادية التي يمرون بها فإن الدخل القومي لأوروبا 12 تريليون والدخل الذي يبقى 2 تريليون لعالمنا العربي ونحن نتكلم فيما أدخل في الميزانيات واما خارج الميزانيات لا يستفيد منها معظم الشعوب.
لا زلنا نحن مشغولون بالعصبية القبلية والقومية والافتخار بالانساب، وتصنيف الناس، بينما انظر الى اوباما الذي لم يولد في أمريكا واكتسب الجنسية ثم بعد ذلك اصبح مواطنا صالحا، فلم يختر مرة واحدة، وإنما اختير مرتين، وفي المرة الاخيرة تجاوز كل نسب الانتخاب في امريكا كلها.
نحن ننقدهم، ولكنهم أخذوا كثيرا من افكارنا ومبادئنا، ونحن اخذنا بالاخلاقيات السيئة، فلا نخطط، ولا نبرمج، فانظروا الى ما يحدث في مصر فهل من المعقول ان تصل المعارضة الى استنجاد بعودة الجيش لقيادة البلد! وان تستند بعض المعارضة الاستنجاد بالأجنبي ليحكم البلاد! أو أن تدمر مصر حتى لا يحكم الاخوان او مرسي! فهل هذا هو العقل؟ اين العقل لمستقبل البلد؟ لمصر العظيمة التي لها حضارة ودولة لمدة 7000 سنة وليست دولة اليوم او الغد، ولم يذكر أن فكر أحد بهذه العقلية المدمرة ولو فكروا بهذه العقلية المدمرة لما كان هناك شئ اسمه مصر .
الله سبحانه وتعالى يقول (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ)، اما اليوم فأصبح مصر بلد الاضطراب والمشاكل بسبب الفلوس والفلول والخونة من الداخل والخارج، وانظر الى عقلية ثانية، دولة عربية، تفكر وتخطط لتدمير مصر رغم أن مصر تقف معها في مشكلتها مع دولة أخرى، فهل هذه هي المصلحة التي تقتضي لأمتنا العربية والاسلامية ومستقبلها؟ هذه العقلية لا بد ان تتغير ولا يمكن ان نتقدم بهذه العقلية، ولو عملنا 20 ثورة لكن اذا ما تغير العقول والنفوس ما تغيرنا ولا تقدمنا.
فالعقلية الصحيحة لا تبحث عن الاشخاص وانما تبحث عن الكليات وتبحث عن مصلحة الامة ومستقبل الامة ومهما كانت.
انظر الى صحابتنا الكرام رضي الله عنهم، كعب بن مالك، حينما جاءت الايات بإعتزاله والناس إبتعدوا عنه والرسول صلى الله عليه وسلم يمنع عنه حنى زوجته ان تتحدث معه، عزل عزلا كاملا، وفي هذه الاثناء جاءته رسالة من هرقل ملك الروم بأنهم مستعدون بكل امكانياتهم لدعمه ومساعدته ولكن مالك اعتبرها فتنة و أحرق الرسالة.
وهذه الام المخلصة في قصة سليمان حينما تنازعت امرئتان على مولود وكل واحدة منهما قالت هذا ولدي، وعرضت المسألة على سليمان، فأمرت بمنشار لجعل الولد نصفين فالام الحقيقية رفضت الفكرو وانكرت بأنه ولدها وحكمت سليمان لها.
فالانسان المخلص بوطنه وبلده كيف يضر بأمته وشعبه ومؤسساته، هؤلاء ليسوا مخلصين، وليسوا عقلاء إنما العاقل يفكر في خدمة أمته، واذا خدمنا أمتنا فنحن مخدومون .
أكد الله سبحانه وتعالى على أهمية العقل ويذكر لنا بقوله عن أهل النار في يوم القيامة (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)، أي لو كنا نسمع القران- هذا الوحي – أو نعقل ونفكر في مستقبلنا ونفكر في ربنا وفي خالقنا ما كنا في أصحاب السعير، وهكذا لو كنا نسمع الوحي ولو كنا نعقل ما وصل حالنا الى هذا الحال، فمعظم الامة لا يسمعون السماع الحقيقي للقران، ولا يعقلون العقلية الصحيحة، التي يفكر في مستقبل الامة ويفيد الامة ولا يضرها والا فما الذي ينقصنا عن غيرنا ونحن بلد الحضارات.
لذلك نحتاج حتى كأفراد وداخل الاسرة أن نربي أبناءنا على العقلية الكلية، وعلى العقلية المستقبلية، وليس على العقلية الجزئية والحسد والحقد والعصبية والافتخار .
الخطبة الثانية
الكل يعلم ان الامة الاسلامية قدعقدت مؤتمرها خلال هذا الاسبوع، وهي قمة 12، وقد أسست هذه المنظمة منذ أكثر من 30 سنة، وحققت بعض النتائج، لأن الاجتماع خير مهما كان، وأفضل من التفرق . وقد تغير اسمها، وكان اسمها منظمة المؤتمر الاسلامي، وفي سنة 1982 ولما عقد المؤتمر في مكة المكرمة حاولوا تغيير الاسم الى جامعة الدول الاسلامية لكن المؤتمرين اختلفوا، وبدل ان يتحاوروا في كيفية التنمية، اختلفوا كثيرا في الاسم ، ولم يتفقوا الا على ابقاء اسم المؤتمر، ومن فضل الله ومن خلال الثورات العربية يتغير الاسم من منظمة المؤتمر الى منظمة التعاون الاسلامي، ونأمل في هذل التغيير أن يتحقق التعاون في الدول الاسلامية .
التجارة البينية أي بين الدول الاسلامية بحدود 19% ولكن في الحقيقة لا يتجاوز 13-14% ولكن التجارة الدول الاسلامية مع دولة مثل الصين يتجاوز 50% ونأمل في القمة الأخيرة نقلة نوعية ولو اتفقوا لكانوا قوة، فقوة المنظمة في قوة أعضائها، ولكن بسبب ضعفهم لا يوجد غير قرارات بالنسبة لمسألة سوريا وفلسطين، ولكن من ينفذ هذه القرارات؟ التنفيذ ينفذها من كان له القوة أو القدرة .
وكنا نأمل أن يكون للمنظمة صوت للفيتو في الامم المتحدة، فالدول الاوروبية لهم صوتان، وللامريكا صوت وللصين صوت ولروسيا صوت، أما العالم الاسلامي كله ليس لديه صوت واحد في الامم المتحدة.
ونأمل على الاقل أن ينفذون القرارات في الجانب الانساني فيما يتعلق بسوريا، لأن سوريا يراد له ان يباد، وهكذا بالنسبة للقضايا الاخرى في العراق وميانمار وقضايا أخرى لا يزيد عن قرارات الا أن تتحول هذه المنظمة الى قوة فعالة مثل الاتحاد الاوروبي أو أي قوة أخرى يكون لها قدرتها ولاسيما في مجالها العسكري والعلمي.