بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الإخوة المؤمنون

لقد تحدثنا في الخطب السابقة عن خطورة الفساد المالي والفساد الإداري، وفي هذه الخطبة نتحدث عم خطورة الفساد البيئي في نظر الإسلام، ومخاطر هذا الفساد على الصحة والحياة والكائنات البشرية والحية في هذا الكون.

والمراد بالبيئة هي الأرض وكل ما يحيط بنا من مياه وأبحار وفضاء وهواء وغير ذلك، فكل ما يحيط بالإنسان هو بيئته، فيجب عليه الحفاظ عليه، والفساد إذا تحقق ترتبت عليه مفاسد كبيرة.

ولقد عقدت مؤتمرات دولية خلال هذه العقود الأخيرة، فبينوا فيها خطورة ما آلت إليه الأرض والبيئة من نتائج خطيرة جداً على صحة الإنسان وحياته، وعلى بقية الكائنات الحية.

فقد عقد مؤتمر كبير في فرنسا حضره أكثر من 500 خبير من خبراء البيئة، ومن المتخصصين في شتى المجالات الطبية والقضايا البيئية، وتوصلوا إلى ثلاثة نتائج خطيرة مما نبه عليه القرآن الكريم قبل ذلك بعدة قرون.

هذه النتائج الخطيرة تبين لنا أن نسبة التلوث في البيئة اليوم تجاوزت الحد المسموح به من كل المقاييس والمعايير التي تتعلق بهذا الجانب. تنذر هذه المسببات الكبيرة بفساد في الأرض، وخطورة في الأرض، وتحول الأرض ــ لا سمح الله ــ إلى بيئة غير صالحة للحياة

وقد أكد القران الكريم على أهمية الأرض وعلى خطورة الفساد في الأرض حيثما يقول (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الأرض بَعْدَ إِصْلَاحِهَا)، قال المفسرون القدامى: أي أن الله سبحانه وتعالى سلم إليكم الأرض بعد إصلاحها وكمالها وتوازنها، وأنها فيها النسب المتوازنة (وَالأرض مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) أي حافظوا عليها فقط فمجرد حفاظكم على هذه البيئة والأرض يحقق لكم العيش الكريم والحياة السعيدة ونعماً كثيرة يعطيها الله سبحانه وتعالى ويمنحها للإنسان على هذه الأرض.

وبينت النتيجة الثانية لهذا المؤتمر أن درجة الحرارة والغاز الكربون قد ازداد بشكل كبير جداً في أرضنا، حيث كانت نسبة زيادة درجة الحرارة في القرن العشرين كله كانت درجة واحدة، أما اليوم وقبل أن يمضي أكثر من عقد واحد، بلغت زيادة نسبة درجات الحرارة إلى 3 درجات، وهذا التغيير ليس لصالح البيئة وإنما لصالح فساد البيئة، وهذا أيضاً ينذر بخطورة  كبيرة بما يفعله الإنسان في هذه الأرض.

والنتيجة الثالثة مما بينه المؤتمر: المسؤولية كلها تقع على الإنسان وليس هناك شئ آخر مسؤولاً عن فساد البيئة غير الإنسان، والإنسان هو الذي يفسد في البيئة من خلال المصانع الكبيرة ومن خلال ما ينتجه، و محاولاته الشديدة للوصول إلى الربح العظيم دون النظر إلى ما يترتب على ذلك من مآلات أو من مفاسد وقد قال القرآن الكريم في ذلك (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، وهذا الذي نراه اليوم من هذه المخاطر التي تهدد البيئة وتهدد الكون وحياتنا الإنسانية وحياة بقية الكائنات الحية ، وإذا رجعوا إلى الله سبحانه وتعإلى وإلى منهجه القويم في الاعتدال والوسطية فإن الله سبحانه وتعالى يصلح لهم هذه البيئة ويديم عمر الأرض لتصبح صالحة إلى ما شاء الله سبحانه وتعالى.

إن المقصود بفساد البيئة ليس مجرد إنتاج ما تنتجه المصانع من غازات، وما تنتجه أيضا كثرة السيارات من غاز الكربون، وإنما كذلك يشمل الفساد التجاري والغش التجاري، وهو من أكبر مسببات فساد البيئة حينما لا تتوافر الشروط المطلوبة في الصناعات التي نتعامل معها ولا سيما الصناعات التي تدخل في باب الغذاء والدواء.

ففي أمريكا مع تقدمها التكنولوجي، وشروطها الصعبة في دخول أي مواد غذائية أو دوائية إلى هذا البلد، و مع ذلك قامت لجان التفتيش فوجدوا أن داخل أمريكا التي عثر عليها أكثر من 10000 مصنوعات غذائية ودوائية تترتب عليها أمراض خطيرة وعلى رأسها السرطان، رغم كل هذه الرقابة الشديدة وتوفر التعليم العالي، فماذا نقول عن بعض البلاد المفتوحة، كيف تصبح مجالًا وأرضاً خصبة لكل هذه الصناعات الخطيرة ولا سيما التي تصنع في بعض البلاد الشرقية التي تقوم بعملية الغش التجاري وتدخل فيها مواد غير صالحة ومواد مسرطنة حتى في الأخشاب والحديد وغيرها من المصانع.

 بين الله سبحانه وتعالى خطورة هذا الفساد وحينما يقول في وصف هؤلاء المتجبرين، هؤلاء الذين لا يبحثون عن حياة الآخرين، ولا عن سعادة الآخرين، إنما يبحثون عن الربح فقط  وعن تعظيم الربح فقط،  وقد يكونون أصحاب الأقوال الرائعة في مجال الصناعة والتقدم في كل المجالات (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الأرض لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ). 

بل إن الله سبحانه وتعالى كما ذكرنا في الخطب السابقة وضع أكبر العقوبات على جريمة الفساد في الأرض (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرض ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)  لآثارالفساد الخطيرة في كل المجالات وعدم وجود ثقافة مناسبة للنظافة في بلادنا الإسلامية رغم حرص القرآن على الطهارة حتى يجعل المتطهرين مع التوابين ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) و الطهور شطر من الإيمان وإلى كثير من الآيات والأحاديث الكثيرة.

تجب على كل إنسان مسؤوليات توعوية، نبدأ بتوعية أسرنا في قضايا الشراء، أن يكونوا متحفظين في شراء الأغذية بالذات، والأدوية، بما أن معظم بلادنا ليس لديها ــ باعتراف المنظمات الدولية المتخصصة في البيئة ــ الأنظمة الكافية للرقابة على المواد الغذائية والدوائية وتدخل المواد المغشوشة إلى معظم بلادنا العربية والإسلامية، ويربح هؤلاء المليارات، ولكن نتائجها كثرة الأمراض والمشاكل وما نراه اليوم جزء من هذا الفساد والأمراض التي لم تكن معروفة وظاهرة سابقاً كالسرطان وغيرها.  

هذه المسؤولية لابد أن تأتي من خلال اعتدالنا، فقد وبخ سيدنا عمر صحابياً حينما اشترى، فقال: “أوكلما اشتهيتم اشتريتم”، لا بد أن يكون هناك نظام ودقة وضبط داخل الأسرة، والأسرة هي قوام المجتمع، وثم بعد ذلك واجب الدولة واجب كبير في هذا المجال وهي تتحمل المسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى.

وقد فتشت إحدى مخازن في إحدى الدول الخليجية وجدوا فيها أكثر من  ألف مادة مغشوشة باعتراف المتخصصين ، فما تنفقه الدولة في سبيل الرقابة ومهما أنفقت فهي في حد ذاتها مطالبة بذلك شرعاً و إنسانية ووطنية وواجباً ومسؤولية، بل إن هذه الأشياء مثل المخدرات في خطورتها وآثارها؛ لأنها تؤدي إلى الموت البطيء، إلى الأمراض الخطيرة البطئية، وأنت لا تدري وقد تتلذذ بهذه الأغذية والأدوية وهي ليست طعاماً ولا دواءً وإنما داء.

وقد عالج الإسلام هذه المخاطر بشدة، ووضع هذه العقوبات، كما وضع منهجاً وسطاً في التعامل، وبين الوقاية من حيث النظافة والطهارة والتأكيد على كل ما نرغب فيه، ولا نشتري إلا بعد التأكد من أنها ليست مغشوشة، وقد يُتساهل- في بعض المجالات وأنا أنقل هنا عن بعض المتخصصين- وأقصد في مجال الصابون، ومجال ما يسمى المنظفات بصورة عامة، أيضاً لها آثار، ولكننا لا نجد إلا قليلاً من الصناعات الحقيقية، فكل بيوتنا بهذه المنظفات التي لا نعلم حقيقتها ومعظمها يؤدي إلى أمراض خطيرة وأمراض مسرطنة.

نحن لا نملك بدننا فلسنا أحراراً في أبداننا فالبدن والروح والنفس لله سبحانه وتعالى ويجب علينا أن نحافظ عليها، وإذا فرطنا نكون آثمين بالإضافة إلى التضرر.

الرسول  أرشد قبل 1400 سنة إلى تحويل ما يمكن تحويله من الملوثات إلى أشياء نظيفة وترتيب مصانع خالصة بتحويل الملوثات إلى مواد نافعة كما قال الرسول  في مسألة الدباغ والقلتين، وهناك أحاديث ومؤشرات أن الدولة يجب أن يتجه نحو الاستفادة من هذه الأمور وتحويلهم إلى مواد صالحة وهنا تفرض عليها بألا نكون أمة مستهلكة ومستوردة، كيف نكون خير أمة ونحن مستهلكون ؟ وكيف نكون من خير الأمم ونحن لا نعلم ما يعده لنا هؤلاء من كونه نظيفاً أو غير نظيف، هم يصنعون لنا حتى الطعام، أمتنا هي التي كانت تعطي وتعلم وكانت لها حضارة، فأصبحت مثل الفراخ يؤتى بكل شيء ويوضع في أفواهها، وهو يربجون ويؤثرون.

 وقد قرأت تقريراً عن أحد البلاد العربية حينما أرادوا تنظيم النسل،  وزعت أطعمة خاصة بالتعقيم، فقد حدث ذلك في الهند  والصين وفي إحدى الدول العربية، وقد كشفت التقارير التي تصدر بعد ثلاثين سنة أنهم أتفقوا مع رئيس الدولة على هذه المسألة.

هذا يتطلب لأن تسعى هذه الأمة بدل إلى الخلاف والمشاكل تسعى وتوجه أموالها للجانب العلمي و الإبداعي والصناعي والابتكاري وتبقى متحفظة في كل شيء إلى أن تتحقق لها القدرة الكافية على الصناعة وعلى صنع الغذاء والدواء.

الخطبة الثانية

إذا كنا قد تحدثنا عن خطورة الفساد في الأرض وفي البيئة فمن من أهم اسباب البيئة كذلك استعمال هذه الأسلحة الفتاكة التي استعملت في العراق والآن تستعمل في سوريا هذه الأسلحة بعضها تحمل إشعاعات خطيرة تبقى لآلاف السنين وتكون لها آثار خطيرة ليست على المنطقة فيها وإنما على المناطق المحيطة بها والأمن البيئي لا ينفصل عن مجموع البيئة فما يحدث اليوم في سوريا فساد في الأرض بكل ما تعني الكلمة وهو يعنينا نحن ولسنا باعتبارنا مسلمين ومتضامنين معهم فقط وإنما كذلك حتى باعتبار الآثار السلبية التي تترتب على هذا التدمير الممنهج.

ققد دمر إلى اليوم أكثر من مليونين و500 ألف مبنى وبعض هذه المباني قد سجلت في يونسكو من التراث القديم التي تجب حمايته ويجب حفظه ولكن هذا النظام لا يرعى إلاً ولا ذمة ولا يهتم لا بالتراث ولا بالإرث الثقافي ولا بالإرث الحضاري بل ولا بحرمة الإنسان.

والأمس كنت في ترتيب قافلة إلى داخل الأراضي السورية فبينوا لنا ما ذكر في الإحصائيات الرسمية أن أكثر من 200000 شخص استشهد في هذه المعركة وأن أكثر من 700000 شخص بين جريح ومفقود وخمسة ملايين مشرد.

فهل هناك فساد أكبر من هذا الفساد والعالم كله ساكت إلا من رحم ربي من بعض الدول التي تسعى ولكنها لا تستطيع أن تؤثر في القرار الدولي التي تريد تدمير سوريا كلها بشعبها ومؤسساتها.

وقد مضت سنتان على هذه الثورة والغريب في الأمر حتى محاكم ما يسمى بالجرائم الدولية حكموا على رؤساء آخرين كمجرمي حرب ولكن إلى يومنا هذا لم يصدر أي قرار ـ رغم كل هذا الفساد ـ ضد رئيس سورية، فما فعل النظام بالبيئة كان أولى بالمنظمات الدولية أن تتصدى له.

فلذلك المسؤولية علينا نحن المسلمين والعرب عليهم مسؤولية كبيرة وأملنا بالله سبحانه وتعالى وفي القمة العربية القادمة أن تقوم بواجبها نحو إخوانهم في سوريا.

وكذلك بالسبب الضعف الذي رآه العلم كله للمسلمين ولقادة المسلمين والعرب أمام ما يحدث في سوريا تشجع اليهود أكثر  فأهان الجنود المصحف الشريف وأقفل المسحد الأقصى وأخرج المصلون ثم أدخلوا بعض هؤلاء المتطرفين من اليهود حتى يدخلوا الحرم القدسي والناس ساكتون والعالم الإسلامي ساكت

وما يحدث في العراق والعراق امتداد تاريخي للخليج ويعتبر البوابة الشرقية فإننا نخاف أن تحدث حرب خطيرة جداً فهل من مجيب .