بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة المؤمنون
لقد تحدثنا في الخطبة السابقة عن الفساد المالي، الذي كان يشمل الرشوة ونحوها، واليوم نتحدث عن الفساد الإداري، الذي هو أخطر بكثير من الفساد المالي، بل هو السبب في الفساد المالى والاجتماعي والسياسي.
ويقصد بالفساد الإداري ثلاثة أنواع من هذا الفساد، النوع الاول: أن يختار الشخص المسؤول،أناساً غير أكفاء لوظيفة معينة حتى وإن كانوا أكفاء لوظيفة أخرى، لأن لكل وظيفة مواصفاتها وخصائصها وشروطها، وهذاما أشار إليه القرآن الكريم بنصوص كثيرة، منها أن سيدنا يوسف حينما رشح نفسه أن يكون وزيراً للخزانة المالية، ولتوزيع المئونات والنفقات وغيرها، وللإشراف على قضية الادخار، اختار لهم شرطين أساسيين، الشرط الاول: أن يكون عالماً ومتخصصًا ولديه القدرة في هذه المجالات التي تحدث عنها، والشرط الثاني هو أن يكون أمينا ومخلصاً يخاف الله سبحانه وتعالى وهذا ما قاله سيدنا يوسف للملك { اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ }، حفيظ أي إنني أمين مخلص وأخاف الله سبحانه وتعالى وقد جُربتُ والحمد لله، حينما طلبته المرأة لنفسها في قصر مغلق، والشئ الوحيد الذي منعه هو خوفه من الله وقال ( معاذ الله )، وكذلك لديه العلم فالله سبحانه وتعالى أعطاه العلم والقدرة واكتسب من العلم حينما كان في السجن سواء كان علمًا من عند الله من خلال الوحي أو علوماً مكتسبة كان يستفيد منها من خلال التفكر والتعمق.
إن مواصفات التطبيق للجوانب العملية يختلف عن الجوانب العلمية المتخصصة، وهذا ما نجده بالنسبة لسيدنا موسى حينما طلبته بنت شعيب حينما ساعدهما موسى في سقي الماشية (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)، هنا العلم ليس مقصوداً في إدارة الرعي والعمال والصناعات والأشياء العملية التي تحتاج إلى القوة البدنية، مع أن صفة الأمين مازال مشروطاً في كال الأعمال سواء كان عملًا بدنيًا يحتاج إلى القوة البدنية، أو عملية فكرية إدارية، فإن الأمانة والإخلاص مطلوبان دائماً لذلك تكرر هذا الشرط في الجانب العلم والإدارة والوزارة والمسؤوليات الكبرى وكذلك في الجوانب العملية.
بينما حينما تحدث سيدنا موسى لترشيح سيدنا هارون، ذكر شرطاً مناسباً للدعوة والتبليغ الذي يحتاج اليه الشيخ أو الداعية أو النبي، وهو البلاغة والفصاحة والقدرة على التأثير ولذلك برر ذلك بـ (هو أفصح مني لساناً )، لكي يكون هارون نبياً؛ لأن الموقف هنا يحتاج الى قوة الفصاحة ولا قوة البدن.
هذا ما يرشدنا إليه القرآن الكريم بأن الوظائف ليست واحدة، وإنما لكل وظيفة خصائصها، وعلى المسؤول سواء كان إماما أو خليفة أو رئيسا أو مديراً حينما يختار أن يتقي الله سبحانه وتعالى ويراعي هذين الشرطين: الأول: الاختصاص الذي يؤهله لأن يكون لهذا المنصب، ولا يُعَين إلا من كان متخصصاً، ثم الشرط الثاني المتكرر في جميع الحالات وهي الأمانة التي عبرنا عنها بالإخلاص.
فإذا كان الشخص المسؤول يُعَين على غير هذا الأساس، لأي سبب من الأسباب، فقد دخل ضمن هذا الفساد، ودخل في ضمن الأحاديث والآيات الكثيرة التي بين الله سبحانه وتعالى وبين رسوله صلى الله عليه وسلم الآثار الخطيرة لها في الدنيا والاخرة، وهذا جزء مما أشار إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في علامات قيام الساعة، حينما جاءه رجل والنبي يتحدث فأشار إليه بعدم قطع كلامه ثم قال أين السائل عن الساعة فقال ها أنا ذا يا رسول الله فقال الرسول إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة فقال الرجل كيف إضاعتها فقال الرسول : إذا وُسد الأمر إلى غير أهله . أي إذا أنيط أو أعطي الأمر لغير أهله والمستحقين، والأمر هنا يراد به أي شئ فيه المسؤولية.
علماؤنا فسروا هذا الحديث بتفسيرين جميلين، كلاهما مطلوب هنا، التفسير الأول: إذا أُسند الأمر إلى غير أهله لأي سبب كان للقرابة أو الوساطة أو الرشوة فهذه من علامات الساعة الكبرى لأن الدنيا بهذه تختل، ومن العلماء أيضاً من فسروا بالإضافة إلى هذا التفسير، أنه فانتظر الساعة، أي ساعة هذه الدائرة، وساعة هذه الحكومة، وساعة هذا الشعب، أي أنه كما في يوم القيامة تضطرب الأمور فكذلك تقوم قيامة هذا الشعب أو الدولة أي تسوء أحوالها، وهذا ما نراه حقيقة اليوم حتى في ظل الثورات العربية، التي الآن حينما يحاول الحكومة المنتخبة العلاج فنجده يتعسر ولا مقدرة له على ذلك لأن ما يسمى بالحكومة العميقة السابقة، داخلة في كل شيء، فبماذا يبدؤون في التطهير، هل بالقضاء أو بالتعليم أو العسكر أو الشرطة،و هنا يبين خطورة هذه المسألة، فحينما يتساهل إنسان في البداية، من موظف أو موظفين، ولكن بعدها تنتشر ويكون علاجها صعبًا ومتعسراً إلا إذا أراد الله ذلك .
النوع الثاني من الفساد الإداري هو منح الحقوق والترقيات والمسؤوليات والواجبات، فحينما لا يوزع المسؤول – والمسؤول هو أي شخص له سلطة ولو على شخص واحد – هذه الحقوق والترقيات على أساس العدل وإنما توزع على اساس الأهواء والولاء والرشوة، فحين ذلك ندخل في المربع الأول الذي ذكرناه سابقاً. لأن القضية ليست فقط تعين موظفين أكفاء ومخلصين وانتهت المسألة، وإنما قضايا الحقوق والواجبات لابد أن تسير بعدالة حتى لا يكون هناك شيء في نفسية الإنسان، لأنه دائماً كلما ازداد العدل ازداد التماسك، وكلما ازداد الظلم والجور والإحساس بالمظلومية ازداد التفرق والابتعاد عن البعض وتمتلئ النفوس بالكراهية والحقد وغير ذلك.
ويقول علماء النفس في هذا المجال إذا كان الشخص مرتاحًا من عمله مؤمناً بعمله ووظيفته فإنه يستعمل طاقاته بالنسبة 100%، وإذا تردد لأي سبب كان فإنه يقلل الطاقة الإنتاجية للشخص إلى 50%، لأنه وصل إلى أنه يفعل هذا الأمر أو لا يفعل، يقدم على هذا الأمر أو لا يقدم ، وهكذا حينما تنسجم الدائرة تماماً تكون على قلب رجل واحد، وتكون هناك عدالة ومشورة وتناغم فيما بينهم، وتتحرك المجموعة حركة شاملة وتنتج أكثر وهذا هو أحد الأسباب في الإنتاجات الغزيرة مع قلة الأفراد في الغرب، وقد سئل صاحب أحد الشركات المعروفة هل عندكم قانون الجزاء والعقوبات في الشركة؟ فَردَّ بأنه قبل ذلك هم عندهم عائلة الشركة الفلانية أي نحن نقوم برعايتهم ورعاية أولادهم بحيث يكون ولاؤهم للشركة وليس لأشخاص وذلك بشروط وضوابط دون مجاملة أومحاباة.
النوع الثالث من أنواع الفساد الإداري هو أن الشخص يستغل وظيفته لأي شيء كان، للثناء أو الجاه أو المدح وللتعريف به في الجرائد والصحف وغيرها، وهذا ما يسمى بالثراء بدون سببب مشروع، وفي فقهنا الإسلامي يدخل في الفساد الإداري وفي الرشوة المالية الإدارية، وهذا النوع أيضاً من أشد أنواع الفساد الإداري الذي يؤدي إلى مشاكل وإلى الإخلال بالبلد والدولة، ويترتب على هذا الفساد كثرة الغش وعدم الإتقان وهروب الأموال الجيدة من الناس الطيبين، وقد ورد في هذا المجال حديث صحيح وانظر كيف تصرف الرسول حين سمع باستغلال صاحب العمل لوظيفته، وذلك لخطورة الموقف فعن أبي حُميد الساعدي قال: استعمَل رسول الله رجلاً من بني أسد يُقال له: ابن اللُّتْبيَّة – قال عمرو وابن أبي عمر: على الصدقة – فلمَّا قَدِم، قال: هذا لكم، وهذا لي أُهْدِي لي، فقام رسول الله على المنبر، فحَمِد الله وأثْنَى عليه، ثم قال: ((ما بال العامل نَبعثه فيأتي، فيقول: هذا لكم وهذا لي، فهلاَّ جلَس في بيت أبيه وأُمِّه، فيَنظر أيُهْدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده، لا يأتي بشيء إلاَّ جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرًا له رُغاء، أو بقرة لها خُوار، أو شاة تَيْعَر))، ثم رفَع يديه؛ حتى رأَيْنا عُفْرتَى إبطَيه: ((ألا هل بلَّغْت؟!)) ثلاثًا؛
وروى فرات بن مسلم قال: اشتهى عمر بن عبد العزيز التفاح فلم يجد في بيته شيئًا يشتري به، فركبنا معه، فتلقاه غلمان الدير بأطباق التفاح، فتناول واحدة فشمها ثم ردَّ الأطباق، فقلت له في ذلك فقال: لا حاجة لي فيه فقلت: ألم يكن رسول الله وأبو بكر وعمر يقبلون الهدية؟ فقال: إنها لأولئك هدية وهي للعمال بعدهم رشوة”. لذلك فهدايا العمال أي الحكام غلول . وكان عمر يعيش على دريهمات رغم أنه كان أميراً قبل وابناً للخلافة ويقال إنه كان له سراجان للبيت، إذا كان له مصلحة خاصة يضيء سراجه الذي اشترى زيته من ماله، وإذا كان يعمل للدولة حينئذ يستفيد من أموال الدولة. هكذا كان سلفنا الصالح ولذلك استطاعوا أن يحققوا حضارة لا مثيل لها بعد أن قضوا على الفساد الإداري بأنواعه الثلاثة على جميع المستويات.
الخطبة الثانية
ولي في هذه الخطبة الثانية عدة كلمات موجزات حول عالمنا الاسلامي
الكلمة الأولى: القضية التي لا يجوز لنا أن ننساها أبداً، هو ما يحدث في سوريا، كل يوم يزداد القتل للشعب والتدمير والتشريد والاغتصاب وغيرذلك مما يندى له جبين الإنسانية، وكل ذلك في سبيل حاكم واحد أخذ حكمه بدون سببب مشروع، وحتى غير الدستور خلال خمسة عشرة دقيقة ليصبح حاكماً، فإلى متى تصبر الدول العربية والإسلامية؟ وإلى متى تعلق آمالها على الأمم المتحدة والغرب، وهم لا يريدون أن ينتصر الثوار، لذا أملنا ودعاؤنا أن يوفق الله إخواننا الحكام الذين يجتمعون في دوحة الخير ودوحة الوقوف مع المظلومين والثورات العادلة, أن يكون هذا المؤتمر بادرة خير يترتب عليه بإذن الله تعالى تحقيق الخير، وتكوين قوة لحماية المناطق المحررة حتى يعيش فيها اللاجئون بسلام، وندعوهم لإيقاف هذا النزيف من الدماء وأن يعادوا هذا الظالم بعدما فعل ما فعل.
الكلمة الثانية حول العراق الذي يراد له أن تكون هناك فتنن طائفية ومشاكل بسبب تعنت الحكومة، لذا نطالب المؤتمر أن لا يترك العراق تماماً مع أنه تركوه من يوم احتلاله لآخرين، ولا ندري كيف هذا التعاون بين أمريكا وبعض الدول التي تدعي أن أمريكا هو الشيطان الأكبر، منسجمين تماماً بالنسبة للعراق.
والكلمة الثالثة حول بنغلاديش فإن بعضاً من كبار العلماء والمفسرين في بنغلاديش وتزيد أعمارهم من 80 حكم عليهم بالإعدام فعلينا بالدعاء لهم أن يفرج الله كربتهم
ولا ننسى قضيتنا الأولى قضية فلسطين والتي يحاول إسرائيل استغلال الوضع وأن تبلع ما بقي من القدس الشريف . مشاكلنا كبيرة ولكن الله أكبر من ذلك وتضرعنا إلى الله يفيدنا بإذن الله.