بسم الله الرحمن الرحيم
ايها الاخوة المؤمنون
جعل الله سبحانه وتعالى الرحمة سبباً للخير في كل هذه الحياة، كما أنها سبب لأجل الاخرة، والجزاء الأوفى عند الله سبحانه وتعالى، وقد أولى الاسلام عناية قصوى بالرحمة، ولكن الرحمة في نظر الاسلام ليست خاصة، وانما شاملة لكل محلوقات الله سبحانه وتعالى.
وقد بيّن الله سبحانه وتعالى في كتابه، ووضع ذلك في كتابه الجلي، حيث تبدا كل السور بهذين الكلمتين العظيمتين، وتأتي التسمية “بسم الله الرحمن الرحيم” في كل سور القران الكريم، كما أننا نقرأها عندما نصلي الصلاة المفروضة، فنسمي بهذه التسمية العظيمة، بل أن الله سبحانه وتعالى جعل هاتين الكلميتين في صلب أعظم سورة أنزل الله سبحانه وتعالى، السبع المثاني، وهي كلمة (الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم) بل الكلمة (الحمد لله رب العالمين) هي الرحمة نفسها، بل هي الرحمة العملية والرحمة التطبيقية التي يطبقها الله سبحانه وتعالى لهذا العالم كله، بإنسانه وحيواناته وجماده وسائر مخلوقاته ، فالله يربي هذه المخلوقات وينشئها شيئاً فشيئاً، ويعطيها لكل مرحلة ما يحتاج اليه هذا المخلوق ، فشملت هذه السورة التي هي سبع آيات تبدأ ببسم الله الرحمن الحيم وعند ابن عباس وغيرها إن بسم الله الرحمن الرحيم إحدى الايات من السبع، ثم بعد ذلك (الحمد لله رب العالمين) ثم الاية الثالثة (الرحمن الرحيم) ثلاث آيات عظيمات تتحدث حول هذه المسألة، وقوله (إهدنا الصراط المستقيم) هذا الدعاء بهذا الصراط، ثم يتحث عن هؤلاء الذين أنعم الله عليهم برحمته، وايضا تتحدث عن آثار هذه الرحمة بالقرب منه، فهذه إن دل على شئ ونحن نقرأ هذه الايات وجوبا، خاصة في الصلاة المنفردة، إلا حتى يتعلم المسلم الرحمة في حياته، وليست الرحمة بأقربائك أو بأولادك، كما ورد في حديث صحيح حينما يقول الرسول (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لا يَضَعُ اللَّهُ رَحْمَتَهُ إِلا عَلَى رَحِيمٍ ” ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كُلُّنَا يَرْحَمُ ، قَالَ : ” لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ صَاحِبَهُ يُرْحَمُ النَّاسُ كَافَّةً ” والذي يضع عليه الله الرحمة، وينزل عليه الرحمة، ويتغمده برحمته، هؤلاء الذين يرحمون، ولديهم الرحمة بكل شئ (إرحموا من في الارض يرحمكم من في السماء) بل إن الرسول يقول في حديث آخر (من لا يَرحم لا يُرحم) عموماً، وقد حذفت المفعول به للاستدلال بالعمومية على أي شئ .
وحُصرت رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالرحمة (وما أرسلناك الا رحمة للعالمين) ومن أهم هذه الرحمة هي هذا الخلق العظيم الذي شهد الله له بذلك ( وإنك لعلى خلق عظيم )
ويبين الرسول بأن إمرأة مسلمة دخلت النار في هرة حبستها، وإن إمرأة بغيّة رأت كلبا يحتاج الى الماء فسقته حتى ارتوى الكلب، فانظر الى هذه المقابلة بين هذه الجريمة العظيمة، البغاء، ومع هذه الرحمة، و كيف قابل الله بهذه الرحمة العظيمة لأنها قامت بتنفيذ هذه الرحمة، ثم هداها الله بالتوبة والقرب من الله سبحانه وتعالى.
هذه الاحاديث وغيرها تدل على أن الحضارات والمجتمعات، وأن الأسرة، والعلاقات الاجتماعية، وجميع ما يمكن أن ينجح فيه الانسان، لا يمكن أن ينجح نجاحا كليا الا من خلال الرحمة، فالمجتمعات تُبنى على الرحمة، ولا تُبنى على العنف والقوة، والقوة إنما لحماية المكتسبات، وليس لفرض الارادة لذلك لا يوجد شئ أعظم من الايمان، ومن الدين، ومن العقيدة، ومع ذلك لا يفرض بالقوة (لا إكراه في الدين) (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) اذا الطريق الوحيد لتوصيل هذا الدين هو من خلال مفتاح القلوب، ومفتاح القلوب عند جميع أهل العلم من علماء النفس والاجتماع وعلماء الشريعة والمفكرين هو الرحمة والاخلاق الفاضلة، ولا يمكن ان تدخل دينا في القلب الا اذا وجدت مفتاحه الخاص، وهي الرحمة والخلق الحسن والاخلاق الفاضلة، فبما ان هذا الدين أنزله الله تعالى ليكون للناس أجمعين لابد أن تكون افراد هذه الدين الذين يريدون لدينهم القوة والتمكين أن يكونوا ملتزمين بهذه الرحمة، التي كان الرسول ملتزما بها مع الناس، حتى مع الكفرة، وكان الكفار بالنهار يؤذون الرسول ايذاء شديدا حتى يرمون القاذورات على رأسه صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، والرسول في الليل يدعو لهم، بل يمتنع أن يدعو عليهم، ويمتنع أن يأتي ملك العذاب ليعذب أهل طائف،وهم أهانوا الرسول بينما الرسول يدعو بالدعاء والهداية لهم، لأنهم لا يعلمون هذه الرحمة الحقيقية، ولأن الرسول يعلم علم اليقين بأن لو هلك القريش فما الذي يستفيد بهلاكهم، وصبر الرسول، وخلق الله من اصلابهم بل هم أو معظمهم اصبحوا أداة عظيمة للرحمة، ودخلوا في الاسلام.
ويقول العلماء أن العناصر المكونة للحضارة ليست مجرد الانسان، أو البيئة، أو الارض، أو غير ذلك من القضايا المادية فقط، وإنما لابد أن يربط الانسان بالانسان القيم العقدية والقيم المجتمعية ومن أهمها الرحمة، وهذا ما ذكره القران الكريم في خطابه للرسول صلى الله عليه وسلم (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) هكذا كان الرسول، لذلك بنى الامة، وهكذا كان أبو بكر رضي الله عنه، حتى في وقت الحرب يرسل جيش اسامة ثم يوصيهم بوصايا العشر بأنهم لا يقتلون طفلا ولا امرأة ولا راهبا ولا يقطعون شجرة ولا ولا … ولا يقتلون إلا من يقاتلهم .
جميع آيات القتال في القرآن حتى في سورة التوبة مرتبطة بالاعتداء، أو بدفع العدوان على الدين أو على الانسان، أو غير ذلك، فآيات القوة تأتي لحماية المكتسبات، وحماية الحريات، وأول آية من القران الكريم تنزل بخصوص الجهاد هي لحماية العبادات وأماكن العبادات (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ( 39 ) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) اذا دفع العدوان لحماية اربع اماكن العبادات ثلاثة منها لغير المسلمين من اليهود والنصارى وغيرهم مما يسمىه الله بالصلوات ثم يأتي المساجد، فالجهاد يأتي لحماية حرية الناس، حتى يعبدوا ما يعبدون، لذلك أمر سيدنا ابو بكر أن تُترك من فرغ نفسه للصلوات، هذا هو الاسلام، فالاسلام لا يقصد الهيمنة، والجبروت وليس دين الاضطهاد وفرض الاشياء، وانما ينتشر الاسلام من خلال الرحمة والعدل ومن خلال القيم التي يؤمن بها السلام، ويبثها بين أتباعه، وبهذه الطريقة نستطيع ان ننشر الاسلام، وكثير من هؤلاء الذين دخلوا الاسلام ما دخلوها الا من خلال القيم ومن أعظمها قيم الرحمة.
الاسلام لم يتبنى الرحمة لأنها مجرد قيمة دينية، إنما لأنها الوسيلة المثلى والوسيلة العظمى لفتح القلوب، ولنشر الهداية والاسلام الذي أتى الله بهذا الدين للأمة، وحتى حينما يتحدث الله عن التمكين يربطه بالرحمة .
هذه الامة موعودة -مهما كانت المؤامرات- بالتمكين من الارض كلها وهي تمكين أن هذا الدين يبلغ مبلغ الشمس كما قال الله سبحانه وتعالى (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) فبهذه الرحمة وبالعبودية لله سبحانه وتعالى، والصلاح في حمل أمانة العدل والقيم، تصل هذه الامة الى التمكين من الارض جميعا وهذا هو الظاهر من الاية، لأن “ال” في كلمة الارض إما للجنس أو الاستغراق، وكلاهما يدل على أن التمكين يتحقق لهذه الأمة ولكن من خلال هذه الرحمة للعالمين
حينما تعجز البشرية بأن جميع الانظمة لم تحقق الرحمة كما هو الحال ولم تسطيع ان تحقق العدل السياسي، وأنظر الى الغرب كيف يتعامل معنا، فلم يستطيعوا ان يححقوا الرحمة الاقتصادية، وعجزت الانظمة الشيوعية والرأسمالية أن تحقق الرحمة، واليوم يزداد الفقر والفساد في العالم كله، وكل ذلك لأنه لا توجد هذه الرحمة، والبيئة تعاني كما كتب في ذلك الكثيرون منها فضيلة الشيخ الخليلي، واثبت بذلك بأدلة بان البيئة اليوم تعاني وتستغيث بالاسلام والمسلمين .
الخطبة الثانية
ليس لدي أي شك من خلال المتابعات والدراسات وما اسمع من اهل الخبرة والفضل وأهل العلم أن المؤامرة على الاسلام شاملة، ليست في الجانب السياسي فقط، وليست في الجانب الاقتصادي فقط وليست في الجانب الاجتماعي بل حتى في الجانب الاخلاقي، الذي امتاز بها الاسلام وتميز به المسلمون، كما كتب عن ذلك المؤرخون من غير المسلمين وشهدوا هؤلاء برحمة وعدل صلاح الدين ولم يثنوا على قوته بل برحمته بالاسرى والنساء. أن هذا الدين يغطي كل الجوانب السياسية والبيئية والاجتماعية، وفيها كل الخير، ولم يستطيع احد أن يأخذ على القران علميا نقطة واحدة بل كل من يريد أن يدرس القران لينتقده فإذا به يسلم.
ولكن شوه هذا الدين من خلال تصرفاتنا ومن خلال تصرفات بعض حكامنا وقادتنا، وعملوا بشعوبهم ما عملوا، كما في سوريا ومصر، فيذبح الناس ويقتلون ويذبحون ولا يرحمون ، ويحكم على الطلاب والطالبات بسنوات، ويحرق الناس في السيارات.
كان هناك احصائيات في الغرب بأن 67% من الغربيين يكرهون اليهود، ولكن هم نقلوا هذه الكراهية للمسلمين من خلال نوعين من التصرفات: تصرفات حكام مع شعوبهم، ولما اكتشف الغربيون أن هؤلاء لا يمثلون الاسلام، عادوا الى الجماعات الاسلامية المتطرفة الذي هو الوجه الآخر لتشويه الاسلام تماماً.
فما يفعل بهؤلاء الراهبات نحن ندينها، في أي مكان، فهؤلاء لا يقتلون ولا يخطتفون، وندين يُفعل في داخل سوريا ممن يسمى بداعش وغير داعش من هذه الجرائم، وما فعلوه في العراق أشد، وهؤلاء قتلوا من السنة أكثر من الشيعة، رغم أنه لا يجوز قتل أي أحد إلا بالحق.
فهؤلاء بحماقتهم وجهلهم وبتصرفاتهم لا يخدمون الاسلام، لأنهم يعطون صورة سيئة للاسلام والمسلمين بالاضافة الى التشويه وكذلك قتل هذه الجماعات لبعضها البعض أمر في غاية الخطورة
لذا يجب لعلماء الامة أن يكون لهم دورهم، وبفضل الله مجلس الامناء للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يضم عشرات الاف من العلماء سيجتمعون غدا وبعد غد فندعو لهم أن يوفقهم لإيجاد حل لهذه الامة لأنهم العلماء درء للدين.