بمناسبة انتهاء الاجتماع الثاني لمجلس أمناء أصدر الاتحاد العالمي لعلماء
المسلمين بيانا تلاه في المؤتمر الصحفي الدكتور علي القره داغي الامين
العام للاتحاد وتناول البيان القضايا الإسلامية التي تطرق إليها اجتماع
مجلس الأمناء ويعلن فيه عن قافلة برية الى غزة والاستعداد لتسيير القافلة
البحرية وكذلك رفض المساس بأمهات المؤمنين والصحابة ويحذر من إحياء الفتنة
الطائفية والمصالحة الشاملة بين الشعوب والقوميات على اساس العدالة وكفالة
الحقوق .
الشأن الفلسطيني
وقال فضيلة الدكتور القره داغي إن الاتحاد يتابع بقلق بالغ التطورات الأخيرة الجديدة الحاصلة في القضية الفلسطينية التي هي قضية الأمة المركزية، وهي الأخطر على مستقبلها، ويتمثل ذلك في موقف حكومة الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية من يهودية (دولة إسرائيل)، بمعنى أن تلك الدولة وما تضمه من مناطق وأراض هي وطن لليهود، الأمر الذي يعني إلغاء حق العودة، وتهديد وجود العرب الفلسطينيين، الذين بقوا تحت تلك الدولة منذ 1948م، كما يتضمن التسليم لما تدعيه الصهيونية من حق توراتي، وقد أضافت عليه الإدارة الأمريكية (اعتبار فلسطين هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي).
وأكد الاتحاد أنه في ظل هذه السياسة التي يراد فرضها على الفلسطينيين والعرب والعالم صدرت تصريحات متخاذلة تعطي مزيدا من التنازلات المجانية للعدو المغتصب، وما كان للكيان الصهيوني ومَن وراءه ليتجرأ على طلب الاعتراف بيهودية الدولة لولا مواقف عربية وفلسطينية مستسلمة.
وقال إن الجرأة الصهيونية على المضي في الاستيطان وطرد الفلسطينيين من منازلهم والحفريات تحت المسجد الأقصى وتهويد مدينة القدس، هي نتيجة طبيعية للقبول بسياسة الأمر الواقع، والتخلي عن الشعب الفلسطيني وتركه يواجه مصيره بمفرده، كما نجد في الحصار المفروض على غزة.
وأشاد الاتحاد بالخطوات الإيجابية للقوافل الإنسانية التي وصلت وتصل إلى غزة، ويثني على التجاوب المبارك مع هذه القضية من قبل القوى الحرة في العالم كله، وفي الدول العربية والإسلامية، فإنه يدعو إلى المزيد من هذه المواقف العالمية التي تكشف الصلف الصهيوني، وتعري سياسته الآثمة، وتضع العالم أمام مسؤولياته تجاه هذا الشعب الأعزل. كما يدعو الدول العربية والإسلامية وجميع أحرار العالم لرفع الحصار الظالم على غزة العزة ويعلن عن السعي لتسيير قافلة برية إلى غزة، اضافة إلى القافلة البحرية التي أعلن عنها سابقا والتي ماتزال تنتظر الموافقات الرسمية من المواني المعنية.
وأضاف د.القره داغي: الاتحاد اذ يستعرض مسيرة العملية السياسية والمفاوضات التصفوية منذ عشرين عاما ليتأكد له إيمانه الراسخ بأن الحل الوحيد مع العدو الصهيوني هو المقاومة الشاملة للوصول إلى تحرير فلسطين المحتلة كلها وإعادة الحقوق المغتصبة إلى أهلها.
ودعا الاتحاد الإخوة الفلسطينيين إلى أن يرصوا صفوفهم ويوحدوا كلمتهم، ويتجاوزوا حالة التجزئة والانقسام إلى موقف موحد يحفظ الثوابت الفلسطينية مهما كانت كلفتها وفي مقدمتها تحرير كل فلسطين.
كما ترحَّم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على شهداء فلسطين، ومنهم شهداء أسطول الحرية الذين قضوا مقبلين غير مدبرين ويدعو لتحرير جميع الأسرى لدى العدو الصهيوني واطلاق سراحهم، ويحمِّل العدو مسؤولية الحفاظ على حياتهم وصحتهم.
خطر يواجه الأمة
واعتبر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن الخطر الكبير الذي يواجه الأمة العربية والإسلامية في الأشهر القليلة القادمة يتجسد في الهجمة الآثمة التي راحت تستفرد بالسودان لغرض فصل الجنوب عن الشمال. فلولا الدعم الخارجي لدعاة هذا الانفصال وما تمارسه الإدارة الأمريكية من ضغوط على حكومة السودان والدول العربية، لما تطور الوضع إلى ما وصل إليه.
وقال إن مخطط التقسيم إذا ما تحقق، بفصل الجنوب وإقامة دولة فيه، سوف يؤدي إلى مزيد من تفتيت السودان بدعم انفصال مناطق أخرى، الأمر الذي يخطط له لتنتقل عدواه إلى دول الجوار، التي أخذت دعوات الانفصال تستشري فيها. وفي هذه الاثناء دعا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى توحيد كل القوى الداعمة للوحدة داخليا وخارجيا، من أجل الحفاظ على وحدة السودان، ويوصي بدعم ذلك من كل الدول العربية والافريقية والإسلامية، وكل أحرار العالم. ووقال البيان: علينا ألا نستسلم للأوهام التي يغذيها البعض بأن الدولة المنفصلة في الجنوب ستكون صديقة للعرب والمسلمين، وذلك من أجل تجنب وضع النقاط على الحروف، خوفا من إغضاب القوى العالمية المصرة على الانفصال والتجزئة.
وأكد الاتحاد إن الخطر الذي يهدد السودان في هذه الأيام تقف وراءه، بقوة وتصميم، قوى دولية صهيونية مما يتطلب كشف ذلك واستنكاره واتخاذ إجراءات فورية فاعلة، فالمخطط الصهيوني في السودان يستهدف تجزئة المجزأ، وتقسيم المقسم وطمس الهوية العربية والإسلامية.
ويدعو الاتحاد بحرص شديد السودانيين في الشمال والجنوب للمحافظة على السلام والتعايش والوحدة باعتبارها مصلحة للجميع.
كما يدعو الإخوة الجنوبيين أن يحكموا العقول، ويرجحوا المصالح المشتركة، فالوحدة قوة والانقسام ضعف.
الإرادة العراقية
وقال الاتحاد في بيانه انه تابع عن كثب ما كشفته وسائل الاعلام العربية والعالمية من مئات الآلاف من الوثائق التي تؤكد فداحة الظلم والعدوان على هذا الشعب المسلم العريق، ومحاولة تمزيقه والقضاء على سيادته ووحدته، ووزنه في المنطقة.. ومن جانب آخر فإن الأدلة تتضافر على أن احتلال العراق كان عملا عدوانيا لا مسوغ له وأن الذرائع التي تم إعلانها تهاوت واحدة تلو الأخرى.
وناشد الاتحاد القوى الوطنية المخلصة لان تضافر نحو تحرير إرادة البلد من الآثار السلبية للاحتلال وتصفية أي ارتهان سياسي أو أمني أو اقتصادي أو عسكري لقوى التوسع والعدوان، ودعا جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان إلى متابعة ما يقام من قضايا وملاحقات لكل من أثبتت الوثائق ضلوعه في جرائم بحق العراق والعراقيين وتشكيل لجان تحقيق مستقلة.
التدخلات في اليمن
وعلى الصعيد اليمني عبر الاتحاد عن انشغاله الكبير بما يجري في اليمن عمق جزيرة العرب من استفحال حالة الانقسام والتحارب، مما غدا يشكل خطرا حقيقيا على وحدة اليمن، وذلك رغم وجود قوى وحدوية صميمة في الحكومة والمعارضة، يمكن أن تلتقي على أرضية مشتركة لحفظ أمن البلد ووحدته من التجزئة باتجاه المحافظة على وحدة اليمن والتصدي للتدخل الأمريكي في شؤونه.. وفي هذا الصدد ندد الاتحاد بالتدخلات الأمريكية وغيرها تحت أية ذريعة، علما بأن هذه التدخلات المغرضة تعزز قوى العنف والتطرف والغلو داخل اليمن وخارجه، التي تستمد شرعيتها من إدعاء مقاومة التدخل الأجنبي.
وقال الاتحاد في البيان إنه ندد مرارا ولا يزال بأعمال العنف العشوائية التي تجري في اليمن وغيره من البلاد الإسلامية من قبل الحركات التكفيرية المتطرفة ويدعو المتأثرين بها الى تقوى الله في بلاد المسلمين ودمائهم وفي سمعة الاسلام التي تتعرض للتشويه وأعطوا بذلك ذريعة للتدخلات الأجنبية.
ودعا الاتحاد الحكومة اليمنية والشعب اليمني المعروف بالحكمة إلى المصالحة والمشاركة الحقيقية الكاملة لجميع مكونات الشعب واحترام حقوق الجميع.
وفي الشأن الباكستاني أعرب الاتحاد عن مخاوفه الشديدة من الوضع الذي تعيشه جمهورية باكستان الإسلامية، من التدخلات الأمريكية والعسكرية الأمنية، بحجة ملاحقة الإرهاب، ومن الاندفاعات الداخلية، التي تحضر لصراعات أهلية، فضلا عن حالة الاضطراب الأمني الخطير، وما أفرزته الفيضانات من معاناة أليمة لملايين من أبناء هذا البلد وفقرائه ونسائه وأطفاله.
ويدعو إلى الوقوف مع وحدة باكستان واستقلالها التام، ودعمها البرامج والمشاريع الوحدوية العلمية والعملية، وبرامج الإغاثة والمساندة للمتضررين، وإعادة التعمير ويحذر من إثارة النعرات العرقية والطائفية بين مكونات الشعب الباكستاني.
وقال الاتحاد إنه تابع ما نشرته مواقع إعلامية كثيرة من تقارير مؤلمة عما يدور على الساحة البنغلاديشية من محاولة إلغاء التعديل الخامس من الدستور الذي ينص على الإيمان بالله والثقة به، كما تبلغ باعتقال أعداد كبيرة من العلماء المعروفين ومن قيادات العمل الإسلامي وغيرهم والتهديد بمحاكمتهم كمجرمي حرب مما أثار الكثير من الاستياء على مستوى العالم الإسلامي والعالم الحر.
وأوضح الاتحاد أنه في هذا الاجتماع لمجلس الأمناء ناقش هذه التقارير وقرر تكوين لجنة لزيارة بنغلاديش، والاطلاع على الأوضاع عن كثب، وحث حكومة بنغلاديش على الحفاظ على الوحدة الوطنية والهوية الإسلامية التي تبقي بنجلاديش داخل محيطها الاسلامي وأمتها الاسلامية كما يدعو إلى الالتزام بمواثيق حقوق الإنسان.
الإصلاح العام.. ونشر الوسطية
وورد في البيان ان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يرى من مهماته الجليلة تصحيح الانحرافات الفكرية والسلوكية في العالم الإسلامي، وبذل الجهود الممكنة بكل الوسائل المتاحة في نشر الوسطية والاعتدال والوعي الرشيد والفهم السليم للشريعة، والالتزام بمحكماتها وقواطعها، وجمع المسلمين عليها حكاما ومحكومين، رجالا ونساء، والتذكير بطاعة الله ورسوله في الشأن الفردي والجماعي والشعبي والحكومي، ودعوة المسلمين كافة إلى الالتزام بالعبادات التي هي مصدر سعادة وفوز، وبالأخلاق الكريمة التي تحفظ وحدة المجتمعات، وتمنحها الروح الإيجابية، وتجعلها في مقام الأسوة والقدوة الكفيلة باستنهاض روح الامة حضاريا وبمقاومة الضعف والهزيمة الداخلية للوصول إلى التغيير المطلوب في الأنفس والسلوك (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
الأقليات الإسلامية
وأشاد الاتحاد بثبات الأقليات المسلمة على مبادئ دينها، وسعيها لتكوين المؤسسات العلمية والاقتصادية والاجتماعية التي تحفظ وجودها وتحقق انتماءها وبناء المساجد والمراكز التربوية الحاضنة لأجيالها كما يشيد بسعيها الرشيد للتعاطي بإيجابية مع المجتمعات المحيطة بها، والالتزام بالأنظمة والأخلاقيات الكريمة التي يتطلبها الإيمان بالله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وتحتمها ضرورة العيش في مجتمعات غير إسلامية.
وأعرب الاتحاد عن قلقه من تنامي ظاهرة الخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا)، والأعمال العنصرية المتطرفة التي تستهدف القرآن الكريم، أو النبي العظيم، صلى الله عليه وسلم، أو الوجود الإسلامي ومؤسساته، والمظاهر الإسلامية الإخلاقية في اللباس وغيره.
وحث الاتحاد تلك الدول التي تقع فيها الأعمال العدوانية ضد الإسلام والمسلمين إلى تحقيق مبادئ العدل والمساواة والحرية التي تنادي بها، وعدم ازدواجيةالمعايير، بما يحقق الأمن والامان للجميع، ويحمي الأجيال القادمة من الاستفزاز، ويثبت الاندماج الرشيد، والتنوع الإيجابي الذي هو ضرورة حضارية.
وأكد الاتحاد دعوته المستمرة برفع الظلم والاعتساف وتحقيق العدل والانصاف والحقوق المشروعة حسب المواثيق الشرعية والدولية، للأقليات المسلمة في كل مكان وبخاصة في فلبين وكشمير وتايلاند وميانمار
المصالحة الشاملة
ودعا الاتحاد مجدداً إلى إحياء المصالحة الشاملة بين فعاليات الأمة كافة، الحكومية والشعبية، العلماء والدعاة، الهيئات والمنظمات والحركات والشعوب والقوميات، على أساس من كفالة الحقوق، وتعزيز مناخ الحريات، وتوسيع قاعدة المشاركة، والتزام النهج السلمي قولاً وعملاً، وإرساء قواعد العدالة، وتنفيذ أحكام القضاء المستقل تنفيذاً فورياً، وتأكيد سيادة القانون واستقلال القضاء، وإلغاء قوانين الطوارئ، والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين ظلماً، وتيسير عودة المواطنين المهجرين، وتأكيد دور العلماء في إصلاح الأمة والدعوة إلى الله والالتزام بثوابت الأمة الدينية والوطنية، والدفاع عنها تعزيزاً لدورها، وقطعاً للطريق على المتربصين بها الدوائر.
واكد العلماء في بيانهم موقفهم الراسخ تجاه مشكلة افغانستان وهو خروج الاحتلال من هذا البلد المسلم العزيز والمصالحة لجميع مكونات الشعب الافغاني وأطيافه السياسية للوصول إلى حكومة وحدة وطنية.
أمهات المؤمنين
وأعلن الاتحاد عن رفضه الشديد للأصوات المنكرة التي تقيم احتفالات السب والشتم لأصحاب النبي وأزواجه، أمهات المؤمنين والتي تحرض على الفتنة وتؤسس لتمزيق نسيج الأمة وتعايش طوائفها، وتردد ما يقوله أعداء الإسلام عن تاريخ الإسلام ورجاله ورموزه.
وأشاد بالأصوات الحكيمة التي ترفض هذه الفتنة، وتقرر المبدأ الإسلامي في الثناء على الجيل الأول، والترضي عنهم، واحترام جهادهم، والتي أفلحت في عزل هذه الأحداث المنكرة، وتحجيم أثرها السيئ في تمزيق وحدة المجتمعات الإسلامية.
وحذر الاتحاد من إحياء فتنة الطائفية والمذهبية التي لا يستفيد من إثارتها الا المشروع الصهيوني الأمريكي ودعا إلى سد جميع الذرائع المؤدية إلى مثل هذه الفتن بالقول أو الفعل.