دعا فضيلة الشيخ د.علي محيي الدين القره داغي الى تفعيل الاخوة بين المسلمين وذلك خلال خطبة الجمعة بمسجد السيدة عائشة رضي الله عنها بفريج كليب موضحا ان الاستجابة لله هي اساس النجاة . وقال كثيرا ما يتردد على ألسنة الناس فيتساءلون لماذا كل هذه المحن والمصائب على أمتنا الاسلامية مع أنها أمة مؤمنة والامة الوحيدة التي لديها الوثيقة الوحيدة المحفوظة من عند الله سبحانه وتعالى وهي القرآن الكريم وهي الامة الوحيدة التي تعبد الله سبحانه وتعالى على منهج التوحيد في معظم مناحي الحياة إذن لماذا هذه الحالة ؟ فيجيب الله تعالى عن هذا السؤال في أكثر من آية فيبين أنه يريد من خلال هذه المصائب ومن خلال هذه المشاكل التي دائما من المفروض أن تجمع وتوحد ومن هنا تبتلى هذه الأمة بمثلها لأن الله سبحانه وتعالى لا يرضى لها أن تكون أمة ناقصة وإنما يريد لها أن تكون خير أمة أخرجت للناس ومن هنا تؤدب إن صح هذا التعبير كما يؤدب الانسان أولاده وكلما زاد الحرص زادت النصائح والاهتمام والتوجيه والتأديب إذن أين النقص؟ وأين الخلل في هذه الامة؟ فالله يبين أن هذه الامة مؤمنة ولكن حين لا تفعل ايمانها ولا تستجيب لما يريده الله سبحانه وتعالى لها من سنن النصر والهزيمة وسنن الله في تعمير الارض وسنن الله سبحانه وتعالى في الوحدة فيكون هذا حالها ورأى فضيلته انه حينما لا تكون هذه الاستجابة تكون هناك الفتن كما يقول سبحانه وتعالى “يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم”موضحا أن هذا الايمان وحده لا يكفي فإذا أدخلك الايمان في دائرة المؤمنين فإنه لا يدخلك في دائرة المستجيبين لا يدخلك في الذين يحيون حياة طيبة في الدنيا والآخرة حياة العزة والكرامة.

وقال القره داغي هذه الحياة تحتاج الى الاستجابة فإن الله سبحانه وتعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم يدعوكم لهذه الحياة على أن لا تكون حياتكم مثل ما تعيش هذه الانعام ولا تكونوا مثل الذين ليس لهم غرض الا العيش في الدنيا ولا حظ لهم في الآخرة إذن نحن أمام مرحلتين مرحلة الحيوانية ومرحلة الحياة الدنيوية فإن الله يريد لكم أن تتجاوزوا هاتين المرحلتين لتحيوا حياة طيبة في الدنيا ولتستمر هذه الحياة الطيبة أضعافا مضاعفة في جنة الله سبحانه وتعالى ثم يقول وكأن الله يرتب على عدم الاستجابة فإذا لم تستجيبوا الاستجابة الكاملة لما يريده سبحانه وتعالى وما يريده رسوله الكريم منكم فإن النتيجة هي(واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا ان الله شديد العقاب) الآية وقال:إذن نحن أمام أمرين، الأمر الاول الاستجابة لله سبحانه لتكون لنا الحياة الطيبة حياة العزة حياة الوحدة حياة الكرامة حياة النصر واذا لم نستجب فلنتق” فتنة” كلمة نكرة فتنة في العقائد والفرق والضلالات فتنة في الوحدة كما نرى أمتنا كيف تفرقت يمينا وشمالا فتنة الذل والمهانة التي تعيشها بعض أمتنا الاسلامية فتنة الاحتلال والاستضعاف وسيطرة الآخرين عن مقدراتنا إذن فتنة شاملة لأن الاستجابة لم تكن في مستوى ما أراده الله لهذه الامة الأمة الوسط التي هي خير أمة أخرجت للناس ومن هنا أكد الله سبحانه وتعالى أن أهمية هذا الايمان ليس مجرد كلمة تقال ولا حتى مجرد عبادات تؤدى رغم أهميتها انما الإيمان هو التفعيل هو الطاقة التي تحرك هذه الامة فيقول سبحانه وتعالى في آية أخرى مخاطبا المؤمنين ( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم اللآخر فقد ضل ضلالا بعيدا) فهو يشهد لك بأنك آمنت ويطلب منك أن تؤمن فما معنى هذا؟ ” يا أيها الذين آمنوا” أي آمنت على سبيل النظرية والجانب التعبدي ولكنكم لم تفعلوا ايمانكم الى جوارحكم الى منهجية صادقة الى عمل مبرمج يسير على ضوء هذا الإيمان و”آمنوا” اي فعلوا ايمانكم واجعلوا لهذا الإيمان طاقة وافعلوا على ضوء ما يقتضيه هذا الإيمان ليكون هذا الإيمان سلوكا في حياتكم ومفجرا لطاقات الخير والفعل الايجابي في حياتكم والعمل الصالح ولذلك عادة ما يقترن ذكر الإيمان في القرآن الكريم بالعمل الصالح (والعصر ان الانسان لفي خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) الآية ولفت القره داغي الى انه ان وجدت طاقة كهربائية وجد هنالك نور فكذلك الإيمان فمن المفروض أن يؤدي الى أعمال خيرة وصالحة وإلا بقي مجرد اقتناع نظري لا حياة فيه فالإيمان بدون عمل وبدون تفاعل هو غير كاف وهو وراء ما تعانيه أمتنا اليوم، ظلم المسلمين لبعضهم البعض قد يكون أشد من ظلم العدو كيف يكون الإيمان مفعلا ونحن نقرأ القرآن (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) الآية فهل تتحرك قلوبنا وتتفاعل مع المسجد الأقصى عندما نقرأ هذه الآية الكريمة وهل نحس بالخجل حكاما وشعوبا وأفرادا على ما يعانيه ويعيشه المسجد الأقصى وكذلك ونحن نعيش هنا والحمد لله ونسأل الله أن يزيد هذه البلاد من خيراته وأمنه واستقراره ولكن هل نشعر بما يعانيه اخواننا في كثير من بقاع العالم من فقر وجوع ومرض وهل يحركنا إيماننا الى أن نشعر بآلامهم وما يعانونه فهل شعرنا بما عاشه ولا يزال يعيشه اخواننا في باكستان في كارثة الفيضانات وهل فعلنا ايماننا بالوقوف معهم واغاثتهم والوقوف الى جانبهم في محنتهم هذه ” فليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل”.

وبين ان الإيمان له مقتضيات والإخوة الإيمانية تقتضي واجبات وعندما نطلق مصطلح الأخوة فلابد أن نكون صادقين مع أنفسنا فالاخوة ليست كلمة نقولها ونمضي وإنما هي علاقة ينجر عنها واجبات وحقوق وهكذا أنشأ الرسول صلى الله عليه وسلم جيل الصحابة عليهم رضوان الله ورباهم على هذه الحقائق بأن الإيمان التزامات، بأن الإيمان له حقائق وأن الأخوة الإيمانية لها مقتضيات ولذلك أول ما فعل لتحقيق هذه الأمور آخى بين المهاجرين والانصار فضحى الأنصاريون رضي الله عنهم بكل ما لديهم تقاسما مع اخوانهم المهاجرين الى الحد الذي جعل بعضهم يعرض على اخونه من المهاجرين أن يطلق احدى زوجاته ليتزوجها أخوه المهاجر فهكذا تكون الرعيل الأول من الصحابة وفتح على أيديهم العالم كله.