تعريف الملكية :


 


الملكية :


    هي العلاقة بين الانسان الذي خلقه الله تعالى لعبادته ، ولتعمير الارض واصلاحها على ضوء المنهج المستقيم ، وبين المال الذي خلقه الله تعالى وسيلة لتحقيق هذين الهدفين      ( العبودية والتعمير ) ولذلك فالملكية من الامور الاعتبارية النسبية مثل الابوة والبنوة .


  والملكية لغة نسبة إلى الملك ـ بكسر الميم ، وفتحها وضمها ـ وبالتالي فالملكية تجوز بالنطق بها بالحركات الثلاث ، ولكن معظم اللغويين يستعملون الملك بكسر الميم في ملك الاشياء ، وبالضم في ملك السلطنة ، والوصف من الاول : مالك وجمعه الملاك ، والوصف من الثاني ـ أي بالضم ـ ملك ـ بفتح الميم وكسر اللام ـ وجمعه ملوك[1] .


  وقد تكرر لفظ ( ملك ) ومشتقاته في القرآن الكريم كثيراً منها قوله تعالى : ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)[2] وفي قراءة ( ملك يوم الدين ) يقول الراغب الاصفهاني : ( الملك ـ بسكر اللام ـ هو المتصرف بالامر والنهي في الجمهور ، وذلك يختص بسياسة الناطقين ، ولهذا يقال : ملك الناس ، ولا يقال : ملك الاشياء ، وقوله ( ملك يوم الدين ) تقديره : الملك في يوم الدين ، وذلك لقوله تعالى : ( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)[3] والمِلْك ضربان : ملك هو التملك والتولي ، وملك هو القوة على ذلك ، تولى أو لم  يتول ، فمن الاول قوله تعالى : ( إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا )[4] ومن الثاني قوله تعالى : ( إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً)[5] فجعل النبوة مخصوصة ، والملك عاماً ، فإن معنى الملك هنا القوة التي بها يترشح للسياسة ، لا انهم جعلهم كلها متولين للامر ، فذلك مناف للحكمة ..)[6] .


  والملك بكسر الميم كالجنس للملك بضم الميم ، فكل مُلك مِلك وليس بالعكس ، والمملكة سلطان الملك ، والملك ـ بفتح الميم واللام ـ هو المتولي من الملائكة شيئاً ، مثل الملك ـ بكسر اللام ـ في الناس ، وعلى هذا فالملك أخص من الملائكة[7] .


   والمُلْكُ في اصطلاح الفقهاء عرف بعدة تعريفات قديماً وحديثاً[8] ، فقد عرفه الغزنوي بأنه : ( عبارة عن الاختصاص الحاجز )[9] ، وعرفه القرافي بأنه : ( حكم شرعي ، أو وصف مقدر في العين أو في المنفعة يقتضي تمكين من يضاف إليه من الانتفاع بالمملوك ومن المعاوضة عنه )[10]  ، وعرفه ابن تيمية بأنها : (القدره الشرعية على التصرف في الرقبة )[11] .


  ومن المعاصرين عرفه استاذنا الزرقا بأنه : اختصاص حاجز شرعاً يسوغ لصاحبه التصرف إلاّ لمانع )[12] فالمراد بكونه حاجزاً  أنه يحجز غيرالمالك عن الانتفاع والتصرف دون اذن المالك ، أما المانع الذي يمنع المالك عن التصرف هو نقص الاهلية كما في الصغير ، إذ يتصرف عنه وليه ، وحق الغير كما هو الحال للراهن في ماله المرهون ، والمدين المحجور عليه في ماله ، وهكذا .


  فهذه التعريفات وغيرها للملك أو الملكية التي ذكرناها ، وما لم نذكرها يمكن حصرها في توجهين ” توجه ينطلق من كون الملك حكماً شرعياً ( أي حكماً تكليفياً من حيث الاباحة ، أو حكماً وضعياً من حيث انه سبب لحل التصرف والانتفاع ) .


وتوجه آخر انطلق من الغاية من الملك ، وهو القدرة على التصرف[13] .


  وأياً ما كان فإن التعريف الجامع المانع في نظري هو أن الملك عبارة عن : اختصاص شخص بشيء اختصاصاً حاجزاً شرعاً يسوغ له الانتفاع فيه ابتداءً إلاّ لمانع .


   وأضفنا هنا لفظ ( شخص ) ليشمل الشخص الطبيعي ( الانسان ) والشخص الاعتباري الذي يملك ، وله ذمة مالية مستقلة وشخصية قانونية معنوية تملك وتتصرف باسمها ، كما أن التعريف بين بأن من مقتضيات الملك الانتفاع مع التصرف ، وليس التصرف وحده ، وكونه ( ابتداء ) ليخرج به الوكيل ، لأن تصرفه في ملك موكله جاء تبعاً لاذنه وليس ابتداء وأصالة ، وكذلك تصرف الولي في أموال مولاه ، حيث إن تصرفه فيها جاء تبعاً لاذن الشارع وحكمه .


 


تعريف الملكية في القانون المدني : 


  لم تقم القوانين المدنية العربية بتخصيص مادة للتعريف بالملكية ، ولكن يفهم من موادها المراد بها ، فمثلاً نصت المادة (802م.م) على أن : ( لمالك الشيء وحده في حدود القانون ، حق استعماله واستغلاله والتصرف فيه ) حيث يفهم من هذا النص أن الملكية عبارة عن حق المالك في الاستئثار بالشيء ، وذلك باستعماله ، واستغلاله ، والتصرف فيه في حدود القانون[14] . 


 


أنواع الملك :


يقسم الملك باعتبارات مختلفة إلى أقسام متنوعة ، ولكن أهم تقسيماته هو تقسيمه  باعتبار محله حيث يقسم بهذا الاعتبار إلى خمسة أقسام ، وهي :




  1. ملك الرقبة والمنفعة



  2. ملك الرقبة فقط



  3. ملك المنفعة فقط



  4. ملك الانتفاع



  5. ملك الحقوق ( المعنوية )


 


النوع الأول ـ ملك الرقبة ـ أي عين الشيء ـ والمنفعة ، أي حق التصرف الكامل في حدود الشرع فيه بالبيع والتأجير ونحوهما ، وهذا لا يتحقق إلاّ مع الملكية التامة الكاملة .


 


أسباب المكلية التامة :


  فقد تطرقنا في القسم الثاني إلى أسباب الملكية بصورة عامة ، ولكن الحاجة إلى الحديث عن أمرين مهمين ، هما : الركاز ، وإحياء الموات ، وهما يتملكان من خلال الإحراز :


 أولاً ـ الركاز ( المعدن والكنز ) :


الركاز لغة بمعنى المركوز ، وهو من الركز ، أي الخفي ، والمدفون في الارض ، وقال اللغويون ، الركاز هو ما ركزه الله تعالى في الارض من المعادن والكنوز[15] .


 وفي الاصطلاح : ذهب الحنفية إلى أن الركاز يشمل المعدن والكنوز المدفونة اعتماداً على معناه اللغوي[16] ، في حين ذهب الجمهور إلى أن الركاز هو خاص بما وجد مدفوناً من كنوز الجاهلية ، قال النووي : ( وهو ـ أي الركاز ـ دفين الجاهلية ) وحينئذ لا يطلق على المعدن[17] ، وقد عقد البخاري باباً سماه ( باب : في الركاز الخمس ، وقال مالك ، وابن ادريس : الركاز دفينالجاهلية ، في قليه وكثيره الخمس ، وليس المعدن       بركاز …)[18] .


  وهذا الخلاف يترتب عليه بعض الآثار الفقهية ، فعند الحنفية ، يجب في المعدن والكنوز الخمس أما الجمهور فقالوا : الخمس خاص بالكنز فقط ـ كما سيأتي ـ .


وأيا ما كان فإننا نذكر أحكام تملك المعادن والكنوز بشيء من الايجاز :


 1ـ ملكية المعادن


  اتفق الفقهاء على أن المعادن الموجودة في الأرض التابعة لبيت المال (أي الدولة) فهي مملوكة له ، وأن النظر فيها إلى الإمام (رئيس الدولة) أو من ينوب عنه في ذلك[19] ولكنهم اختلفوا فيما عدا ذلك على رأيين رئيسيين هما : 


 الرأي الأول : أن أمر المعادن كلها إلى الإمام (الدولة) يتصرف فيها حسب مصلحة الأمة وليست تابعة للأرض التي وجدت فيها ، وهذا رأي المالكية في المشهور عندهم ومذهب ابن القاسم ورواية مالك في المدونة ، قال العلامة الدردير : (وحكمه أي المعدن مطلقاً سواءً كان معدن عين أو غيره للإمام (أي السلطان أو نائبه) ، يقطعه لمن يشاء من المسلمين ، أو يجعله في بيت المال لمنافعهم لا لنفسه ، ولو وجد بأرض شخص معين ، ولا يختص به رب الأرض ، إلاّ أرض الصلح (أي بين المسلمين وغيرهم عند فتحها) إذا وجد بها معدن فلهم ولا نتعرض لهم فيه ما داموا كفاراً فإن أسلموا رجع الأمر للإمام)[20]        وقال الباجي : (وإذا أقطعه لأحد فإنما يقطعه انتفاعاً ، لا تمليكاً ، ولا يجوز لمن أقطعه له الإمام أن يبيعه ـ أن القاسم ـ ولا يورث عمن أقطعه له ، لأن ما لايملك لا يورث)[21] .


  وقد استدلوا بما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع لبلال بن الحارث المزني معادن القبلية[22] ، وهي من ناحية الفرع ، فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلى اليوم إلاّ الزكاة[23].


  ولكن هذا الحديث مرسل ضعيف جداً لا  ينهض حجة عند الكثير من أهل العلم ، فقال الشافعي : (ليس هذا ما يثبته أهل الحديث)[24] وقال الزيلعي : (قال أبو عبيد في كتاب الأموال “حديث منقطع”)[25] وهكذا قال ابن عبدالبر فقال : (هذا الخبر منقطع في “الموطأ” وقد روي متصلاً مسنداً)[26] .


  وحاول الحافظ ابن عبدالبر أن يدافع عن هذا الحديث ويجعله حسناً[27]، وهذا ما يفهم أيضاً من صنيع أبي داود حيث ترجم له : باب إقطاع الأرضين ، ثم روى بسنده عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن عن غير واحد أن (رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع لبلال بن الحارث….) وهو مرسل ، وهكذا رواه مالك في الموطأ مرسلاً ، ثم رواه بسند متصل ، وقال أبو داود : ( وحدثنا غير واحد عن حسين بن محمد ، أخبرنا أبو أويس ، حدثني كثير بن عبدالله عن أبيه ، عن جده أن النبي أقطع بلال بن الحارث…)[28] .


  والظاهر أن الحديث بمجموع طرقه ثابت في إقطاعه لبلال ، ولكن لا في أخذ الزكاة من المعادن وهذا ما قاله الإمام الشافعي حيث قال : (ليس هذا الحديث مما يثبته أهل الحديث رواية ، ولو أثبتوه لم تكن فيه رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ بإقطاعه)[29] .


  واستدلوا كذلك بأن المعادن من الذهب والفضة ونحوهما هي في جوف الأرض أقدم من ملك المالكين لها ، فلم يجعل ذلك ملكاً لهم بملك الأرض ، إذ هو ظاهر قول الله تعالى : (إِنَّ ٱلأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ )[30] لذلك فكل ما في جوف الأرض فيء لجميع المسلمين ، فيكون بمنزلة مالم يوجف عليه بخيل ولا ركاب[31] ، لقوله تعالى : (وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ)[32] .ومن جانب آخر فإن المعادن تتعلق بها مصالح الأمة فلا يجوز أن يتملكها الأفراد .


الرأي الثاني : هو أن المعادن تبع للأرض التي هي فيها ، فإن كانت الأرض مملكومة ملكية خاصة فوجد فيها المعدن فهو لصاحب الأرض وإن لم تكن مملوكة لأحد فيكون أمرها إلى الإمام يتصرف فيها حسب مصالح الأمة ، وهذا هو رأي المالكية في قولهم الثاني[33] وهو رواية سحنون عن مالك فعلى ضوء ذلك أن مالك الأرض يملك معدنها ، ولكن لا يملك المعادن التي توجد في أرض مباحة (أي أراضي الدولة) .


 وقد اتفق الحنفية ، والظاهرية والإمامية ، وبعض الشافعية ، مع هذا الرأي في حالة ما إذا كانت الأرض مملكومة ملكية خاصة حيث إن مالكها يملك المعادن الموجودة فيها[34] ولكنهم اختلفوا في المعادن الموجودة في الأرض التي ليست مملكومة ملكية خاصة على حسب كون المعدن ظاهراً أو باطناً :


1ـ فإن كان المعدن ظاهراً (أي خرج بدون علاج) مثل الملح والنفط والكبريت فإن الحنفية والشافعية والحنابلة والزيدية والإمامية[35] متفقون على أن المعادن الظاهرة لا تملك بالإحياء ، ولا يجوز إقطاعها لأحد من الناس ، ولا يثبت فيه اختصاص يستجير ، ولا إقطاع سواء كان إقطاع تمليك ، أو إرفاق لأنه من الأموال المشتركة بين الناس كالماء والكلأ[36] .


2ـ وأما إذا كان المعدن باطناً ـ أي ما استخرج بعلاج وكلفة ـ مثل الذهب والفضة والحديد ، والنحاس ونحوهما فإن الشافعية على الصحيح والحنابلة في ظاهر المذهب أنها لا تملك بالإحياء ، في حين ذهب الحنفية ، والشافعية في القول المرجوح ، والحنابلة في قولهم الآخر ذهبوا إلى أنها تملك بالإحياء[37] .


القسم الثاني : المعادن الباطنة ، وهي التي لا يظهر جوهرها إلاّ بالعمل والمعالجة ، كالذهب والفضة ، والفيروزج ، والياقوت ، والرصاص ، والنحاس ، والحديد ، وسائر الجواهر المبثوثة في طبقات الأرض……………. إذا ثبت هذا ، فالمعدن الباطن هل يملك بالحفر والعمل ؟ قولان ، لتردده بين الموات والمعدن الظاهر ، أظهرهما : لا ، رجحه الشافعي والأصحاب رضي الله عنهم)[38] .


 


المعادن في القوانين المعاصرة :


  تنص معظم القوانين المعاصرة على أن المعادن والمحاجر ملك للدولة ، فقد نص القانون رقم 86 لعام 1956 الخاص بأحكام المعادن والمحاجر في مصر على اعتبار المواد المعدنية التي توجد في المناجم والخامات التي توجد في المحاجر ملكاً للدولة ، واستثنت من ذلك مواد البناء ، وأن الأراضي المملوكة للأشخاص إذا وجد فيها معدن فإنه ملك للدولة لأنه خارج عن نطاق الملكية الخاصة ، لأنها تعتبر من دعائم الثروة التي يقوم عليها اقتصاد البلاد ، ولكن القانون نص على بعض القواعد التي تمنع الضرر عن المالك ، كما بين هذا القانون المواد المعدنية بأنها : (المعادن وخاماتها ، والعناصر الكيمياوية ، والأحجار الكريمة وما في حكمها ، والصخور والطبقات والرواسب المعدنية التي توجد على سطح الأرض أو في باطنها ، وكذلك المياه العدنية الخارجية من باطن الأرض إذا كان استغلالها بقصد استخراج مواد معدنية….)[39] .


 


الراجح :


  والذي يظهر لنا رجحانه هو رأي المالكية المشهور في أن المعادن بجميع أنواعها ملك للأمة التي تنوب عنها الدولة ، أو أن أمرها إليها تتصرف فيها حسب مصالح الأمة الإسلامية ، وانها إذا أقطعتها لجهة أو لشخص فلا يجوز أن يكون ذلك على سبيل التمليك التام ، وإنما يكون على سبيل إقطاع المنفعة لفترة زمنية محددة…. .


  وعلى ضوء ذلك فلا يملك الفرد المعدن بإحيائه للمعدن نفسه ، أو إحيائه للأرض التي وجد فيها المعدن ، ولكن إذا سمحت الدولة بإحياء المعدن بعوض أو بدونه حسب المصلحة فإنه يملك الناتج منه خلال الفترة الزمنية المحددة ، وحينئذ يكون الواجب فيه الخمس ـ على ما سيأتي تفصيله ـ .


  يقول الشيخ أبو زهرة رحمه الله في ترجيح هذا الرأي : ( هذا الرأي هو الرأي المأخوذ من لب الفقه الإسلامي ، ويستند إلى السنة ، وعمل النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يتفق مع المعاني الفقهية ، ومع التكافل الاجتماعي السليم ، ويتفق مع التكافؤ بين العمل ومقدار الثمرة)[40] .  


2ـ ملكية الكنز :


  ذكرنا فيما سبق عدة معان للكنز ، ولكن المعنى المناسب الذي قد تختلف زكاته عن غيره هو إطلاق الكنز على دفين الجاهلية ، أو المال المدفون تحت الأرض .


وعلى ضوء ذلك قسم الفقهاء الكنز باعتباره التأريخي إلى ثلاثة أنواع وهي الكنوز الإسلامية ، والكنوز الجاهلية ، والكنوز التي لا يعلم أنها إسلامية أو جاهلية ، ونحن هنا نذكر هذه الأنواع الثلاثة مع أحكامها بصورة موجزة :


النوع الأول : الكنوز الإسلامية وهي التي يغلب على الظن أنها للمسلمين ، مثل أن تكون عليها نقوش إسلاميةمثل كلمة الشهادتين ، أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، أو اسم ملك أو سلطان من المسلمين[41] .


  وقد اتفق الفقهاء على أن من عثر على كنز ثم وجد صاحبه فيجب عليه دفعه ، وإنما الخلاف في الكنز الذي لا يعرف له صاحب بسبب قدمه على رأيين :


الرأي الأول لجمهور الفقهاء ، وهو أن حكمه حكم اللقطة التي يجب على من وجده التعريف به لمدة سنة ثم بعد ذلك يتملكها عند جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية ، والحنابلة) خلافاً للحنفية الذين لا يجيزون تملك اللقطة والانتفاع بها إلاّ إذا كان الملتقط فقيراً ، لما في ذلك من تحقيق النظر من الجانبين ، نظر الثواب للمالك ، ونظر الانتفاع للملتقط ، وعلى الرأيين لو ظهر صاحبها يجب على الملتقط أن يرد إليه لقطته أو التعويض عنها[42] .


الرأي الثاني : أنه لا يأخذ حكم اللقطة ، وإنما يلزم واجده ان يحفظه أبداً ، وإن أمره إلى السلطان لحفظه واقتراضه لمصلحة ، وهذا رأي لبعض علماء الشافعية مثل القفال ، وحكاه إمام الحرمين عن الشيخ أبي علي السنجي قال : (فعلى هذا يمسكه الواجد أبداً ، وأن للسلطان حفظه في بيت المال كسائر الأموال الضائعة ، فإن رأى الإمام أبداً فعل ، وإن رأي اقتراضه لمصلحة فعل ….. وعلى هذا الوجه لا يملكه الواجد بحالٍ)[43] .


  وقد أوضح هؤلاء الفرق بين اللقطة وبين الكنز الإسلامي الذي لا يعرف مالكه فقالوا : (إن اللقطة تسقط من مالكها في مضيعة فجوّز الشرع لمالكها تملكها بعد التعريف ، ترغيباً للناس في أخذها وحفظها ، وأما الكنز المذكور فمحرز بالدفن غير مضيع فأشبه الإبل الممتنعة من السباع إذا وجدها في الصحراء فإنه لا يجوز أخذها للتملك)[44] وكذلك نجد للشافعية وجهاً قوياً آخر بعدم التملك في حالة أنه (إذا وجد غير مالك الساحة الكنز ، ولم يكن مالك الأرض محيياً ابتداءً وجهلنا محييها ، فهل يحل للواجد أخذه ؟ فيه وجهان ، أحدهما ، لا يحل ؛ لنه لم يصادفه في مكان مباح لا اختصاص به لأحد ، وهذا شرط) قال إمام الحرمين : ( والظاهر عندي ان الواجد لا يملكه) .   


  والذي يظهر لي رجحانه هو هذا الرأي الثاني القائل بأن الكنز الإسلامي الذي لا