بسم الله الرحمن الرحيم
 

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وخاتم الرسل والنبيين ، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين .

 وبعد :

 فإن تجارب المصارف الإسلامية خلال عقودها الثلاثة الأخيرة جديرة بالدراسة والبحث ، حيث استطاعت أن تشق طريقها على الرغم من كل المعوقات التي وضعت أمامها ، والهجمات التي شنت عليها من قبل أعداء المشروع الإسلامي بصورة عامة ، وأعداء البنوك الإسلامية بصورة خاصة ، بل استطاعت البنوك الإسلامية أن تحقق نجاحات في أكثر من صعيد ، وتثبت وجودها ليس على الصعيد المحلي ، والإسلامي فحسب ، بل على الصعيد العالمي ، وما اهتمام البنوك العالمية الكبرى وفتح بعضها لفروع إسلامية بل لبنوك إسلامية مستقلة إلا برهان على النجاح والعناية والاهتمام .

  فقد فتح أول بنك إسلامي في مدينة دبي منذ بداية عام 1975 ، ثم تبعته بنوك إسلامية أخرى حتى بلغ عددها اليوم أكثر مائتي بنك تستثمر مئات المليارات من الدولارات على مستوى الداخل والخارج .

 وعلى الرغم من كل ما تحقق من إنجازات ، وما أصابها من معوقات فإن هذه التجربة بعد مرور أكثر من ربع قرن عليها تحتاج إلى تقويم وتقييم ودراسات جادة ، بل وندوات ومؤتمرات لتوضح لنا معالم نجاح هذه التجربة ، ومكامن فشلها في بعض الأمور والمجالات .

  كما أن البنوك الإسلامية تحتاج اليوم إلى خطوات تقدمية أخرى فلا ينبغي أن تقف على ما وصلت إليه منذ عدة سنوات ، وذلك لأن من سنة الله تعالى في هذا الكون أن من لم يتقدم فقد تأخر كما قال تعالى :   ( لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر )[1] حيث لم يقل الله (أو يتوقف) لأن التوقف هو عين التأخر . وهذا التقدم يتطلب منا اليوم عدة أمور من أهمها

  1. دراسة تحليلية جادة لآليات البنوك الإسلامية من كل جوانبها والإتيان بالبدائل الجدية في كل مجال .

  2. عدم الاكتفاء بصيغ المرابحات والاستصناع والتمويل ، والانتقال إلى الصيغ الفعالة مثل المشاركات والمضاربات ،والبيع والسلم والإجارات ونحو ذلك ، وذلك لأن معظم المعوقات تأتي بسبب عدم التطوير في الصيغ والآليات .

  3. دراسة الأسواق الداخلية والخارجية ، والدخول فيها عن علم وبينة.

  4. تكوين بورصة إسلامية لتكون بمثابة الرئة للبنوك الإسلامية يتحقق من خلالها زفيرها وشهيقها .

  5. توحيد البنوك الإسلامية ، وتقوية الاتحاد العالمي للبنوك الإسلامية ودعمه بكل ما ينهض برسالته ويقوى ساعده ، حتى يكون قادراً على النهوض بما أنيط به ، وعلى التحديات التي تواجهه .

  وذلك لأن عالمنا اليوم يعيش عصر العولمة ، وعصر الاقتصاد العملاق ، والشركات العملاقة ، حيث نرى أن أوربا الغربية كلها اتحدت واتخذت لنفسها عملة واحدة (يورو) وتداخلت الشركات والبنوك العملاقة بعضها في بعضها حتى تكونت بنوك يصل رأسمال أحدها مئات المليارات بل قد يصل إلى ترليون .

 ومن الطبيعي أن تكون للمصارف الإسلامية مشاكل وعقبات ، كما تحققت لها إنجازات ونجاحات فمن أهم هذه المشاكل والعقبات مشكلة الديون التي يتأخر سدادها لأي سبب كان ، حيث لا تستطيع فرض فائدة وزيادة بسبب التأخير أو التوقف عن السداد ، في حين لا توجد هذه المشكلة لدى البنوك التقليدية التي تتعامل بالفوائد ، حيث تحتسب الفوائد من بداية القرض إلى نهايته .

 والأخطر من ذلك هو أن يقوم العميل المدين بتأخير سداد ديونه للمصرف الإسلامي ، لأنه يعلم أنه لا يفرض زيادة أو فائدة عليه ، فيماطل وهو موسر حتى يستفيد أكبر قدر ممكن من المديونية .

 ولذلك يستحق الموضوع أن يبحث بكل جوانبه الفقهية والاقتصادية للوصول إلى حلول عملية مقبولة شرعاً .

 والله أسأل أن يوفقنا لما يرضاه ، ويسدد خطانا ويعصمنا من الوقوع والزلل في القول والعقيدة والعمل ، فهو حسبنا ومولانا فنعم المولى ونعم النصير .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

([1]) سورة المدثر / الآية (37)