فقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي الدولي (قرار رقم 64/2/7) ينص على أنه : (يجوز اتفاق المتداينين على حلول سائر الأقساط عند امتناع المدين عن وفاء أي قسط من الأقساط المستحقة عليه ما لم يكن معسراً ).      

 ويستند ذلك على آراء جمهور الفقهاء الذين يرون أن آجال الديون من حق المدين ولمصلحته ، فإذا تنازل عنه ، أو اتفق الطرفان على إسقاطه في حالة التأخير عن قسط ، أو قسطين فهذا جائز ، قال ابن عابدين : (فلو قال : أبطلت الأجل ، أو تركته صار الدين حالاً … )[1] بل جاء في خلاصة الفتاوى : (ولو قال : كلما دخل نجم ولو تؤد ، فالمال حال صح ويصير المال حالاً)[2] . 

 ومن جانب آخر فإن هذا الشرط ليس شرطاً مالياً وإنما هو مجرد تنازل عن زمن فلم يكن مانع شرعي أو من حيث الوقوع في الربا ، أو شبهته ، وهناك بعض الحالات يجوز للدائن وحده إسقاط الأجل عند بعض الفقهاء [3].  

 وأما آجال الديون بسبب موت الدائن ، أو المدين فيساقطه عند الحنفية والشافعية سواء كان موتاً حقيقياً أم حكمياً خلافاً لمالكية على المشهور ، والحنابلة في رواية بقاء الآجال وعدم سقوطها بالموت بناءً على أن الأجل حق للمدين فلا يسقط بموته كسائر حقوقه[4] ، كما يرى الحنفية والمالكية في قول ، والشافعية في الأظهر ، والحنابلة إلى أن الأجل يسقط بتفليس المدين [5]، كما يرى الحنفية والشافعية والحنابلة سقوط الأجل بجنون الدائن ، أو المدين أو أسره ، أو فقده كما ذهبوا إلى أن الأجل في المقرض غير لازمة [6].

 

تضمين المدين المماطل نقص قيمة العملة (التضخم) :

 إذا ماطل المدين الموسر ولم يدفع الدين في وقته ، ثم حدث بعد ذلك نقص في قيمتها (التضخم) فإن الراجح عند الله جواز أخذ الفرق بين سعر العملتين[7] وعلى ذلك فتوى العلامة ابن سعدي حيث قال : ( وما نقص بسعر لم يضمن ، أقول : وفي هذا نظر ، فإن الصحيح أنه يضمن نقص السعر ، وكيف غصب شيئاً وكان يساوي ألفاً وكان مالكه يستطيع بيعه بالألف ، ثم نقص السعر نقصاً فاحشاً فصار يساوي خمسمائة أنه لا يضمن النقص فيرده كما هو ؟ )[8].

 

أخذ ربح النقود المغصوبة لصالح مالكها :

 ذكر ابن قدامة مسألة لها أهمية حيث قال أنه يجوز : (وإن اتجر بالدراهم بأن غصبها واتجرها ، أو عروضاً فباعها ، واتجر بثمنها..فالربح لمالكها ، نقله الجماعة واحتج بخبر عروة بن الجعد ، وهذا حديث تعذر رد المغصوب إلى مالكه  ، ورد الثمن إلى المشتري ، قال جماعة منهم صاحب “الفنون” و “الترغيب” : إن صح الشراء ، وقال الشريف وأبو الخطاب : إن كان الشراء بعين المال ، فعلى الأول هو له ، سواء قلنا : يصح الشراء أو لا ،وسواء اشتراه بعين المال ، أوفي الذمة ،ونقل حرب في خبر عروة إنما جاز ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جوزه له ، وحيث تعين جعل الربح للغاصب ، أو المغصوب منه ، فجعله للمالك أولى ، لأنه في مقابلة ماله الذي فاته بمنعه ، ولم يجعل للغاصب شيء منعا للغصب ، وعنه : يتصدق به ، نقلها الشريف لوقوع الخلاف فيه (وإن اشترى في ذمته ثم نقدها فكذلك ) أي : فالربح لربه هذا هو المشهور ن لأنه نماء ملكه ، أشبه ما لو اشتراه بعينه )[9] . 

 

الخلاصة والبدائل :

لقد توصل البحث إلى ما يأتي :

  1. إن مطل الغني ظلم وحرام يستوجب عقوبات حددها الفقهاء العظام .

  2. غرامة التأخير عقوبة يكون ناتجها لخزينة الدولة ، وبالتالي تستبعد عن الحل والبديل إلاّ من باب دفع المدين إلى دفع دينه .

  3. أن الشرط الجزائي في الديون غير جائز ، وأنه يؤدي إلى ربا النسيئة المحرم شرعاً .

  4. أن اشتراط التعويض المالي عن التأخير في سداد الدين غير جائز سواء كان التعويض حدد بنسبة من الدين ، أو بمبلغ محدد أو لم يحدد وإنما أحيل تحديده إلى القضاء أو التحكيم ، أو إلى معيار يحدد نسبة من الربح الذي يتحقق لبنك من خلال فترة التأخير عن السداد .

  5.  أن حصول البنك الدائن على مبلغ من المال بسبب تأخير المدين عن أداء دينه غير جائز حتى ولو كان صادراً من المحكمة ، أو التحكيم .

  6. لا يجوز للبنك الدائن الاستتفادة من غرامة التأخير ، أو الشرط الجزائي ، وإنما يجب صرفها في وجوه الخير .

  7.  أن حصول البنك الدائن على جميع مصاريفه الفعلية وما تكبده من غرامات بسبب تأخير الدين يجوز تحميل المدين لها .

  8. يجوز تضمين المدين ما نقص من قيمة العملة بسبب التضخم .

  9. أن حلول الأقساط بسبب التأخير عن سداد قسط أو قسطين جائز كما صدر قرار المجمع الفقهي الدولي رقم 64(2/7)  .

 

البدائل المشروعة هي ما يأتي :

  1. تعاون البنوك الإسلامية فيما بينها في المعلومات المتوافرة عن المستثمرين ، والاتفاق على جعل المدين المماطل في القائمة السوداء .

  2. إشهار اسم المماطل في وسائل الإعلام .

  3. الأخذ بالوسائل الفنية للجدوى الاقتصادية للمشروعات الممولة .

  4. أخذ ضمانات كافية من الكفالة والرهن ونحوهما ومنها ربط الدين بكل ما لدى المدين من حقوق في البنك .

  5. الدخول مع المدين في شركة الملك عن طريق جعل الدين ثمناً لنسبة من عقار ، أو مصنع يملكه المدين .

  6. شراء عقار ، أو مصنع أو نحوهما من المدين بدينه ، وهذا جائز فهو بيع الدين للمدين بعين .

  7. الاستفادة من بعض صور بيع الدين الجائزة .

  8. الاستفادة من التأمين على الدين سواء كان في البداية ، أو في وقت آخر عن طريق شركات التأمين الإسلامي ، حيث إن ذلك جائز وتحمى للبنوك الإسلامية في حالات كثيرة [10].    

  9. إيجاد صندوق مشترك بين البنوك الإسلامية المتعاونة يكون خاصاً للديون المتعثرة ، أو المشكوك فيها .

  10. شراء العقار أو المصنع أو نحوهما من المدين بالدين ، ثم تأخيره تأخيراً منتهياً بالتمليك .

  11. الدخول في مرابحات جديدة أو عقود آجلة أخرى مثل الاستصناع ونحوه ، وبالتالي يلاحظ البنك الإسلامي الدائن في نسبة مربحة ، أو مرابحته ما فاته من أرباح في الدين السابق دون الربط بينهما .

  12. الاستفادة من القروض المتبادلة ، حيث يشترط البنك أن يقوم المدين بإيداع مبلغ مناسب في الجاري بحسب الزمن المطلوب ، وقد صدرت فتاوى من ندوة البركة الثامنة للاقتصاد الإسلامي بجواز القروض المتبادلة (الفتوى رقم 8/10) .

  13. زيادة نسبة الربح بالنسبة لمن يشك في مماطلته ، ثم إذا وفى بدينه يلزم برد ما دفعه من باب التنازل استئناساً بمسألة ” ضع وتعجل ” .

  14. الخروج عن عالم المرابحات ، والأوراق إلى الدخول في عالم التجارة والاستثمار والأسواق .

وأخيراً فإذا التزم البنك بالقواعد الفنية والإجرائية والوقائية فن التعرض لمخاطر التأجيل والمماطلة تكون قليلة ومعقولاً ومقبولاً لا يؤثر في الأرباح ولا يشكل نسبة خطيرة مع علمنا بأن التجارة لا تخلو من مخاطر كما أن لها أرباحاً . (فالغرم بالغنم) .

 

 

والله الموفق وهو أعلم بالصواب وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

              

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

([1]) حاشية ابن عابدين (4/177) والشرح الكبير مع الدسوقي (3/226) والمهذب (1/301) والمغني مع الشرح الكبير (4/346) والموسوعة الفقهية الكويتية (2/43

([2]) خلاصة الفتاوى ، ط. لاهور (3/54)

([3]) انظر : الفتح القدير ، ط. المينية (6/145)

([4]) يراجع : حاشية ابن عابدين (4/240 ، 287) والمهذب (1/327) والأشباه للسيوطي ، ص 329 والخرشي (4/176) والمغني مع الشرح الكبير (4/485) ط. المنار 

([5]) حاشية ابن عابدين (5/131) ومغني المحتاج (2/147) وكشاف القناع (3/438)

([6]) المراجع السابقة والموسوعة الفقهية الكويتية (2/46)

([7]) يراجع لمزيد من التفصيل حول التضخم : كتابنا : قاعدة المثلي والقيمي وأثرهما على الحقوق والالتزامات ، مع تطبيق معاصر على نقودنا الورقية ، ط. دار الاعتصام 

([8]) الفتاوى السعدية  ، ص 451 ، المشار إليها في بحث الشيخ ابن منيع ،ص 14

([9]) المبدع في شرح المقنع (5/187)

([10]) يراجع : د. علي القره داغي : بحثه عن التأمين علىالحياة المقدم إلىالندوة الثالثة لبيت التمويل الكويتي عام 1993