بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى اخوانه من الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله الطيبين ، وصحبه الميامين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
وبعد
فإن نوازل العصر كثيرة ، ومستجداته وقضاياه المعاصرة لا تعد ولا تحصى ، وهي تقتضي من أهل الذكر والعلم أن يجدوا لها الحلول الشرعية ، وأن يبينوا لها الأحكام التكليفية ، وذلك لأن المسلمين ملزمون شرعاً بأن يكونوا على بينة من حكم جميع تصرفاتهم من حيث الحل والحرمة والكراهة ، ومن حيث الوجوب ، والندب ، ومن حيث الصحة والفساد والبطلان.
والمسلمون سواء كانوا يعيشون في الغرب أم الشرق ، أم في أي مكان ، وسواء كانوا أكثرية أم أقلية ، أم جالية ، أم فرداً ملزمون بتطبيق شرع الله تعالى غاية وسعهم فقال تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً)[1] .
غير أن من رحمة الله تعالى الواسعة أن جعل دينه الخاتم رحمة للعالمين ، ووضع فيه عن الناس الإصر والأغلال والأحكام المشددة الصعبة ، التي كانت موجودة في بعض الشرائع السابقة ، فرفع عن هذه الأمة الاسلامية الحرج ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)[2] بل أقام دينه على اليسر والرحمة والتبشير فقال تعالى : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)[3] ولذلك شرع الله تعالى تخفيفات في الشعائر والأحكام عند وجود الحرج والأعذار والضروريات والحاجات ، أو ما يسمى بالظروف المخففة ، ومن هذه الظروف المخففة أن يعيش المسلم خارج الديار الاسلامية .
ومن هذا المنطلق تبحث المجامع الفقهية المهتمة بفقه الأقليات المسلمة ، أو المغتربين أو الجاليات الاسلامية عن الحلول المناسبة لهم في إطار الالتزام بأحكام الشريعة الغراء مع رعاية الظروف المخففة .
ومن هنا جاء تكليفي من قبل أخي الكبير فضيلة الأستاذ الدكتور علي السالوس ، نائب رئيس مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا بأن أكتب بحثاً حول أحد الموضوعات المقترحة لدورة المجمع الخامسة ، حيث كان اختياري لموضوع ( العمل في شركات التأمين ) في ظل مسيس الحاجة إلى التأمين ، وانعدام البديل الاسلام القائم على تجنب الفساد في هذه المعاملات حسبما جاء في خطاب التكليف .
وهذا البحث يقتضي أن نبحث بإيجاز واقع شركات التأمين في العالم الغربي ، ثم بيان حكمها العام ، ثم نتعرج إلى بيان حكم العمل والتعامل مع هذه الشركات .
والله أسأل أن نوفق جميعاً فيما نصبو إليه ، وأن يكتب لنا التوفيق في شؤوننا كلها ، والعصمة من الخطأ والخطيئة ، في عقيدتنا ، والاخلاص في أقوالنا وأفعالنا ، والقبول بفضله ومنّه لبضاعتنا المزجاة ، والعفو عن تقصيرنا ، والمغفرة لزلاتنا ، إنه حسبنا ومولانا ، فنعم المولى ونعم الموفق والنصير .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) سورة الأحزاب / الآية36
([2]) سورة الحج / الآية78
([3]) سورة البقرة/الآية185