الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى اخوانه من الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله الطيبين ، وصحبه الميامين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

وبعد

فإن البنوك الإسلامية تمر اليوم بحالتين أساسيتين :

إحداهما : حالة الازدهار والنماء والتمدد الكميّ من حيث عدد البنوك التي زادت إلى اربعمائة بنك ، والفروع التابعة للبنوك التقليدية التي لا تعدّ ولا تحصى ، إضافة إلى مئات الصناديق والمحافظ الاستثمارية ، ومن حيث زيادة الأموال المستثمرة التي بدأت البنوك الاسلامية بخمسين مليون درهم إماراتي من خلال أول بنك إسلامي في دبي عام 1975م ووصلت الآن إلى أكثر من اربعمائة مليار دولار .

الحالة الثانية : حالة القلق والخوف أو الاتفاق من قبل المخلصين لها بسبب عدم وجود تطور ملحوظ في آلياتها وعقودها ، بل حالة التراجع لدى بعض البنوك الاسلامية أو الفروع التابعة للبنوك التقليدية ، حيث بدأت هذه البنوك بالمرابحات ، وأجيزت المرابحات الدولية ـ مع أنها لا تحقق أية فائدة للأمة ، بل تفيد مجموعة من الوسطاء والبنوك الغربية ، ناهيك عن أنها تتعامل في الأوراق وليس تعاملاً في الأسواق ـ ، باعتبارها ضرورة ، او حاجة ملحة تحتاج إليها البنوك الاسلامية في بدايتها لتحقيق السيولة المطلوبة ، ولا سيما أنها كانت عدداً محدوداً ، وإذ بهذه البنوك أو الفروع بدل أن تتجه نحو الاستثمار الحقيقي والتنمية ترتد نحو الوراء ، فتقر التورق المصرفي المنتظم عن طريق المرابحات الدولية ، فعلى سبيل المثال لدينا في قطر فرع إسلامي لأحد البنوك التقليدية لا يعمل سوى التورق المصرفي المنتظم عن طريق المرابحات الدولية ، فإذا ذهب عميل إليه لبناء مبنى ، أو شراء سيارة ، أو أية بضاعة ، يقول له الموظف المختص : بعد مسألة الائتمان المصرفي والضمانات ، لا حاجة لنا في هذه المعاملات ، ولكن وقع لنا على هذه الأوراق ، وارجع لنا غداً ، أوبعد ساعتين فتجد ما أرَدْتَهُ في حسابك الخاص ، فيوقع العميل ويأتي في الموعد المحدد فيجد في حسابه المبلغ المطلوب وهو أصبح مديناً بالمبلغ وفوائده إضافة إلى مصاريف عملية التورق .

  علماً بأن هذا الفرع لا يحتاج إلاّ إلى عدد قليل جداً من الموظفين ، فليس بحاجة إلى موظفين للمعاينة ، والبيع والشراء ، ولا موظفين لتقييم العقارات أو نحوها ، بل ليس لديه حتى المدقق الشرعي الداخلي ، ولكن له هيئة شرعية أصدرت له فتوى واحدة أغنتهم عن أي فتوى .

  هذه حالة واحدة من المشاكل التي بدأ الناس يتحدثون عنها ، ويعممونها على البنوك الجيدة  فيقولون : لا فرق بين البنوك الاسلامية والبنوك التقليدية إلاّ زيادة الفوائد وبعض الاجراءات الشكلية ، على الرغم من أن معظم البنوك الاسلامية ـ والحمد لله ـ لا زالت ملتزمة ، وهنا علت أصوات المخلصين من العلماء ومن الرعيل الأول من المستثمرين الاسلاميين الذين عايشوا التجربة بكل تفاصيلها خوفاً وإشفاقاً وحلاً وعلاجاً …

  فهذه الحالة الأخيرة السلبية مع الحالة الأولى الايجابية تستدعيان عقد الندوات ، بل المؤتمرات لحل هذه المعضلة .

  ومن هنا تأتي مبادرة الأمانة العامة للهيئة الشرعية الموحدة مشكورة لتكون تطبيقات العقود الشرعية في البنوك الاسلامية أحد موضوعات الندوة التاسعة والعشرين لمجموعة البركة المصرفية لهذا العام 1428هـ ، ليناقش العلماء في الشهر الفضيل في صفاء ونقاء ورحانيات عالية هذه التطبيقات لاقرار ما هو صالح للتطبيق  ومتفق مع مقاصد الشرعية والأهداف العليا التي وضعت للبنوك الاسلامية .

  وكلنا أمل في توفيق الله تعالى لهذه الثلة المباركة من العلماء أن يقوموا بترشيد أعمال البنوك الاسلامية نحو ما يصبو إليه ديننا الحنيف ، ونحو ما يجعلها انموذجاً يحتذى به ، ويقطعون بذلك ألسنة المشككين في جدوى البنوك الاسلامية ، والفرق بينها وبين البنوك الربوية ، ويضعوا حدّاً لاستغلال اسم البنوك الاسلامية من قبل من لا يؤمن بها أساساً .

  وكان من نصيبي من هذا التشريف أن كلفتني الأمانة العامة ببحث ( تطبيقات الوكالة والفضالة والمرابحة العكسية ) ، وقد جاء في خطاب التكليف ما يأتي : ( لا يخفى دور الوكالة في العمل المصرفي الاسلامي ، باعتبارها قسيماً للمضاربة في تلقي المؤسسات المالية الاسلامية للأموال ، وهي أيضاً وراء معظم الخدمات التي تقدمها المصارف ، فضلاً عن أنها تمكن المؤسسات المالية من القيام بإبرام العقود عن المتعاملين أو تكليفهم بذلك عند الحاجة .

ومن الأمور التي يؤمل أن يتناولها البحث في الموضوع :

  1. تحديد أجرة لوكالة بمبلغ أو بنسبة من المبلغ الموكل باستثماره أو بتقديم الخدمة بشأن .

  2.  منج حافز للوكيل ـ بالاضافة إلى أجرته ـ بإعطائه بعض أو كل الربح الزائد عن نسبة معينة .

  3.  الوكالة بالمرابحة التي يكون فيها المتعامل موكلاً للبنك المشتري بالمرابحة (المرابحة العكسية)

  4. الوكالة بالاستثمار بالمرابحة بربح لا يقل عن نسبة معينة وما يستحقه الموكل من الربح عن المخالفة .

مع أي تطبيقات أخرى للوكالة مما لم يشتمل عليه المعيار الشرعية للوكالة الصادر عن هيئة المحاسبة AAOIFI ).

  ونحن نقسم هذه الموضوعات إلى ثلاثة أقسام ، نتحدث في القسم الأول عن الوكالة في الفقه الاسلامية والقانون الوضعي وخصائصها بإيجاز شديد ، لننطلق مباشرة إلى تطبيقات الوكالة في بعض البنوك الاسلامية مركزين على النقاط الأربع المذكورة في  خطاب التكليف .

  وأما القسم الثاني فيخصص للفضالة ، وما يجري تطبيقها في البنوك الاسلامية ، ولا سيما في الاعتمادات المستندية الخارجية .

  وبالتالي فيكون القسم الثالث مخصصاً للمرابحة العكسية التي ظهرت جديداً وكيفية تطبيقها في بعض البنوك الاسلامية .

    والله أسأل أن يوفقنا جميعاً فيما نصبو إليه ، وأن يكتب لنا التوفيق في شؤوننا كلها ، والعصمة من الخطأ والخطيئة في عقيدتنا ، والاخلاص في أقوالنا وأفعالنا ، والقبول بفضله ومنّه لبضاعتنا المزجاة ، والعفو عن تقصيرنا ، والمغفرة لزلاتنا ،  إنه حسبنا ومولانا ، فنعم المولى ونعم الموفق والنصير .