القسم الثالث

المرابحة العكسية ( المراجحة ) وتطبيقاتها

 

فقد طالعتنا الصحف وبخاصة الصحف الاقتصادية الخليجية ، وفي مانشيتاتها العريضة :

ابتكار منتج جديد اسمه : المراجحة

وفي بعضها :          

تطوير منتج جديد اسمه : المرابحة العكسية

وكتبت في الخط الثاني :

ودائع مضمونة بنسبة 100 % مع أرباحها المحددة ، مجازة من الهيئة الشرعية

 

   وحقاً ودون مبالغة فقد تلهفت لمعرفة هذين المصطلحين اللذين لم أسمع بهما مع تشرفي بمعايشة الفقه الاسلامي والاقتصاد الاسلامي ( وحتى القانون ) منذ أكثر من 45 عاماً ، وقلت في نفسي : أنا أعرف المرابحة ، ولكن لأول مرة أسمع بالمرابحة العكسية ، ولم أسمع أبداً بالمراجحة ، لذلك بدأت فوراً بالبحث عنهما حتى أتعلم فالعلم من المهد إلى اللحد .

  وحينما أتي لي بعقودهما فوجدتهما هي : المرابحة بالاسم ، ولكنها غيّر اسمها ، وأُلبست هذا الثوب الجديد .

  وقد اشتهر عندنا في قطر من خلال بنك الريان اسم ( المراجحة ) في حين اشتهر اسم (المرابحة العكسية ) في الكويت من خلال بنك بوبيان ، حتى كتب أحد أعضاء الهيئة الشرعية لبنك بوبيان تبريراً لذلك فقال : ( فقد قام بنك بوبيان في الآونة الأخيرة بتطوير منتج جديد ومبتكر ، وهو عبارة  عن استثمار أموال المودعين عن طريق عقد الوكالة في الاستثمار ، فعقد الوكالة في الاستثمار من العقود الشائعة والمنتشرة بين المؤسسات المالية المختلفة ، إلاّ أن الجديد في بنك بوبيان هو استخدام هذه الصيغة في استثمار أموال المودعين حيث إن الصيغة المعهودة في استثمار أموال المودعين في البنوك الاسلامية هي صيغة المضاربة طوال السنوات الماضية ، فكون بنك بوبيان يقوم باستخدام صيغة أخرى في استثمار أموال المودعين بالاضافة إلى صيغة المضاربة يعدّ بحدّ ذاته تطويراً وتنويعاً في صيغ الاستثمار ).

  

ملاحظاتنا على هذه الصيغة المبتكرة ! !

  إن هذه الصيغة ليست مبتكرة ، ولا فيها جديد سوى جمع بين عدة عقود ينتج منها منتج يقضي تماماًً على مصداقية  البنوك الاسلامية ، وتمييزها عن البنوك الربوية ، ويفتح الأبواب لنقد البنوك الاسلامية على مصراعيها ، فهو يجمع بين الأشياء التي هي محل انتقاد شديد من الأصدقاء والأعداء فهو يجمع بين التورق المنتظم ـ الذي صدر بتحريمه قرار من المجمع الفقهي الاسلامي التابع لرابطة العالم الاسلامي بمكة المكرمة ـ ، وبين المرابحات الدولية اليت تلفها الشبهات من كل جانب ، وتحيط بها المشاكل من كل طرف ، وبين التعاقد مع النفس التي منعها المعيار الشرعي لعقد الوكالة ،  وبين إلزام الوكيل بالمرباحة بنسبة محددة ، وتضمينه رأس المال النسبة المتفق عليها مسبقاً ، فهو يقضي على آخر حِصْن بقيت فيه عقود المضاربة ، وهو : الودائع الاستثمارية .

  وقد حاولت بعض البنوك الاسلامية ، والفروع الاسلامية التابعة للبنوك التقليدية أن تحصل على موافقة مصرف قطر المركزي على منتج المراجحة ، أو المرابحة العكسية ، فلم يوافق عليه ، بل أرسل خطاباً إلى الهيئات الشرعية بتأريخ 30/04/2007م يستفسر عن مدى مشروعيته جاء فيه كلام جميل وهو : ( وما إذا كان يمكن للبنوك الاسلامية تغيير أسلوب قبولها ودائع العملاء ، من أسلوب المضاربة الشرعية القائمة على المشاركة في الأرباح إلى أسلوب المرابحة العكسية القائمة على خلق التزامات ثابتة يضمنها البنك لأجل ، وبعائد محدد) .

  وحقاً إنه تحول غريب فبدل أن تسير البنوك الاسلامية نحو تحقيق الأهداف الأساسية للاقتصاد الاسلامي ، من تحقيق التنمية الشاملة وتطبيق آلياته من المشاركة والدخول إلى عالم الأسواق الحقيقية بدأت بعض البنوك والفروع الاسلامية تريد أن تسير على خطى البنوك الربوية شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، ولكن مع تغيير الأسماء والمصطلحات ، حتى لو دخلت جحر ضبّ لدخلته بعض هذه البنوك[1] ، ولذلك تبحث عن المضاهاة في كل شيء ، حتى قال أحد كبار العلماء المعاصرين أمام هذه الهرولة : يكاد يصدق عليها قول بني اسرائيل لموسى عليه السلام : (اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ)[2] .

  والغريب أن هذه التبعية من هذا البعض ليست في الأمور الجيدة ، ليست في الابداع في التنمية وخدمة العملاء ، وإنما كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الدخول إلى جحر الضبّ الذي هو أكثر الجحور فوضى وعدم تنظيم ، وليست التبعية في الأمور الجيدة وفي الحكمة التي هي ضالة المسلم .

 

آليات وخطوات المرابحة العكسية :

    يأتي العميل إلى البنك ، ويريد أن يحصل على ضمانات كافية لماله الذي يودعه في البنك الاسلامي ، ويعرف بالضبط نسبة عائده ، والحقيقة أن المباردة كانت من هذه البنوك صاحبة المنتج الجديد ، حيث طلبت من العملاء : من أراد أن يحصل على ضمان ودائعه ، وضمان نسبة أرباحها فعليه أن يتقدم بطلب .

  وأياً ما كان فإن العميل يأتي إلى البنك ، ويتبع الخطوات الآتية في الفقرات الآتية ، حسبما ذكره خطاب مصرف قطر المركزي :

  1.   توكيل من العميل بشراء سلع ” دولية ” نقداً لحساب العميل ، وتوكيل البنك ببيعها لنفسه بأجل محدد ، وعائد محدد بأسلوب المرابحة .

  2.   تقديم العميل الأموال للبنك ( وهذه الخطوة يمكن أن تتقدم أو تتأخر ) .

  3.   قيام البنك بشراء السلع نقداً بأموال العميل ، وبيعها لنفسه ” البنك ” من خلال عقد مرابحة محدد الأجل والعائد[3] .

  4.    قيام البنك بتسييل السلع التي اشتراها من العميل ببيعها ، والحصول  على القيمة النقدية الفورية لها .

  5.  استخدام البنك للأموال التي حصل عليها من البيع الفوري لهذه السلع من مصادر أمواله الأخرى ( أموال المضاربة العامة للبنك ) في تقديم خدمات التمويل والاستثمار في جانب الموجودات .

 

هذه هي الخطوات العملية التي سجلها مصرف قطر المركزي بدقة ووضوح ، وهي تتضمن ما يأتي :

‌أ-       التورق المصرفي المنتظم الذي صدر بتحريمه قرار من المجمع الفقهي الاسلامي التابع لرابطة العالم الاسلامي .

‌ب- إن قيام البنك بشراء السلع نقداً بأموال العميل وبيعها لنفسه مباشرة ، ممنوع شرعاً ، كما جاء في معيار الوكالة الشرعي:من أنه ليس للوكيل أن ينوب عن طرفي التعاقد…

‌ج-   المرابحة في السلع الدولية ” التي ذكرنا مشاكلها في القسم الأول من هذا البحث” .

‌د-  قلب لنظام البنوك الاسلامية ” كما جاء في خطاب مصرف قطر المركزي ” … ؛ وذلك لأن الفارق الجوهري الذي نركز عليه دائماً أمام الناس  : أن الودائع الاستثمارية في البنوك الاسلامية تقوم على المضاربة الشرعية التي تحتمل الربح والخسارة ، وأن الربح ليس محدداً ، وإنما حسب النتائج الواردة ، ولذلك كانت البنوك الاسلامية توزع في بعض السنوات 8% وفي بعضهال أقل أو أكثر ، أما هذا المنتج الجديد فقد انتهى فيه كل شيء ، فالعميل اتفق مع البنك على نسبة محدد فلنفرض 5% فليس له الحق في الزيادة مهما ربح البنك ، ولا عليه الخسارة مهما خسر البنك ، أليس هذا هو مثل منتج القرض بفائدة مع فارقين أساسين ، وهما :

 

الفارق الأول : أن القرض بفائدة ظاهر وواضح ولا يحمل اسم الاسلام ، ولم يلبس جبة ولا عمامة ، وأما المنتج الجديد فقد حمل اسم الاسلام وشعاره وعنوانه .

والفارق الثاني: أن منتج القرض بفائدة لا يحتاج فيه العميل إلى أكثر من إيداع المبلغ في الحساب والتوقيع على عقد القرض بفائدة ، أما هذا المنتج فيحتاج إلى لفة طويلة من العقود ، والعمولات والتوقيع على عدة عقود ، حسبنا الله على هذه الحيلة التي تقضي على البنوك الاسلامية ـ .

 

هـ ـ إن هذا المنتج فيه إلزام الوكيل بالشراء بالمرابحة بنسبة محددة ، مع تضمينه إن خالف ، وبالتالي فإن ما قلناه فيه في السابق يطبق على هذا المنتج.

 

والخلاصة :

   أن هذا المنتج يتضمن بعض عقود لو انفردت لما قلنا بتحريمها ، ويتضمن عقوداً وتصرفات وشروطاً محظورة ، منها : التورق المصرفي المنتظم ، والشراء للنفس ، ولذلك حينما اجتمعت هذه العقود والاجراءات أصبح المنتج عبارة عن منظومة متكاملة لما وسع  فقيها ينظر إلى مقاصد الشريعة الاسلامية أن يجيزه ، فهو ـ كما قلت ـ أشبه بالقرض بفائدة ، ولا يختلف  عنه إلاّ في الفارقين المذكورين سابقاً .

  ولكن الأخطر من ذلك هو ان هذا المنتج يمّس أهم مفصل من مفاصل النظام البنكي الاسلامي ، وهو مفصل الودائع التي كانت ، ولا زالت في معظم البنوك الاسلامية تقوم على المضاربة الشرعية التي يكون فيها البنك مضارباً لا يتحمل أية مسؤولية عن الخسائر إلاّ في حالات التعدي والتقصير ، أما في ظل المنتج الجديد فقد أصبح مديناً .

 وأن العميل في ظل النظام البنكي الاسلامي في الصحيح هو ربّ المال ، يتحمل مخاطر ماله ، ويشارك في أرباحه إن تحققت حسب الاتفاق ، وفي ذلك تعويد على النظام الاقتصادي الاسلامي القائم على أساس المكلية والمشاركة ، وقاعدة الخراج بالضمان ، والغرم بالغنم ، وأما في ظل هذا المنتج فقد أصبح دائناً له ضمان رأس ماله وفوائده .

  ومن جانب ائتماني فكيف يستطيع بنك إسلامي رأسماله مليار ريال ـ مثلاً ـ أن يتحمل الودائع بعشرين مليار ريال أو أكثر ؟

  وبسبب هذه المخاطر الكبيرة التي تترتب على القرض الربوي المضمون من البنوك التقليدية منع النظام الاقتصادي الرأسمالي البنوك من المتاجرة أو أي عقد فيه المخاطرة منعاً باتاً بالنسبة لأموال الودائع ، فليس للبنك التقليدي الحق فيها إلاّ أن يقرضها بفائدة أعلى كما اقترضها بفائدة أدنى .

  وهذا المنع القائم على التوازن هو الأساس للبنوك التقليدية ، وبدونه سوف تتعرض للمخاطر الجسيمة والافلاس ، كما أن أموال المودعين تكون أيضاً في مهب الرياح العاتية .

  ولذلك أوجه سؤالي إلى هذه البنوك التي تعمل بنظام ( المرابحة العكسية ) ، فلو أخذت كل ودائعها ، أو معظمها على هذا الأساس ، فماذا تفعل ؟ هل تدخل في عقود بهذه الأموال فيها مخاطر الخسارة مع أنه ضامن لها ولفوائدها ؟ وهل تسمح البنوك المركزية بهذه المراجحة وبعدم التوازن ؟

  فالبنوك الاسلامية الملتزمة متوازنة وقائمة على ميزان العدل ، حيث تأخذ الودائع على أساس المضاربة الشرعية التي يتحمل فيها ربّ المال ( المودع ) الخسائر ، ثم تدخل هي أيضاً في عقود البيع والشراء ، والاستصناع ، والمشاركات على نفس الأسس .

  أما أن يمشي بنك إسلامي بميزانين : ميزان البنوك الربوية في ضمان رأس المال وفوائده بالنسبة للودائع ، ثم يمضي على ميزان البنوك الاسلامية بالنسبة لاستثمارها القائم على الربح والخسارة …

   أعتقد جازماً أن هذا يحدث خللاً كبيراً  على المستوى المالي والاقتصادي أيضاً ، بل وإفلاساً ، أو السير على ميزان البنوك الربوية في الاقراض أيضاً .

 

الخاتمة :

بعد هذا العرض المليئ بالنقد الذاتي أرى أن أختم بحثي هذا بما يأتي: 

أولاً : أقول ـ والله على ما أقول شهيد ـ إن كل ما قلته كان من باب الحرص الشديد ، والخوف الكبير على مسيرة البنوك الاسلامية التي ولدت بعد مخاض طويل شديد ، دام أكثر من قرن ونصف قرن ، حيث فرضت البنوك الربوية والقوانين الاقتصادية الرأسمالية على معظم العالم الاسلامي الذي احتله الغرب منذ أكثر من قرنين ، وأراد لقوانينه وأنظمته وقيمه الهيمنة الكاملة الدائمة على عالمنا الاسلامي ، ولم يستطع العلماء والمفكرون والمستثمرون المسلمون الوصول إلى فتح أول بنك إسلامي إلاّ بعد جهود وجهاد طويل ، لذلك يكون الحفاظ على سلامة هذه المسيرة بل وتطويرها من المسؤوليات الملقاة على عاتقنا .

ثانياً : إن ما ذكرناه من أخطاء لا تزال في حدود ضيقة ، حيث ولا تزال معظم البنوك الاسلامية ملتزمة على السير على الصراط المستقيم ، وتسعى أول ما تسعى للالتزام بأحكام الشريعة الاسلامية الغراء.

ثالثا : إن بعض الهيئات الشرعية تتحمل القسط الأكبر من المسؤولية ، إذ لا نجد منتجاً لأي بنك إسلامي ، أو فرع إسلامي من فروع البنوك التقليدية إلاّ وعليه موافقة هيئته الشرعية سواء كانت بالاجماع ، أم بالأغلبية ، بل نجد فتوى تعتمد فيها على النقول والأقوال السابقة .

  والاشكالية هي النظرة الأحادية في هذه المنتجات إلى كل عقد نظرة مستقلة ، ولو نظر هؤلاء الاخوة الكرام نظرة شاملة يلاحظ فيها فقه المآلات ، والذرائع ، ومقاصد الشريعة والأهداف العامة للاقتصاد الاسلامي ، والبنوك الاسلامية ، والانسجام مع المبادئ الكلية والقواعد العامة في هذه الشريعة التي تعتمد على أن : ( الأمور بمقاصدها ) لما صدرت مثل هذه الفتاوى .

  بل لو نظر هؤلاء إلى  الحملة الاعلامية الجاهزة الموجهة إلى البنوك الاسلامية بسبب هذه الأخطاء لما أقدم هؤلاء على مثل هذه الفتاوى ، ولنا  في ذلك أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث لم يقتل هؤلاء المنافقين الذي آذووا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل شيء حتى في عرضه ، بل لم يقتل رؤوسهم المدبرة ، رعاية لدرء الحملة الاعلامية الظالمة التي كانت تقول ـ لو حدث هذا ـ : ( إن محمداًً يقتل أصحابه )[4] .  

  ولذلك أوجه ندائي الخالص إلى هؤلاء الأعضاء والهيئات الشرعية الذين لا أشك في نياتهم الطيبة ، ومحاولتهم إيجاد المخارج والحلول … ، أقول لهم : كفى ذلك ، حيث قويت البنوك الاسلامية وبلغت مبلغاً عظيماً من حيث العدد والمبالغ المستثمرة لديها حتى بلغت حوالي سبعمائة مليار دولار في هذا العام ، فلنبدأ بتصحيح المسيرة وترشيدها نحو الأحسن والأفضل ، فإن من سنة الله تعالى : أن تحقيق الحضارة والتقدم ، والابتلاء لا يتم إلاّ بالعمل الأحسن ، حتى ولا بالحسن ، فقال تعالى : (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)[5] ولذلك أمرنا الله تعالى بالأحسن في كل شيء ، في الفعل ، والاتباع ، وفي القول ، والقدوة ، حتى في الصبر (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)[6] والهجر (وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا )[7] والجميل من صيغ المبالغة بمعنى ” الأجمل ”  .

  فلنلتزم بقرارات المجامع الفقهية ، والمعايير الشرعية ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً ، فرأي الجماعة هو الخير .

 ولنقطع دابر هؤلاء الذين يريدون إفساد البنوك الاسلامية من خلال منتجات مشبوهة .

 وكم يؤلمني ما يحدث اليوم من تنافس بين بعض الهيئات الشرعية في الحيل والمخارج ؟ ، وكم يؤلمني أكثر أن يكون اختيار العضو على أساس إجازة التورق المنتظم ، والمرابحات الدولية ؟ وكم يوجعني أن أسمع من بعض المسؤولين الاداريين الذي عاشوا معظم أعمارهم في البنوك الربوية ، وجاؤوا إلى البنوك الاسلامية طمعاً في زيادة المرتبات ، أو الأرباح[8] ، فهؤلاء يبحثون عن المنتجات التي تعودوا عليها ؟ والله المستعان وحسبنا الله نعم الوكيل .

رابعاً : فليعلم جميع الاخوة المسؤولين عن البنوك والفروع الاسلامية :  أن مصداقية هذه البنوك والفروع الاسلامية وأساسها ، ومبناها ، يكمن في شيء واحد وهو : الالتزام بأحكام الشريعة الاسلامية ، والمرجعية الاسلامية ، فإذا سحبت هذه المرجعية اختل ميزان التعامل بها فإن هذه البنوك الاسلامية لا تستطيع منافسة البنوك التقليدية ، وبالتالي تنهار ، أو تنكمش ، فهي كالسقف تخر وتسقط إذا انهارت الأسس والأركان .

  ولذلك لا تستبعد فكرة المؤامرة على البنوك الاسلامية من خلال إشاعة هذه المنتجات المشوهة ليثبت أمام العالم عدم شرعيتها وبالتالي انهيار الأسس التي قامت عليها هذه البنوك.

 وفي مؤتمر الكويت حول المخاطر في البنوك الاسلامية قدمت ورقة أثبت فيها أن : أهم المخاطر وأكثرها تأثيراً عليها هو خطر  عدم الالتزام بأحكام الشريعة الاسلامية بصورة صحيحة . 

خامساً : إن ما ذكرناه من بعض الانتقادات لبعض البنوك الاسلامية في هذا البحث ليس خافياً على أحد ، وإنما هو على ألسنة الناس ، وفي المجالس ، بل وفي الصحف ، والانتريت ، وقصدنا من ذلك التصحيح والترشيد لهذه المسيرة المباركة للبنوك الاسلامية للقضاء على هذه الأخطاء التي لا زالت في دائرة متواضعة قبل أن تصبح ظاهرة .

 

قانون جريشام في الفتوى :

  وأكثر ما أخشاه أن يطبق على الفتاوى المالية البنكية قانون جريشام الذي يقضي بأن العملة الرديئة تطرد العملية الجيدة من السوق .

  وبعض الاداريين يسعون لذلك ، ويبحثون عمن يفتي لهم في كل هذه المنتجات مهما كان الثمن .

سادساً : أرى ضرورة عقد مؤتمر يدعى إليه جميع رؤساء الهيئات الشرعية للبنوك ، وبعض اعضائها ، وبخاصة الأعضاء التنفيذيون ، يناقش فيه هذه الفتاوى المتناقضة ، وعدم الالتزام بالقرارات الصادرة من المجامع الفقهية والمعايير الشرعية ، والغريب أن يحدث ذلك حتى من بعض أعضاء هذه المجامع ، والمعايير الشرعية .

  وقد كانت الندوة التي عقدت في البحرين بعد ورشة العمل الخاصة بهذا الموضوع خطوة جيدة نحو الترشيد والتصحيح ، والتناصح ، فآمل وأرجو أن تستمر للوصول إلى مرجعية نتفق جميعاً على احترامها .

 

هذا والله الموفق

وهو الأعلم بالصواب

وهو الهادي إلى سواء السبيل

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 


 

([1])  إشارة إلى الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره بسندهم عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع حتى لو دخلو جحر ضبّ لدخلتموه )

([2]) سورة الأعراف / الآية 138  

([3])  وقد ذكرت الهيئة الشرعية لبنك الريان في تقريرها الدقيق : أن هذا البند غير جائز لمخالفته لمعيار الوكالة الذي منع التعاقد مع النفس

([4])

([5]) سورة الملك / الآية 1-2

([6])  سورة يوسف / الآية 18

([7])  سورة المزمل/ الآية 10

([8])  كلامي خاص بفئة محددة ، وقد ناقشت شخصاً ثلاث ساعات في حرمة فوائد البنوك التقليدية ، فلم يقتنع ، ثم بعد فترة فتح بنكاً إسلامياً ، وأصبح رئيساً لمجلس الادارة ، ما الذي يتوقع من مثل هذا الرجل ، ورأيت بعض المدراء عاش في البنوك التقليدية ، ثم جاء إلى البنوك الاسلامية وعمل أكثر من عشر سنوات ، ثم وجد فرصة أحسن في بنك تقليدي فانتقل إليه وعمل فيه عدة سنوات ، ثم الآن وجد فرصة أفضل في بنك إسلامي يديره .