المبحث الثاني :

دور الوكالة في العمل المصرفي الخدمي ( قسيماً للمضاربة )

 

  للوكالة دور عظيم في الأعمال المصرفية ، حيث تدخل في جميع الخدمات التي يقدمها البنك للعميل نيابة عنه ، وهي كثيرة نذكر أهمها :

1-   تحصيل الأوراق التجارية ( الشيكات ، والكمبيالات ، وسندات الاذن )

2-   الحوالات ( السفتجة ) داخلياً وخارجياً .

3-   فتح الاعتمادات المستندية لحساب المصدرين والموردين .

4-   وترتيب خطابات الضمان .

5-   خدمات بطاقات الائتمان ، وبطاقات الصرف الفوري ، أو الشهري .

6-   صرف العملات .

7-   القيام بإدارة المحافظ ، والصناديق الاستثمارية ، وإدارة المشروعات .

8-   ترتيب دراسات الجدوى والدراسات المالية للعملاء ، وتأسيس الشركات ونحوها لصالح الغير .

9-   ترتيب إصدار الصكوك الاسلامية .

10- القيام بالسمسرة بالأسهم والصكوك  ونحوهما ، وتسويق العقارات .

11- خدمة صناديق الامانات ، وتأجير الخزائن الحديدية .

12-  خدمة العقود في مرابحة السيارات والعقارات .

 

  هذه الخدمات وغيرها تقدمها البنوك الاسلامية على أساس الوكالة بالأجر ( العمولة ) حيث تأخذ في مقابل أي خدمة مبلغاً مقطوعاً أو نسبة من المال .

  إن هذا الموضوع يحتاج إلى تفصيل ، وإلى عقد مؤتمر أو ندوة خاصة بالخدمات القائمة على الوكالة ، ونحن هنا نتحدث عن عدة مسائل مهمة عاجلة ، وهي :

أولاً ـ أن البنوك الاسلامية تسعر خدماتها ، وتفرضها على العملاء دون مساومة ، فهي أشبه ما تكون بالاذعان ، ولذلك يثور التساؤل هنا : هل يجوز لها أن تفرض ما شاءت من الأجور والعمولات باعتبار أن العميل في الأخير يرضى بها ، وأنه له الحق في رفضها ، كما له الحق في رفض المعاملة كلها ؟ وحينئذ يتحقق التراضي من الطرفين ؟ ! ! أما أنها لا بدّ أن تلتزم بأجر المثل ، بناء على أن العميل غائب ، وأنه قد لا يكون لديه إلمام بالموضوع … .

  فهذه المسألة جديرة بالمناقشة والبحث ، وقد بحثتها ، وتوصلت إلى أنه : ليس من مقتضيات التجارة المبنية على الرضا والمنافسة إلزام البنك بأجر المثل ، كما أنه ليس من العدل فتح الباب على مصراعيه ، وإنما لا بدّ أن تخضع لميزان العدل القاضي بعدم وجود الغبن على الطرف الآخر ، ولميزان سد الذرائع بالنسبة للعمولات التي تؤخذ على خدمات القروض حيث يجب أن تكون في حدود النفقات الفعلية ، حيث صدر بذلك قرار من مجمع الفقه الاسلامي الدولي (13/1/3) نص على أنه :

  1. يجوز أخذ أجور عن خدمات القروض على أن يكون ذلك في حدود النفقات الفعلية.

  2. كل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعاً  )[1] .

 

  فعلى ضوء ذلك أن الخدمات التي تتعلق بالقروض والديون يجب أن تكون في حدود المصروفات الفعلية ، وفيما عدا ذلك يجب أن تكون باجر المثل ، أو بما يزيد عليه في حدود  لا تصل إلى الغبن على الطرف الآخر .

  وصدر كذلك قرار من مجمع الفقه الاسلامي الدولي قرار 12(12/2) ينص على : ( أن المصاريف الادارية لاصدار خطاب الضمان بنوعيه جائزة شرعاً مع مراعاة عدم الزيادة على أجر المثل ….. )[2] .

 

ثانياً ـ  ان الأصل في أجر الوكالة أن يكون مقطوعاً محدداً ، بأن يحدد بمبلغ مثل مائة ريال …. أما أخذ النسبة من المبلغ الموكل فيه فهذا يختلف من تصرف إلى آخر، كما أنه مختلف فيه ـ كما سيأتي ـ .

 

ونحن هنا نذكر ما صدر فيه قرار من المجامع الفقهية بجواز أخذ النسبة ، أو منعه .

1ـ  خطاب الضمان :

  حيث لا يجوز أخذ الأجر عليه بذاته ، ولكن يجوز أخذ أجر المثل على الأعمال الادارية فيه  ، كما أنه لا يجوز ربط الأجر بمبلغ الضمان ومدته ، وإليك نص قرار المجمع (12(12/2):

 إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمر الثاني بجدة من 10 – 16 ربيع الآخر 1406هـ، الموافق 22 – 28 كانون الأول ( ديسمبر ) 1985م،

وبعد النظر فيا أُعد في خطاب الضمان من بحوث ودراسات، وبعد المداولات والمناقشات المستفيضة التي تبين منها:

أولاً: أن خطاب الضمان بأنواعه الابتدائي والانتهائي لا يخلو إما أن يكون بغطاء أو بدونه، فإن كان بدون غطاء، فهو: ضم ذمة الضامن إلى ذمة غيره فيما يلزم حالاً أو مآلاً، وهذه هي حقيقة ما يعنى في الفقه الإسلامي باسم: الضمان أو الكفالة.

  وإن كان خطاب الضمان بغطاء فالعلاقة بين طالب خطاب الضمان وبين مصدره هي: الوكالة ، والوكالة تصح بأجر أو بدونه مع بقاء علاقة الكفالة لصالح المستفيد (المكفول له).

ثانياً: إن الكفالة هي عقد تبرع يقصد به الإرفاق والإحسان. وقد قرر الفقهاء عدم جواز أخذ العوض على الكفالة، لأنه في حالة أداء الكفيل مبلغ الضمان يشبه القرض الذي جر نفعاً على المقرض، وذلك ممنوع شرعاً.

 

 قرر ما  يلي:

  1.  إن خطاب الضمـان لا يجوز أخذ الأجر عليه لقاء عملية الضمان – والتي يراعى فيها عادة مبلغ الضمان ومدته – سواء أكان بغطاء أم بدونه.

  2.  إن المصاريف الإدارية لإصدار خطاب الضمان بنوعيه جائزة شرعاً، مع مراعاة عدم الزيادة على أجر المثل، وفي حالة تقديم غطاء كلي أو جزئي، يجوز أن يراعى في تقدير المصاريف لإصدار خطاب الضمان ما قد تتطلبه المهمة الفعلية لأداء ذلك الغطاء.

والله أعلم[3] .

 

2- رسوم الاصدار للأسهم :

 حيث أجاز مجمع الفقه الاسلامي الدولي في قراره 63(1/7) أن تكون العملة بنسبة معينة ، حيث نص على : ( أن إضافة نسبة معينة من قيمة السهم لتغطية مصاريف الاصدار ، لا مانع منها شرعاً ما دامت هذه النسبة مقدرة تقديراً مناسباً )[4] .

 

3- رسم الدخول في المزايدة :

  فيشترط أن لا يزيد عن القيمة الفعلية لكونه ثمناً له ، فنص قرار المجمع (73 (4/8) على أنه : (  5- لا مانع شرعاً من استيفاء رسم الدخول – قيمة دفتر الشروط – بما لا يزيد عن القيمة الفعلية  لكونه ثمناً له ،،،،  6- يجوز أن يعرض المصرف الإسلامي، أو غيره، مشاريع استثمارية ليحقق لنفسه نسبة أعلى من الربح، سواء أكان المستثمر عاملاً في عقد مضاربة مع المصرف أم لا)[5] .

 

4- رسم الدخول في أسواق المال :

 حيث أجازه المجمع في قراره (63(1/7) الذي نص على أنه : ( يجوز اشتراط رسوم لعضوية المتعامل في الأسواق المالية لأن هذا من الأمور التنظيمية المنوطة بتحقيق المصالح المشروعة )[6] .

 

5 – رسوم مقطوعة لبطاقات الائتمان :

جاء في قرار مجمع الفقه الاسلامي الدولي ، (108(2/2) :

  1. ‌جواز أخذ مصدرها من العميل رسوما مقطوعة عند الإصدار أو التجديد بصفتها أجراً فعلياً على قدر الخدمات المقدمة منه.

  2. ‌جواز أخذ البنك المصدر من التاجر عمولة على مشـتريات العميل منه شريطة أن يكون بيع  التاجر بالبطاقة بمثل السعر الذي يبيع به بالنقد.

ثالثا: السحب النقدي من قبل حامل البطاقة اقتراض من مصدرها، ولا حرج فيه شرعا إذا لم يترتب عليه زيادة ربوية، ولا يعد من قبيلها الرسـوم المقطوعة التي لا ترتبط بمبلغ القرض أو مدته مقابل هذه الخدمة. وكل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعا كما نص على ذلك المجمع في قراريه رقم 13(10/2) و13(1/3) )[7] .

 

حكم تحديد أجرة الوكالة بنسبة من المبلغ :

  ونحن هنا ندرس مدى مشروعية تحديد أجر بنسبة من المبلغ حيث اختلف فيه الفقهاء في باب الوكالة ، فقد ذهب جماعة من الفقهاء ـ منهم الشافعية ـ إلى عدم صحة تحديد الأجرة بالنسبة للموكل به ، كأن يقول : وكلتك في بيع هذا الثوب على أن جُعْلك ” أجرك ” عُشر ثمنه  ، أو من كل مائة درهم من ثمنه درهم ، وإذا حدث مثل ذلك فإن هذا التحديد غير صحيح ويتحول الأجر إلى أجر المثل عند الشافعية[8] .

 وقد أجاز متأخرو الحنفية أن يكون أجر السمسار نسبة مما يبيعه أو يشتريه[9] .

 وبما أن الوكالة إذا كانت بأجر تطبق عليها أحكام الاجارة فإن الفقهاء تحدثوا بالتفصيل عن الأجرة بحصة أو بنسبة من الانتاج على ضوء ما يأتي :

 

أولاً ـ   تحديد الأجرة بحصة معينة من الانتاج مثل تأجير الجزار لذبح الشاة بجلدها ، والطحان بكيلو واحد من الدقيق ، حيث اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال :

القول الأول: عدم الجواز ، وهو رأي الجمهور ( الحنفية ، والشافعية  والحنابلة على المعتمد)[10] وهم قد استندوا في ذلك على ما رواه الدارقطني ، والبيهقي بسندهما عن أبي سعيد قال : ( نُهي عن عَسْب الفحل وقفيز الطحان )[11] .

  وهو حديث مختلف في نهوضه حجة ، حيث ضعفه بعض العلماء بسبب أن في إسناده هشام بن كليب ، وهو مختلف فيه ، فبعضهم مثل الذهبي قالوا : حديثه منكر ، وبعضهم مثل مغلطاي قال : هو ثقة [12] ، ولكن الشيخ الألباني صحح هذا الحديث وقال : ( إن إسناد الحديث عندي صحيح ، فإن رجاله ثقات رجال الشيخين غير هشام هذا….. وقد أورده ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (4/2/68) وروى عن عبدالله بن أحمد قال : سألت أبي عن هشام بن كليب الذي يروي عنه الثوري ؟ فقال : ثقة ، وأورده ابن حبان في الثقات (2/293) … وقد صحح الحديث الحافظ عبدالحق الاشبيلي ) وذكر أن معظم الروايات وردت بلفظ (  نهى ) بالبناء للمجمهول ، ولكن في رواية الطحاوي موصولاً ، والبيهقي مرسلاً بلفظ : ( نهى رسول الله ….. )[13] .

  كما استندوا كذلك بأن الأجرة في هذه الحالة معينة ، وأنها غير مقدور على تسليمها عند العقد ، كما أنها ليست في الذمة حتى يقال : إن ما في الذمة موجود ، أو في حكم الموجود .

  ومن جانب آخر فإن الأجرة مجهولة ، حيث لا يدرى صفة الخارج من الجلد ، او الدقيق ، أو غيرهما[14] .

 

القول الثاني: الجواز مطلقاً ، وهذا قول بعض الحنابلة منهم ابن عقيل ، وابن القيم والمرداوي ، حيث اعتمدوا في ذلك على ضعف الحديث السابق ، حيث قال ابن عقيل : (وهذا الحديث لا نعرفه ، ولا يثبت عندنا صحته ، وقياس قول أحمد جوازه )[15] .

  وهكذا قال ابن القيم بأن الحديث لا يثبت بوجه وأنه لا غرر فيه ، ولا خطر ، ولا قمار ، ولا جهالة ، ولا أكل المال بالباطل بل هو نظير دفع ماله إلى من يتجر فيه بجزء من الربح[16] . 

 

القول الثالث: التفصيل ، وهذا رأي المالكية حيث فرقوا بين ما اذا كانت الجهالة متمكنة من الأجرة فلا تجوز ولا تصح ، مثل جعل الجلد أجرة للسلاخ ، أو الجزار ، لأنه لا يستحقه إلاّ بعد النزع ، وقد يخرج صحيحاً ، أو مقطوعاً ، أو نخالة لطحان ، لأنها مجهولة القدر ، فهي كالجزاف … وجزء ثوب لنساج …. )[17] .

  أما إذا كانت الأجرة المقدرة بجزء من الانتاج معلومة ، فالعقد جائز ، وللعامل حصته المقدرة ، وذلك مثل إعطاء القمح لمن يجلعه دقيقاً بمقدار محدد من دقيقه[18] .

  ولا يسع المجال الخوض في مناقشة أدلة كل فريق ، ولكن الذي يظهر لي رجحانه هو قول الجمهور ، لأن الحديث صحيح صححه الألباني وغيره بناء على دراسة حديثية مفصلة ـ كما سبق ـ .

  ومن جانب آخر فلا يجوز قياس هذه الحالة على المضاربة لأن المضاربة في زمرة المشاركات لدى التحقيق في حين أن الاجارة ، أو الوكالة بأجر تختلف عنها .

  ولو سلمنا القياس عليها ، فإن المضاربة لا يجوز فيها تحديد شيء محدد للمضارب ، أو ربّ المال ، وهنا حدد قفيز واحد ـ مثلاً ـ أو جلد شاة للأجير ، وحتى المساقاة لا يجوز فيها تحديد عدد محدد مثل عشرة كيلوات لأحدهما ، فهؤلاء خلطوا بين النسبة الشائعة التي تجوز في المشاركات ، والجزء المحدد الذي لا يجوز فيها ، وكلامنا في الجزء المحدد .

  ومن جانب آخر فإن لكل عقد خصائصه فلا يجوز تركيب عقود المشاركات على عقود البيوع والاجارات والوكالة بأجر .

  أما إذا تم الاتفاق في هذه المسألة على أن تكون الأجرة موصوفة في الذمة فهذا جائز ، وأدخله ابن القيم ضمن الحيل الجائزة[19] .

 

ثانياً ـ الأجرة بحصة شائعة من الانتاج ، كنسيج الثياب وخياطتها ، أو جني الثمار وعصرها ، أو وسائل النقل ، أو نحوها ، ففي هذه المسألة حدث خلاف كبير ، والأكثرية على منعها لما في ذلك من الجهالة ، واستئناساً بالحديث السابق الذي صححه البعض ـ يقول ابن رشد : ( وعمدة الجمهور أن الإجارة بيع ، فامتنع فيها من الجهل ـ لمكان الغبن ـ ما امتنع في المبيعات )[20] .

 


 

([1]) يراجع : مجلة مجمع الفقه الاسلامي الدولي ، العدد 2 ج2 / 527 ، والعدد3 ج1/77

([2])  مجلة مجمع الفقه الاسلامي الدولي ، العدد2 ج2 ص 1035

([3]) يراجع : مجلة مجمع الفقه الاسلامي الدولي ، العدد2 ج2 ص 1035

([4]) يراجع : مجلة مجمع الفقه الاسلامي الدولي ، العدد6 ج2 ص 1273 ، والعدد7 ج1 ص73

([5])  يراجع : مجلة مجمع الفقه الاسلامي الدولي ، العدد8 ج2 ص 25

([6])  يراجع : مجلة مجمع الفقه الاسلامي الدولي ، العدد6 ج2 ص 1273 ، والعدد7 ج1 ص73 ، والعدد9 ج2 ص5

([7])  يراجع : مجلة مجمع الفقه الاسلامي الدولي ، العدد12 ج3 ص 459

([8])  الحاوي للماوردي ط. دار الكتب العلمية / بيروت 1414هـ

([9]) حاشية ابن عابدين (4/    )

([10])  المبسوط _15/83) ونهاية المحتاج (5/266) ونهاية المحتاج (5/56) وكشاف القناع (3/554) ويراجع : د. أحمد حسن : نظرية الأجور في الفقه الاسلامي ط. دار اقرأ 1422هـ ص 244

([11])  سنن الدارقطني ، كتاب البيوع ، الحديث رقم 2966 ، والسنن الكبرى للبيهقي ، البيوع (5/339) ويراجع : تلخيص الحبير (3/60) ط. القاهرة

([12])  تلخيص الحبير (3/60)

([13])  ارواء الغليل (5/296 – 297 )

([14])  المصادر الفقهية السابقة

([15]) المغني لابن قدمة (5/119)

([16])  إعلام الموقعين (2/250)

([17])  حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/5 – 6 )

([18]) مواهب الجليل (5/397)

([19]) اعلام الموقعين (4/17)

([20]) بداية المجتهد (2/289) ويراجع الحاوي الكبير للماوردي (6/529) ويراجع : د. أحمد حسن : المرجع السابق ص 252 وما بعدها