المبحث الثالث

دور الوكالة في الاستثمار بديلاً عن المضاربة والمشاركة والمرابحة

  وقد ظهر مما عرضناه من أحكام الوكالة في الفقه الاسلامي والقانون المدني ، تبين أن الوكالة هي : إنابة وتفويض لآخر للقيام بتصرف معلوم مما جازت فيه الانابة ، وأنها من حيث الأصل عقد قائم على التبرع ، وأن الأجرة استثناء لا تثبت إلاّ بالنص ، وفي القانون أنها لو ذكرت لخضعت لتقدير القاضي وليست للاتفاق وحده .

  ولكن ظهر في الآونة الأخيرة استعمال عقد الوكالة في الاستثمار ، ولا سيما في العلاقات التي تربط بين المؤسسات المالية الاسلامية ، وبين البنوك الربوية أو الشركات التقليدية ، ولا يراد منها الاستمرار ، وإنما يراد بها في الغالب الوصول إلى تحويل المبلغ الممول إلى دين ثابت في الذمة من خلال حق الشراء للنفس ، وهناك صور أخرى لتطبيقات في هذه المؤسسات ، لذلك نذكر أهم هذه الصور الشائعة مع بيان حكمها الفقهي المبني على الشريعة الاسلامية ومقاصدها ـ بإذن الله تعالى :

 الصورة الأولى: عقود الوكالة مع حق الشراء للنفس .

 الصورة الثانية: عقد الوكالة المنصوص فيه على الالتزام بالاستثمار عن طريق المرابحة بربح لا يقل عن 7% مثلاُ أو عن لايبور زائداً نُقْطَتَيْن ، وهكذا ، وما الذي يترتب على الاخلال بهذا الشرط .

ونحن هنا ندرس هاتين الصورتين دراسة تحليلة على ضوء قواعد الفقه الاسلامي في الوكالة والعقود المرافقه لها .

 

الصورة الأولى : عقود الوكالة مع حق الشراء للنفس  :

تتكون عناصر الأولى في الغالب مما يأتي :

  1. تنظيم الاتفاقيات بين البنك الموكل ، والبنك الوكيل ، حيث يبن فيه كل الخطوات العملية ، ونسبة الربح ، والمدة المطلوبة ، والضمانات ، وكيفية الرد .

  2. ثم يقوم البنك الوكيل بشراء السلع والمعادن الدولية لصالح البنك الموكل نقداً وأنه يخبره بتفاصيل الصفقة التي أرسلها له الوسيط ( البروكر الموجود في بريطانيا مثلاً)، وبما أن كلا الطرفين غير مستعدين لتحمل مخاطر الانتظار فإن موافقة الموكل (المشتري) تتم عبر الهاتف أو البريد الالكتروني ( الايميل ) أو الفاكس مباشرة ، ويرتب لذلك أوراق جاهزة .

  3. ثم يقوم الوكيل بشراء المعدن نفسه لنفسه ، بيعاً آجلاً بالمرابحة   إما مباشرة دون الحاجة إلى الرجوع إلى الموكل باعتبار أن له حق الشراء للنفس ، أو يرجع من خلال وسائل الاتصالات الحديثة إلى الموكل لقيامه ببيع البضاعة للوكيل بيعاً آجلاً بثمن يتضمن أصل الثمن السابق مع الربح المتفق عليه ( 7 % مثلاً ) مع بيان الزمن وكل التفاصيل المطلوبة .

  4. وبما أن البنك الوكيل المشتري لا يريد هذه السلعة يقوم البنك فوراً ببيعها لجهة أخرى في البورصة عن طريق البروكر نفسه ، وقد يحدث كثيراً أن البنك الوكيل يعيد بيعها لنفس البائع الأول .

  5.  وهذه العقود ( قيام الوكيل بالشراء نقداً للموكل ، ثم شراء الوكيل لنفسه بثمن آجل ، ثم بيع الوكيل لطرف آخر ) لا بدّ أن يتم خلال فترة زمنية قصيرة ، حتى لا يترتب عليها مخاطر الانتظار وتغير الأسعار .

ولمعرفة التسلسل الزمني المطلوب بينها يشترط أن يكتب تأريخ كل عقد حسب الساعة والدقيقة ، إضافة إلى الشهر ، والسنة .

الملاحظات :

أولاً ـ لا ينبغي النظر إلى هذه الصورة على أساس عقد الوكالة فحسب ، وإنما ينبغي النظر إليها باعتبارها منظومة متكاملة مترابطة تستهدف تحقيق هدف واحد ، وهو حصول الوكيل على المبلغ الذي يريده لقاء زيادة في الربح ( وإن شئت سمه الفائدة ) .

  فالعملية بمجموعها لا تتفق مع مقاصد الوكالة ومقتضياتها التي تنحصر في أن ينوب الوكيل عن الموكل في تحقيق تصرف نيابة  عن موكله ، وقد يأخذ على ذلك أجراً ، والأصل أن لا يأخذ ـ كما سبق ـ ثم ينتهي دور الوكيل .

  وهنا يتفق الوكيل والموكل على مجموعة من الاجراءات تتم بعدة عقود ، للوصول إلى التمويل المطلوب .

  ولذلك يأتي الحديث عن مسألة النهي عن صفقتين في صفقة واحدة ، حيث وردت روايات بعدة ألفاظ منها بلفظ : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة واحدة ) رواه موقوفاً ومرفوعاً  أحمد وابن حبان والبيهقي وغيرهم[1] والحديث مرفوعاً مع ضعفه له شواهد كثيرة ، ولكنه صحيح موقوفاً على ابن مسعود[2] .

  ومنها بلفظ : ( لا يحل سلف وبيع ، ولا شرطان في بيع ) رواه مرفوعاً الحاكم وصححه ووافقه الذهبي[3] والترمذي وقال : ( حسن صحيح )[4] ورواه ابن حبان وصححه[5] ، وابن خزيمة وصححه[6] ، وقال ابن حزم : ( هذا صحيح وبه نأخذ … )[7] ونقل ابن تيمية ، والحافظ ابن حجر تصحيح الترمذي ، وابن خزيمة والحاكم[8] وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير [9].

  ومنها بلفظ : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة ) رواه الترمذي بسنده عن أبي هريرة مرفوعاً ، وقال : ( حسن صحيح )[10] ، وصححه كذلك الألباني في صحيح الجامع الصغير[11] ورواه أحمد وغيره بسند آخر[12] ، والخلاصة أن الحديث صحيح .

  فهذه الأحاديث اختلف في تفسيرها العلماء ، ولكن الراجح هو : أن المقصود بالصفقتين في صفقة واحدة : هو أن تتضمن الاتفاقية تردداً بين النسيئة بمبلغ زائد ، والنقد بمبلغ أقل ، وهذا تفسير راوي الحديث الصحابي الجليل، وكثير من الرواة والعلماء[13] وبالتالي فإن العلة في الحرمة هي الربا ، أو الغرر والجهالة .

  وأن المراد عندهم بالنهي عن بيع وسلف وعن شرطين هو الجمع بين أي عقد أو شرط فيه معاوضة ، وعقد أو شرط فيه سلف ، وبالتالي فإن العلة هي الربا[14] .

  وهذا الأحاديث بمجموعها تسد أبواب الربا ، وتمنع كل الذرائع الموصلة إليه ، وذلك لأنه قد يكون العقد منفرداً ، والشرط الواحد مباحاً لا غبار عليه ، ولكن حينما يدخل عليه عقد آخر تصل منظومته إلى الربا ، مثل عقد العينة ، فهو مكون من عقدين صحيحين بالاجماع إذا كان منفردين وليسا مرتبطين ، ولكن حينما يجمع بينهما يؤدي إلى الربا فيكون محرماً ، كما قال ابن عابس : ( درهم بدرهمين بينهما حريرة ) .

  ومن هنا فالمنظومات العقدية لا ينبغي أن ينظر إليها باعتبار الاحكام الخاصة بكل عقد فحسب ، بل يجب أن ينظر إليها باعتبار مآلاتها وأهدافها ومقاصدها ، ولذلك قد يقبل شرط واحد أو أكثر إذا كانت الشروط في مساقات العقود دون تعارض ، وقد لايقبل شرطان لأنه يترتب عليهما تغير مسار الاتفاق والوصل  إلى الربا بطريق غير مباشر .

  وحتى في القوانين الوضعية ينظر إلى الاتفاقية باعتبار مآلها ، ولذلك جعلت معظم صور الاجارة المنتهية بالتمليك بيعاً بالتقسيط [15] .

ثانياً ـ إن مبنى هذه الاتفاقية التي تتضمن مجموعة من العقود على المرابحة في السلع والمعادن الدولية .

  وهذه إشكالية كبيرة في نظر معظم العلماء المعاصرين أمثال الشيخ القرضاوي ، والشيخ صالح الحصين ، والدكتور حسين حامد ، والشيخ تقي العثماني ، والشيخ المختار السلامي ، وغيرهم .

  وذلك أن هذه المعادن الدولية لا يقصد أبداً بهذه المرابحات أن تشتريها هذه البنوك ، أو تأتي بها إلى بلادنا ، وإنما الغرض الوحيد هو الوصول من خلال هذه الصفقات إلى حصول الوكيل على المبلغ النقدي المطلوب .

 

  وقد قمتُ بعدة جولات للتفتيش على هذه السلع والمعادن ( محل عقد المرابحة الدولية ) فوجدتها على ثلاث حالات :

الحالة الأولى : أن العقود تقوم على مجرد أوراق جاهزة ، وأن صور الشهادات مجرد صور ترسل إلى هنا وهناك ، وأن البروكر العظيم الذي فتح مكتباً صغيراً هو الذي يرتب كل هذه الأوراق ، وأنّه يرسلها إلى كل الجهات العالمية ، وأصبح مليونيراً على حساب بعض البنوك.

الحالة الثانية : أن السلع والمعادن المخصصة لتكون محلاً لهذه المرابحات موجودة في المخازن ، ولكنها بسبب أنها غير صالحة ، أو غير مرغوب فيها تبقى ، ثم يجري عليها عشرات العقود ، فقد رزتُ أحد هذه المخازن في الغرب ، فوجدت أن المحل المعقود عليه للمرابحات الخاصة بنكياً موجود ، وهو كان عبارة عن عدة أطنان من الألمنيوم ، ففرحت كثيراً ..

فسألت مسؤول المخزن : كم من الزمن مضى على هذا المعدن ؟

فأجاب : منذ حوالي عشر سنوات ..

فقلت : وكيف لم يتم بيعه ونقله ؟

فقال : هذا ألمنيوم روسي ، وفيه عيب لا يريده أحد ، فتركناه لأداء هذه المهمة ، حيث نأخذ عمولة على الصفقات الواردة عليه ، وبذلك يدر علينا دخلاً جيداً .

الحالة الثالثة : أن السلع والمعادن طبيعية وموجودة في المخازن ، وتجري عليها الصفقات الخاصة بالمرابحات .

  وهنا يرد تساؤل آخر وهو : أن صفقات المرابحات الدولية من البنوك الاسلامية وغير الاسلامية يومية ومنذ عدة سنوات ، ولم يحدث أن بنكاً استلم جزءاً من هذه السلع والمعادن ، فأين ذهب ؟ لا شك حتى لو حدد محل العقد بالمعادن الموجودة في المخازن ، فإن صاحب هذه المعادن يعلم علم اليقين أنها تباع ثم تشترى ثم تعود إليه ، والخلاصة أن مسألة المرابحة في المعادن الدولية تلفها الشبهات من كل جانب ، وتحيط بها الاشكاليات الشرعية من كل طرف .

  ومع ذلك يرد تساؤل آخر حول الجدوى الاقتصادية للأمة الاسلامية ، فهل هذه المرابحات الدولية تأتي لنا بالسلع والمعادن إلى داخل الأمة الإسلامية ، وحينئذ ساهمت البنوك الاسلامية في التنمية ، وفي رخص الأسعار وتسهيل المواد ؟

  والله لو فعلت ذلك لأمكن غض البصر عن بعض العيوب التي يمكن التسامح فيها لأنها ليست من الثوابت .

  إن الهيئات الشرعية أجازت المرابحات الدولية في البداية لأجل السيولة ومصالح البنوك الإسلامية ، ولكن هذا لا يعني أن نجعله الأصل ، أو أن تبقى إلى الأبد ؟ .

ثالثا ـ ان هذه المرابحات الدولية يوجد ضمن منظومتها في الغالب بيع العينة المحرم شرعاً  ، حيث أنه في النهاية يباع المعدن إلى من اشترى منه ، لأن البنك الوكيل لا يريد الحصول على السلعة ، ولا الموكل ، ولا البروكر ، أو البنك الأجنبي الذي نظم هذه المنظومة ، ثم ضمن الثمن ، فأين يعود ؟ يعود إلى أصله إن كان المعدن موجوداً .

  ولذلك كانت الهيئات الشرعية تشترط هذا الشرط وتشدد فيه ، وكنا نتابع بدقة ، ونجد فعلاً أن المشتري الأخير حسب الورق هو جهة أخرى غير البائع ، ولذلك كنا نشترط أن يكون الشاري الأخير هو أحد المصانع ، أو شركة تعمل في إطار ذلك المعدن ، أو السلعة ، ولكن هذا الشرط كان من الصعب تحقيقه ، ويتعب البنك الاسلامي حتى يحققه .

رابعاً ـ   مسألة شراء الوكيل لنفسه ، مسألة اختلف فيها الفقهاء على قولين :

القول الأول : عدم الجواز مطلقاً ، وهذا رأي جمهور الفقهاء ( الحنفية والشافعية ، والحنابلة في المذهب ، والمالكية في المعتمد )[16] وبرهنوا على ذلك بأن المصالح متعارضة فإن مصلحة الوكيل حينما يشتري لنفسه يريد أن يشتري الشيء بأقل الأثمان ، ومصلحة الموكل تقتضي أن يباع بأكثر .

  ويمكن أن يناقش هذا الدليل بأنه إذا حدد الموكل الثمن فإن هذه الاشكالية تزول ، ولذلك قيده المجيزون بقيود تزيلها .

القول الثاني : الجواز بقيود ، وأصحاب هذا القول اختلفوا في نوعية القيود ، فذهب المالكية في قول إلى الجواز  إن لم يحابّ نفسه[17] ، في حين ذهب الحنابلة في رواية إلى جوازه إذا زاد الوكيل على مبلغ ثمنه في النداء ، أو وكل من يبيع ، وكان هو أحد المشترين ، لأنه بذلك يحصل غرض الموكل من الثمن ، فأشبه ما لو باعه لأجنبي جاء في المقنع : ( ولا يجوز للوكيل في البيع أن يبيع لنفسه ، وعنه يجوز إذا زاد على مبلغ ثمنه في النداء ، أو وكل من يبيع ، وكان هو أحد المشترين ) وجاء في الشرح الكبير : ( قال القاضي : يحتمل أن يكون اشتراط تولي غيره للنداء واجباً ، ويحتمل أن يكون مستحباً ، والأول أشبه بظاهر كلامه )[18] .

  ومع أنني أرى رجحان القول الثاني في الوكالة العادلة المفردة وبالتالي فلا إشكال لديّ في هذا التوكيل لو كان في عقد مستقل منفرد ، ولكن حينما يكون ذلك ضمن هذه المنظومة ، فإنه يضعفها أيضاً ، فالنتائج  ـ كما يقال ـ تتبع أضعف المقدمات وأقل العناصر قوة .

  وقد منع المعيار الشرعي الخاص بعقد الوكالة في بند 6/11/2 : التعاقد مع النفس ، ولذلك يجب أن يحترم على مستوى عقود البنوك الاسلامية اليت وضعت هذه المعايير لها .

خامساً ـ   لا مانع شرعاً من حيث المبدأ منح حافز للوكيل ـ بالاضافة إلى أجرته ـ بأعطائع بعض ، أو كل الربح الزائد عن نسبة معينة ، وبذلك صدر المعيار الشرعي لعقد الوكالة حيث نص على جواز ذلك في البند 4/2/5  .   

الصورة الثانية : الخاصة بالتوكيل بالاستثمار عن طريق المرابحة بنسبة محددة مرتبطة بلايبور زائداً كذا نقطة  ….

  وحتتى تتضح الصورة أكثر نذكر أحد العقود المطبقة في بعض البنوك الاسلامية بقدر ما نحتاج إليه ، حيث جاء فيه ما يأتي :

تمهيد

حيث إن الطرف الثاني أبدى رغبته في توكيل الطرف الأول نيابة عنه في استثمار أمواله في المجالات المتفق عليها بين الطرفين وفق النظام الأساسي للطرف الأول ، وذلك في حدود المبلغ المتفق عليه في هذا العقد في ضوء المشاورات التي تمت بين الطرفين بشأن أسس وقواعد وضوابط وشروط ما سبق ، فقد اتفق الطرفان على ما يلي :

  1.  يعتبر التمهيد السابق جزءا لا يتجزأ من هذا العقد ، متمما ومكملا ومفسرا لبنوده .

  2.  وافق الطرف الأول على أن يكون وكيلا عن الطرف الثاني للقيام بعمليات الاستثمار وفق نظامه الأساسي بموجب هذا العقد في حدود مبلغ وقدره     دك ( فقط    دينار كويتي  لا غير )  حيث يدفع الطرف الثاني للطرف الأول المبلغ المستثمر على هيئة دفعة واحدة بتاريخ    1 /  1  / 2007 . ويلتزم الطرف الثاني بإيداع هذا المبلغ المستثمر بالحساب الجاري رقم …. فرع ………  .

  3. وكل الطرف الثاني الطرف الأول في استثمار المبلغ المبين في البند ( 2 ) من هذا العقد – فيما يراه الطرف الأول مناسبا – وكالة عامة مع حق التعاقد مع النفس بالطرق المشروعة المتفق عليها ، وذلك وفق النظام الأساسي للطرف الأول  .

  4. يلتزم الطرف الأول بعدم استثمار أموال الطرف الثاني موضوع هذا العقد إلاّ في حالة تحقيق ربح للطرف الثاني لا يقل مقداره عما يعادل (        % سنوياً ) تقديراً من أصل رأس المال المستثمر ، ويعتبر الطرف الأول مخلاً ومقصراً إذا استثمر أموال الطرف الثاني بما يقل عن هذه النسبة ، ويلتزم بدفع أصل المبلغ والأرباح المنصوص عليها أعلاه عند نهاية مدة التعاقد في حال إخلاله فيما عدا الأسباب الخارجة عن إرادته .  

  5. يستحق الطرف الاول اجرا من الطرف الثاني لقاء قيامه باعمال الوكالة في الاستثمار حسب التفصيل التالي :

       أ . اجر ثابت مقطوع مقداره (    ) سنويا يدفع مقدما عند توقيع أو تجديد العقد    ( انظر الجدول المرفق ) .

      ب . ما زاد عن النسبة (    % ) المشار إليها في بند ( 4 ) أن تحقق ، وذلك بمثابة حافز للطرف الأول للقيام بعمله على أتم وجه .

    6 . يلتزم الطرف الأول بتسليم الطرف الثاني المبلغ المستثمر وما نتج عن استثماره من أرباح دفعة واحدة بتاريخ  1 / 1  / 2008 .

 

 فهذه الصورة ، أو هذه المنظومة من العقود أخطر ما فيها أمران أساسيان :

الأمر الأول : إن هذه المنظومة ليس لها علاقة بعقد الوكالة في الشريعة أو حتى في القانون إلاّ مجرد الاسم .

  فالوكيل لا يقوم بهذه الأعمال إلاّ للحصول على المبلغ المطلوب ، فهو يعمل لصالح نفسه ، وأن الموكل لا يريد إلاّ إرجاع مبلغه وأرباحه ( فوائده ) خلال الزمن المحدد .

  ثم ان جميع أعمال الوكيل أعمال استثمارية ، وفرّ الموكل إلى هذه الصيغة ، أو المنظومة خوفاً من أحد العقود الآتية :

الأول: هو أن الصيغة الشرعية الأصلية هي عقود المشاركات ( المضاربة ، والمشاركة ) ولكن الموكل لا يريدها لوجود المخاطر فيها .

الثاني: أن الصيغة الشرعية البديلة هي الوكالة الحقيقية بالاستثمار وهذا يعني تسليم الأموال إليها ليتاجر بها ، ويكون الغرم على الموكل ، والغنم له ، ويكون للوكيل أجر ثابت ، ولا مانع من أن يعطى  له جزء من الربح تحفيزاً له حيث ليست الاشكالية في منحه الأرباح ، وإنما الاشكالية في طمس معالم الوكالة في الواقع والمآل .

الثالث:  أن مآل هذه الصيغة هي القرض المضمون مع فائدة مضمونة ، ولو صيغت المنظومة بهذه الصياغة الظاهرة الواضحة الصريحة لما مشت في البنوك الاسلامية ، واعترضت عليها الهيئات الشرعية .

 

  لذلك ابتكر الفكر المتأثر بالفكر الربوي هذه الصياغة التي فيها الضمان لرأس المال مع الربح المحدد 9% مثلاً عن طريق تغيير الاسم فقط من القرض بفائدة إلى الوكالة بالاستثمار يكون فيها رأس المال مضموناً مع فوائده .

  ولو كان تغيير الاسم كافياً في الحل والحرمة لكان تغيير اسم الربا إلى اسم الفائدة كافياً ، ولذلك سمعت في الجرائد والصحف وبقية وسائل الاعلام أنه يصدر قانون في إحدى الدول العربية بتغيير اسم القرض بفائدة إلى عقد استثماري ، أو عقد الوكالة بالمرابحة بنسبة كذا بالمائة .

  ولو فتح هذا الباب فقد فتح باب لشر عظيم مستطير ، حيث لا يبقى أي مبرر لتحريم الفوائد البنكية إذا صيغت على شكل الوكالة بالاستثمار عن طريق المرابحة بنسبة محددة ، وإذا ضم إلى هذه المنظومة حق التعاقد مع النفس ـ كما جاء في البند الثالث من العقد المذكور ـ لانتهى كل شيء ، إذ يشتري الوكيل البضاعة لنفسه بهذه النسبة ، وحينئذ أصبح ديناً في ذمته وضامناً له .

  لذلك هنا نتساءل : هل الحكم الشرعي : ان الله حرم الربا لأجل الاسم والشكل فقط ؟ أم أنه حرمه حسب الحقيقة والواقع ، والمآلات ، وما فيه من ظلم كبير عبر عنه القرآن الكريم (وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون )[19] .

  نعم لا إنكار لأهمية الصيغ والعقود ما دامت حقيقية ، يتحمل أصحابها المسؤولية عنها ، ولكنها مهما بلغت الصيغ من الأهمية فليس بمقدورها الغاء الحقائق والمقاصد المعتبرة لأي  عقد من العقود ؟

الأمر الثاني : ضمان الوكيل عن رأس المال النسبة المحددة في العقد إذا لم يستطع ترتيب عقد مرابحة بنسبة 9 % مثلاً وهذا ما نص عليه البند الرابع من العقد المذكور ، حيث جاء فيه بالنص : ( ويعتبر الطرف الأول مخلاً بواجبه ، ومقصراً إذا استثمر أموال الطرف الثاني بما يقل عن هذه النسبة ، ويلتزم بدفع أصل المبلغ والأرباح المنصوص عليها أعلاه عند نهاية مدة التعاقد ….. ) .

  هذا النص يجعل الوكيل مسؤولاً عن أصل المبلغ وأرباحه المذكورة في العقد ما دام لم يحقق ذلك ، فلا محيص له من ذلك فهو محاصر بهذا العقد .

  هذا وقد عرضت بعض المسائل المتعلقة بهذا العقد على الهيئة الشرعية لشركة أعيان ، نذكر بعضها لأهميتها ، وذلك على شكل سؤال وردها :

( السؤال رقم 1/2/2000) ونصه : ما شرعية تضمين الوكيل ما فات على الموكل من ربح نتيجة مخالفة الوكيل لشروط العقد ؟

فأجابت : اطلعت الهيئة على بعض النصوص الفقهية لدى بعض المالكية وبعض الحنابلة التي ذهب أصحابها إلى إجازة اشتراط الموكل على الوكيل ضمان الفرق بين السعر الذي شرط الموكل على الوكيل البيع به والسعر الذي باع به الوكيل ، فقد ورد في التاج والاكليل (الجزء7 ـ كتاب الوكالة ـ باب أركان الوكالة وححكمها والنزاع فيها ، ما نصه : ( إن باع بدون ما سمى له قرب السلعة بالخيار بين أن يمضي فعله أو يفسخه ، فإن أمضاه أخذ الثمن وان فسخه فإن كانت السلعة قائمة أخذها ، وإن كانت فائتة طالبه بالقيمة ان لم يسم ثمناً ، فإن سمى فهل له مطالبته بما سمى أوب القيمة ؟ قولان )

 كما ورد في كشاف القناع ( الجزء3ـ باب الوكالة ـ فصل : لا يصح أن يبيع الوكيل نساء ) ما نصه : ( وإن باع هو ـ أي وكيل ، ومضارب بدون ثمن المثل إن لم يقدر له ثمناً ، أو باع بأنقص مما قدره له الموكل أو رب المال صح البيع لأن من صح بيعه بثمن المثل صح بدونه كالمريض ” وضمنا ” أي الوكيل والمضارب النقص كله إن كان مما لا