بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وخاتم الرسل والنبيين محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين .

وبعد

  فقد كثرت الكتابات والبحوث ، والمؤلفات والدراسات الجادة حول ” مقاصد الشريعة ” بدءاً من إمام الحرمين الذي أصل الموضوع ، وتلميذه الغزالي الذي أضاف من التنويع والشرح والتوضيح ، إلى الإمام العز بن عبدالسلام الذي قام بمزيد من التأصيل والتفصيل والإيضاح والتطبيق الذي استفاد منه الإمامان المحققان : ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم ، ثم قام الإمام الشاطبي فوضع الأمر في نصابه ، فاستفاد مما سبق ، ولكن أبدع فجعله علماً مستقلاً متكامل الموضوع والشروط والأركان ، ومنهجاً لفهم الشريعة لا يستغني عنه مجتهد ، ولا مرجح ، ولا مفت على الاطلاق .

  ثم جاء العلماء والباحثون المعاصرون منذ القرن الرابع عشر الهجري باحياء هذه الفكرة أمثال : الشيخ محمد عبده ، والسيد رشيد رضا ، والشيخ ابن عاشور ، والعلال الفارسي ، كما أولت الجامعات الاسلامية ، وبخاصة جامعة الأزهر الشريف ، والزيتونة ، بإعطاء أولوية وأهمية لعلم المقاصد ، فألفت فيه الرسائل العلمية النافعة الكثيرة .

 وأمام هذا السيل من الكتب والبحوث والدراسات ، هل يبقى أمام مثلي مجال للخوض في غمار مثل هذه المبادئ أو النظريات ؟ وهل يمكن أن يقال فيها : لم يترك الأولون للآخرين شيئاًَ ؟ !

  ولذلك حاولت قدر الامكان أن أقرأ هذه الكتب والبحوث السابقة ، فوجدت أن القول الصحيح الدقيق دائماً هو : كم ترك الأولون ” رحمهم الله ” للآخرين ؟ فالعلم مثل البحار ، بل هو المحيط الذي لا شواطئ له ولا حدود ، فقد وجدت مجالات تحتاج الى مزيد من التأصيل والتعميق والتوضيح … .

 ومن هذه المجالات : تنوع المقاصد بتنوع محلها ، وحتى أنواعها الضرورية أو الحاجية ، أو التحسينية فقد حصرها كل من رأيت في الخمس أو الست ، وهي :  ( الدين ، والنفس ، والعقل ، والمال ، والنسل ، والعرض ) فوجدت أن هناك نوعين آخرين ينطبق عليهما معيار الاعتبار وهما : أمن المجتمع الذي وضع لحمايته عقوبة الحرابة ، وأمن الدولة الذي وضع لحمايته عقوبة البغي ـ كما سيأتي ـ ، ولذلك جاء بحثي هذا آملاً أن يسد ثغرة ، أو يوضح فكرة ، أو يضيف لبنة الى بناء العلم الذي لا ينتهي وبخاصة في هذا المجال العظيم :               ( مقاصد الشريعة ) .

والله نسأل أن يوفقنا لرضائه وخدمة دينه وشريعته بإخلاص وإحسان وأن يجعل كل ذلك خالصاً لوجهه الكريم وأن يوفق الجميع لخدمة الإسلام والمسلمين .