تحرير محل النزاع :


 


  إذا نظرنا  إلى ما ذكره العلامة الصديق الضرير : فإننا نراه يتفق مع المخالفين له في ثلاثة أمور ، وهي :


‌أ-    أن الشركة المساهمة لها شخصية اعتبارية مستقلة ..


‌ب-  أن الزكاة تكليف متعلق بالمال نفسه .


‌ج-   أنه لا يشترط في المكلف بالزكاة التكليف الديني الذي أساسه البلوغ والعقل .


 


 ولكنه يختلف معهم في أن يفصل بين هذه الشخصسة الاعتبارية ، والمساهمين ، فصلاً كاملاً يؤدي إلى عدم اعتبارهم في الزكاة ، بحيث يفرض عليها حتى ولو كان مساهموها كلهم غير مسلمين ، أو أنها إذا لم تفرض الدولة عليها فيجب الزكاة عليها .


  وفي ظني أن الدكتور شحاته ، والدكتور مجذوب لا يختلفان مع الشيخ الضرير في منع هذه النتائج السلبية ، حيث يظهر من كلامهم ذلك .


  أما رأيي فهو أن : الزكاة تجب على الشخصية الاعتبارية ، ودون الفصل الكامل بينها وبين المساهمين كما سبق ، فالشخصية الاعتبارية لها ذمة من حيث التقدير والحكم والاعتبار ، كما فرضنا للانسان ذمة لتسهيل عملية الأحكام ، واتساقها ، وكما اعترفنا للوقف وبيت المال ونحوهما بذمة مالية تحملت الحقوق والالتزامات .


  ومن جانب آخر فإن ما رتبه البروفيسور الضرير على قول  مخالفيه من الآثار السلبية المخالفة في بعضها لأحكام الفقه الاسلامي غير مسلم لما يأتي :


 


1.   إن ما قاله ” من أن الأخذ برأي مخالفيه يترتب عليه عدم إخراج الزكاة في أكثر البلاد الاسلامية …. ” غير مسلم لأنه لا يقول أحد بذلك ، لأن المسؤولية في الاسلام جماعية وفردية ، فإذا لم تقم الجماعة بذلك فإن الواجب لن يسقط عن الفرد ، فقد كان جمع الزكاة (على الأقل للأموال الظاهرة) من وظيفة الدولة الاسلامية ، ومع ذلك فحينما تخلت عن ذلك بقي الواجب على كل فرد مسلم أن يدفع عن زكاته لمن يستحق.


والحقيقة أن المسألة تدور حول البدء والبداية ، وليست حول اعفاء أحدهما مما يجب عليه من الفرائض المالية أو غيرها .


 


2.   رتب الشيخ على القول بوجوب الزكاة على الشخصية الاعتبارية من أن الذمة الحقيقية لا تنشغل بالزكاة ، وأنه لا يبقى أي أثر للأشخاص الحقيقيين ، ونحو ذلك ، .


والتحقيق أنه لا تلازم بين الأمرين ، وذلك لأن مدار القول بها هو أننا أمام واقع قانوني اعترفنا به ، فنمضي معه دون نضحي بأي مبدأ شرعي ، لذلك فلا توجب الزكاة على المساهم غير المسلم إلاّ إذا فرض ذلك القانون ، وحينئذ نقول : إنه يدخل في الحقوق المالية المطلوبة على المواطنين ، فبالنسبة للمسلم يعتبر زكاة ، ولغيره يعتبر من حق الدولة والوكن على المواطن ، وهكذا .


كما أننا نقول : إن الشخصية الاعتبارية هي الواجهة الأولى ، وهي اعتبارية تقديرية وأما الحقيقة فهي ملكية المساهمين لأسهمهم .


 


الالتزامات المترتبة على الشركاء في حالة الافلاس ، ومنها الزكاة التي لم تدفع :


   ومن المعلوم  قانونياً أن الشركات القانونية ـ ما عدا المحاصة ـ لها شخصية اعتبارية (معنوية) وأن من أهم آثارها : المسؤولية المحدودة التي تقتضي بأن تكون التزامات المساهمين ( الشركاء ) في حدود رأس المال المحدد للشركة ـ ما عدا شركة التضامن ـ وبالتالي فإن مسؤولية كل شريك هي في حدود القيمة الاسمية للأسهم التي قدمها ، فالضمان على ذمة الشركة وليس على مساهميها ، لأن حصص الشركاء خرجت من ملكيتهم ـ أي حكماً واعتبارًا ـ ودخلت في ذمة الشخصية الاعتبارية التي هي موضوع الضمان العام لدائنيها ، فليس لدائني الشركة حق على أموال الشريك الخاصة به ـ في غير شركة   التضامن ـ ، كما أنه لا تقع مقاصة بين دين الشريك ، ودين الشركة على الدائن ، ولكن اعسار الشركاء ، أو إفلاسهم في شركة الأشخاص يؤدي إلى بطلان الشركة ، ولا يؤثر ذلك في شركة الأموال .


هذا محل اتفاق القانونيين  .


 


  فعلى ضوء ذلك فإن الشركة إذا أفلست تصفى ، وتبقى للشركة شخصيتها الاعتبارية بالقدر اللازم للتصفية ، وذلك حتى يتمكن المصفى من إنجاز الأعمال التي لم تتم ، واستيفاء الديون التي للشركة ، وايفاء الديون ، وحفظ حقوق الشركاء وغيرهم ، وحتى لا يتمكن الدائنون الشخصيون من مزاحمة دائني الشركة ، وهذا ما نصت عليه المادة (533) من القانون المدني المصري ، ومثيلاتها من القوانين العربية ، وأوضحت أيضاً على أن سلطة المدير تنتهي وتحل محله سلطة المصفى بالقدراللازم  .


  يقول الدكتور الخياط : ( ولما كان من الجائز أن يكون للشركة شخصية اعتبارية حال حياتها ، فلماذا لا تبقى الشخصية الاعتبارية إلى حين تصفيتها ، وتهيئتها للقسمة رعاية لجانب المصلحة …… ، لست أرى مانعاًَ شرعياً يحول دون ذلك ، ونقيس ذلك على الشخص الطبيعي إذا مات فإن حقوق الدائنين تتعلق بماله بعد موته )  .


 اعلى الصفحة