بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الإخوة المؤمنون

اذا نظرنا الى من حولنا من عالمنا الخارجي الذي يعيش فيه غير المسلمين سواء كانت هذه الامم شرقية كانت ام غربية، نجد ان العالم كله تعاني اليوم من ازمات من مشاكل نفسية واجتماعية واقتصادية وسياسية، نستطيع أن نقول انه ينطبق على عالمنا اليوم ما ذكره القران الكريم حينما يتحدث عن الفساد  (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) وكلمة البر والبحر – كما يقول علماؤنا – ليست للحصر، وانما المقصود به للعموم والغلبة ويدخل فيه كذلك الجو، اليوم ظهر الفساد في البر والبحر والجو، وهذا النوع  من الفساد وهو الخلل بكل المقاييس والمعايير  سواء كانت في البنية الاجتماعية او الاقتصادية او البيئية، الى اخره من هذه المكونات الاساسية لحياة الانسان، وليس هذا كلامنا وكلام العلماء والمسلمين فقط وانما هو حديث لجميع المهتمين بشؤون الانسانية ولجميع العلماء المهتمين بالقضايا الانسانية والاجتماعية والسياسية. فالامراض كثيرة وكذلك المشاكل كبيرة، هي سمة عالمنا اليوم، على الرغم من هذا التقدم الهائل في الصناعات والتقنيات والمواصلات والاتصالات التي سهلت الكثير والكثير من الامور، ولكنها من الجانب الاخر نرى ان هذا العالم اصبح حديقة لمجموعة من الاغنياء ومجموعة من الاثرياء الذين تقدر ثرواتهم حسب احدى المجلات السويسرية في شأن الاقتصاد، ان هؤلاء من بضع المئات من الاشخاص ومن الشركات يملكون ما يعادل 70% من ثروات العالم، وهذا ان دل على شئ فإنما يدل على انه اكثر من 6 مليارات تعيش على 30% من ثروات العالم .

ورغم هذا فليس العالم النامي هو وحده الذي يعيش في المشاكل النفسية والامراض النفسية والاجتماعية وكثرة الانتحار، وانما هو بنصيب اكبر شملت الغربيين  والدول المتقدمة بالامتياز.

فأين الخلل؟

علما ان مثل هذه المشاكل قد حدثت قبل بعثة الرسول وكان العالم في اضطراب بين امبراطريتين كبريتين الفارسية والرومية، والعالم كان يعيش في القلق والاضطراب النفسي والسياسي والاجتماعي، اذاً الخلل في الجانب الداخلي للانسان، وفي هذه التشريعات والانظمة المادية، سواء كانت رأسمالية او اشتراكية على الرغم من تقدمهم ومواردهم ومصانعهم.

العلاج

هذه الانظمة الوضعية كلها طبقت ولم تجد نفعا، ولم تحقق سعادة، وان كانت في بعض الاحيان حققت بعض التقدم العلمي والصناعي ولكن لم تسعد البشرية.

اذاً القضية هي قضية النظام والتنشريع والقوانين وابتعاد الانسانية في معظمها عن منهج الله سبحانه وتعالى، عن كتاب الله والقران الكريم وعن الكتب السماوية الحقة التي لم تحرف، مع العلم أنه لم يبقي سوى القران محفوظة وشفاء ورحمة للعالمين، وقد اعترف بذلك من المستشرقين والغربيين وقالوا: ان محمدا صلى الله عليه وسلم يستطيع لو كان موجودا قادرا على حل مشكلات اليوم كما حل هذه المشاكل في البيئة الصعبة التي طبق فيها الاسلام في ذلك الوقت، فاستطاع ان يحقق العدالة والخير والتنمية الاقتصادية والرفاهية لهذا المجتمع .

اذاً ما احوج الانسانية اليوم الى هذا االشفاء، وما احوج الانسانية اليوم الى هذه الرحمة، ولكنه المريض وهو العالم اليوم يعاني من هذه المشاكل، ولكن متى يتقبل المريض الادوية من الطبيب؟ اذا كان يثق بالطبيب وهو العالم الاسلامي اليوم  ولكن كيف يداوي الطبيب المريض وهو مريض؟

نحن المسلمين اليوم نتحمل اثمين عظيمين، الاثم الاول: نتحمل اثم مشاكلنا التي وصلنا اليه، سواء كانت هذه المشاكل اجتماعية من الفقر والمرض والتخلف، او الاقتصادية من عم الرفاهية والمجاعة، والمشاكل الاقتصادية والتضخم، او السياسية من الدكتاتورية وما شابه ذلك او الفكرية والنفسية، ويتحمل القسط الاكبر من اثم هذه المشاكل العلماء والقادة والمفكرون الذين لا يطبقون هذا الدواء على انفسهم فكيف يقبل منهم الناس.

الاثم الثاني: وهو اننا نتحمل كذلك ان دعوتنا لا يصل الى غيرنا، لاننا لسنا القدوة المطلوبة التي يراد منا، بحيث تكون افعالنا هي التي تجسد الاسلام، وتكون تصرفاتنا وسلوكياتنا هي التي تحقق حقيقة الاسلام، وبالتالي ينظر الناس الينا بأننا احوج الناس الى ما يكون الى الشفاء والى الدواء.  

وقد شهدت بنفسي في احدى المؤتمرات في احدى الدول الاسكندنافية يبحثون عن لما الاقلية الاسلامية لا تطبق ما هو موجود في كتبهم لاسيما في مسألة العقود والوفاء بالوعود والعهود وغير ذلك من الامور؟ وحينما شرحنا لهم أهمية الوفاء بالعهود في الاسلام قالت احدى المستشرقات: لو طبق المسلمون ما تقولونه من سلوكيات وافعال وهذه التشريعات العظيمة لدخلنا في الاسلام خلال فترة وجيزة بين 6 اشهر الى 6 سنوات. وقلنا لماذا؟ قالت لأن هذه هي الفترة الكافية للاذكياء 6 اشهر ومن كان مترددأ لن يزيد عن 6 سنوات الا وقد دخل الاسلام. ولكن أين هذا الذي تقولونه من واقع الناس؟ أين الطهارة؟ واين الوعود وحرمة التحايل والغرر؟  واين الاخوة الاسلامية التي تجمع بين الحقوق والواجبات؟

وفي الفترة الاخيرة دعونا مجموعة من كبار المحامين لنصرة المظلومين في بورما وكان موعدنا الساعة الرابعة، وحضر اغلب المحامين، منهم محام ايطالي غير مسلم، وحضر المؤتمر على نفقته، يريد ان يفيدنا لنصل الى قانون لتجريم المسؤولين في بورما وتقديمهم كمجرمي الحرب، وذكر انه لا يستغرب ان العرب والمسلمين لا يلتزمون بمواعيدهم، وحقا فقد تأخر محامو العرب والمسلمين الى أكثر من نصف ساعة.

فأين هذا من أن الاسلام يجعل مخالفة الوعد علامة من علامات النفاق، والله سبحانه وصف سيدنا اسماعيل قبل الرسالة (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا).

اذا كان العالم اليوم يعاني كل هذه الأمراض ولكنه لا يسمع منا لاننا نحن اساسا يظهر فينا المرض، لذلك جعل الله من ادعية القران الكريم  رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) بتصرفاتنا، ونبعد الاخرين عن ديننا، علما ان معظم من دخلوا ديننا كان بسبب اخلاقيات وتصرفات شخص او مجموعة.

لذا يجب ان نبدأ بأنفسنا وأن نصلح حالنا مع القران ويجب ان نعلم ان سلعة الله غالية وان رضى الله لن يتحقق بسهولة رغم سعة رحمته الا ببذل الجهد والسلوكيات الطيبة.

الخطبة الثانية

اذا كنا قد تحدثنا عن امراض العالم وعن امراضنا نحن باعتبارنا افرادا وشعوبا وجماعات، فإنما تكون المشكلة اكبر في تعامل معظم قادتنا – وهم امام مرأى ومسمع العالم-  مع شعوبهم.  في الغرب اذا قصر شرطي في تعامله وفي حماية شخص، فأن وزير الداخلية يقدم استقالته، يتحمل المسؤولية. اذا تربى الغرب خلال مئة السنة الاخيرة على تحمل المسؤولية ولكن نحن مع الاسف الشديد كانت التربية خلال مئة سنة، تربية اللامبالاة وعدم المسؤولية وعدم احترام الانسان وحقوقه.

 فهنا يباد شعب بكامله في سوريا  وما زال نفس النغمة في اتهام الاخرين ونفس الهجمات والتهمة، والعالم ينظر،  ولكن انظر ماذا فعل دول الاتحاد الاوروبي من دفع المليارات للنهوض باليونان، اما في بلادنا لا ندعم اخواننا ولا الدول الاخرى المحتاجة للدعم منا حتى لا يقال أنه يساعد دولة يحكمها جماعة اخرى ليست منهم، وهذا ما فعلنا عندما لم نساعد مصر، واعلموا ان قادة العرب مسؤولون على توقيع السادات لتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، لانهم لم يساعدوا مصر التي خرجت من حرب 73 وضحت بمالها وفلذات اكبادها. فهل نفعل بسوريا مثل ذلك ان يرضخ للاعداء، فهل هذه من الحكمة ان لا نساعد اخواننا في وقت الحاجة والشدة، نتركهم للاعداء والصهاينة والدول المتربصة بنا؟

لذا نحتاج ان نحس بالمسؤولية فردا وجماعة ودولة، وقد قال الله سبحانه وتعالى (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)، فلو احسنا بالمسؤولية كلنا لما تفاقمت مشكلة سوريا الى ما وصل اليه من تقتيل وتشريد وهدم للبلد والعباد، وهذا ما يريده الاعداء ان تترك سوريا للفوضى كما حدث في العراق، فهل نقبل بهذا ؟