بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الإخوة المؤمنون

إن محبة الله سبحانه وتعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم هما الجزءان الاساسيان من البنية الاساسية لهذه العقيدة التى جاء بها الاسلام، فبدون هذه المحبة الصادقة، وبدون هذه المحبة القوية، لن يكون هناك ايمان او اسلام، وانما اذا وجد بعض ذلك فإنما يدخل في مجرد المظاهر وليس في الجوهر والحقيقة.

ولذلك أكدت النصوص الشرعية على تثبيت وترسيخ هذه المحبة لله ورسوله في نفوس المسلمين، فبين الله سبحانه وتعالى في اكثر من آية من هذه الايات الكريمات حينما يتحدث عن المشركين (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)، فالمؤمن يجب أن يكون حبه اشد من حبه لنفسه وأولاده أو أي حب آخر لغير الله سبحانه وتعالى، وكذلك الأمر بالنسبة لمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يقول الله سبحانه وتعالى (النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)، فالنبي أولى وأعظم من أنفسنا، وأشد حبا له من أنفسنا، وبذلك وردت أحاديث صحيحة بأنه لن يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله احب اليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين .

وحينما بين الرسول ذلك بأن الايمان لن يتحقق الا بهذه المحبة الداخلية الحقيقية لله سبحانه وتعالى ولرسوله  قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: أنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال : ” لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك ” فقال عمر : والله أنت الآن أحب إلي من نفسي ، قال : ” الآن يا عمر ” .

فالمحبة أمر أساسي ولكن هذه المحبة لم تترك للاهواء والشهوات، وانما ضبطت هذه المحبة في دائرة واضحة لا يكون فيها مخالفة او تجاوز لما يريده الله سبجانه وتعالى من هذه المحبة من البدع والخرافات التي تزاد باسم المحبة لله ورسوله، فبين الله سبحانه وتعالى كيفية هذه المحبة، بأن تكون على الطريق المستقيم، وأن تكون هذه المحبة حسب شرع الله سبحانه وتعالى، وهذه المحبة في جانب آخر لم تترك أيضا لمجرد أن تكون قوة في القلوب، أو مشاعر عاطفية في النفوس، أو نوع من الغليان في داخل القلوب، وإنما يجب أن تتحرك الى الخارج من حيث الاتباع وطاعة الله ورسوله، حيث يقول الله سبحانه وتعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

 فالمحبة الحقيقية لله وكذلك لرسوله صلى الله عليه وسلم إنما تتحقق شرعاً ويعتد بها اسلاما، وايمانا اذا كانت هذه المحبة تترجم الى العمل والاقتداء والى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته وسيرته واخلاقه وصفاته العظيمة الكريمة ثم يقول بعد هذه الاية مباشرة (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)، فإن طاعة الله ورسوله هي الاساس وهي الميزان والمعيار لهذه المحبة إن وجدت، لأن لكل شئ حقيقة فحقيقة المحبة الاتباع والتأثر بمنهج الرسول، والسير على الصراط المستقيم الذي سار عليه الرسول ورسمه له الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم, وإن من لم يطع الله ورسوله ابدا فأن هذا يكون بعيدا عن الايمان الحقيقيي، وقريبا من الكفر والضلال، ومن البعد عن منهج الله سبحانه وتعالى، وقد اكد القران الكريم ذلك في آيات كثيرة من أن من أحب الله وأحب رسوله فإنما عليه بالاتباع، وقد بين الله سلفنا الصالح رضي الله عنهم كيفية الاتباع ولخصوه في كلمتين كما يقول القاضي عياض في تفسير قوله سبحانه وتعالى ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا) قال: اصوبه وأخلصه. فحينما سأل عن ذلك قال: من لم يكن عمله خالصا لله سبحانه وتعالى فلن يقبل منه، ومن لم يكن عمله صائبا وان كان خالصا فلن يقبل منه، وانما يقبل العمل الخالص والعمل الذي يكون عليه الصواب.  والاخلاص هو التوحيد بالله سبحانه وتعالى والامر الثاني قال اما أصوبه فهو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فالاخلاص هو هذا الجانب العقدي والصواب هو الجانب العملي الذي يسير الانسان على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم.

ومن هنا ابتدع المسيحية وشددت على انفسهم ولكن الله سبحانه وتعالى لم يقبل منهم هذه الرهبنة وقال (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا)،  فالمطلوب هو الاتباع وابتغاء رضوان الله سبحانه وزتعالى بأن تكون نية الانسان خالصة لله بعيدة عن اي شئ آخر سواه، ثم بعد ذلك يتبع منهج رسول الله في المال والسلوك والتصرفات والشعائر والعبادات وكل شئ، ولا شك فأن رسول الله قد أوضح أن منهجه واعماله وتصرفاته وسيرته على مجموعة من الأحكام، من هذه السير ما هي واجبة وفريضة، ومن هذه السنن ماهي مستحبة سواء كانت مؤكدة او غير مؤكدة.

اذا كنا ندعي المحبة فقد ظهرت محبتنا في بعض الحالات بصورة صحيحة، وظهرت محبتنا في بعض الحالات بصورة غير صحيحة، وحينما تتجاوز هذه المحبة وتتصل الى عاطفية هوجاء لا تراعي حق الله ولا اخلاق رسول الله فحينئذ تصبح هذه المحبة وبالا على الانسان وخارجة عما يريده الله سبحانه وتعالى وعما يريده الرسول منا، فالرسول كان من اهم سيرته ومن اهم صفاته ما شهد الله سبحانه وتعالى له في الخلق الحسن (وإنك لعلى خلق عظيم)، والصحابة اتبعه على هذه الاخلاق العظيمة، فعلى سبيل المثال نأخذ مسائل من الرحمة، فكم كان الرسول رحيما بأمته في الدنيا والآخرة وكم كان رحيما بغير المسلمين وبالناس أجمعين حتى بالحيوانات والجمادات، ولذلك وصفه الله بهذا الوصف العظيم (وما أرسلنك الا رحمة للعالمين)، في الآخرة كل الناس يقولون نفسي ونفسي، من هذا الهول العظيم الذي ترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، يفر الانسان من أخيه ومن أمه ومن زوجته ومن كل الناس أجمعين، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول امتي أمتي والناس أجمعين، فيكون له رحمة للعالمين من خلال شفاعته العظمى، فيسجد حتى يقام الميزان ولا يبقى الناس في هذا الهول العظيم فيستجيب الله له ويبدأ الحشر والحساب، وحينئذ يصل الى الأمرين فريق في الجنة وفريق في السعير، ولكن لا يكتفي الرسول بهذه الشفاعة العظمى، وإنما بعد ذلك يبحث عن شفاعة لأمته فيسعى ويتضرع الى الله ويسجد لله ويسأل عن أمته وإخراجهم من النار أجمعين وإن كان بعد فترة.

وحتى في العبادات ما يريد أن يستمر على صلاة التراويح خشية أن تفرض على أمته، ويبذل كل جهده للنخفيف على أمته، وقد كان يصلى الفجر ويسمع بكاء صبي فيخفف الصلاة لأجلهم، واذا ركب على ظهر الرسول من احفاده وهو ساجد فيطيل السجود حتى يستمتع الطفل الى ان يمل، حتى ظن الصحابة انه قد أصابه شئ. وكان يتعامل مع عائشة زوجته الصغيرة وسمح لها ان يكون لها دمى على شكل بنات تلعب بها،  وكذلك أن يتسابق مع عاشة في ذلك العصر مرتين، وقد أجاز الرسول من باب الرحمة حتى لا نكون متنطعين ومتشددين ان يلعب الحبشة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحراب والشيش والسيدة عائشة تنظر إليهم كيف يلعبون الى أن ملت، وهكذا كان رحمته بالناس كبيرهم وصغيرهم وبخيلهم والحيوانات جميعهم.

الخطبة الثانية

لو نظرنا الى هذه الرحمة والى هذه الصفات بين المسلمين عامة لوجدنا كم نحن المسلمين مقصرون في هذه الاخلاقيات العظيمة، وإعطاء القدوة للناس أجمعين.

الناس لا يتأثرون بالوعظ ولا سيما غير المسلمين وانما يتأثرون بما يشاهدون من أعمالنا وتصرفاتنا،  ونحن كأمة إسلامية قد فشا فينا الجهل،  وأمة الرحمة لا يرحم بعضها البعض، وها نرى ما يفعل من ينتسب بالظاهر الى الاسلام والمسلمين.

حينما يهاجم الغرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن من يعطيهم التبريرات في تصرفاتنا داخل العالم الاسلامي و خارجه، فلو اعطيناهم صورة الاسلام الجميلة لفهمناهم كيف الاسلام، كما فعل اباؤنا، ذهبوا بأخلاقيات الاسلام فدخل 400 مليون انسان، فقد كانوا تجارا صادقين. لذا نحن نتحمل جزءا من المسؤولية امام الله سبحانه وتعالى،  فلم يرى أمة يقتل بعضها البعض مثل امتنا، فانظر الى سوريا وهذه الوحشية من الشبيحة والعسكر فهم محسوبون على المسلمين فلو تخلى هؤلاء عن بشار الاسد لانتهى تماما.

فهذه القسوة البالغة تعطي صورة سيئة جدا للاسلام والمسلمين، والغرب بالذات ليس بحاجة الى القوة، هم عندهم القوة ولكن يحتاجون الى الخواء الروحي والجانب الاخلاقي، ولكنهم يرون عكس ذلك يرون القسوة والوحشية ما يفوق قسوة الاسد الا الذئاب، فإن الاسد لا يأخذ الا قدر حاجته، أما الذئب اللئيم فإذا دخل في القطيع فلا بد أن  يقضي على الجميع، فهؤلاء الذئاب من الشبيحة هم الذين يعطون هذه الصورة السيئة للمسلمين، فقد بلغ الوحشية مداها، وأنا لا أشك أن المؤامرة الدولية مع هذه المسألة فهي كالآتي: أن يسقط بشار الأسد لكن بعد أن يسقط الشعب والدولة، أي لا يبقى شئ حتى ينشغل الشعب السوري تماما بنفسه، فانظر الى هذه الانانية والجريمة من قبل الدول الكبرى هم يريدون ان يسقط هذا النظام لكن بعد أن يسقط الشعب كله.

وقد زادت عدد المهجرين السوريين و قد وصلت الى خمسة ملايين أي بحدود ثلث الشعب السوري مهجر، وقد كنت في زيارة لإخوانكم اللاجئين السوريين برعاية من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لمساعدتهم فهم قد أهملهم الاعلام، وحتى نحن في الخليج نسير وفق زوم الاعلام، فزوم الاعلام على المهاجرين في الاردن او لبنان او تركيا ولكن في العراق اليوم اكثر من 40 الف لاجئ وليس لهم اي عناية الا ما قام به الاتحاد العالم لعلماء المسلمين مع مؤسسة كردية تسمى الرابطة الاسلامية الكوردية، وهذه المؤسسة داخل شعب محتاج جمعت حوالي 500 الف دولار،  وحكومة الاقليم ساعدت بمخيمات للإقامة فيه. وقد زرت سابقا احدى المخيمات وكان فيها 700 عائلة وطلبوا منا البطانيات فوفرنا لهم الف بطانية و700 مدافئ كهربائية، واليوم زادت عددهم الى 3000 عائلة سورية، وانا استنجد بإخواني في قطر لمساعدتهم وقد ساعدني مؤسس الشيخ عيد ب100 الف دولار وكذلك جمعية قطر الخيرية  250 الف ولكن هذا لا يكفي ل 40 الف نسمة.

وهذه المرة في زيارتي جمعنا لهم 3000 مدفأة لأن الشتاء على الابواب وقد تصل الحرارة الى 8 تحت صفر.

وكنا قبل ايام ايضا في مؤتمر لنصرة بورما، فقد انتهزت حكومة ميانمار بعد انشغال المسلمين بأنفسهم، وقتلت منهم خلال هذه الفترة اكثر من 200 الف احراقا وقتلا وتدميرا،  فقمنا بمؤتمر دولي للمحامين وجمعنا حوالي 50 محاميا بالتعاون مع رابطة العالم الاسلامي لمشروع قانون وتشكيل لجان لمتابعة الامم المتحدة لمحاكمة هؤلاء بإعتبار الحكومة والمسؤولين مجرمي الحرب.

امتنا تحتاج الى مزيد من الاعمال ولابد من ان هذه القلوب التي تحملونها تحس وتحترق لآلام الأمة لأنه لا يتم ايماننا إلا به فمثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .