1 ـ أن بعض المفتين يريدون التشدد في الحج فيعتمدون على الحديث الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم : (لتأخذوا مناسككم)[1] : على أساس أنه أمر وهو حقيقة في الوجوب ، فيجعلون كل شيء واجباً إلاّ ما دل الدليل على غير ذلك ، وهذا الاستدلال ليس في محله ، لعدة أسباب : أولها : أن دلالة الأمر على الوجوب ليست محل اتفاق عند علماء الأصول ، بل فيه خلاف كبير[2]. وثانيها : أن كل ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في حجته ليس واجباً بل فيه الواجب والمستحب ، وحتى المباح[3] . بل الإمام مسلم ترجم في صحيحه : باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً ، ثم ذكر هذا الحديث [4].
2 ـ مبدأ لا حرج : ان من أهم المبادئ التي طبقها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حجته هو مبدأ التيسير ، فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما بسندهم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عمن حلق قبل أن يذبح ، ونحوه ، فقال : (لا حرج ، لا حرج) ورووه عنه أيضاً أنه : (قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : زرت قبل أن أرمي ، قال : (لا حرج) ، قال : حلقت قبل أن أذبح ؟ قال : (لا حرج) ، قال : ذبحت قبل أن أرمي قال : (لا حرج) ، وروى البخاري أيضا عن ابن عباس ، قال : ( سئل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : رميت بعدما أمسيت ، فقال : (لا حرج) ، قال: حلقت قبل أن أنحر قال : (لا حرج)[5] ، حتى جعل ابن عباس رضي الله عنهما ذلك أصلاً ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل يوم النحر بمنى ، فيقول : (لا حرج)[6] وفي رواية صحيحة أخرى قال ابن عباس : ( قال النبي صلى الله عليه وسلم ) : (افعل ولا حرج لهنّ كلهن ، فما سئل يومئذ عن شيء إلاّ قال : (افعل ولا حرج)[7] .
* الربط بين الغلو في الدين والتشدد في الرمي :
ومما ينبغي التنويه به أن الرسول صلى الله عليه وسلم ربط بين الغلو في الدين والتشدد في الرمي ، فقد روى ابن حبان وأبو يعلى ، وغيرهما بسند صحيح عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو واقف على راحلته : (هات ، الْقُطْْ لي) فلقطت له حصيات ، وهي حصى الحذف ، فلما وضعتهن في يده ، قال : (نعم بأمثال هؤلاء فارموا) ثلاث مرات (وإياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)[8].
([1]) رواه مسلم في صحيحه (2/943) وسنن أبي داود الحديث رقم 1970 ، ورواه النسائي (2/50) عن جابر بلفظ : (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة وهو على بعيره ، وهو يقول : يا أيها الناس خذوا مناسككم ، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد عامي هذا)
([2]) انظر : الإحكام للآمدي (2/144)وجمع الجوامع (3/375) والمحصول (ج1ق2/64-66) وشرح الكوكب المنير (3/17- 39- 61)
([3]) ومثال المباح هو نزوله صلى الله عليه وسلم الأبطح مع أنه ليس بسنة كما قالت أم المؤمنين عائشة ، وابن عباس ، كما في صحيح مسلم (2/951)
([4]) صحيح مسلم (2/943)
([5]) صحيح البخاري ـ مع الفتح ـ ( 3/559 – 568 ) ،ويراجع : سنن أبي داود ـ مع عون المعبود (5/457)
([6]) صحيح البخاري ـ مع التفح (3/568) صحيح مسلم (2/950)
([7]) صحيح البخاري ـ مع الفتح ـ (3/569) وصحيح مسلم (2/948 – 950) ، وسنن ابن ماجه (2/187)
[8])) موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان ط.دار الثقافة العربية بدمشق (3/330) ومسند أبي يعلى الموصلي(4/316) رقم الحديث 2427 .