التقسيم الأول للدّين باعتبار الزمن ، حيث يقسم إلى حالّ ومؤجل :
يقسم الدين باعتبار الزمن إلى : حال ، ومؤجل ، فالدين الحال هو : ما يجب أدؤه عند طلب الدائن ، ويقال له الدين المعجل أيضاً .
والدين المؤجل هو : ما لا يجب أداؤه قبل حلول الأجل ، لكن لو أدّي قبله يصح ويسقط عن ذمته[1] ، وقد ذكر الزركشي أن الدين المؤجل يحل بموت المدين إلاّ في ثلاث صور :
الأولى : المسلم إذا لزمته الدية ولا مال ولا عصبة ، تحمّل عنه بيت المال ، فلو مات أخذ من بيت المال مؤجلاً .
الثانية : إذا لزمت الدية في الخطأ وشبه العمد الجانيَ كما لو اعترف وأنكرت العاقلة فإنها تؤخذ من الجاني مؤجلة ، فلو مات هل تحل الدية ؟ وجهان : أصحهما : نعم .
الثالثة : ضمن ديناً مؤجلاً ومات الضامن ، يحل عليه الدين على الأصح ولو مات الأصيل حلّ عليه الدين ، ولم يحل على الضامن على الصحيح[2] .
وكذلك تحل الديون المؤجلة بالفلس عند جماعة من العلماء[3] .
قال الزركشي : ( ليس في الشريعة دين لا يكون مؤجلاً إلاّ الكتابة والدّية ، وليس فيها دين لا يكون إلاّ حالاً إلاّ في القرض[4] ، ورأس مال السلم ، وعقد الصرف ، والربا في الذمة …. )[5] .
وأما الدين الحال ، فقد قال الإمام المتولي والإمام الروياني : إنه لا يتأجل إلاّ في مسألتين:
إحداهما : إذا قال صاحب الدين عند حلوله ، لله على أن لا أطالبه إلاّ بعد شهر ، لزم[6] .
الثانية : إذا أوصى من له الدين الحال أن لا يطالب إلاّ بعد شهر فإنه تنفذ وصيته ، وقيدها ابن الرفعة في المطلب بأن يكون في حدود الثلث .
التقسيم الثاني للدين باعتبار إمكانية رده ، حيث يقسم بهذا الاعتبار إلى قسمين هما :
1ـ دين مرجو الأداء ،و هو الدين الثابت المستقر الذي يكون مدينه مليئاً ( قادراً على الأداء ) غير مماطل .
2 ـ دين غير مرجو الأداء ، وهو الدين الذي لم يستقر على مدينه ، أو لم يثبت بطرق الاثبات المعتبرة ، أو كان ثابتاً ومستقراً ولكن كان مدينه معسراً او كان مماطلاً [7].
هذا التقسيم الثنائي الدقيق يقابله تقسيم ثلاثي معاصر للدين ، إلى : دين مضمون ، ودين مشكوك فيه ، ودين معدوم .
أ ـ فالدين المضمون : هو الدين الذي له من الضمانات ما يجعل تحصيله في وقته ميسوراً ، وهذا المصطلح متوافق أو قريب جداً من النوع الأول ( دين مرجو الأداء ) عند الفقهاء .
ب ـ الدين المشكوك فيه : هو الدين الذي تكون ضماناته ضعيفة ، وإمكانية تحصيله ليست ميسورة ، أو بعبارة أخرى فإن الظن الغالب فيه هو عدم التحصيل ، ولكن هذا لا يمنع من احتمال تحصيله ، وهذا المصطلح متوافق أو قريب جداً من مصطلح ( الدين غير المرجو ) لدى الفقهاء .
ج ـ الدين المعدوم ، وهو الدين الذي لا أمل في تحصيله ، لأي سبب كان ، وهذا يدخل في ( الدين غير المرجو ) لدى الفقهاء ، ولكن المصطلح غير دقيق ،إذا نظرنا إلى حقيقة معناه وهو المفقود ، أو المنتهي تماماً ، أو غير الموجود ، في حين أن الدين قد يكون موجوداً في الذمة ، ولكن المدين غير قادر على الأداء ، فهو دين معدوم في عرف هؤلاء ، لكنه في حقيقته موجود ، ولذلك فتعبير الفقهاء أدق .
التقسيم الثالث : من حيث القوة والضعف :
قسم جماعة من الفقهاء ـ منهم أبو حنيفة ـ الديّن إلى دين قوي ، ووسط ، وضعيف .
قال السمرقندي : ( الدين عند أبي حنيفة على ثلاث مراتب :
أ ـ الدين القوي هو الذي ملكه بدلاً عما هو مال الزكاة كالدراهم والدنانير ، وأموال التجارة ، وكذا غلة مال التجارة …. .
ب ـ الدين الوسط : هو الذي وجب بدل مال لو بقي عنده حولاً لم تجب فيه الزكاة مثل غلة مال الخدمة .
ج ـ الدين الضعيف : ما وجب وملك ، لا بدلاً عن شيء ، وهو دين إما بغير فعله كالميراث ، أو بفعله كالوصية ، أو وجب بدلاً عما ليس بمال ديناً كالدية على العاقلة والمهر وبدل الخلع والصلح عن دم العمد … .
وقال أبو يوسف ومحمد : الديون على ضربين : ديون مطلقة وديون ناقصة ، فالناقص هو بدل الكتابة والدية على العاقلة ، وما سواهما فديون مطلقة)[8] .
التقسيم الرابع : باعتبار الصحة ، وعدمها :
يقسم الدين باعتبار الصحة وعدمها إلى دين صحيح ، وغير صحيح ، حيث ذكرهما التهانوي ، وعرف الدين الصحيح ( اللازم ) بأنه : الدين الثابت الذي لا يسقط إلاّ بالأداء أو الإبراء كدين القرض ونحوه ، والدين غير الصحيح : بأنه ما يسقط بغيرهما أيضاً ، أي بسبب آخر مطلقاً مثل دين الكتابة فإنه يسقط بتعجيز العبد المكاتب نفسه ،ومثل دين الجعل حيث يسقط كذلك بعدم إكمال العامل نفسه [9] .
التقسيم الخامس : باعتبار التوثيق وعدمه :
يقسم الدين باعتبار التوثيق وعدمه إلى : الدين الموثق ، والدين المطلق :
أ ـ الدين الموثق : وهو الدين الذي وثق برهن أو كفالة لتأكيد حق الدائن .
ب ـ الدين المطلق ، أو الدين غير الموثق ، وهو الذي لم يوثق[10] .
التقسيم السادس : باعتبار قوته وضعفه :
حيث يقسم بهذا الاعتبار إلى دين الصحة ، ودين في حالة المرض :
أ ـ دين الصحة ،وهو الدين الذي لزم الإنسان في حالة الصحة وقبل مرض الموت وما يلحق به .
ب ـ دين في حالة المرض والخوف من الهلاك : وهو الدين الذي ثبت بإقرار المريض في هذه الحالة ، ويسميه الفقهاء بالمرض مرض الموت ، ولكني اخترت اسماً جامعاً لهذه الحالة ونحوها ، سميتها في رسالتي الدكتوراه ( تصرفات : من كان في حالة الخوف من الهلاك ) وعرفته بأنه : ( من تحيط به ظروف خطرة محدقة به تجعله يخاف من الهلاك ، ويكاد ييأس من الحياة ، كالمريض مرض الموت…. ، وراكب البحر تموج به الأمواج ، ونحو ذلك ، فيتصرف تصرفات ، ثم يموت بالسبب السابق نفسه)[11] .
وقد ذهب جماهير الفقهاء ( ما عدا الظاهرية ) إلى أن تصرفات المريض مرض الموت ومن ألحق به الخاصة بالتبرعات أو المحاباة لا تنفذ بعد موته من ماله بالكامل ، وإنما تطبق في حدود الثلث[12] .
وكذلك تتأثر ديونه بهذه الحالة حيث لم تعد ذمته تصلح لتعلق الديون بها ، بل تتعلق بأمواله التي بدأت عناصر الخلافة تطفح على السطح ، وتتعلق بها أيضاً حقوق الورثة وإن لم يكن تعلقاً كاملاً ، ولذلك يقدم عند أداء الديون بعد موته ديونه في حالة الصحة على ديونه في حالة المرض مرض الموت أو ما يلحق به إذا كانت التركة لا تسع النوعين عند الحنفية ، والحنابلة ، ووجه للشافعية[13] .
التقسيم السابع : باعتبار الدائن :
حيث يقسم بهذا الاعتبار إلى دين الله ، ودين العبد :
أ ـ دين الله ، وهو يشمل ما ألزم الله تعالى على وجه العبادة والتقرب إليه ، مثل الزكوات ، والفدية ، وديون النذر ، والكفارات ، ونحوها ، أو ما ألزمه الله تعالى لتمكين الدولة بأعبائها من تحقيق المصالح العامة للأمة مثل خمس الغنائم ، والفيئ ، وما تفرضه الدولة زيادة على الزكاة من الضرائب المشروعة ونحوها .
ب ـ دين العبد ، وهو الذي لزمه بسبب تصرفاته الخاصة بمصالحه[14] .
تحديد نطاق التأمين على الديون :
يحتمل أن يقصد بالعنوان العموم أي التأمين على الديون في جميع حالات عدم السداد سواء كان ذلك بسبب الموت ، أو العجز البدني ، أو المماطلة أو لأي سبب كان .
ويمكن أن يخصص التأمين بحالتي الموت ، أو العجز ، أي العجز البدني الكلي ، بحيث لا يكون المدين قادراً على العمل ، وعلى أداء وظيفته .
ويمكن أن يكون التأمين للديون المشكوك فها أو المعدومة حسب مصطلح المحاسبين .
والذي يجري عليه العمل الغالب الآن في التأمين الإسلامي هو التأمين على الديون في حالتي الموت ، أو العجز الكلي عن العمل وأداء الوظيفة .
مدى الحاجة إلى التأمين على الديون :
إن الحاجة إلى التأمين على الديون ملحة جداً سواء كانت للمؤسسات المالية الإسلامية ، أم للمدينين المستثمرين .
أما حاجة المدينين فتكمن في جانبين :
الجانب الأول : المتمثل في الآثار السلبية للديون على المدين نفسه ، وعلى أسرته في حالة موته ، حيث إن الأسرة بعد موته فقدوا الراعي المسؤول مع توارث تركة الدين الثقيلة ولا سيما إذا كانوا يعتمدون على دخله الشهري ، فأصبحت مصيبتهم مصيبتين ، بل تصبح المصيبة أكبر إذا كان منزلهم أو مصنعهم الذي هو مصدر عيشهم كان مرهوناً لأجل ذلك الدين ، حيث إن البنك الدائن المرتهن يقوم بإجراءات البيع ، لينتهي الأمر إلى أن تطرد الأسرة بعد موت المدين من منزلهم ، أو يحرموا من مصدر دخلهم ، وهكذا ..
لذلك فهذه حاجة ملحة تقتضي العلاج من خلال التأمين على الديون ، حيث ان الشركة الإسلامية للتأمين في هذه الحالة تدفع الدين بالكامل للمؤسسة المالية وتدفع عن كاهل الورثة هذا العبء الثقيل وتنقذ الأسرة من التشرد والحرمان ، وفي ذلك مصالح كبيرة ومنافع جسيمة على مستقبل الأسرة ونشأتهم بإذن الله تعالى .
والجانب الثاني يكمن في تبرأة ذمة المدين نفسه بعد الموت ، حيث تكفلت الشركة الإسلامية للتأمين بالدفع ، وبالتالي ضمن المدين وهو حيّ من يكفل دينه ، ويبرئ ذمته بدفع ديونه ، وهذه منفعة عظيمة أخرى .
وأما حاجة المؤسسات المالية المسلمة فهي أيضاً كثيرة ، وذلك لأنها بحكم التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية تدخل في الاستثمارات بدل القروض بفوائد مضمونة ، تتعاقد مع العملاء بالعقود التي تترتب عليها أثمان آجلة كالمرابحة ، والاستصناع ، والبيع الاجل ، ونحوها .
وحينئذ تكون المؤسسات الإسلامية أمام مخاطر كبيرة من عدة جوانب من أهمها :
1) مخاطر الاستثمار بصورة عامة
2) مخاطر موت المدين ، أو عجزه عجزاً كلياً ، حيث قد تكون في هذه الحالة أمام خيارين أحلاهما مُرّ ، وهما : إما بيع العين المرهونة التي قد تكون المنزل الخاص بالمدين ، أو المصنع ، أو نحوه مما يكون مصدراً لعيشه ، أو أن تترك الموضوع فتخسر ديونها ، وهذه أيضاً كارثة لها ، ولا سيما أنها ليست جميعة خيرية ، وإنما مؤسسات استثمارية دخل الناس على أساس الربح وليس على أساس الخسارة وإن كانت هذه متوقعة ومحتملة .
وعلى الرغم من أن المؤسسات المالية الإسلامية تأخذ بمعظم الاحتياطات المطلوبة فقد تضخم حجم المديونيات المتعثرة ، وأن نسبة كبيرة منها يعود سبب تعثرها إلى موت المدين ، أو عجزه .
لذلك فالحاجة ماسة للتأمين على هذه الديون على الأقل لحالات الموت والعجز .
ومن جانب آخر فإن المال ـ كما هو معروف ـ احدى الضروريات الخمس ( او الست) ، وبالتالي فالحفاظ عليه وتنميته وحماية حقوق المستثمرين وتشجيعهم من خلال حفظ أموالهم عن الضياع والتأخير ، بل تنميتها …. كل ذلك داخل في مقاصد الشريعة .