بسم الله الرحمن الرحيم
ايها الإخوة المؤمنون
إن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في حركاته، وسكناته، وتصرفاته، وغزواته، وفي سيرته العطرة، كلها قدوة، ودروس وعبر، يحب على الأمة أن يستفيد منها، ويجب على الأمة أن يقتدي بها، والله كذلك جعله قدوة لنا .
ومن هنا تأتي دروس كبيرة جدا من قضية هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الدروس من الهجرة ومن غيرها لا تنتهي، بل إن معانيها تتجدد دائماً بتجدد الدهور والأزمان.
ولو نظرنا إلى هذه الهجرة العظيمة الي هاجر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه، ودياره، وأرضه، وأمواله، وأقاربه، وكذلك الصحابة تركوا وضحّوا بكل شئ في سبيل الله ونصرة دينه، لوجدنا أننا اليوم نقف على مسافة بعيدة من هذه القدوة الصالحة من حيث هذه الدروس التي من أهمها عدم اليأس ( لا تحزن إن الله معنا).
كثير من الناس اليوم أصابهم اليأس بسبب ظروف الأمة، وضعفها، وتشتت الأمة وتفرقها، وعدم قدرة هذه الأمة الكبيرة على فعل أي شئ ، لا في سوريا، ولا في العراق، أو اليمن، أو ليبيا، ناهيك عن قضيتنا الأولى فلسطين، تركوا كل هذه الأمور وانشغلوا ، ويا ليت لم تكن الأمة مجرد غير قادرة على فعل شئ، بل إن الأمة اليوم مع الأسف الشديد مشغولة بأنفسها، وتطبق هذه المؤامرات الدولية والداخلية من أعداء الإسلام والمسلمين، ومن أعدائنا وأعداء ثرواتنا، حتى الأمة من خلال فرقائها هي التي تُطبق، وهي التي تزمر، وتقتل، وتقوم بكل هذه الاشياء، والأعداء يتفرجون وهم المستفيدون .
أمام هذه المآسي تأتي قضية الهجرة لتعطينا الأمل، فقد كان رسول الله في بداية دعوته، كان فردا، ولم يكن معه أحد إلا الله، تم تبعه أبو بكر وعلي والسيدة خديجة رضي الله عنهم جميعا، ثم بعد ذلك ضحوا بكل شئ، وآُوذوا، وقُتلوا وشُّردوا، وهُجّروا، وما كان أحد يتوقع أن تحدث هذه الأنتصارات العظيمة، وأن تصل الإسلام والمسلمون اليوم العالم كله، وكما يقول بعض الناس لو أنك رتبت الآذان من مكة المكرمة ورتبتها لتجد في كل أقل من دقيقة آذانا في العالم يرفع ويقول ألله أكبر ألله أكبر، ويشهد بصحة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم.
كل ذلك بدأ من جهد واحد، ومن شخص واحد، ثم كانت الهجرة بسبب أن قريش لم تقبل أن تنتشر الإسلام فيما بينهم، وكذلك تآمروا على قتل الرسول أو يحبسوه أو يسجنوه، وعندما تآمروا بشكل غريب من كل قبيلة شخصاً حتى يتوزع دمه وديته على جميع القبائل، ولا تستطيع قبيلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطالب قبيلة واحدة بدمه، فحتى هذا كان فيه مكر، ولكن يحول الله سبحانه تعالى هذا الكيد وهذه المحنة الشديدة وهذه المؤامرة الكبيرة يحولها إلى منحة عظيمة، لو بقي الرسول في مكة وتركوه فرضا لآمن به هنا وهناك ولكن ما كان يمكن أن تتكون دولة وأن تنشأ دولة داخل مكة المكرمة، وبين القريش، الذين كانوا يعادون رسول الله، ولكن حينما فعلوا هذه المؤامرة خرج رسول الله وكوّن دولة ثم أصبح للإسلام دولة واسعة تمتد من مشارق الأرض ومغاربها خاصة في عصر الراشدين والخلامة الأموية والعباسية وبعد ذلك توسعت في الخلافة العثمانية .
وهكذا حول الله هذا المكر إلى الخير وحول الله تعالى هذه المحنة الشديدة إلى منحة عظيمة لا يعلم أهميتها إلا الله سبحانه وتعالى .
لذلك دائما نقول ويجب أن يكون شعارنا ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم حينما كان معه أبو بكر وهما في الغار، وقريش تمشي أمام الغار، وهو يرون أرجل قريش تتحرك، ولكن الله يعميهم ويخاف أبو بكر، لا على نفسه، وإنما يخاف على رسول الله، فينزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية التي كان قبلها يردد الرسول جزءا منها يا أباكر إن الله معنا ، فمن كان الله معه فبأي شئ يخاف، فالكون مسخر لله، ولكن القضية هي: هل نحن مع الله؟ فهذا هو السؤال! فإذا كنا مع الله حقا وحقيقة وعلى منهج صحيح وأنت مخلصا لله تعالى حينئذ لا تخاف .
وقد أعطانا الرسول مع هذا الإيمان القوي الإهتمام بالتخطيط وبالأخذ بالاسباب والإهتمام بإبطال مكر الأعداء، كما قال أحد اصحاب رسول الله في غزوة بدر هل مكوثنا هنا وحي أم حرب ومكيدة؟ فقال: لا أنها حرب ومكيدة. وبالتالي هم يكيدون ونحن كذلك يجب أن نكون على مستوى كيد المؤامرات.
ومشكلتنا نحن المسلمون اليوم يغفلوننا في كل مرة ويفتنوننا ( أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون)
فلنرجع إلى منهج الله وإلى الوحي ونتبع القران والسنة ومنهج رسول الله ونعود إلى العقل والتخطيط وإدارة المخاطر والسياسات وعلى كل الجوانب
ويبين الله تعالى ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) والمقصود بمكر الله أن الله يبطل مكرهم ويُحول مكرهم إلى غير طريقه، ويضل طريقهم، ويتحول عملهم إلى خير لصالح الأمة، وهذا لا يعني أن الأمة لا تمكر بمعنى الغش، فالمكر بمعنيان بمعنى الكيد والحيل التي هي مخالفة للعقيدة فهذا لا نأخذ به، ولكن المكر بمعنى القضايا السرية والقضايا التخطيطيطة والإستراتيجية وإستشراف المستقبل ووضع الخطة الدقيقة لها، فهذا مطلوب، وهذا ما فعله الرسول، وهو درس آخر من الهجرة درس التخطيط وحسن توظيف الطاقات
الرسول كان يعلم أنه لا بد أن يهاجر، ولكن لم يكن يعلم متى يهاجر، إن أمر الهجرة بأمر الله، ولكنه خطط وجهّز كل شئ، فحينما جاءه الأمر كان التخطيط في قمته، وكان توظيف الطاقات في قمته، فاشترى راحلتين قويتين سريعتين له وكذلك لسيدنا أبي بكر، جاهزتان، وكذلك خطط بتغيير ، فحينما خرج لم يخرج من الباب الطبيعي، بل خرج من الخلف، واتجه اتجاها معاكسا لإتجاه المدينة فهم كانوا يعلمون لو هاجر النبي لهاجر إلى المدينة لأن الصحابة سبقوه، وبقي الرسول مع بعض كبار الصحابة وعلى رأسهم سيدنا علي وسيدنا أبي بكر.
الرسول أخذ إتجاها آخر نحو غار الثور بإتجاه معاكس للمدينة، ثم أمر عامر، الراعي الأمين، مع أنه لم يكن مسلما، ولكن كان مأتمنا، طلب منه أن يأتي بأغنامه وماشيته حتى تمحي آثار اقدام رسول الله، رغم أن الرسول يعلم أن الله معه، ولكن هذا لا يعني بعدم أخذ الاسباب، وأخذ اشهر الناس معرفة بالأماكن والطرق ليكون دليله، رغم أن الرسول وأبابكر كان يعرفون الطريق العادي، ولكن الدليل ضروري لأنهم يمشون في طريق لا يعرفونه وقريش لا يعرفه وتكون مختصرة.
وكذلك من حيث توظيف طاقات النساء: فكانت السيدة اسماء هي التي كانت تأتي بالزاد والأكل خلال الايام الثلاثة مدة بقائهم في الغار
وتوظيف طاقات الشباب: فقد كان يجلس عن قريش ليلا عمدا طوال فترة خروج النبي ثم يتظاهر النوم ليتركوه فيذهب خفية إلى الرسول وأبو بكر ثم يعود ليأخذ الاخبار لهم ويطمأن اصحاب النبي.
الهجرة في الحقيقة درس للأمة فالإسلام دولة وصناعة الحياة، والإسلام بٌشّر به ليقود العالم شاؤوا أم أبوا وهذا سيحدث ولكن لا ندري وهذا بنصّ القران الكريم ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فالرسول رحمة للعالمين وهذه الأمة سوف ترث الأرض شاء هؤلاء أم لم يشاؤوا
لذلك حرب اليوم ليست على الجماعات المتطرفة وإنما الحرب اليوم على الجماعات المعتدلة التي تعرف حضارة الإسلام، التي تريد دولة الإسلام، وحتى هذه الحرب على هذه الجماعات تأتي من بعض المسلمين ومن بعض الدول، ضللوهم بأن هؤلاء معكم، فهل ممكن بفكر بدعي وخرافات لبعض الجماعات أن تبنى الحضارة؟ لا.. لا يمكن، فالحضارة تبنى بهذا الفكر، بهذا المنهج، منهج التخطيط ومنهج الاعتماد على العقل.
فالمفروض أن الأمة الإسلامية تسبق العالم في الحضارة لأن مصادر المعرفة ثلاثة مصادر، ومصادر المعرفة للمسلمين أربعة مصادر، فمصادر المعرفة لغير المسلمين هي: العقل والحواس والتجارب. والمسلمون لهم هذه الثلاثة، والمصدر الرابع هو القران الكريم، الذي يختصر لهم الطريق حتى في العلوم، فكم من إعجازات علمية نحن نخجل منها لأننا لسنا من يكتشفها وغيرها يكتشفوها .
هذه الأمة التي لها أربعة مصادر للمعرفة أولى بأن تكون الأمة التي تتقدم على الأمم الغربية وأي أمة التي ليس لها هذه المعرفة وهذا الصفاء ، ولكن ضللونا واصبحنا نحن يحارب بعضهم البعض نيابة عنهم، وكل هذه الحروب هي حروب بالنيابة، فمالمتسفيد من الحرب في سوريا أو في العراق أو في اليمن أو في ليبيا؟ ومن المستفيد من إسقاط نظام شوري قائم على الديمقراطية في مصر؟ وجتى الدول التي ساندت هذه الإنقلابات لم تستفيد شيئا بل اصبحوا وبالا عليهم أيضا، سنة الله تعالى، فإذا أنت أغضبت الله في رضا الناس غضب الله عنك وأغضب أيضا من أرضيته لأجلك
هذه سنن الله فهل نعقل وهل نزيل هذه الحساسيات فيما بيننا والله أمرنا أن نكون رحماء فيما بيننا واليوم في غالبنا أشداء على المسلمين ورحماء على الكفار
لذلك العودة إلى وحدتنا وديننا لمصلحة الشعوب والحكام وليس لمصلحتنا هذا القتال
الهجرة دروس عبر ففيها أكثر من ستين درسا كلها يمكننا أن نطبقها على وضعنا المعاصر .

الخطبة الثانية
بسبب إبتعادنا عن هذا المنهج القويم في الإعتماد على الله أولا وأخيرا ثم الإعتماد بعد ذلك على التخطيط وعلى الأخذ بالاسباب والدراسات والإستراتيجيات وقراءة الآخرين .
وأول آية نزلت علينا يقول الله فيها “إقرأ” وليست المقصود بقراءة الكتاب، لأنه لم ينزل بعد القران، بل المقصود قراءة كل شئ، نقرأ الغرب، والسياسات، والشرق، ولو كان المسلمون يعرفون هذه القراءة وينشغلون بهذه الأمور بدل الإقتتال لما وصل حالنا إلى ما هو عليه
فهل كنا نتوقع لشعب إحتياطي البترول لهم أكثر من أحتياطي البترول لدى الممملكة العربية السعودية وأما الغاز فأكثر من أي بلد منفردا ثم بعد ذلك فيه نهران عظيمان وفيه سبعة أنهر أخرى وفيه حقول وحضارة وفيه زراعة وصناعة، أنه الشعب العراقي ونحن اليوم نجمع التبرعات لهم
فلو كان قبل خميسن سنة ادعينا جمع التبرعات للعراق لاتهمونا في العقل، ولكن هذههكذا فعلت السياسة والمؤامرات الداخلية (قل هو من عند أنفسكم) وكنا قد جمعنا لشعوب أخرى لسوريا المشردة، والشعب الليبي ايضا تعاني اليوم من فقر مع أنه يمكنه تصدير خمس ملايين برميل يوميا واليوم اشغلوا الخليج بحرب اليمن والله أعلم بما يحدث.
لذلك لا بد من العودة الحقيقية وتناسي الحساسيات والتمسك بالوحدة والاعتماد على الله.