بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة المؤمنون
ركّز الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، وكذلك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الشريفة، على قضية مهمة جداً تعتبر أهم أصل لتجميع الأمة، بل لتجميع الناس، بل لتجميع الخلق، تجمعهم هذه القضية كلها، جمعا شاملا، وهي قضية الرحمة في قلوب الإنسان، هذه الرحمة هي من الله، فتُجمع المخلوق، وتجمعنا نحن المخلوقين بربنا الخالق الذي خلقنا برحمته وأودع فينا هذه الرحمة، وميزنا من خلال هذه الرحمة الشاملة عن بقية المخلوقات، وجعل ميزة رسولنا صلى الله عليه وسلم بل حصر رسالة رسولنا الحبيب في هذه الكلمة الواحدة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )، هذا الحصر لرسالة محمد بان تكون رحمة لجميع العالمين، والعالمون أكبر من الإنسان، وأوسع من الإنسان، بل يشمل جميع المخلوقات التي خلقه الله سبحانه وتعالى سواء كانت على الأرض أو في البحر أو في السماء او في أي مكان كان، حتى يعيش المسلم على هذه الرسالة، وحتى يحقق المسلم هذه الرسالة في نفسه وفي تصرفاته وفي سلوكياته، بحيث يكون رحيما في كل شيء، في كل نشاط وحركة وقول وفعل وتصرف مع الخالق، ومع المخلوقات من مخلوقات الله سبحانه وتعالى، تُحركه الرحمة، وتدفعه الرحمة، وتجعله الرحمة رحيما حتى يرحمها الله سبحانه وتعالى .
الله هو الذي خلق الكون والإنسان ومع ذلك أكثر ما يمكن أن يوصف به رب العالمين في القران الكريم هي في مجال الرحمة أضعاف مضاعفة من الصفات الأخرى، يكفي أن القران الكريم في جميع صوره ما عدا صورة البراءة تبدأ بهاتين الكلمتين وليست بكلمة واحدة (بسم الله الرحمن الرحيم )، ثم عوضت سورة البراءة من خلال سورة النمل التي فيها (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم).
 إذا 114 مرة تكرر بسم الله الرحمن الرحيم في القران الكريم، أما صفات الرحمة بجميع مشتقاتها، وصفات الرأفة وما يدور على فلك الرحمة من العفو والمغفرة والرأفة، تزيد على ألف آية من القران الكريم. والقران الكريم حينما يتحدث عن أشياء، يذكرها ويكررها حسب أوزانها، فإذا كان وزنها كبيرا يكررها كثيرا، وإذا كان وزنها بسيطا ربما لا يذكرها وإذا ذكرها يذكرها مرة او مرتين.
فتكرار كلمة الرحمة في القران أكبر دليل على أن الله سبحانه وتعالى يريد ان يخرج هذه الأمة وأن يربي ويصنع هذه الأمة على أساس الرحمة، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم “إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء” ويقول في حديث صحيح متفق عليه “من لا يرحم لا يُرحم” “الراحمون يرحمهم الرحمن” وفي مئات الاحاديث التي تكرر هذه الكلمة بالإضافة إلى القران الكريم .
هذه الرحمة هي صفة الإنسان، وإذا نزعت منه الرحمة، نزعت منه  الإنسانية، وقبل الإنسانية نزع منه الإيمان والإسلام الحقيقي، ولا يمكن أن يكون هناك إيمان كامل وإسلام صحيح بدون وجود الرحمة في قلوب هؤلاء وفي قلوب المؤمنين، والله سبحانه وتعالى وصف أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بوصفين عظيمين، أنهم اشداء على الكفار في حالة الصراع والحرب، ولكنهم دائما هم رحماء بينهم، فالمسلمون دائما رحماء، بل إنهم رحماء بالكافرين الذين لا يعتدون ولا يحتلون أرضنا ولا يضربوننا، بل رحماء بكل المخلوقات، والأدلة على ذلك كثيرة جداً من الكتاب والسنة، أهمها هذه الآية الكريمة ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، بالإضافة إلى الآيات والأحاديث التي تجعل من المسلمين أن يرحموا كل نفس.
“أليست نفسا” قال الرسول هذه الكلمة لجنازة يهودي حينما قام لها ، فكل نفس لها حق علينا، وكل نفس إنسانية فيها نفخة من روح الله سبحانه وتعالى (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي )، أي من روح الله سبحانه وتعالى، فلذلك كيف لا نرحم هذا الإنسان الذي خلقه الله سبحانه وتعالى إلا إذا هو اعتدى واحتل، فهنا له حكمه الشرعي، ولكن الأصل في التعامل بين الناس جميعاً هو الرحمة، والأدلة على ذلك كثيرة جداً منها الحديث في امرأة مسلمة آذت وحبست هرة ثلاثة أيام فلم تطعمها ولم تتركها حتى تأكل من خشاش الأرض فأدخلها الله سبحانه وتعالى النار، والحديث الآخر في امرأة وفي رواية أخرى في رجل بغي – وكأنهما حالتان وهو الأصح – وأدركه العطش في الصحراء فوجد كلباً يلهث ويأكل التراب من شدة عطشه فنزل البئر وسقى الكلب فشكره الله تعالى .
وسيدنا سليمان ضحك حينما شهد النملة بأن سلميان وجنوده لا يقومون بإيذاء النمل لو علموا به (ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) أي حال كونهم لا يشعرون يمكن أن يؤذونكم ولكن إذا شعروا بكم سيحاولون أن يبعدوا عنكم ولا يؤذونكم.
المسلمون اليوم مطالبون فعلا بتفعيل هذا الأصل، وتفعيل هذا الأساس، لأنه هو الذي يجمع الأسرة، لأن الأسرة اذا لم تقم على أساس الرحمة فهي مفككة، لذا يقول رب العالمين بالنسبة للوالدين (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)، وكذلك الوالدان يجب أن يكونا على الرحمة مع أولادهما رحمة شديدة شاملة لكل جوانب الحياة خاصة في الجانب الدين والأخلاق والاقتصاد والمستقبل، وهنا تصبح الأسرة واحدة، ثم بعد ذلك تصل الرحمة في قمتها إلى جميع الأقارب صلة الرحم،  والرحم معلقة على العرش من أوصلها أوصله الله ومن قطعها قطعه الله سبحانه وتعالى وأبعد عنه الرحمة، اذا الأسرة الكريمة تجمعها الرحمة.
 والانسان يكون رحيما بالأعمال والحقوق وليس بمجرد الكلمات، والرحمة أمران: أن تحب له ما تحب لنفسك، وأن تتألم إذا أصابه مكروه، وأن تتأذى مشاعرك ويحس قلبك بثقل كبير حينما تحس بان أخاك مظلوم وأنه فقير أو أنه لا يستطيع أن يحقق المعيشة الكريمة، وكم تألم الرسول حينما بعض الأعراب وهم في حالة شديدة جدا، فطلب من الناس ما يقدرون عليه، وأتى الناس بالخيرات، وحينئذ فرح الرسول فرحا شديداً لأنه أدخل السرور في قلوب هؤلاء، وإدخال السرور في قلب أخيك المؤمن صدقة، كذلك بين جميع بني الإنسان، وبالرحمة يقترب منك الإنسان والحيوان وكل شيء، وحينما تكون رحيما بالحيوان يحبك، وحتى الرسول مرة قال لرجل يريد أن يذبح شاة: ارحمها فإن الله يرحمك.
وحينما تتماسك الأسرة بالرحمة، فتجعل من المجتمع أن تكون متماسكا، فالرحمة طريق المحبة، وطريق للتكافل وطريق للتعامل والتكامل ولإزالة الشحناء والبغضاء في نفوسنا.

الخطبة الثانية
إن أكبر مشكلة تعاني منها الأمة الإسلامية هو تفككنا بسبب عدم وجود هذه الرحمة في قلوب الكثيرين، فأصبح الإنسان اليوم يعيش لنفسه، مهتما بمصالحه، بينما الإسلام يقتضي أن يكون جزءا من هذه الأمة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمّى)
ولكن منذ اليوم الذي استطاع الاستعمار أن يفرقنا ويمزقنا بدأنا نبتعد عن اساسياتنا، والأمة تضعف إلا من رحمه ربي، فلو كنا في تعاملنا كالجسد الواحد هل يحدث ما يحدث في سوريا! فقد زرت  المناطق القريبة في الحدود التركية والسورية ورأينا إخواننا السوريين، فوجدنا الشباب يصيبون بالإحباط، فمنهم يأخذ أفكارا غربية، ومنهم من ينشغل بقضايا لا أحب ذكره هنا، ومنهم من يمسك على دينه وهم الأكثرية، ومنهم من تضيق به الدنيا فيهاجر ويسافر، ويموت الأكثرية منهم في البحار، وأمام حدود الدول، يُمنعون ويُهانون ويُضربون وقد مات منهم الكثير في البحار، ومن كل الأعمار،  فأين نحن المسلمين! ولما لا نعمل المخيمات داخل بلادنا ولنوفر لأخوانا السوريين واليمنيين والعراقيين الحياة الكريمة، وقد قال أحد رؤساء أوروبا بأنهم مستغربون من هذه الهجمات التي يضحي فيها الناس بأرواحهم في سبيل الوصول إلى ديارنا أليس ديار الإسلام أقرب إليهم من ديارنا.
ألمانيا الى يومنا هذا قبلوا حوال 100000 لاجئ وهكذا بقية البلاد الأوروبية من ألف إلى 10000 ولكن لماذا نحن 22 دولة عربية و57 دولة إسلامية لا نستقبلهم ونوزعهم  على دولنا!!
ألا نستقبلهم في ديارنا مخالف للإنسانية، والرحة الإنسانية، والرحة الإسلامية التي هي أكبر وأعظم وأكبر من الرحمة الإنسانية.
يقتضي أن تعود لنا هذه الرحمة، وأن نحب لهم ما نحب لأنفسنا حتى لا نصاب مثلهم، ورب العالمين أحيانا يؤدبنا ولكن لا نتأدب، ويعطينا الأموال الكثيرة حتى نأخذ حقنا ونعطي للآخرين، يصل قيمة البترول 110 فندخر ما يمكننا أن ندخره ونعطي الباقي  للمحتاجين والمصابين ولكننا لم نفعل وبذلك يؤدبنا رب العالمين حتى نعود جميعا حكاما ومحكومين ولا نتصور بأن غضب الله لا ينزل علينا اذا لم نقم بالواجب واليوم العالم الإسلامي كلها مشاكل والمصائب لذا يجب أن نكون على قدر المسؤولية وأن نكون قادرين على حمل المسؤولية والواجب وأن يجعلنا رحماء حقيقيين وبالواقع والعمل الجاد وكم اتألم حينما لا أجد أطباء وشباب المسلمين إلا قلة  في هذه المخيمات بينما تجد عشراء من الأطباء والمتطوعين والمتطوعات الغربيين
لماذا الشباب الإسلامي مستعد أن ينضم لداعش الذي شوه صورة الإسلام ففي سوريا لا يقتلون إلا المجاهدين وفي العراق دمروا أهل السنة وما يفعلونه تتعارض تماما مع الرحمة الإنسانية والإسلامية وقد أنضم اليهم 5000 شاب أوروبي من المسلمين الجدد و من أصول مسلمة   ولا يذهبون إلى هؤلاء المساكين ليخدموهم اذا هناك اختلال كبير في أفكارنا وموازيننا، إذا لابد ان نعيد النظر  ونعود إلى رشدنا ورحمتنا.