أيها الإخوة المؤمنون

لا زلنا نتحدث عن سنن الله سبحانه وتعالى في هذا الكون وفي الإنسان والحيوان وفي جميع مخلوقات الله سبحانه وتعالى سنة الاختلاف في الألوان والأشكال والأصوات وفي اللغات وفي كل ما يمكن أن يكون فيه الاختلاف ومع هذا الاختلاف جعل الله سبحانه وتعالى صفات كثيرة مشتركة بين الجميع تؤدي إلى الائتلاف بين الناس لأن الناس يعرفون بأن هذه الاختلافات قضية طبيعية مخلوقة لله سبحانه وتعالى وسنة من سننه سبحانه وتعالى وحتى على مستوى الكون والأرض فإن هذه الأرض نراها مختلفة ألوانها وأشكالها وحقائقها وجوهرها وصفاتها ومكوناتها ومؤثراتها من كل شيء، من المادة ومن الأشجار ومن النبات والكل مختلف ومن هذا الكون المختلف خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان كما ورد ذلك في الآيات الكثيرة بأن الله سبحانه وتعالى خلقنا من الأرض وخلقنا من التراب ثم بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم باعتبارنا بشراً قد خلقنا من وجه الأرض كله فقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي وغيره بسند صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض، والأحمر، والأسود، وبين ذلك، والخبيث، والطيب، والسهل، والحزن، وبين ذلك)، ولذلك من الناحية الطبيعية فمنهم الأبيض ومنهم الأسود ومنهم الأحمر كما أن هناك في هذه الأرض هذه الألوان ومنهم ما بين ذلك من الألوان الكثيرة المختلفة وحتى وبينهما كما هو الحديث للرسول وبينهما الحَزَن والسهل أي الشديد والسهل، وهناك الإنسان سهل الطباع وهناك شديد الطبيعة وشديد المراس كما أن الأرض فيها التراب وفيها الشجر وفيها المدر وفيها الصخر وحتى داخل الصخرة أنواع وأشكال ومنها الرخام ومنها ومنها إلخ…. ثم بين الله سبحانه وتعالى هذه الاختلافات الطبيعية داخل الإنسان في آيات كثيرة منها الاختلاف في صفات الإنسان في بنية الإنسان وهذا ما يسمى اليوم بالبصمة الوراثية فكل إنسان من يوم خلق الله سبحانه وتعالى آدم إلى أن يرث الله الأرض وهذا ما أثبته العلم الحديث أو ما يسمى خريطة الجينات التي اكتشفت عام 2001 تدل هذه الخريطة بعدما صرفت عليها مليارات الدولارات بأن كل انسان له بصمته وصندوقه وخصوصيته لا يتشابه في هذه الخصوصية أي انسان مع آخر من يوم خلق الله آدم عليه السلام إلى أن يرث الله تعالى الأرض وما عليها انظر كم من مليارات من البشر لا يمكن أن يكون هناك انسان مثل إنسان الآخر في جميع الصفات الخلقية إلا وله جينة وبصمة وراثية ومكونات وصفات خاصة ولون وخاص صوت خاص كما أنه أثبت بأنه ليس هناك صوت من يوم خلق الله آدم عليه السلام إلى أن يرث الله الأرض حتى مع التقليد يمكن أن يشبه فعلا صوتاً آخر كأنه صوت واحد هذا من الإعجاز ولكنه في نفس الوقت دليل على أهمية أن نعرف الاختلاف أمر طبيعي وليس أمرا غريبا كذلك الاختلاف في بنية الانسان في الطول والقصر وكذلك في ألوان الانسان كما أشار الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث في الألوان كذلك الاختلاف في اللغات التي لا تعد ولا تحصى ففي بعض الدول هناك ما يقارب 1400 إلى 1500 لغة وهكذا كل لغة لها حروفها وأصواتها وحركاتها ومخارجها وصفاتها كذلك أيضا الاختلاف في القدرات العقلية سبحان الله لا يوجد انسان مثل انسان آخر فهناك الأذكياء المبدعون وهناك المتوسطون وهناك وهناك. فلذلك هذه الاختلافات يذكرها القرآن الكريم وبالتفصيل، لماذا يذكرها؟ حتى نتعرف على مقاصد الشريعة في هذه المسألة بأنها طبيعية وبالتالي ننطلق من طبيعية هذه الاختلافات إلى أن نتعايش وأن يقبل بعضنا البعض وأن نسير رغم الاختلافات، (لكم دينكم ولي دين) أن تكون هذه الأرض موئلا للإنسان نفسه وهذا ما بيّنه القرآن الكريم في آيات أخرى مهمة جدا يقول تعالى (والأرض وضعها للأنام ) فالله سبحانه وتعالى خلق الأرض لجميع المخلوقات وليس للمسلمين فقط ولا اليهود ولا النصارى ولا أمريكا ولا روسيا،

الله سبحانه وتعالى خلق هذه الأرض لجميع البشر حتى يعيشوا فيها بسلام ووئام هكذا يذكر القرآن الكريم هذه الاختلافات ثم ينتقل القرآن الكريم من هذه الاختلافات الطبيعية التي تؤدي إلى الائتلاف لو فهمناها وفهمنا مقصد الشرع منها، إلا أن هناك تشابه بين المخلوقات فنحن خلقنا من هذه الأرض وهي أمنا وإذا كان الناس يفتخرون بأهمية البيئة فإن الاسلام جعل الأرض أم للإنسان وكما يجب علينا البر بوالدتنا الحقيقية يجب كذلك أن نحسن إلى هذه الأرض التي منها خلقنا الله تعالى وإليها نعود ومنها نخرج مرة أخرى.

 فلذلك هناك تشابهات كثيرة بين الانسان وأخيه من حيث الانسانية وكذلك من حيث كوننا من آدم عليه السلام وآدم من تراب ماذا تعني هذه الكلمة التي وردت أكثرمن 14 عشر مرة في القرآن (خلقناكم من تراب .. ) (خلق الإنسان من طين ) بأنواع وأساليب مختلفة؟ حتى نعرف بأن جميع البشر هم اخوة في الإنسانية.

 وقد صرح القرآن الكريم بذلك  في سورة النساء في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) قال ابن عباس وقال غيره أي: (أرحام الإنسانية)، حيث أن بين كل البشر صلة ورحم لأنهم من آدم عليه السلام وهذا يؤدي إلى أن يقبل أحدنا بالآخر إلا إذا ظلم فهذا أمر آخر وله قانون حيث أتكلم هنا عن قبول الإنسان الطبيعي وليس الظالم والإنسان الظالم يجب محاربته ولو كان مسلما فلذلك القرآن الكريم يركز على هذا الأمر وأيضا يركز على أمر آخر مهم جدا وهو أن كل انسان فيه نفخة من روح الله وهذا ما أثبته القرآن الكريم في ثلاث آيات يقول تعالى (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)  حيث تكررت مرتين والآية الثالثة (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ) فهذا الإنسان مهما كان كافرا ملحدا مشركا  وأي انسان ففيه نفخة من روح الله سبحانه وتعالى من الأصل ثم عند الولادة كذلك، لأن الحديث الصحيح المتفق عليه بالروايتين مسلم والبخاري على أن كل انسان يكرمه الله تعالى حيث يقول تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم ) ولم يقل كرمنا المؤمنين فقط حيث يكرمه بأن يرسل هذه النفخة الروحانية التي تضاف إلى الله سبحانه وتعالى إضافة تكريم وتشريف أسنده إلى الله تعالى تأخذها الملائكة وتقدمها إلى الإنسان، عندما يصل الإنسان في رواية مسلم بين 40 إلى 49 يوم حسب نوعية الجنين،  وفي رواية البخاري ولا تعارض بينهما بعد 4 أشهر ففي المرة الأولى هي الروح والمرة الثانية هي كمال الصورة وتكميلها، وهناك تفسيرات أخرى،

 فالمهم أن كل إنسانٍ من آدم عليه السلام والله تعالى نفخ فيه من روحه وأن الانسان فيه نفخة من روح الله عندما يكون جنينا في بطن أمه وفي أي مرحلة كان، لذلك لا يحق للإنسان أن يعتدي على أخيه الإنسان إلا إذا أراد الإعتداء على عرضه ونفسه وماله وهذا امر آخر لذلك هذه الأمور الكثيرة التي يذكرها القرآن الكريم للوصول إلى التعايش بين الناس حتى تعطي هذه الأرض ثمارها وخيراتها للبشرية.

 فمنذ مئة عام أو أكثر مع قدوم الإستعمار واحتلاله لأراضينا لم تعد هذه الخيرات للأمة الأسلامية بل تصرف على الحروب والمستفيد منها أمراء الحروب منا ومن غيرنا فلذلك الإسلام يحاول ويثبت ويرسخ هذا المعنى فالأرض واسعة تسعكم جميعا تستوعبكم وتعطي الخيرات التي لا تعد ولا تحصى فلا داعي للحروب فالغزوات الإسلامية كانت لإزالة الطغاة الذين يمنعون الإسلام وإلا لو انتشر بدون أن يعتدى عليه وبدون أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة لما كانت هناك حروب.

 أكبر دليل على أكثر من نصف العالم الإسلامي دخلوا الإسلام عن طريق الدعاة وليس بالحرب بدليل أنه فسح لهم المجال (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وهذا هو منهج الإسلام في قضية التعايش ومع الأسف الشديد أنشئت عصبة الأمم من قبل المستعمرين الذين جاؤوا بعكس ما أراده القرآن الكريم من حيث التعايش والسلم والعدالة الإجتماعية والسلم الدولي فلذلك لم تكن نشأتها عادلة وكانت سببا في حدوث الحروب العالمية الأولى والثانية والتي أكلت الأخضر واليابس ثم قامت دول الحلفاء الخمس بإنشاء الأمم المتحدة عام 1945 ولذلك أعطوا لأنفسهم حق النقض (الفيتو) حيث أن دولة واحدة تساوي كل العالم ولو اجمع جميع من فالعالم على أمر ورفضه ممثل إحدى هذه الدول الخمس لا يتم الأمر لذلك لا يمكن أن تتحقق العدالة ولا السلام بظلم، بالإضافة إلى ما يسمى بالديمقراطية الأكثرية وهذا يؤدي إلى ظلم الأقلية حيث إن قضايانا في العالم الإسلامي عادلة كقضية فلسطين وقضية الحصار وغيرها من القضايا ولكن ليس هناك صوت مؤيد من دول الفيتو  فلو كان للأمة الإسلامية قوة لما كانت للمسلمين فقط بل للعالم أجمع حيث ذكر الله تعالى في سورة البقرة (لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) والشهادة هنا تقتضي الوقوف مع الحق مثلا يقال للكافر العادل أحسنت والمسلم الظالم أسأت (كنتم خير أمة أخرجت للناس) فهذه الخيرية ليست خاصة لعرق أو دولة محددة وإنما لكافة البشر ولخدمتهم ومنفعتهم فالإسلام دائما يقف مع الحق وإن كان يهوديا أو نصرانيا أو بوذيا … فهذا هو الإسلام الحق لذلك واجب علينا فهم هذه القضايا.

وما نلاحظه الآن من قيام الكثير من الشباب بتبني الأفكار المتطرفة ونشرها باسم الاسلام ومحاولة تشويهه وقتل الناس باسمه فهذا ليس من الإسلام بشيء وإنما الإسلام رسالته العدل والرحمة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) نسأل الله تعالى أن يرد أمتنا الإسلامية إلى هذه الأفكار العالمية الإنسانية الجميلة والعظيمة التي بهذه الأفكار نسود العالم. وأما الأفكار المتطرفة فهي سبب الحرب علينا وما يسمى بالإسلام فوبيا.

 

الخطبة الثانية:

إخوتي الأحبة حينما ابتعدت الأمة عن المبادئ الأساسية لهذا الدين الحنيف أصبح تعامل بعضها مع الآخر غير المسلم هكذا وداخل العالم الإسلامي أشد فما يحدث في سوريا يندى له جبين الإنسانية من قتل وتدمير وتشريد بأيدي غير المسلمين والمسلمين وكذلك ما يحدث في العراق واليمن وللأسف الشديد من يقوم بذلك هم العملاء من المسلمين فلذلك يجب على الأمة الإسلامية أن تعود إلى رسالة الإسلام الحقيقة وعظمة الإسلام وحقائقه.

اللهم أصلح أحوالنا

9 / 2/ 2018م