مبدأ
الوفاء بالمثل :

أقر
مجمع الفقه الإِسلامي المنبثق عن المؤتمر الإِسلامي في دورة مؤتمره الخامس عام
1409/1988م مبدأ المثلية في النقود الورقية ونص على أن:

«العبرة في وفاء
الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل، وليس بالقيمة، لأن الديون تُقضى بأمثالها، فلا
يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة ــ أيًّا كان مصدرها ــ بمستوى الأسعار».

ثم
أكد المجمع هذا القرار في الفقرة الخامسة من قرارات الدورة الثامنة عام 1994م.

وعلى
ضوء المتغيرات الواقعية للنقود الورقية، وما شاهده الجميع من تقلباتها الكثيرة،
وانهياراتها، وما ترتب عليها من آثار خطيرة على الفرد والمجتمع، وعلى الحقوق
والالتزامات، وما تحقق بسبب ذلك من مظالم كبيرة… لا يمكن تفسير هذا القرار
وقبوله إلا باعتباره أصلاً عامًا، ومبدءًا من المبادىء العامة التي يمكن الاستثناء
منها عندما تستدعيه الظروف والأحوال والمصالح المرسلة، وسد الذرائع ومبادىء العدل
والمساواة وهذا ما اتجه إليه قرار المجمع في دورة مؤتمره التاسع رقم (95/9د8).

والحق
أن الوفاء بالمثل كمبدأ هو الحل الأمثل، والاتجاه العام لفقهائنا المسلمين على مر
الأزمان والحقب، ومع ذلك لم يمنعهم هذا المبدأ من القول بحلول عادلة لبعض الحالات،
أو في بعض الأحيان، تخرج عن إطار هذا المبدأ، وتعتبر استثناء حتى ولو كثرت أفراده
وتعددت مجالاته، حيث نرى القول بالرد بالقيمة حتى في باب الذهب والفضة في بعض
الحالات كما سيأتي.

وقد
نص الفقهاء القدامى في جميع المذاهب الفقهية على أن الرد في الديون، والقروض
المثلية بالمثل، ونذكر هنا بعضها للاستدلال على ذلك:

    فقد فصل العلامة ابن عابدين في هذه المسألة
وبين بأن إجماع المذهب الحنفي على الرد بالمثل في النقود الذهبية والفضية الخالصة
الرائجة، «وإنما الخلاف في الفلوس والدراهم التي غلب غشها»[1].
وكذلك ذكر فقهاء المذهب الحنفي الخلاف في الدنانير والدراهم الخالصة إذا كسدت، أو
انقطعت، فذكر ابن عابدين آراءهم فقال: «إذا اشترى شيئًا بدراهم هي نقد البلد، ولم
ينقد الدراهم حتى تغيرت فإن كانت تلك الدراهم لا تروج اليوم في السوق فسد البيع،
وإن كانت تروج ولكن انتقصت قيمتها لا يفسد البيع… وعن أبـي يوسف أن له أن يفسخ
البيع في نقصان أيضًا، وإن انقطعت تلك الدراهم اليوم كان عليه قيمة الدراهم قبل الانقطاع
عند محمد، وعليه الفتوى… وذكر العلامة الغزي التمرتاشي في رسالة سماها «بذل
المجهود، في مسألة تغير النقود»: «اعلم أنه إذا اشترى بالدراهم التي غلب غشها، أو
بالفلوس وكان كل منها نافقًا حتى جاز البيع لقيام الاصطلاح على الثمنية، ولعدم
الحاجة إلى الإِشارة لالتحاقها بالثمن، ولم يسلمها المشتري للبائع ثم كسدت بطل
البيع»[2].

وهذا
الكلام الذي قاله التمرتاشي وغيره هو الذي ينطبق على نقودنا الورقية: فهي ليست
نقودًا ذاتية كالدينار والدرهم الخالصين، وإنما هي نقود بالاصطلاح على الثمنية
والعرف، ولذلك يقول أبو حنيفة بإبطال ذلك البيع لأن الثمنية بالاصطلاح فيبطل
بالكساد والانقطاع، فيصبح البيع بلا ثمن، والعقد إنما يتناول عينها بصفة الثمنية
وقد انعدمت، بخلاف انقطاع الرطب فإنه يعود غالبًا في العام القابل[3].

وبين
العلامة ابن عابدين أن الخلاف جارٍ بين أئمة الحنفية في مسألة الفلوس الرائجة،
والدراهم التي غلب غشها هل أن الواجب رد المثل، أو القيمة»؟ حيث يذهب أبو يوسف إلى
الرد بالقيمة في بعض الحالات، وكذا الخلاف في اعتبار يوم القيمة حيث ذهب أبو يوسف
إلى اعتبار يوم البيع، ومحمد إلى اعتبار يوم الكساد أو الانقطاع وأن الفتوى على
قول أبـي يوسف، قال ابن عابدين: «قال أبو الحسن: لم تختلف الرواية عن أبـي حنيفة
في قرض الفلوس إذا كسدت أن عليه مثلها، قال أبو يوسف: عليه قيمتها من الذهب يوم
وقع القرض… وقال محمد: قيمتها في آخر نفاقها» ثم قال: «ورأيت في حاشية الرملي
على البحر»: بقي فالكلام فيما إذا انقضت قيمتها فهل للمستقرض رد مثلها، وكذا
المشتري أو قيمتها؟ لا شك أن عند أبـي حنيفة يجب رد مثلها، وأما على قولهما فقياس
ما ذكروا في الفلوس أنه يجب قيمتها من الذهب يوم القبض عند أبـي يوسف، ويوم الكساد
عند محمد، والمحل محتاج إلى التحرير «ورجح ابن عابدين أن الخلاف بالنسبة للغلاء
والرخص خاص بالفلوس فقط»[4].

ونصوص
الفقهاء في وجوب الرد بالمثل كقاعدة عامة متظافرة لا تحتاج إلى بيان[5]
حتى تجسدت في التقنينات الفقهية المبكرة كمجلة الأحكام العدلية، ومرشد الحيران،
ومجلة الأحكام الشرعية الحنبلية[6]
حيث نصت المادة 750 من الأخيرة على أنه: «إذا كان القرض فلوسًا، أو دراهم مكسرة،
أو أوراقًا نقدية فغلت، أو رخصت، أو كسدت ولم تحرم المعاملة بها وجب رد مثلها،
وكذا الحكم في سائر الديون، وفي ثمن لم يقبض، وفي أجرة، وعوض خلع، وعتق، ومتلف،
وثمن مقبوض لزم البائع رده».

LinkedInPin