تمر الأسهم بخمس مراحل من الضروري التطرق إليها وبيان حكم بيعها وشرائها (تداولها) في كل مرحلة ، وهي

المرحلة الأولى : التأسيس والاكتتاب .

 ففي هذه المرحلة يعتبر من يدفع القيمة الاسمية ( أو جزءاً منها حسب لوائح الشركات ) مشاركاً ، ويعتبر ما دفعه ثمن الأسهم التي اشترك بها ، أو بعض ثمنها ، ويصبح شريكاً بذلك القدر من الأسهم ، وهذا جائز شرعاً .

المرحلة الثانية : مرحلة ما بعد تجميع النقود وقبل أن تتحول إلى أعيان ومنافع .

  ففي هذه المرحلة لا يجوز للمشاركين أن يبيعوا أسهمهم ، إلاّ مع تطبيق قواعد الصرف[1] حسب قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 30(5/4) ، من ضرورة التماثل والتقابض في المجلس إن كان البيع بنفس النقد (مثل الريال القطري بالريال القطري ) ومن ضرورة التقابض في المجلس إن كان بنقد آخر (مثل بيع الريال بالدولار) ولكن يجوز بيعها بالعروض ، أما إذا كانت الحصص المقدمة ، أو أكثرها كانت أعياناً ومنافع وحقوقاً معنوية ( حيث تجوز المشاركة بغير النقود في القانون ، وكذلك في الفقه الإسلامي على الرأي الراجح )[2] ، وحينئذ لا يمنع التداول بطريق البيع العادي .

وليس في تطبيق قواعد الصرف في حالة كونها نقوداً حرج كبير ، إذ أنها مرحلة قصيرة متحملة ، وغالب الناس لا يدخلون في هذه الشركات ليوم أو يومين .

المرحلة الثالثة : تحول النقود كلها أو معظمها إلى أعيان ومنافع وحقوق معنوية وظلت هذه النسبة باقية ، أي لم تزد نسبة النقود أو الديون منفردة ، أو مجتمعة على 50% . ففي هذه الحالة يجوز تداولها ، لأنها في حكم الأعيان والمنافع والحقوق التي يجوز بيعها والتصرف فيها ، كما صدر بذلك قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم 30(5/4).

المرحلة الرابعة : تحول السلع والأعيان والمنافع كلها أو معظمها إلى أثمان عاجلة ( نقود ) وآجلة (ديون) من خلال المرابحات والبيع الآجل ، وبالتقسيط ، كما هو الحال في البنوك الإسلامية حيث يتحول جزء كبير من أموالها إلى الديون والنقود ، بحيث نرى أن ميزانيتها يتمثل معظمها في الديون الناشئة عن المرابحات والبيوع الآجلة وبالتقسيط ، وفي النقود المتوافرة لديها إضافة إلى الأعيان والمنافع والحقوق المعنوية المكتسبة من الترخيص التجاري والسمعة ونحوها التي قد لا تصل في بعض الأحيان إلى 30% .

   ففي هذه الحالة لو نظرنا إلى موجودات تلك البنوك ، والشركات الاستثمارية لوجدنا أنها مختلطة من كل هذه الأشياء التي ذكرناها ، وقد تكون نقودها ، أو ديونها منفردة أو مجتمعة أكثر من الأعيان والمنافع والحقوق المعنوية ، فأين الحل ؟

 فإذا تعاملنا مع هذه القضية بنظرة كلية وبالجملة لا بالمفرد ونظرنا إلى مكوناتها نظرة كلية واحدة لربما نجد حلاً ، أو حلولاً لها ، وذلك لأن للاجتماع ـ كما يقول الإمام الشاطبي ـ تأثيراً في أحكام لا تكون في حالة الانفراد) [3]، أما إذا نظرنا إليها نظرة انفرادية وعالجنا كل مكون من مكوناتها علاجاً فردياً خاصاً به بأن ننظر إلى الديون فإن كانت هي الغالبة فقلنا بضرورة تطبيق قواعد بيع الدين وهي قواعد صعبة غير مرنة لا تسمح إلاّ ببيعها بالأعيان ، أو بشروط صعبة مع خلاف كبير في جواز بيعها [4]. وكذلك الحال في النقود حيث إذا طبقنا عليها قواعد الصرف لحالت فعلاً دون الوصول إلى الهدف المنشود من سهولة تسييل هذه الأموال وتداولها التدوال المطلوب !!

 هذه هي المشكلة التي ينبغي حلها ، ونرى أن الحل لهذه المشكلة هو ما يأتي [5]:

1)  رعاية مبدأ الأكثرية أو الأغلبية.

وهـذا المبـدأ يحتمـل أمريــن :-

أ/ رعاية مبدأ الأكثرية والغلبة المطلقة، أي أنه إذا كانت الديون والنقود أكثر من 50% فلا يجوز تداول أسهمها أو حصصها إلا مع مراعاة قواعد بيع الديون إذا كان الغالب الديون، وقواعد الصرف إذا كان الغالب هو النقود، وكذلك إذا كانت الأعيان والمنافع والحقوق أكثر من 50% فإنه يجوز تداول أسهمها .

ب / الاعتبار بالكثرة العرفيـة، أي ما يعد في العرف كثيراً مثل الثلث، حيث ” الثلث كثير ” وهنا اختلفت الأنظار هل تعتبر الديون والنقود التي بلغت الثلث تعد كثيرة ؟ أو تعتـبر الأعيان والمنافع والحقوق التي بلغت الثلث كثيرة..؟

ونستبعد الاحتمال الثاني (ب) لأن فيه تحكماً، وليس فيه معيار منضبط، فما دمنا نحتكم إلى قاعدة الأكثرية والغالبية فإن ما زاد على 50 هو المعيار المنضبط.

وقد توصل البحث إلى أن قاعدة الأكثرية مع أنها قاعدة معتبرة في الفقه لكنها لا تحل هذه المشكلة في المؤسسات المالية التي تتعامل  بالعقود الآجلة كالمرابحات والاستصناع ، لأن ميزانيات أكثرها تتضمن من النقود والديون الناتجة عن العقود الآجلة أكثر من 90%.

2)  رعاية قاعدة الأصالة والتبعية .

 وهي قاعدة فقهية معتبرة في الفقه الإسلامي، وانبثقت منها عدة قواعد وتفرعت منها فروع كثيرة متناثرة في مختلف أبواب الفقه وبناء على ذلك أنه إذا كان المقصود الأساسي من الموجودات هو الأعيان والمنافع والحقوق المعنوية فإن تداول أسهمها أو صكوكها أو وحداتها الاستثمارية جائز.

وقد رأينا أن جميع الندوات التي شاركنا فيها قد توصلت إلى  اعتبار قاعدة الأصالة والتبعية، وأن الحل الناجع يكمن فيها، وحينئذ يكون التداول جائزاً ما دامت المنافع والأعيان والحقوق هي المقصودة أصلاً ، ولا ينظر حينئذ إلى مقدار الديون والنقود ولا إلى نسبتها – قلة أو كثرة

 غير أنه يثير التساؤل حول الأصل المتبوع ؟ هل هو السلع والمنافع ؟ أو هو القيمة المعنوية ؟ أو هو منفعة الأجير أو المضارب ؟ أو هو مجموعة أمور ؟ كل ذلك يحتاج إلى تحرير وتأصيل.

 ولتأصيل ذلك توصل البحث إلى أن الأصل المتبوع هو نشاط الشركة وعملها وأغراضها المصرح بها في النظام الأساسي فإن كان غرض الشركة ونشاطها هو العمل في تجارة الأعيان والمنافع والحقوق عن طريق العقود الشرعية كالمرابحة والاستصناع والإجارة ونحوها ، فإن الديون أو النقود الناتجة منها مهما كثرت لا تؤثر في تداول أسهمها إلا في حالات البداية قبل العمل، أو النهاية عند التصفية، وذلك لأن العمل التجاري هو الأصل المتبوع المقصود وأن الديون أو النقود نتجت تبعاً لذلك العمل.

  أما إذا كانت أغراض الشركة هي التجارة في العملات أو الصرافة أو بيع الديون وشراءها فقط فإن تداول أسهمها يحتاج إلى تطبيق قواعد الصرف، أو أحكام بيع الديون، وبناءً على ذلك فإن الأصل المتبوع في الشركات (التي تحدد أغراضها في التجارة من خلال عقود البيع والشراء والمرابحة والسَلَمْ  والاستصناع والإجارة ونحوها الواقعة على السلع أو المنافع أو الحقوق ) هو ذلك النشاط المتمثل في بيع موجودات الشركة ، أو بقية العقود الأخرى ، وما نتج من ذلك من تحقيق الأرباح . وأن الديون أو النقود ليست هي المقصودة أصالة من تلك الشركات لا من حيث أغراض الشركة ولا من حيث النشاط الفعلي للشركة ولا من حيث القصد العام للمساهمين أو المتعاملين مع الشركة فهم يقصدون حقيقة أنشطة الشركة وإنتاجها ، ومن ثم الحصول على أرباحها.

  وحتى من الجانب العملي فإن هذه الشركات  إذا تحققت لها نقود أو حصلت الديون أعادت استثمارها في البيع والشراء والعقود الواردة على السلع والمنافع والحقوق، في حين أن الأصل المتبوع في الشركات التي تحدد أغراضها في بيع الديون، أو العملات أو الصيرفة هو ذلك النشاط المتمثل في تحقيق تلك الأغراض التي تتجه الشركة لتحقيقها ، وتجعلها محور نشاطها .

 ويدل على ذلك الجمع بين الأحاديث الواردة في هذا الشأن فحديث فضالة بن عبيد الأنصاري (الذي رواه مسلم والذي نهى فيه الرسول e عن بيع القلادة التي فيها خرز إلا بنـزع الخرز، ثم بيع الذهب وحده ) يدل على أن الرسول أوجب النـزع، لأن البيع كان وارداً على الذهب أصالة، وجاء الخرز تبعاً، ولم يعتد الرسول بكلام السائل : أنه يريد الحجر ، لأن القصد الظاهـر في القلادة متجه نحو الذهب فهو الأصل المقصود، مما يعطي للقصد العام الأهمية القصوى، وأما الحديث الصحيح المتفق عليه ” من باع عبداً   و له مال، فمالـه للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع ” ففيه أن البيع قد وقع على أصل العبد، وجاء ماله ولو كان ذهباً أو فضه ( كثيراً أو قليلاً تبعا ً ) ،حيث يدل الحديث بظاهره على جواز ذلك دون النظر إلى جنس الثمن لأن لفظ ” مال ” في الحديث يشمل جميع أمواله نقداً كان أو ديناً ، أو عرضاً قليلاً أو كثيراً كما يدل على أن مال العبد المباع مهما كان مقداره أو نوعه فهو تابع له .

 وكذلك الحال في الحديث الصحيح المتفق عليه بلفظ ” من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر، فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع ” حيث يدل على جواز بيع الثمر قبل بدو صلاحها تبعاً للنخل، مع أنه لا يجوز بيعها وحدها لثبوت النهي عن ذلك .

  ومن تطبيقات ذلك ما ذهب إليه الحنابله من أن ” صلاح بعض ثمرة شجرة في بستان صلاح لها – أي للشجرة – وصلاح لسائر النوع الذي في البستان الواحد ” وإنما صح مع ما بدا صلاحه تبعاً له ( كشاف القناع 3/387 ويراجع المغني 6/156 ) وعلى ضوء ذلك يجوز تداول الأسهم أو الصكوك أو الوحدات الاستثمارية مهما كانت نسبة الديون أو النقود بالشروط التالية :-

  1. أن تحدد أغراض الشركة بأعمال التجارة والاستثمار أو الصناعة أو الزراعة من خلال العقود الواردة على السلع أو المنافع أو الحقوق ، أي أن لا تحدد أغراضها في الصيرفة ، أو بيع الديون .

  2. أن لا تقتصر موجودات الشركة أو الصندوق أو الصكوك على النقود والديون فيكون فيها موجودات مادية أو معنوية من أعيان ومنافع دون النظر إلى النسبة.

  3. أن تكون أعمال البيع والشراء والاستصناع ونحوها هي المقصودة أصالة ، وتكون الديون أو النقود قد أتت تابعة غير مقصودة وإنما اقتضتها طبيعة أنشطة المؤسسة بأن كانت تابعة للأعيان والمنافع ، أي أن هناك قصداً تبعياً لها ضمناً.

      والمراد بالقصد المعتبر هو أن يكون محل التداول حصة في الوعاء الاستثماري للنشاط المشروع القائم أصالة على المتاجرة في السلع والخدمات غير المقتصر على التعامل في النقود المحضة والديون المحضة أما إذا كان محل التداول الديون – كما في سندات الديون – أو النقود فقط فلا يجوز تداولها إلا على ضوء ضوابط بيع الديون والنقود.

  4. أن تبدأ المؤسسة ممارسة أنشطتها في الأعيان والمنافع أما قبل ذلك فيكون التداول نقداً بالقيمة المدفوعة.

  5. وأن يتوقف التداول عند إعلان التصفية القانونية للمؤسسة .

  6. لا يجوز أن يتخذ القول بالجواز ذريعة أو حيلة لتصكيك الديون وتداولها كأن يتحول نشاط الصندوق إلى المتاجرة بالديون التي نشأت عن السلع ، ويجعل شيء من السلع في الصندوق حيلة للتداول[6].

المرحلة الخامسة : مرحلة التصفية عند توقف نشاط الشركة ، وحينئذ تكون معظم حقوقها ديوناً آجلة ، أو نقوداً ، وما بقي من الأعيان تباع لأجل التصفية ، ففي هذه المرحلة الأخيرة لا بدّ أن تطبق عليها قواعد الصرف ، وقواعد بيع الديون وهذه المرحلة (مرحلة التصفية) لا تدخل في نطاق البحث ، إذ للتصفية أحكامها الخاصة لا يتسع البحث للخوض فيها .

 

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1])) فقد ورد في ذلك أحاديث صحيحة منها ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما بسندهم عن أبي صالح قال : (سمعت أبا سعيد الخدري يقول : (الدينار بالدينار ، والدرهم بالدرهم مثلاً بمثل ، من زاد أو ازداد فقد أربى ) وورد بلفظ (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلاً مثلاً بمثل ، ولا تشفوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا الورق بالورق إلاّ مثلاً بمثل ، ولا تشفوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا غائباً بحاضر) انظر : صحيح البخاري (2/31)ومسلم (5/42) وسنن النسائي (2/222) والترمذي (1/234) وأحمد (3/4 ، 51, 61) وإرواء الغليل (5/189)

[2])) وهذا رأي المالكية ، وأحمد في رواية ، والأوزاعي ، وابن أبي ليلى ، يراجع : المدونة (5/65-66) والمغني لابن قدامة (5/17)

(1)الموافقات للشاطبي ( 3/192 )

(2) يراجع لمزيد من التفصيل في أحكام التصرف في الديون ، بحث الدكتور علي محي الدين القره داغي المقدم إلى المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في دورته الخامسة عشرة

[5])) يراجع : بحث لنا بعنوان : (أثر ديون ونقود الشركة أو المحفظة على حكم تداول الأسهم والصكوك والوحدات الاستثمارية ـ المشكلة والحلول ـ دراسة فقهية اقتصادية)

[6]))  المرجع السابق نفسه