تحدث فضيلة ألاستاذ الدكتور علي القره داغي الأمين العام للإتحاد العالمي لعلماء المسلمين في خطبته بجامع عائشة أم المؤمنين بفريج كليب الدوحة، تحدث فيها عن أن عيد الأضحى يحمل معه رسائل :
الرسالة الأولى الأساسية: تربية الأمة على التضحية بالغالي والنفيس في سبيل الله تعالى، وفي سبيل الحق والكرامة والعزة.
وذلك لأن هذا العيد هو تجسيد لذكرى تضحية سيدنا ابراهيم (عليه السلام) حيث رأى رؤيا حق بذبح ولده وفلذة كبده اسماعيل (عليه السلام) كما حكى ذلك القرآن الكريم (إني أرى في المنام أني اذبحك) فاستجاب ابراهيم الوالد الشيخ الكبير لأمر ربّه كما استجاب الولد اليافع الشاب الذي في عنفوان شبابه، كما استجابت الأم الكبيرة لذبح فلذة كبدها.
إذن التضحية كانت على مستوى القمة والذروة. وهنا يجب على الأمة الاسلامية أن يقتدي في مجموعها بسيدنا ابراهيم (عليه السلام) وأن يقتدي الرجال الأباء بإبراهيم الأب المضحي، والنساء الأمهات بالسيدة سارة أم اسماعيل التي كان جوابها لإبراهيم عندما عرض عليها ذبح ابنها: “أألله أمرك بهذا” والقدوة هنا في التضحية بكل شئ.
وأن يقتدي الشباب بالشاب اليافع اسماعيل الذي قال لوالده “يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين”.
ايها الإخوة الكرام، إن أمتنااليوم تحتاج الى التضحية والاستعداد للتضحية بكل شئ بما فيه الأنفس والأموال لأجل العزة والكرامة، والسيادة والاستقلال، وتحرير الأرض والبلاد والأنفس من الاستعمار، فأمتنا الاسلامية اليوم مليار و 700 مليون نسمة، ولكن ليس لها تاثير على مجريات الأمور، فلا زالت فلسطين محتلة، ولازال القدس الشريف والمسجد الأقصى يعاني من براثن الاحتلال بل إن الأقصى اصبح اليوم مهدداً بالهدم والتدمير من قبل الصهاينة المحتلين، حيث سمعنا قبل العيد بانهيار جزء من باحة الأقصى بسبب الأنفاق التي تقوم بها الصهاينة.
الرسالة الثانية: هي رسالة القدوة، حيث إن قصة ابراهيم مجموعة من القدوات الطيبة، فبالإضافة الى ما ذكرنا، فإنها تتضمن مجموعة أخرى منها:
1- القدوة فيما بين الوالد والولد، حيث إن ابراهيم قد استشار ابنه، ولم يفرض عليه شيئاً، ولم يقل: غصباً عنك أن تسمع لي، وانما قال: “يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى” حيث خاطبه بنداء جميل يدل على التعظيم من خلل النداء ب”يا”، و المحبة فقال: “يا بني” أي ابني الصغير الحبيب، ثم خيّره فقال: “فانظر ماذا ترى” أي فكّر جيداً، وأعلن عن رأيك بوضوح فهذا جانب تربوي مهم من أهمية المشاورة بين الوالد والولد ومن جانب آخر كان رد الولد الشاب في قمة الأدب حينما قال: “يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين” خاطب والده بهذه الكلمة الجميلة “يا أبت” التي تدل على التعظيم من خلال النداء بحرف “يا” والمحبة من خلال “أبت”.
انظر كيف يجيب اسماعيل على والده أمام هذا العرض الخطير بهذا النداء الجميل، الذي فيهة قمة الأدب، وقمة الخضوع والسمع والطاعة.
كما أن الجملة تدل على أن اسماعيل يبين بأنه خاضع لما أمر الله تعالى، وأنه فوّض الأمر الى الله والى مشيئته، ووعده بأنه يكون من الصابرين الصامدين أمام هذا البلاء العظيم.
2- القدوة بين الزوج والزوجة، حيث عرض سيدنا ابراهيم (عليه السلام) هذه المسألة على زوجته سارة التي استقبلت هذا الخبر الخطير بمنتهى الأدب مع الله تعالى ومع زوجها ابراهيم حيث قالت : “ألله أمرك بهذه يا ابراهيم” فلم تقل: يا ابراهيم إنك تعيش غالب عمرك في الشام مع زوجتك الأولى، والآن تأتي لتذبح ابني؟ وإنما قالت “افعل ما تؤمر” ورجمت الشيطان حينما تعرضت لها.
وهنا القدوة في تشاور ابراهيم (عليه السلام) مع زوجته دون فرض أو اكراه، وهذا هو منهج اسلامي أمر به الاسلام في العلاقة بين الزوجين حيث قال تعالى “فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما …” سورة البقرة الآية 233، حيث ربط فطام الولد عن الرضاعة (هذا الأمر البسيط) ينبغي أن يتم وفقاً للتشاور بين الزوجين، والتراض التام منهما.
الرسالة الثالة هي رسالة التكافل بين المسلمين من خلال الأضاحي، والهدايا ودماء التمتع، والقران ونحوها، وهذا يدل على عظمة الاسلام، وأهمية التكافل حيث يستثمر الاستسلام كل فرصة مواتية، وكل ركن عظيم، مثل الصيام في رمضان، والحج، والأضاحي لتوصيل الخيرات الى المستحقين.
الرسالة الرابعة هي رسالة وحدة الأمة في مشاعرها وشعائرها وملابسها وتوجيهاتها في عرفات ثم في بقية المناسك، فهذه المشاعر إن دلت فإنما تدل على أن المسلمين هم أمة واحدة، وبالتالي فإن عليهم السعي لتحقيق هذه الوحدة.
الرسالة الخامسة هي رسالة اللهو المباح والترفيه على الأنفس، ورعاية الأهل والأولاد وادخال السرور في قلوبهم، ومشاركتهم في هذه الأمور المرفهة، حيث وفق الرسول صلى الله عليه وسلم مع أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) وهي تتفرج على الحبشة وهم يلعبون بالحراب والشيش داخل المسجد النبوي الشريف، وهذا يدل على أن الاسلام دين شامل جامع لكل متطلبات الروح والجسد، والعقل والنفس والقلب.