بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة المؤمنون
لقد تحدثنا في الخطبة السابقة عن أهم مصطلح من المصطلحات الخمسة، التي إذا طبقناها فعلاً فزنا من خلالها بالجنة إن شاء الله، وفزنا كذلك بالحياة الطيبة، وبالحضارة، والتقدم، والوحدة، وما يحقق سعادة الدنيا وسعادة الآخرة.
المصطلح الذي تحدثنا عنه وهو صلاح الداخل، الشامل للنفس والقلب والروح والعقل، واليوم نتحدث عن صلاح خارج هذا الداخل، وهو العمل الصالح، الذي إذا صلح هذا الداخل يكون له تأثير على الخارج، فتنعكس آثاره الإيجابية على حركات و أنشطة وتصرفات الإنسان، وهذا الخارج يسمى العمل، سواء كان العمل عملاً صالحاً، أو عملاً سيئاً أو قبيحاً.
يركز القرآن الكريم على هذا الجانب الخارجي تركيزاً كبيراً؛ لأنه هو الأثر وهو الشعاع والضياء الذي يظهر من خلال هذه القوة إذا وجدت في داخل الإنسان، وإذا لم يوجد هذا الأثر على تصرفات الإنسان بدءاً من اللسان إلى العين وإلى السمع وإلى اليد والأرجل، وإلى جميع أعضاء الإنسان فإن هذا يدل على أن القوة الداخلية إما معدومة، أو أنها ضعيفة، ليست قادرة على الإضاءة، كما هو الحال بالنسبة للطاقة الكهربائية، مهما كانت هناك أسلاك ومصابيح فإنها ليست لها قيمة، إلا إذا كانت هناك قوة تستطيع أن تضيء هذه المصابيح، أو أن تحرك هذه المكائن، فإذا انعدمت هذه القوة أصبحت أجساماً بلا فائدة، وكان عبئاً على المكان .
فإذا كانت هذه القوة الإيمانية، الطاقة المفجرة، وهي الإيمان الحقيقي، والقلب الصالح، والنفس اللوامة الراضية المطمئنة والعقل السليم والروح السامية، التي لها سمو، وتعلق بالله العظيم، إذا وجدت هذه العناصر في الداخل فإن آثارها مباشرة تصل إلى هذه الأعضاء، وما هذه الأعضاء إلا كأنها عبيد تطيع هذه القوة الداخلية، وتتحرك بها، هكذا علاقة الداخل بالخارج، فإذا كان الداخل سليماً، يكون الخارج بإذن الله سليماً، إلا إذا كان يصل إلى الإنسان غفوة، أو غفلة، أو جهل، فيقع في ذنب، فحينئذ باب التوبة مفتوح لهؤلاء الذين يعملون السوء بجهالة، أو عن غفلة ، وسرعان ما يعودون إلى الرشد (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوا إِذَا مَسَّهُم طَآئِفٌ مِّنَ الشَّيطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبصِرُونَ).
وزن الإيمان بوزن هذه الأعمال، وما يقال من أن الإيمان هو التصديق حينما يذكر الإيمان مع الإسلام وإلا فلا قيمة حقيقية وعملية للإيمان الذي لا ينبثق منه العمل، فالإيمان الحقيقي هو ثلاثة أشياء كما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل الذي سأل فيها النبي ثلاثة أسئلة ثم بعد الجواب قال النبي صلى الله عليه وسلم “هل تدون من السائل” قالوا الله ورسوله أعلم، قال:” هذا جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم” فهذا الدين الذي يسمى الإسلام والذي رضيه الله سبحانه لنا ديناً، يتكون من ثلاثة عناصر أساسية:
العنصر الأول: الإيمان وهو الأساس والإسلام وهو الأركان الخمسة الظاهرة، وبقية الأعمال الصالحات والإحسان، أي الإتقان والجودة والأحسن والتقوى الذي يحرك ويدفع الإنسان إلى ما فيه الخير فهذه العناصر الثلاثة هي بمجموعها ديننا الحقيقي، وإذا اكتفينا بالإيمان فقط أو اكتفينا بالإسلام فقط أو اكتفينا بالإحسان فقط، أو أننا آمنا وأسلمنا ولم نحسن، فإن ذلك يدل على أن جزءاً كبيراً من هذا الدين قد انتقص فينا أو أننا لم نطبق هذا الجزء الأساسي من هذا الدين.
إن عودتنا إلى المساجد من بركات هذه الصحوة المباركة وإلى الصيام والقيام والحج هذا أمر طيب، لكنها ليست كافية، إلا إذا تمت هذه الأركان الثلاثة . وهذه الأركان أو الكلمات الثلاثة من الكلمات الذي إذا اجتمعت تفرقت، وإذا تفرقت اجتمعت، فإذا ذكر الإسلام يراد به الإيمان والإسلام والإحسان وهكذا بالنسبة للإيمان والإحسان. وأما إذا اجتمعت كما في حديث جبريل فيُحمل كل كلمة على معناها الخاص، حتى لا يؤدي إلى التكرار، ويكون بمثابة التأكيد على هذه المعاني وتجسيداً لأهمية هذه المصطلحات، وتركيزاً وغرساً لهذه المصطلحات في نفوس الناس فإنه لن يتم إيمانهم إلا بالإسلام، ولن يتم إسلامهم إلا بالإحسان ولن يكون هناك إحسان حقيقي إلا إذا وجد الإيمان و وجد الإسلام.
العمل الصالح هو الثمرة والشعاع والضياء، وهو الميزان لمصداقية الإيمان، لذلك بين الله سبحانه وتعالى أهمية العمل الصالح في حوالي 180 آية تحدث عن الأعمال الصالحة، وعن جزائها وآثارها، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَت لَهُم جَنَّاتُ الفِردَوسِ نُزُلًا)، و (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنهُم سَيِّئَاتِهِم وَلَنَجزِيَنَّهُم أَحسَنَ الَّذِى كَانُوا يَعمَلُونَ)، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجرَ مَن أَحسَنَ عَمَلًا)، والنجاة من المسارات والعصر، ومنع الإنسان من الخُسر (إِنَّ الإنسان لَفِى خُسرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)، وكذلك الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة (مَن عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ )، وكذلك ود الرحمن (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجعَلُ لَهُمُ الرَّحمَٰنُ وُدًّا)، والتمكين في الأرض (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِى الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دِينَهُمُ الَّذِى ارتَضَى لَهُم وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعدِ خَوفِهِم أَمنًا يَعبُدُونَنِى لا يُشرِكُونَ بِى شَيئًا وَمَن كَفَرَ بَعدَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰٓئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ)، وكذلك النصر (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِى الحَيَاةِ الدُّنيَا وَيَومَ يَقُومُ الأَشهَادُ) كل ذلك مرتبط بالإيمان الحقيقي.
وكانت هناك محاولات كثيرة من المسلمين ومن ثورات عربية، وكان وقودها الإسلام والمسلمين والجماعات الإسلامية المعتدلة، لكنها لا زالت تحتاج إلى زيادة العمل الصالح إلى توسيع دائرة هذا العمل الصالح لتشمل هذه الدائرة معظم المسلمين، ولا تكون قلة، وقد يكون في البداية تكون هناك كثرة ولكن عند الابتلاء والاختبار لن تبقى إلا القلة، فحينما تتحول القلة المختبرة والممتحنة والمبتلاة، إلى كثرة، عندئذ يكون النصر بإذن الله تعالى، وهذا ما وعد الله المؤمنين بالتمكين والأمن والأمان في هذه الدنيا قبل الاخرة، أما في الآخرة فتكون الجنات العلا وجنات الفردوس، حينما يلتزمون بهذه المصطلحات الثلاثة من إصلاح الداخل من خلال الإيمان وإصلاح الخارج من خلال الإسلام والإيمان والعمل الصالح .
العمل الصالح في نظر الإسلام ليست الصلاة والصيام والحج وبقية الأركان، فما هذه الأركان إلا دعائم وقوائم، يقوم عليها الإيمان فحينما نقول بأن أركان الإسلام خمسة تعتبر باقي الأعمال كلها من جزئيات ومكونات هذا البيت الإيماني من جميع الأعمال الصالحات، وليس في الإسلام فرق بين عمل صالح وآخر ما دام هناك نية طيبة لله سبحانه وتعالى إلا بما فرق الله سبحانه وتعالى ورسوله، حيث جعل بعض الأعمال من الاركان وبعضها تدخل إما في الفرائض أو الواجبات أو السنن و المباحات، فلا تخرج من دائرة الشريعة، وإذا نويت القيام بأي عمل وأردت به وجه الله وتنفق منه على الأهل وتعطي منه الزكاة والخيرات فإن الله يكتب لك بذلك عبادة عظيمة.
روى الامام البخاري ومسلم وغيرهما عن أبى ذر جندب بن جنادة ـ رضي الله عنه ـ قال : قلت يا رسول الله ، أي الأعمال أفضل ؟ قال : ( الإيمان بالله ، والجهاد في سبيله ) قلت : أي الرقاب أفضل ؟ قال : ( أنفسها عند أهلها ، وأكثرها ثمناً ) ، قلت : فإن لم أفعل ؟ قال : تعين صانعاً ، أو تصنع لأخرق ). قلت : يا رسول الله ، أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل ؟ قال : تكف شرك عن الناس ؛ فإنها صدقة على نفسك ).
الإيمان بالله الذي يجعل هذا الداخل نظيفا ومرتبطاً بالله سبحانه وتعالى، ثم الجهاد في سبيل الله، أي العمل الصالح الطيب المبارك الذي يكون في خدمة الإنسان بدءاً من الدعوة إلى القتال، والقتال نوع من الجهاد، أما الجهاد فيشمل بذل الجهد أي جهد كان صغيراً أو كبيراً في سبيل نشر دعوة الإسلام وتوصيل الخير إلى الناس جميعاً، فالجهاد بهذا المعنى هو أفضل الأعمال وقمته القتال حينما يضحي الإنسان بنفسه وماله في سبيل الله وهو ذرة السنام.
والإعلام نوع من الجهاد وقد تنبه القرآن إلى هذه المسألة، حيث سمى الله تعالى وسائل الدعوة والوسيلة الإعلامية لنشر الدين بالجهاد الكبير، حيث يقول ( وجاهدهم به) أي بالقرآن ونشر القرآن، والوسائل التي تؤدي إلى نشر القرآن (جهاداً كبيراً ) فالجهاد الكبير هو الإعلام الموجه نحو الخير والإعلام الموجه نحو إظهار الحق وإبطال الباطل وفضحه.
وقد تنقلب المسائل من خلال وسائل الإعلام فالإعلام المضلل والكاذب والموجه استطاع أن يغير عقول الناس، وأن يجعل الانقلاب ثورة، وقتل الناس نجاحاً، وانتهاك حرمات الناس بالجرافات انتصاراً، والشخص المجرم الذي خاضت يده في الدماء بطلاً، ويطالب منه بأن يكمل الجميل، والناس يصفقون له، وكما قال أحمد شوقي في مسرحيته كيلوباترا وهو يتحدث عن غزو الروم لمصر، وكانت هناك علاقة بين القائد الروماني و كيلوباترا، فأشاعوا من خلال سحرتهم بأنهم انتصروا على الروم وأنه قد جاء القائد الروماني مستسلماً ، بينما كانت كيلوباترا ترتمي في أحضان القائد الروماني وتسلمه مصر والناس يصفقون لها، فيقول الشوقي في آخر المسرحية ( يا له من ببغاء عقله في أذنيه) فعقل بعض الشعوب تغيب بسبب وسائل الإعلام (وسحروا أعين الناس واسترهبوهم ).
ولأهمية الإعلام سماه الله الجهاد الكبير ، الإعلام الحق الذي هو المضاد لهذا الإعلام الكاذب ، وأسأل الله أن يجعل الجزيرة، ومن وراء الجزيرة من هذا الإعلام الحق.
وبعد الجهاد يأتي كما في الحديث، تحرير الرقاب، ومن هذا الرقاب أَنفَسها, أي أكثرها ثمناً، فهذا أفضل شيء بعد الجهاد، واليوم وقد رأينا كيف يساق المسلمون في مصر وسوريا كأنهم أسرى وهو يخضعون، ويذلون كالعبيد، مع أنهم من بني جلدتهم، وبعد مشاهدتي لبعض ما يفعل بهؤلاء الضحايا قلت لنفسي والله لأفدينهم بنفسي ولا أرى أنهم يذلوا بهذا الشكل المهين، ولأن قتل الإنسان أهون عليه من الإذلال، ويعامل هؤلاء من قبل الشبيحة وأمثالهم معاملة أشد من معاملة العبيد، وتنتهك حرماتهم، فإعتاق هؤلاء أفضل الأعمال بعد الجهاد.
وبعد الإعتاق يأتي في المرتبة الثالثة (أنك تعين صانعاً أو تصنع لأخرق) أي تساعد شخصاً ذا صناعة حتى تكون متملكاً ولم يقل الرسول أن تسبّح الله مع أهميته ولكن ذكر أن تعين الصانعين.
وهذه مشكلة في عالمنا الإسلامي، وهي أن زكواتنا وأموالنا كلها استهلاكية، وقد حسبت بنفسي في عام 2007 من خلال دراسة للمصانع والشركات والبورصة والبنوك في الخليح، وتوصلت إلى أن نسبة الزكاة تصل الى 100 مليار دولار، ثم حسبت بعد ذلك في العالم الإسلامي غير العالم الخليجي فوصلت نسبة الزكاة الى 200 مليار دولار ومع بعض الأموال لم نتأكد منها وصلت إلى 300 مليار، أي معنى ذلك أن زكاة العالم الإسلامي في غير البترول والغاز وإنما فقط في الأموال التي تجب فيها الزكاة تصل سنوياً الى 300 مليار دولار وفي إحصائية ثانية عملتها وصل إلى 400 مليار دولار، فأين أثر هذه الأموال ونحن نرى الفقر يزداد؟ وذلك لأن كثيراً من النال لا يعطون زكاتهم، وإذا أعطوا لم يعطوا نصابه، والمشكلة الأخرى أن هذه الأموال لم توجه إلى التمليك والإنتاج كما كان في عصر عمر بن عبد العزيز، ففي خلال ثلاث سنوات استطاع أن يقضي على الفقر، ففي سنة الأولى وصل إلى مرحلة الكفاف، وفي السنة الثانية وصل إلى مرحلة الكفاية وفي الثالثة إلى تمام الكفاية ولم يبق فقير في العالم الإسلامي. وأهمية هذه المرتبة في الأفضلية لا تخفى؛ لأن الأمم لا تتقدم مع الفقر ولا يمكن أن تتقدم مع التخلف دون أن تكون لها صناعة.
وتأتي بعد هذه المرتبة أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، أي تحرك، وقم بواجبك تجاه الآخرين، وإذا لم تستطع فعليك أن تكف شرك عن الناس ولا تؤذيهم لا بلسانك ولا بغيره.
وفي حديث آخر عن أبي موسى الأشعري قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ” على كل مسلم صدقة “. قالوا: فإن لم يجد قال: ” فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق “، قالوا: فإن لم يستطع أو لم يفعل؟ قال: ” فيعين ذا الحاجة الملهوف “، قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: ” فليأمر بالخير أو قال بالمعروف “، قال: فإن لم يفعل؟ قال: ” فليمسك عن الشر فإنه له صدقة”.
وهذا يدل على أن المسلم يجب أن يكون منتجاً، ودائماً أقول لإخواني في هذا البلد الطيب، أن يهتموا بهذه الأموال التي عندهم، وأن لا يكون الإنسان جليس بيته ما دام قادراً على العمل، وأن لا يكتفي بالراتب التقاعدي ويعيش عليه، بل عليه أن يعمل وينفق في سبيل الله.
وجعل القرآن الكريم الذين يعملون من أجل الفقراء، مع مجموعة من الصفات، يستحقون الفردوس الأعلى، كما في سورة المؤمنون حيث يقول (والذين هم للزكاة فاعلون) لأنهم يشتغلون ويجدون ويجتهدون لأجل كسب المال ثم يعطونه الفقراء، أو يدخره لأهله حينما يحتاجون إليه، كما قال صلى الله عليه وسلم: أن تذر ورثتك أغنياء خير لك من أن تذرهم وهو فقراء.
فالعمل بكل أنواعه مطلوب وجاءنا ردح من الزمن ببعض الأفكار البدعية بالاعتزال عن الناس وأن العبادة هي كثرة السجود وكثرة الصلاة ووضعوا لأنفسهم طائفة من الأذكار حتى يشغلوا أنفسهم بها عن الأعمال فهذا ليس بصحيح.
فهناك أربعة أوامر في سورة الجمعة عند صلاة الجمعة فيه أمران للعمل (يَآأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِى لِلصَّلَاةِ مِن يَومِ الجُمُعَةِ فَاسعَوا إِلَى ذِكرِ اللَّهِ وَذَرُوا البَيعَ ذَٰلِكُم خَيرٌ لَّكُم إِن كُنتُم تَعلَمُونَ) فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع هذا في وقت الصلاة، أما بعد الصلاة، فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله، أي تاجروا واعملوا واصنعوا، أو أعمل أي عمل يؤدي إلى تحقيق الربح، و”فضل الله” يقصد به الربح الذي يتحقق بفضل الله سبحانه وتعالى.
وهذا هو منهج الإسلام في الأعمال الصالحة فتشمل عمل الدنيا والآخرة.
الخطبة الثانية
سمعنا ورأينا خلال هذا الأسبوع ما كنا نعرفه ونعتقده بأن كل أعداء الإسلام لا يريدون الخير لهذه الأمة أبداً، وهم يعملون لمصالحهم، وقالوا لنا وأشبعونا القول بأن الاسلحة الكيمياوية خط أحمر ولكن وجدوا لأنفسهم ولنظام بشار إخراجاً جيداً، فقد كان هناك إخراج لهم لما يحدث في مصر، فالذي يحدث فيها انتهاك لحرمات الإنسان، لم يحدث في أي بلد في هذا العصر، لا للأحياء ولا للأموات من التعذيب والسجن، وكذلك للنساء والاطفال واتهموا باتهامات واهية. فالغرب الذي يؤمن – كما يزعم – بالديمقراطية وحقوق الإنسان أشغلَنا وأشغلوا عالمهم بما حدث في سوريا وبتحريك منهم باستخدام الأسلحة الكيمياوية، ووجدوا لهم ولنظام بشار مخرجاً وأنقذوه من الضربة، وذلك بتسليم الأسلحة الكيمياوية من قبل النظام وانتهت المسألة وهذا ما حدث.
فبعد 200 الف شهيد وتدمير ومليون وأربعمائة ألف مبنى و8 ملايين مشرد والنتيجة في جيب أمريكا وإسرائيل، لأن تسليم هذه الأسلحة لمصلحة من؟ لمصلحة إسرائيل طبعاً ؛لأنه كان خائفاً من هذه الأسلحة وإن لن تستعمل ضده لأنه قد يقع في أيد الآخرين ممن لا تثق إسرائيل بهم.
فالأيادي التي تحرك مصر والتي تحرك سوريا والتي تحرك بعض دول الخليج يد واحدة، وهو يد اللوبي الصهيوني، وإلا فما الفائدة التي تجنيها إحدى الدول في الخليج وهي تتعهد بأن تفشل جميع الثورات العربية في مصر، في تونس وليبيا، بل حتى لهم يد في توقيف الحزب الكوردي بي كي كي في الاتفاق مع تركيا، المؤامرة كبيرة، وتنفذ بأيدينا وبأموالنا، وبعرق جبيننا، ولكن النتائج الإيجابية تدخل في جيوب أعدائنا، ونحن نخرج بكل هذه الأزمات، ولكن لنا الله سبحانه قال لنا (وَقَد مَكَرُوا مَكرَهُم وَعِندَ اللّهِ مَكرُهُم وَإِن كَانَ مَكرُهُم لِتَزُولَ مِنهُ الجِبَالُ) ( فلا تحسبَنَّ الله مخلف وعده) ولذلك أرشد الله إخواننا السوريين بأنه ما لنا غيرك يا الله الذي هو يحمينا وينصرنا
لذا أوجه كلامي وندائي بأن يوحدوا صفوفهم ـ المجاهدين والمدنيين المعارضين في سوريا ـ صفاً واحداً وهذا هو الحل الوحيد.
وما يحدث في القدس، فاليوم القدس مهدد بالتقسيم جزء منه لهم من الحرم الخليلي والجزء البسيط للمسلمين اما المستوطنات والمستعمرات فحدث ولا حرج، والتضييق على غزة بكل الوسائل، فما ذنبهم؟ وما علاقتهم بما يحدث في مصر؟ فلماذا هذا الحصار؟ وقد قال نيكسون ” لا بد أن نوجه من الحكام المستبدين العرب وأن يتعاملوا مع الفلسطينيين معاملات سيئة حتى يقبلوا بوجودهم في إسرائيل) وفعلاً يحدث في عالمنا العربي ما لا يفعله إسرائيل بنا. ونيكسون رأى يوماً في حديقة الحيوان أن مروض الحديقة أدخل قطة مع الفأر وشرح له كيف فعل ذلك من الترويض، فأعجب بذلك وقال هكذا يجب أن نفعل لكي يقبل الفلسطينيون بإسرائيل، وأن يعيشوا مع الإسرائيليين، ولكن هذا لن يحدث، فإخواننا في فلسطين وغزة أسود، والجيش الإسرائيلي يخاف منهم ولكننا نتألم أن نفعل نحن بأنفسنا هذا التقتيل،ونتصرف بالتصرفات المشينة الخارجة عن كل القيم الإسلامية والإنسانية .