استدل الجمهور بحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن : (العباس استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته ، فأذن له)[1] حيث يدل الحديث على أن المبيت فيها واجب ولذلك احتاج العباس إلى الاذن لأجل السقاية ، فلو لم يكن المبيت واجباً لما احتاج إلى إذن ، كما أنه في إحدى روايات البخاري (رخص)[2] كما سبق .
واستدلوا كذلك بحديث عائشة رضي الله عنهما : (أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ، ثم رجع إلى منى ، فمكث بها ليالي التشريق)[3] والحديث صححه الحاكم في المستدرك وقال : صحيح على شرط مسلم[4] ، وقال المنذري في مختصره : حديث حسن ، ورواه ابن حبان في صحيحه[5] .
واسـتدلوا كـذلك ببعض الآثار عن عمر رضي الله عنه في النهي عن المبيت خـارج منـى[6].
* ويمكن أن تناقش هذه الأدلة بما يأتي :
1 ـ أن حديث ابن عمر رضي الله عنه المتفق عليه بلفظ (استأذن العباس ….فأذن له) لا يدل على وجوب المبيت ، لأن الاذن قد يكون لأجل السنة كما قال جماعة من الفقهاء ، كما يكون لأجل مقام الرسول صلى الله عليه وسلم حيث لا ينبغي للعباس ولا لغيره ممن كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يترك صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم دون استئذان ، يقول ابن الهمام في رده على الاحتجاج بحديث ابن عمر السابق : (وليس بشيء ، إذ مخالفة السنة عندهم كان مجانباً جداً خصوصاً إذا انضم إليها الانفراد عن جميع الناس مع الرسول صلى الله عليه وسلم فاستأذن لإسقاط الإساءة الكائنة بسبب عدم موافقته صلى الله عليه وسلم…)[7] وبالتالي فليس الحديث نصاً في الوجوب ، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال يقول الكاساني في استدلال الحنفية على أنه سنة : (ولنا ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص للعباس أن يبيت بمكة للسقاية ، ولو كان ذلك واجباً لم يكن العباس يترك الواجب لأجل السقاية ، ولا كان النبي صلى الله عليه وسلم يرخص له في ذلك)[8] ولا سيما أن السقاية كان يمكن أن يقوم بها غيره.
2 ـ وأما حديث عائشة المذكور فضعيف كما قال الشيخ الألباني لأنه من روايات ابن اسحاق الذي اتهم بأنه مدلس ، وقد عنعنه ، وما قاله الحاكم من أنه على شرط مسلم غير صحيح ، لأن ابن اسحاق لم يحتج به مسلم ، وإنما روى له مقروناً بغيره[9] وقال يحيى بن معين عنه : صدوق ، ولكن ليس بحجة ، وقال هشام بن عروة : إنه كذاب ، وقال أحمد بن حنبل : هو كثير التدليس جداً[10] وقال النسائي وغيره : ليس بالقوي ، وقال الدارقطني : لا يحتج به ، وقال مالك : انظروا إلى دجال من الدجاجلة ، وهو يقصد ابن اسحاق ، وقال يحيى القطان : أشهد أن محمد بن اسحاق كذاب[11] .
وحديث بهذا المستوى لا ينهض حجة في أمر مختلف فيه ، ولا في إثبات الوجوةب ، حيث الأصل براءة الذمة ومن جانب آخر فإن الحديث حتى على فرض صحته ليس نصاً على الوجوب لأن الحديث يذكر فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو مختلف في دلالته على الوجوب ، بل الظاهر منه أنه سنة كما هو رأي جماعة كبيرة من الأصوليين في فعل الرسول صلى الله عليه وسلم (منهم الشافعي ، وأحمد في رواية ، والظاهرية ، وهو اختيار إمام الحرمين ، وابن الحاجب ، وهو رأي الرازي وابن حزم وجماعة من الحنابلة[12] بل يقول الكاساني : (وفعل النبي صلى الله عليه وسلم هنا محمول على السنة توفيقاً بين الدليلين)[13].
3 ـ ويدل على أن المبيت ليس بواجب بل هو سنة أنه لم يثبت في الشرع أي جزاء على تركه كما قال ابن قدامة وغيره[14] .
وذهب الحنفية ، والشافعية في أظهر القولين ، والحنابلة في رواية إلى أن المبيت بمنى ليس بواجب وإنما هو سنة ، وتركه مكروه ولا يترتب عليه شيء ، وهذا مروي عن الحسن ، وابن عباس حيث قال : (إذا رميت الجمرة فبت حيث شئت) ولأنه قد حل حجه فلم يجب عليه المبيت بموضع معين)[15] .
وقد استدلوا بحديث ابن عمر في ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم للعباس رضي الله عنه أن يبيت بمكة للسقاية ، حيث لو كان ذلك واجباً لم يكن العباس أن يترك الواجب لأجل السقاية ، ولا كان النبي صلى الله عليه وسلم يرخص له في ذلك[16] ، وعلى الأخص أذن له ، أو رخّص له ، فلو كان واجباً لما أذن له الرسول صلى الله عليه وسلم ، إذ لا يرخص للواجب إلاّ لضرورة أو نحوها مما ينزل منزلتها واستدلوا كذلك بالقياس على ليلة عرفة حيث لا يجب المبيت بها[17] .
ويمكن أن يناقش بأن حديث ابن عمر يدل على الوجوب ، وليس على السـنة ـ كما سـبق ـ.
ومن جانب آخر فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أعطاه الله تعالى حق التشريع والترخيص فيما أراده تعالى ، فإذا رخص لعباس فهذا من حقه .
وأما أثر ابن عباس فلو ثبت فلا يمكن أن يعارض ســـنة الرســول صلى الله عليه وسـلم .
يقول الحافظ ابن حجر : (إن التعبير بالرخصة يقتضي أن مقابلها عزيمة ، وأن الاذن وقع للعلة المذكورة ، وإذا لم توجد أو ما في معناها لم يحص الإذن )[18] .
غير أن هذه الردود والمناقشات قابلة أيضاً للنقاش ، فأدلة الرأي الأول ليست نصاً في الوجوب كما سبق.
والخلاصة أن المسألة خلافية وفيه خلاف كبير وأن الخلاف فيها ليس بين رأي ضعيف تفرد به أحد الأئمة ، وإنما قال به الحنفية ، والشافعية في أظهر القولين ، وحتى قطع به بعض علمائهم ، والحنابلة في رواية ، لذلك أرى أن لولي الأمر الحق في اختيار ما هو المناسب ، والأصلح في ظل ظروف الزحمة التي تهدد حياة الحجاج وصحتهم وأمنهم . هذا والله أعلم .
ثالثاً : المبيت بمزدلفة : اختلف الفقهاء في حكم المبيت بمزدلفة على أربعة آراء :
1ـ فذهب المالكية إلى أن المبيت بمزدلفة سنة بقدر حط الرحال ، وإنما الواجب هو النزول بها فقط في أي وقت من الليل[19].
قال مالك:(من مرّ بالمزدلفة ماراً ولم ينزل بها فعليه دم،ومن نزل بها،ثم دفع منها بعدما نزل بها وإن كان دفعه منها في وسط الليل،أو أوله،أو آخره وترك الوقوف مع الإمام فقد أجزأه ولا دم عليه) [20].
2 ـ ذهب الشافعية في أصح قوليهم عند بعض علمائهم والحنابلة إلى أنه واجب ، ولكنه يحصل بالحضور في مزدلفة في ساعة من النصف الثاني من ليلة النحر ، وأنه لو دفع من مزدلفة بعد نصف الليل أجزأه وحصل له المبيت ولا دم عليه سواء كان ذلك لعذر ، أم لغيره ، أما لو دفع من مزدلفة قبل منتصف الليل ولو بيسير ولم يعد إليها فقد ترك المبيت ووجب عليه دم إذا لم يكن من عذر مثل من انتهى إلى عرفات ليلة النحر واشتغل بالوقوف بعرفة عن المبيت بالمزدلفة فلا شيء عليه ، وكذلك المرأة لو خافت طروء حيض أو نفاس فبادرت إلى مكة بالطواف ، وكالرعاة والسقاة فلا دم عليهم لترك المبيت[21]، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة خارجين عن منى[22] . وقد استدلوا بالأحاديث الدالة على الترخيص للمعذورين ، حيث تدل على وجوبه على غيرهم [23].
3 ـ ذهب جماعة من التابعين منهم علقمة ، والأسود ، والشعبي والنخعي والبصيري وبعض الشافعية[24] إلى أن المبيت بالمزدلفة فرض أو ركن لا يصح الحج إلاّ به ، واحتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من فاته المبيت بالمزدلفة فقد فاته الحج) وبحديث:(من لم يدرك جمعاً فلا حج له) .
ولكن الحديث الأول ليس بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا معروف كما قال الإمام النووي[25] ، وأما الحديث الثاني فهو زيادة منكرة واهية[26] .
وذهب الشافعية في إحدى الطرق أو في أظهر قوليه[27] ، والأوزاعي إلى أن المبيت بمزدلفة ليلة النحر سنة مؤكدة إلى الفجر وليس بواجب [28].
4 ـ ذهب الحنفية إلى أن الواجب هو الوقوف بها فقط مثل عرفة في أي وقت من الليل[29] دون المبيت الذي هو سنة عندهم وهذا الرأي قريب من رأي المالكية السابق .
قال الكاساني : (وأما ركنه أي (الوقوف بمزدلفة) فكينونته بمزدلفة سواء كان بفعل نفسه ، أو بفعل غيره بأن كان محمولاً وهو نائم أو مغمي عليه ، أو كان على دابة ، لحصوله كائناً بها .. كما في الوقوف بعرفة ، وساء وقف أو مرّ ماراً بها) [30].
وهذا الرأي الأخير يظهر رجحانه ، واحتج له الطحاوي بقوله تعالى : (فاذكروا الله عند المشعر الحرام)[31] وجه الاستدلال أن الله تعالى أمر بالذكر عند المشعر الحرام دون ذكر الوقوف ، ويؤكد ذلك أن الفقهاء أجمعوا على أن من وقف بها بغير ذكر الله أن حجه تام ، فإذا كان الذكر المذكور في الكتاب ليس من صلب الحج فالموطن الذي يكون الذكر فيه أحرى أن لا يكون فرضاً ، قال : واحتجوا بحديث عروة بن مضَرّس بلفظ : (من شهد معنا صلاة الفجر بالمزدلفة وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه) رواه أصحاب السنن وصححه ابن حبان والدارقطني والحاكم [32].
واستدل كذلك بإجماع العلماء على أنه لو بات بها ووقف ونام عن الصلاة فلم يصلها مع الإمام حتى فاتته أن حجه تام [33].
يقول الحافظ ابن حجر ( وقد ارتكب ابن حزم الشطط فزعم أنه من لم يصل صلاة الصبح بمزدلفة مع الإمام أن الحج يفوته ..ولم يعتبر ابن قدامة مخالفته هذه ، فحكى الإجماع على الإجزاء كما حكاه الطحاوي)[34] ويدل على ذلك أن ليلة النحر هي وقت لأداء الركن الأساس أيضاً وهو الوقوف بعرفة .
ويمكن أن يستأنس لعدم فرضية المبيت بالمزدلفة أو وجوبه ( وإنما الواجب هو الوقوف به والذكر فيه) بالأحاديث الدالة على ان الرسول صلى الله عليه وسلم أذن لأناس من بني هاشم بالرحيل من الليل ، ولأُغَيْلِمة بني عبدالمطلب ، ولنسائه وضعفة أهله ـ كما سبق ـ[35] وروى أحمد بإسناد صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رحّل ناساً من بني هاشم بليل …)[36] ورواه الترمذي والطحاوي ، وأحمد بلفظ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة : (يا بني أخي ، يا بني ، يا بني هاشم تعجلوا قبل زحام الناس …)[37] .
يقول الكاساني في الرد على من قال بركنية الوقوف بمزدلفة : (ولنا أن الفرضية لا تثبت إلاّ بدليل مقطوع به ولم يوجد ، لأن المسألة اجتهادية بين أهل الديانة) ثم ذكر بأن دليل عدم الوجوب هو حديث عروة بن المضرس الطائي الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم : (من وقف معنا هذا الوقوف ، وصلى معنا هذه الصلاة (وهي صلاة الصبح) وقد كان وقف قبل ذلك بعرفة ساعة بليل أو نهار فقد تم حجه حيث علق تمام الحج بهذا الوقوف ، والواجب هو الذي يتعلق التمام بوجوده لا الفرض الذي يتعلق به أصل الجواز لا صفة التمام)[38] ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (الحج عرفة من أدرك عرفة فقد أدرك الحج)[39] وأما طواف الإفاضة فقد عرفت فرضيته وركنيته بأدلة أخرى .
ثم قال الكاساني : (ولأن ترك الوقوف بمزدلفة جائز لعذر ـ كما سبق ـ ولو كان فرضاً لما جاز تركه ، فدل أنه ليس بفرض ، بل هو واجب إلاّ أنه قد يسقط وجوبه لعذر من ضعف أو مرض أو حيض ، أو نحو ذلك ، حتى لو تعجل ولم يقف فلا شيء عليه إن كان لعذر ، وإلاّ فعليه دم ، لأنه ترك الواجب من غير عذر)[40].
والحنفية جعلوا الوقوف واجباً ، وهو غير المبيت ، وذلك لأن الوقوف بمزدلفة يحصل بمجرد المرور بها بأي طريقة ممكنة دون الحاجة إلى مضي زمن محدد ، لأن الغرض يتحقق عندهم بمجرد وجوده بمزدلفة ليلة النحر[41].
رابعاً : أحكام الرمي :
المقصود بالرمي هنا هو رمي الحصيات المحددة العدد في الجمرات في زمان مخصوص ، والجمرات ثلاث وهي الجمرة الأولى التي تسمى الصغرى ، أو الدنيا ، لأنها أول جمرة بعد مسجد الخيف بمنى ، والجمرة الثانية وتسمى الوسطى ، وجمرة العقبة التي تسمى أيضاً الجمرة الكبرى التي تقع في آخر منى تجاه مكة ، وهي التي ترمى في يوم النحر فقط ، ويجوز رمي هذه الجمرات من جميع جهاتها[42] . والجمرة هي مجتمع الحصى الذي تحت العمود ، فإذا وقع الحصى في الحوض فقد صح الرمي ، ولا يشترط أن يصطدم بالعمود الشاخص[43] .
الحكم الفقهي :
فقد ذهب جماهير الفقهاء إلى أن رمي الجمار نسك وواجب من واجبات الحج ، وقد ادعى بعض العلماء الاجماع ، قال الكاساني : (إن الأمة أجمعت على وجوبه)[44] ولكن الصحيح هو عدم الاجماع لأن بعض فقهاء المالكية ذهبوا إلى انه سنة مؤكدة ولذلك أسند الحافظ ابن حجر القول بالوجوب إلى الجمهور وقال : إنه عند المالكية سنة مؤكدة [45] وعندهم رواية أنه ركن يبطل الحج بتركه ، وحكى ابن جرير عن عائشة وغيرها أن الرمي إنما شرع حفظاً للتكبير ، فإن تركه وكبر أجزأه[46] . بل روى الحاكم في المستدرك بسنده عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه قال : (إنما جعل رمي الجمار …لاقامة ذكر الله لا لغيره)[47] .
* أوقات الرمي في يوم النحر ، وأيام التشريق :
أولاً : وقت الرمي يوم النحر :
اختلف الفقهاء في ذلك في ذلك على ثلاثة آراء :
الرأي الأول : ذهب الحنفية والمالكية ، وأحمد في رواية وهو قول اسحاق ، وابن المنذر[48] إلى أن وقت الرمي لجمرة العقبة يوم النحر يبدأ من طلوع الفجر ، ولكن على التفصيل الآتي :
1 ـ من بعد طلوع الفجر من يوم النحر إلى طلوع الشمس وقت الجواز مع الكراهة (أو الاساءة) (لغير الضعفة ومرافقيهم) .
2 ـ وما بعد طلوع الشمس إلى الزوال وقت مسنون .
3 ـ وما بعد الزوال إلى الغروب وقت الجواز بلا كراهة .
4 ـ وما بعد الغروب طوال الليل وقت الجواز مع الكراهة (الاساءة) عند الحنفية فقط ، وعند غيرهم لا كراهة في رميها ليلاً [49] ما عدا المالكية .
5 ـ الذين قالوا إن وقت الرمي يوم النحر ينتهي بغروب الشمس ، فإذا رمى بعده فيكون قضاءً يجب فيه الدم [50].
الرأي الثاني : ذهب الشافعية والحنابلة في الرواية الراجحة قال المرداوي وهو الصحيح في المذهب مطلقاً وقول أكثر الأصحاب وعطاء ، وابن أبي ليلى ، وعكرمة إلى أن وقت جواز الرمي يبدأ يوم النحر إذا انتصفت ليلته لمن وقف بعرفة قبله ، وقالوا : هذا الوقت على ثلاثة أنواع :
1 ـ وقت الفضيلة من منتصف الليل إلى الزوال .
2 ـ ووقت اختيار من الزوال إلى الغروب .
3 ـ ووقت جواز إلى آخر أيام التشريق[51] .
الرأي الثالث : ذهب مجاهد والنخعي والثوري ، وابن حزم إلى عدم جواز الرمي قبل طلوع الشمس[52] حيث استدلوا بحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في الثقل ، وقال : (لا ترموا الجمرة حتى تصبحوا)[53] .
واستدلوا كذلك بحديث ابن عباس أنه قال : كان رسول صلى الله عليه وسلم يقدم ضعفاء أهله بغلس ، ويأمرهم ، يعني لا يرمون الجمرة ـ حتى تطلع الشمس )[54] ولفظ الترمذي : (لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس) وقال : (حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم ..ورخص بعض أهل العلم في أن يرموا بليل)[55] .
واستدل الفريق الأول بما رواه البخاري عن سالم قال : (وكان عبدالله بن عمر رضي الله عنهما يقدم ضعفة أهله …فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك ، فإذا قدموا رموا الجمرة ، وكان ابن عمر يقول : أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم[56] ، والحديث يدل على أن وقت الرمي يبدأ مع طلوع الفجر ، وهؤلاء الفقهاء جمعوا بين هذا الحديث والأحاديث الدالة على الرمي في الليل بأن الأمر في هذا الحديث للندب ، حيث يؤيده ما أخرجه الطحاوي من طريق شعبة مولى ابن عباس عنه قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله وأمرني أن أرمي الأمرني أن أرمي مع الفجر)[57] .
وبما رواه البخاري ومسلم في حديث عبدالله مولى أسماء ، وفيه أنها ارتحلت من المزدلفة بعد غياب القمر : (فارتحلنا ومضينا ، حتى رمت الجمرة ، ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها ، قلت لها : يا هنتاه ، ما أرانا إلاّ قد غلّسنا ، قالت : يا بني ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظّعن)[58] يقول الحافظ ابن حجر : (واستدل بهذا الحديث على جواز الرمي قبل طلوع الشمس عند من خص التعجيل بالضعفة وعند من لم يخص)[59] .
ومن الفقهاء من خصّ جواز الرمي بعد منتصف الليل بالضعفة[60] ، ولكن الأدلة السابقة تدل على أن وقت الرمي يبدأ بعد الفجر ، أو بعد غياب القمر ، والله أعلم .
واستدل الشافعية والحنابلة بما يأتي :
1ـ حديث عائشة رضي عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل بأم سلمة ليلة النحر ، فرمت قبل الفجر ، ثم مضت ، فأفاضت) وهو حديث صححه الكثيرون[61] .