أيها الإخوة المؤمنون
إذا تدبرنا آيات القرآن الكريم، وقرأنها بتأنٍ وإمعان وتدبر لوجدنا أن كلمة خطيرة تتكرر في هذه الآيات كثيراً، و يرتبط بها مصير الأمم من الفلاح والنجاح، أو الهلاك والدمار، تتكرر هذه الكلمة أكثر من الصلاة والصيام.
جعل الله تعالى هذه الكلمة مرجعية لكل الشرور والآثام، حتى اعتبرها الله تعالى مرجعية للكفر والشرك، هي إذا وجدت وعمت آثارها فإن نتائجها لا تختص بالمتصف بها فحسب، بل تشمل الأمة جميعها، تلكم الكلمة هي " الظلم" ، فقد تكررت هذه الكلمة ومشتقاتها في القرآن الكريم أكثر من 300 مرة، بجميع الأنواع والأشكال.
أنواع الظلم:
أولاً: الشرك: وفيه:
- ظلم الإنسان لنفسه بأن يشرك مع الله تعالى غيره في العبودية، وهذا أكبر أنواع الظلم وأشنعها، قال تعالى: { إن الشرك لظلم عظيم } ، وفي الشرك نوعان من الظلم، وهما :
- ظلم الإنسان لربه؛ حيث يتخذ الإنسان مع الله شركاء لا تستحق العزة ولا التكريم، لأن الله تعالى وحده المتفضل على الإنسان المستحق للعبادة.
- ظلم الإنسان لنفسه؛ وقد خلقه الله عزيزاً مكرماً، وفضله على جميع المخلوقات، فيظلم نفسه حين يذل أو يخضع أو يسجد لمن دونه في التكريم والفضل.
ثانياً: ظلم في الأموال، ويكون بـــــــ:
- أكل أموال الناس بالباطل، وهضمهم حقوقهم، وهذا أكثر ما يكون في العمال والأجراء والخدم، من الذين لا يجدون سبيلاً للدفاع عن أنفسهم، أو لا يملكون وسيلة لاسترداد حقوقهم.
- بخس الناس أشياءهم، والتلاعب في الكيل والوزن.
ثالثاً: ظلم في الأعراض، ويكون بـــــــ:
- إما الاعتداء على أعراض الآخرين، وانتهاك حرماتهم.
- وإما بالطعن في أنسابهم وقذف المحصنين والمحصنات.
رابعاً: ظلم في الجاه، وهذا يكون بأن يتخذ المرء جاهه وسلطانه وسيلة للارتقاء في مناصب لا يستحقها، أو يستخدم جاهه ونفوذه لجعل الحق باطلاً والباطل حقاً.
فكل ما فيه من هضم للحق، وكل شيء فيه تجاوز للحد، وكل ما يخالف العدل ظلم، ولو كانت شطر كلمة، وهو الظلم الذي حرمه الله تعالى على نفسه أولاً، ثم جعله بين عباده محرماً، فقد ثبت في الحديث القدسي الصحيح " يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا ".
والآيات القرآنية تدل على أن الظلم حرام بجميع أنواعه وأشكاله، فلا يجوز إيقاعه بإنسان بغض النظر عن دينه ومعتقده، ولا لحيوان ولا للبيئة وهذا الكون، ومن ارتكب ظلماً بحق أي كائن يستحق عقوبة الله تعالى التي وردت في كثير من الأحاديث أن الله تعالى سيكون خصمه وحجيجه يوم القيامة، ومن كان الله خصمه فقد خصِمه.
نتائج الظلم:
- ورد في الحديث الثابت عند الإمام أحمد { اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً، فإنه ليس دونها حجاب } فدعوة المظلوم مستجابة ولو كان كافراً، ولو كان فاجراً فإنما فجوره على نفسه.
- الظلم ظلمات يوم القيامة، ومن تراكمت أمامه الظلمات يوم القيامة كيف ينجو؟.
- إن الله تعالى يعجل بالعقوبة في الدنيا قبل الآخرة إذا شاء، أما عقوبة الآخرة فهي في وعد الله الذي لا يُخلَف، قال تعالى: { وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ } وهذا الوعد لن يتخلف.
- إن الظلم إذا وقع في بعض أفراد الأمة، فإن الله تعالى يعم الأمة جميعها بالعذاب، ثم يحشر كل واحد حسب نيته، ويؤجر من لم يظلم على هذه الفتنة، قال تعالى: { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }.
وما يصيب العالم كله اليوم من عقوبات وفتن ما هي إلا بسبب الظلم الكبير الذي يحدث في العالم، فالجميع تشمله العقوبات الدنيوية.
وقد أثبتت التجارب والتاريخ أن الظالم لا يسلم من سنة الله تعالى، التي لا تبديل لها ولا تحويل ولا تغيير، فسنته تعالى ماضية وقاضية بإسراع الهلاك لمن ظلم أو رضي به { هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ }.
وقد ذكر ابن خلدون في كتابه المقدمة فصلا تحت عنوان " الظلم مؤذن بخراب العمران" بناءً على التجارب والتاريخ.
عالمنا اليوم مشحون بظلم كبير، خاصة من الدول المحتلة، ثم الظلم الداخلي الذي يشترك فيه الجميع، المسلمون وغيرهم.
علاج الظلم
وجه الرسول صلى الله عليه وسلم الأمة جميعاً أفراداً وحكومات وشعوباً إلى منع الظلم، في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: { انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَصَرْتُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِمًا قَالَ تَكُفُّهُ عَنْ الظُّلْمِ فَذَاكَ نَصْرُكَ إِيَّاهُ }.
ومن لم يمنع الظلم بأي وسيلة يستطيع فهو من الظالمين أنفسهم، إذ المسؤولية مشتركة، وقد ورد في الحديث الذي شبه فيه النبي صلى الله عليه وسلم مسيرة الحياة بالسفينة، بيان المسؤولية المشتركة، { مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا }.
ومن لم يملك وسائل منع حدوث الظلم فعليه أن يبتعد عن الظالمين، وأن لا يرضى بفعلهم، ولا يؤيدهم، ويركن إليهم حتى يسلم من العذاب { وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ } من نجا من عقوبة الدنيا فإن عذاب الآخرة أشد إيلاماً.
خاتمة:
مسألة الظلم ليست فردية بل جماعية يشترك فيها الجميع، والكل مطالب بمنع الظلم حتى لا تحل العقوبة بكل الأمة، و لا يقتصر الظلم على ما ذكرناه من الأنواع، بل هو أعم من ذلك، فالإهانة ظلم، والتحقير ظلم، ومناداة الآخرين بما يكرهون ظلم، ولا حجة لنا في الإساءة إلى غير المسلمين بذريعة عقيدتهم، فهو أيضاً ظلم.
علينا أن نحمي أنفسنا، ونبتعد عن جميع أنواع الظلم حتى نكون في مأمن من فتنة تعم الأمة جميعاً.
الخطبة الثانية:
لا ينبغي لنا أن نخاف من التهديدات والإنذارات والإعلانات التي تصدر من بعض الدول المستكبرة، هذا لن يخيفنا لأن الله تعالى معنا، ولكن هل نحن مع الله، فإذا كنا مع الله اطمأنت قلوبنا، وطابت أنفسنا بوعد الله تعالى { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ }. إن إعلاناتهم ما هي إلا إيذان بنهايتهم، وهي بداية النهاية لهم.
علينا أن لا نسكت على الظلم، وعلى المسلمين جميعاً أن يتكاتفوا ويتعاونوا بالتي هي أحسن من أجل منع الظلم في أي بقعة من بقاع العالم الإسلامي، حتى لا تشملنا الفتن.