بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة المؤمنون
اذا نظرنا الى تاريخنا الاسلامي من عصر الرسالة الى يومنا هذا لوجدنا أن أخطر فتنة هددت هذه الامة الاسلامية هي فتنة الفرقة والخلاف، وترتبت على هذه الفرقة آثار خطيرة على مر تاريخنا الاسلامي، بدءاً من عصر سيدنا عثمان رضي الله عنه حينما خالفه البعض، ودبروا مؤامرة من خلال تدبير اليهود، فأدت هذه المؤامرة وبأيد إسلامية الى استشهاد سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه.
ثم جاء بعده أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه، وخالفه معاوية وترتبت على هذه المخالفة فتنة عظمى كبيرة لم تنتهي الى يومنا هذا، والله اعلم أنها لا تنتهي الى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وجاءت بعدها فتنن الى أن وصلت الى هدم الكعبة المشرفة بأيد المسلمين بالمنجنيق أيام الحجاج بن يوسف الثقفي، واستباحة المدينة من الانصار والمهاجرين ثلاثة أيام مظلمة في هذه الفترة.
وظلت الفرقة تتنهك وتأكل من جدار هذه الأمة بين حين وآخر، وكلما نهضت الامة و قويت بعثت بهذه الفرقة من خلال قضايا الخلاف والفرقة حتى لا تبقى هذه الامة موحدة.
ولخطورة هذه الفرقة والخلاف كما نشاهدها ومما شاهدناها حتى في عصرنا الحاضر بين المسلمين والاسلاميين الى فرق وجماعات واحزاب ، سمى الله سبحانه وتعالى هذه الفرقة بالكفر في آيات كثيرة منها قوله سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ)، وبإجماع المفسرين المقصود بالكافرين هنا “المتفرقين” أي يردوكوم بعد وحدتكم بالايمان الى متفرقين، والى شيع مختلفة، وأحزاب مختلفة، وجماعات متنوعة مختلفة.
ونزلت هذه الآية حينما حاول بعض اليهود إثارة الفتنة بين الاوس والخزرج بما كان لديهم من مشاكل في السابق، وقد كاد البعض أن يهم بقتل البعض، فوصل الأمر الى الرسول صلى الله عليه وسلم ففزع وذهب فورا اليهم، وقال أبدعوى الجاهلية تدعون وأنا بين أظهركم.
والرسول عالج الخلاف فورا، وإلا فستظهر الفتنة مرة أخرى، ونزلت هذه الاية والتي تدل على أن المتسببين في تفريق المسلمين هم في الغالب من اليهود والنصارى، ومن اتباعهم وأولياءهم، وهؤلاء الذين لا يريدون للاسلام والمسلمين الخير، ويستطيع هؤلاء من خلال شعارهم المعروف فرق تسد يستطيعون أن يصبحوا سادة هذه الامة وقادتها وليس لهم ذلك الا من خلال الفرقة والنزاع.
بين الله سبحانه وتعالى بعد هذه الاية مباشرة تعجبا غريبا من هؤلاء الذين يختلفون والكتاب والسنة بين أيديهم (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي كيف تتفرقون، والكفر هنا كفر النعمة، والوحدة من أعظم النعم بعد نعمة الايمان بالله سبحانه وتعالى.
والرسول صلى الله عليه وسلم سمى كذلك الفرقة بهذا المعنى كفراً في حديثه الجامع وفي وصيته الجامعة في يوم الحج الأكبر في عرفة وفي وصيته الأخيرة فقال: (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)
لذلك ركز الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته لمدة 23 سنة بعد التركيز على عقيدة الايمان والتوحيد ، ركز على توحيد المسلمين، وصهرهم في بوتقة الاسلام، وجعلهم إخوة في الله سبحانه وتعالى وإبعاد العصبية والجاهلية والعنصرية القومية والعصبية القبلية التي كانت ثقافة عند العرب في الجاهلية وكانت مغروسة في النفوس على أساس الفخر بالانساب وعلى أساس العصبية الجاهلية، ولأن هذه العصبيات وهذه العنصريات هي التي تفرق الأمة على مر التاريخ ولذلك ركز عليها الرسول تركيزا شديدا حتى يصبحوا اخوة في الله.
وفي سبيل ذلك ألغيت الكثير مما يترتب عليه من الحقوق حتى الميراث التي لم تكن على أساس القرابة الا أن استقر الامور في المدينة، ونزلت أيات المواريث في سورة النساء وكانت التوارث قبل ذلك على اساس العقيدة والاخوة في الله، وكانت هذه الاخوة بمثابة الاخوة الاساسية التي تسمو وتعلو على اخوة النسب والعشيرة والقبيلة والقومية ( إنما المؤمنون إخوة) ثم تأخا بين المهاجرين والانصار واصبح كل واحد أخا للأخر وآثر الانصار على أنفسهم (وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
هعلما أن هذه التربية لا يلغي القبيلة والعشيرة والقرمية، وانما ينظمهم في دائرة ايجابية بعيدة عن العصبية والفخر بالانساب، وانما للتعارف والمحبة والتواصل وصلة الرحم وغير ذلك، وأما ما يدعو الى التفرقة والعنصرية فدعها لأن الرسول صلى الله علي وسلم قال (دعها فإنها منتنة) ولم يقل الرسول أنها نتنة، لأن للعصبية رائحة كريهة لا يضرك فقط وانما تصل الى الآخرين، فحينما أنت تدعي القبلية أو العصبية فغيرك يتأثر بذلك وهكذا هو ايضا يدعي بالعصبية، وبالتالي تتفرق الامة الى فرق، وهذا ما حذرنا الله سبحانه وتعالى منه أشد تحذير حتى سماه كما قلنا بالكفر وليس هناك أعظم من هذا الا الكفر بوحدانية الله، وحتى تكون الامة موحدة في الله وموحدة في نفسها على اساس الكتاب والسنة.
وفي عصورنا الحالية لم يستطيع الاستعمار أن يضعف الدول الاسلامية الا من خلال هذه الثغرة ، وحتى في فترة الخلافة العثمانية التى كانت جامعة للامة الاسلامية، ومهما كانت لها أو عليها، لم تسطيع الدول المستعمرة من أن يقضي على هذه الدولة الا من خلال القومية الطورانية من عندهم وبعدها بالقومية العربية والتي كانتا اساسيتان للامة الاسلامية.
واليوم في ظل هذه الصحوة المباركة التي نشاهدها ونراها نرى ان هناك بذورا للفرقة والخلاف، هذه المرة ليست على أساس القومية ولا القبلية وانما من خلال الطائفية، وحتى داخل السنة نفسها فهناك السلفية الجهادية والسلفية العلمية أو المدخلية وكذلك الاخوان المسلمين وغير ذلك، فهذه الاسماء مشروعة بشرط اذا كانت لأجل خدمة الناس وتجميعهم، اما اذا كانت تتخذ وسيلة للتفرقة بين الناس وضرب رقاب الناس فكيف تكون مشروعة؟ كما في باكستان هناك جيشان هذا جيش الصحابة وهذا جيش محمد ومن ثم يتقاتلان، انظر الى هذه المفارقة العجيبة وهذه التسميات الغريبة، فكيف يرضى السلف وهو يقرأ القران وهو يسمي الفرقة كفرا، كيف يختلف على اساس السلفية، وكيف يرضى الاخوان والذين يدعون ان المسلمين جميعهم أخوة كما في سورة آل عمران وأخذوا اسمهم منها وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)، فكيف تكون هذه الاخوة سببا للتفرقة بين الناس؟
أيها الاخوة لا يمكن تطبيق الاسلام بين عشية او ضحاها، وخاصة فعل ما فعل العلمانية في تونس، فقد غرس فيه جذور العلمانية والثقافة الغربية والفرنسية الشديدة، وهذا عمر رضي الله عنه في عصره، ولم يكن هناك علمانيون ولا معارضون للشريعة، حينما جاءت أيام المجاعة رفعت حد السرقة وقال كيف أقيم حد السرقة وأنا لم أوفي للناس حاجياتهم وأساسياتهم.
نسبة الفقر في تونس 30% فكيف تسطيع تطبيق شرع الله مرة واحدة، وإنما علينا أن نتخذ خطوات، وكذا في مصر، فقد عان المصريون ايضا عصورا من الاحتلال والمشاكل والان نسبة الفقر فيها 50% فكيف تسطيع بحرة القلم وفي يوم واحد تطبيق الشريعة بأحكامهما وحدودها، بل إن تطبيق الشريعة الصحيحة في هذه البلاد هي بتوفير حاجياتهم، وبالتنمية الشاملة والاستقرار والقضاء العادل، والناس مسلمون ولا يقبلون بغير الاسلام شرعة. وهذه الدول الغربية التي كانت في فقر مدقع وظلام دامس وحروب لم تتقدم الا في ظل الاستقرار .
ونتساءل نحن اي اسلام يريد هؤلاء، فإذا كان جواب الاسلام الذي نزل من عند الله دون تفرقة بين هذا او ذاك، اذاً لا يجوز أن يحصر الاسلام في دائرة الاجتهاد لفئة معينة مهما كانت هذه الفئة، وانما يرجع الى علماء الامة والراسخون في العلم هم الذين يستطيعون ان يرجحوا الاراء الصحيحة، وأن يبينوا التدرج المطلوب، واذا لم نستوعب هذه المسألة ولم نتداركها فإنه عدنا مرة أخرى – حتى لو انتصرنا في الربيع العربي – الى الحروب الداخلية بين المسلمين وفتنة كبرى نسأله الله تعالى العافية والسلامة .
الخطبة الثانية
حينما بدأت الصحوة الاسلامية منذ ثلاثة عقود أو أكثر، وكان الامل كبيرا ولا يزال هذا الامل موجودا ان شاء الله، أن تجمع هذه الصحوة الاسلامية على اساس الاسلام وهو الجامع وهو الدين الذي أعزنا الله به ومهما طلبنا العزة في غير الاسلام أذلنا الله.
فكاد الاعداء لنا من الصهاينة والمسيحيين المتصهينين وذلك لقابلية الامة للاستعمار وللتفرقة، ورغم أن كل شئ في الاسلام يدعو الى الوحدة، وليس هذا عند الغرب الا مصالحهم، فهي التي تجمعهم، وان يصلوا الى ما وصلوا اليه، ولولا هذه الوحدة الاوروبية لسقطت دول منها اليونان واسبانيا وايطاليا في ظل الازمة العالمية.
نحن الملسمين اولى بهذه الوحدة، ولكن مع الاسف دخلت المشاكل من خلال هذه الجماعات المتطرفة، فقد سقط افغانستان بسبب هذه الجماعات، وانجرى بعدها العراق في هذه التفرقة، والان جاء دور مالي فظهر جماعة مسلحة بتصليح مصنوع من الغرب لإيثارتهم، ولكي لا يدع مجالا للدعوة التي ظهرت في هذه الدولة المسلمة ان تستمر، ودخلت البلاد في فوضى هدامة، ونحن في الاتحاد ناشدنا وارسلنا وفدا لهؤلاء الشباب ان يتعاملوا بالفطنة والحكمة مع هذه المسألة لأن الحرب لا ينفع وخاصة في هذه الظروف الحالية فما الذي يستطيع ان يعمله مجموعة قليلة.
وانظروا الى ازدواجية الامم المتحدة فقد صدر قرار من الامم المتحدة من خلال اسابيع بتهيئة الجيوش في ظل راية الامم المتحدة وتحت بند الفصل السابع.
اما لسوريا والتي تدمر وتدك بالقنابل المحرمة الدولية والبراميل التي صنعتها دولة اقليمية مما ادى الى مقتل الاف وتشريد الملايين وامام مسمع ومرأى العالم فلم يتحرك الام المتحدة رغم الدعوات الكثيرة، بل بالعكس مازال يمهد وكل مرة باسم مفاوض عنان او الأخضر وغير هم .
ونحن ننشاهد في هذا المكان المعارضة السورية ولاسيما في هذا البلد الطيب الذي جمعتهم، نناشد المعارضة السورية في الله والانسانية والشعب السوري واعراض السوريات، ان يتقوا الله سبحانه وتعالى وأن يتحدوا ولا يختلفوا لا قوميا ولا مذهبيا ولا فكريا، فهم شعب واحد بكل أطيافة من المسلمين وغير المسلمين، عربا وأكرادا، وسنة وشيعة، ويجب أن يتحدوا في القضاء على هذا الظالم الذي لا يعرف الرحم ولا الرحمة بالناس وانما يريد أن يبقى وحده ويبقى نظامه وشبيحته.
فوالله لو اتحد المعارضة لنصرهم الله تعالى وهناك انتصارات كبيرة داخل سوريا واخذوا اماكن استراتيجية والمجاهدون يتقدمون لذا لا يجوز للمعارضة في الخارج أن تختلف ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) .