تمهيد:
من مشكاة القرآن الكريم
قال الله تعالى :
عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم _لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين _ إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ( سورة الممتحنة الآية 7 ـ 9)
وقال الله تعالى :
قل من يرزقكم من السموات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين _ قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون ( سورة سبأ الآية 24 ـ 25)
و قال الله تعالى :
قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لانعبد إلاّ الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ( سورة آل عمران الآية 64)
وقال الله تعالى :ش
) قل يا أيها الكافرون _لا أعبد ما تعبدون _ ولا أنتم عابدون ما أعبد _ ولا أنا عبد ما عبدتم _ ولا أنتم عابدون ما أعبد _ لكم دينكم ولي دين ( سورة الكافرون
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد ، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين …..
وبعد
فإذا نظرنا إلى تأريخنا الحديث نجد أنه لا تمر فترة من الزمن إلاّ وقد وجهت إلى الإسلام مجموعة من التهم والافتراءات ، وصوّب نحوه كثير من الشبهات ، فمن شبهات نحو السنة المشرفة إلى شبهات نحو التشريع الإسلامي والأحكام التي تخص المرأة ، والأسرة ، والحدود والعقوبات ، ولكن الشبهات في الأونة الأخيرة تركزت حول علاقة المسلم بالآخر ، حيث يراد تشويه صورة الإسلام في سماحته وعدله ويسره وتعامله الأخلاقي الرائع مع غير المسلمين ، حتى إنه يراد من هذه الحملة الشرسة ـ التي وراءها الصهاينة واليمين المسيحي المتصهين المتطرف وبعض المستشرقين ـ النيل من إسلام الرحمة ، وإسلام الخير ، وإسلام كرامة الإنسان ليصور الإسلام على انه دين متوحش ليس فيه الرحمة ولا يعرف التعايش مع الغير ، وإنما هو عبارة عن سيف صارم مسلط على أعناق الناس .
وقد ساعدهم على ذلك تصرفات بعض المتشددين من المسلمين أو المخترقين لبعض الجماعات الإسلامية الذين قدموا من خلال سلوكياتهم صوراً غير حضارية بل صوراً غير مقبولة لدى الإسلام نفسه .
ومن جانب آخر فإن هذه العلاقات التي اهتزت في معظمها خلال القرون الأخيرة وشابها كثير من التنظير والتأصيل والتأطير يرى في أكثرها الإفراط أو التفريط ، أو التبسيط والتعقيد ، أو المبالغة والتهميش ، وبعبارة دقيقة أثرت فيها العواطف والأهواء ، وتغيرت حسب الأحوال والأجواء ، والقوة والضعف ، والعقيدة والطبع ، واختلطت فيها الثوابت مع المتغيرات ، والأصول مع الفروع ، والنصوص مع التقاليد والأعراف وطبائع الشعوب .
لذلك أرى من الضروري التركيز على هذه العلاقات من خلال بيان قواعدها العامة دون الخوض في التفصيلات إلاّ بقدر ما هو ضروري وتحتاج إليه الفروع والجزئيات، حيث إن عدم تنظيم هذه العلاقات وإعطاء حقها يؤدي إلى الفوضى في التفكير والعمل ، والخلل في فقه الميزان والموازنات .
ولذلك تصدى مجمع الفقه الإسلامي الدولي لبحث هذا الموضوع لدراسته وتأصيله وتقديمه إلى العالم أجمع ، ليبين للناس جميعاً الصورة الناصعة الجميلة للإسلام من خلال الكتاب الكريم وسيرة النبي العظيم r وخلفائه الراشدين ، وما سطرته أقلام الفقهاء المجتهدين على مرّ العصور في حالة الحرب وحالة السلم على السواء .
ونحن إذ نكتب عن هذا الموضوع استجابة لطلب الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي ـ حفظه الله ورعاه ـ نتحدث بالتأصيل والتفصيل عن ثمانية محاور رئيسية وهي:
-
الطريق إلى الآخر يمرّ بالذات
-
المفارقة ضرورية بين الأنا والآخر
-
صورة الآخر المختلفة (التباين والتعصب)
-
صورة الإسلام ، والعرب في الإنتاج الفكري ، والإعلام والسينما
-
صراع الحضارات في نظر الغرب
-
علاقة المسلمين بالآخر (تأصيل وتطبيق)
-
أنواع المخاوف البارزة لدى الغرب من الإسلام والمسلمين
-
موقف الإسلام من الصراع والصدام
وسيكون منهجنا قائماً على التركيز على المبادئ العامة التي تحكم هذه المحاور دون الخوض في التفاصيل والجزئيات إلاّ بالقدر الذي يقدم هذه المبادئ ويوضحها ويؤصلها .
وفي الختام أتضرع إلى الله تعالى أن يكسو عملي هذا ثوب الاخلاص ويجعله سبباً لخلاصي ، ويجمله بحلة القبول ، فهو سبحانه خير مسؤول وأكرم مأمول ، وانه مولاي وحسبي فنعم المولى ونعم الوكيل .