أيها الاخوة المؤمنون لقد تحدثنا في الخطب السابقة عن صفات عباد الرحمن وشرحنا بايجاز ثلاث صفات لهم وأولى هذه الصفات هي الالتزام بالقيم السلوكية السامية الراقية والصفة الثانية الالتزام بالصفات الأخلاقية السامية الراقية في سياق التحدث والتخاطب << وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما>> والصفة الثالثة التي تحدثنا عنها أيضا صفة نية العبادة المتواصلة وعدم ترك قيام الليل << والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما>>
واليوم ان شاء الله تعالى سنتحدث عن صفتين اخريين من صفات عباد الرحمن والصفة الأولى هي الخوف الشديد من الله سبحانه وتعالى والمتمثل في الخوف من عذابه والسعي كذلك لرضائه حيث يقول سبحانه وتعالى<< وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما والذين يقولون ربنا أصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما إنها ساءت مستقرا ومقاما والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا وولم يقتروا وكان بين ذلك قواما>> والصفة الرابعة هي هذا الدعاء المستمر والذي يأتي من الخوف الشديد مما يقوله سبحانه وتعالى ولذلك يعتبر الإيمان باليوم الآخر بعذابه ونعيمه من أهم أنواع الإيمان بعد الإيمان بالله سبحانه وتعالى لأنه هو المانع للإنسان وهو قادر من أن يرتكب المنكرات والمظالم والمعاصي لأنه يعلم مهما كانت له القدرة ومهما كانت له السلطة والجبروت فإنه سيموت وعندها سيلقى الله سبحانه وتعالى ويحاسب على ما اقترف فالمؤمن حينما يتذكر النار وعذابها ووعيد الله بها لمن خالف واقترف من المعاصي فيتراجع ويعرض عن ارتكاب المعاصي خوفا من النار وعذابها.
ومن هنا جاءت هذه الآية الكريمة بعد أمرين أساسيين << والذين يقولون ربنا أصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما>> جاءت بعد ثلاث صفات أساسية وهي السلوكيات الفعلية والسلوكيات القولية وهذا في حق الانسان مع الانسان ثم الثالثة وهي حسن التعامل مع الله في قوله << والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما>>.
ومهما يكن فقد كنا سابقا مبهورين بما لدى الغرب من قيم في حقوق الانسان واحترام الوقت والمواعيد وحتى حقوق الحيوان والنبات (المحافظة على البيئة) ولكن هذه الاشياء غير مستمرة بدليل أن هؤلاء عندما يكون الطرف المقابل غير أروبي وغير مواطن تتغير هذه القيم فيصبحون عنصريين أنظر الى فرنسا اليوم كيف يتعاملون مع المهاجرين مسلمين وغير المسلمين وكذلك انظر الى ألمانيا وكيف تتحدث مستشارتها أن الثقافة الألمانية هي ثقافة مسيحية يهودية وهذا غير صحيح لأن الالمان هم من قاموا بما عرف بمذابح الهلكوست ضد اليهود أنفسهم ابان الحرب العالمية الثانية وكذلك ما فعلته أمريكا في العراق في سجن أبو غريب وكذلك في معتقل غوانتنامو. وهذا كله نتيجة لأنهم لا يخافون اليوم الآخر ولا يخافون لقاء الله سبحانه وتعالى ولذلك فحسن التعامل مع الناس قولا وفعلا وحسن التعامل مع الله لا يمكن أن يأتي الا من خلال الإيمان باليوم الآخر والخوف من النار والرغبة في دخول الجنة ولذلك القرآن الكريم ركز على الإيمان باليوم الآخر لأن الدنيا فيها مظالم وكم من ظالم فارق الدنيا دون أن يقتص منه وكم من مضلوم كذلك غادر دون أن يقتص اليه ولذلك لا يمكن أن تكون هناك عدالة حقيقية الا من خلال الإيمان باليوم الآخر لان هذا الإيمان وحده هو الذي يضمن استمراية القيم وثباتها وبدونه تتحول القيم الى تعاملات مؤقتة مرتبطة بالمصالح فقد يكون تعاملك معي جيدا واخلاقيا لأنه لديك مصلحة معي وحين انتهاء هذه المصلحة يتغير هذا التعامل بشكل كامل.
وهنا أيها الاخوة الأحبة يخرج من مواصفات عباد الرحمن حتى من المؤمنين الذين يتعاملون حسب المصالح فإذا كانت مصلحته معك تعامل lعك تعاملا حسنا واذا غير ذلك كانت له تعاملات أخرى مغايرة وهذا بطبيعة الحال ليس من عباد الرحمن
والاصل ألا يرتبط تعاملات عباد الرحمن مع أي مصلحة الا مصلحة اجتناب عذاب الله في الآخرة والفوز بجنته وعبادة الله كأنهم يرونه وان لم يكن يرونهم فهو يراهم وهذه مرتبة الاحسان وهي المرتبة الثالثة فالأولى الإيمان والثانية الاسلام والثالثة الاحسان,
ثم بعد ذلك عادت الآية من جديد الى الجانب العملي << والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما>> فإيمانك بالله وايمانك باليوم الىخر وقيامك الليل مرتبط بالسابق من خلال الأخلاقيات والسلوك ومرتبطة باللاحق من خلال تعاملك مع المال وقد فسر علماؤنا هذه الأية باربع تفسيرات منها التفسير الأول وهو إذا أنفقوا لم يسرفوا أي لم يعصوا الله في أي شيئ أما التفسير الثاني فقد قال لم يسرفوا أي لم يمنعوا حقوق الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من أعطى دون حق فقد أسرف ومن منع حقا فقد قتر”.
الخطبة الثانية:
أيها الاخوة الأحبة حينما تخلت الأمة في معظمها عن هذه المواصفات ضعفت هذه الأمة من داخلها لأن الأمة القوية هي الأمة المتماسكة الأمة التي هي كالجسد الواحد
ومن هنا تداعت علينا هذه الأمم وفرضت علينا ما تريد من قيمهم التي لا تمت لديننا بأي صلة ثم لم يكتفوا بذلك بل قاموا بغرس هذا الكيان الصهيوني في قلب الامة في فلسطين لتفعل فيها ما تفعل من تهويد واستيلاء على الاراضي واخراج أهلها منها وفي المقابل تأخذ المحفزات والهدايا والجوائزعلى كل ما تقوم به في حق أرضنا وأهلنا في فلسطين وفي مقدمتها القدس الشريف وىخر ما طلع بع علينا هذا الكيان الغاصب لو فعله أحدى الدول العربية أو الاسلامية لقامت الدنيا ولم تقعد ولكن اسرائيل فلا بأس من ذلك لقد أقر “الكنيست ” الصهيوني قانونا حول القدس الشريف والجولان السورية المحتلة سنة 1967 يقضي بأن لا يتم الانسحاب من هذه الاراضي المحتلة الا بعد موافقة ثلثي أعضاء الكنيست ثم بعد ذلك يتم تمريره الى الاستفتاء العام ليوافق على ما وافق عليه الكنيست أو لا يوافق وبهذا القانون الجديد يصبح الخروج من هذه المواقع مستحيلا وهنا علينا أن نسأل الفئة التي لطالما ولا زالت تراهن على المفاوظات لاسترجاع الارض المحتلة ماذا هم فاعلون الآن؟