يقتضي تحرير محل النزاع أن نبيّن ما يلي :


 


أولاً ـ لا خلاف بين المعاصرين ـ حسب علمي ـ في أن الأسهم المعدة للتجارة تجب فيها الزكاة حسب قيمتها السوقية ، وبالتالي فإذا باع أسهمه في أثناء الحول ضم ثمنها إلى ماله وزكاه معه عند حوله .


 


ثانياً ـ أن الخلاف المكذور فيما إذا كان الفرد هو الذي يقوم بدفع زكاة أسهمه ، أما إذا صدر قرار من الدولة الإسلامية بتبني أي رأي من الآراء المعتبرة السالفة ، فإن قرارها يحسم الخلاف ، ويكون واجب التنفيذ .


 


ثالثاً ـ أن الشركة إنما تدفع زكاة أموالها في الحالات الأربع الآتية .


1.   صدور قانون أو قرار من الدولة الإسلامية بإلزام الشركة دفع زكاة أموالها .


2.   وجود نص في النظام الأساس ، أو العقد التأسيسي ، أو نشرة الاصدار للشركة على أنها هي التي تدفع زكاة أموالها .


3.   صدور قرار من الجمعية العمومية للشركة بدفع زكاة أموالها .


4.   توكيل المساهمين وإدارة الشركة بدفع زكاتها .


 ومستند هذا الاتجاه الأخذ بمبدأ ” الخلطة ” الوارد في السنة النبوية بشأن زكاة الأنعام ، فعمّ في غيرها .


  وفي حالة ما إذا أخرجت الشركة زكاة أموالها ، فإن ذلك يحتاج إلى دليل مفصل يتناول جميع بنود الميزانية ، وهذا ما فعلته الهيئة الشرعية العالمية للزكاة في ندواتها الأخيرة من الندوة العاشرة إلى الآن ، حيث إنها لا زالت تناقش دليل الارشادات المحاسبية ، زكاة الشركات ، ولكن صدر معيار المحاسبة رقم (9) الخاص بالزكاة نذكر أهم ما فيه في القسم الثاني بإذن الله تعالى .


  غير انه في هذه الحالة يجب على الشركة الافصاح عن أنه هي التي تؤدي الزكاة عن أموالها .


 


رابعاً ـ إن هذا الاختلاف السابق جارفي أسهم الشركات التي تكون جميع أنشطتها ومكوناتها حلالاً .


 أما إذا كانت  أنشطتها ومكوناتها حراماً مثل البنوك الربوية ، وشركات التأمين التجاري ، والشركات التي تتعامل في الخمور ، والخنازير ، والقمار ، ونحوها من المحرمات فإن الزكاة تجب في الحلال منه ، ولا تجب في الحرام ، لأنه على حازه أن يتخلص منه ـ على تفصيل ـ وقد صدرت بذلك فتوى من الدوة الرابعة لقضايا الزكاة المعاصرة المنعقدة بالبحرين في الفترة 17-19شوال 1414هـ الموافق 29-30مارس1994م ، ونصها :


1    ـ المال الحرام هو كل مال حظر الشارع اقتناءه أو الانتفاع به سواء كان لحرمته لذاته، بما فيه ضرر أو خبث كالميتة والخمر، أم لحرمته لغيره، لوقوع خلل في طريق اكتسابه، لأخذه  من مالكه بغير إذنه كالغصب، أو لأخذه  منه بأسلوب لا يقره الشرع ولو بالرضا كالربا والرشوة.


2    ـ أ ) حائز المال الحرام لخلل في طريقة اكتسابه لا يملكه مهما طال الزمن ، ويجب عليه رده إلى مالكه أو وارثه إن عرفه ، فإن يئس من معرفته وجب عليه صرفه في وجوه الخير للتخلص منه ويقصد الصدقة عن صاحبه.


ب) إذا أخذ المال أجرة عن عمل محرم فإن الآخذ يصرفه في وجوه الخير ولا يرده إلى من أخذه  منه.


ج) لا يرد المال الحرام إلى من أخذ منه إن كان مصرا على التعامل غير المشروع الذي أدي إلى حرمة المال كالفوائد الربوية بل يصرف في وجوه الخير أيضا.


د) إذا تعذر المال الحرام بعينه وجب على حائزه رد مثله أو قيمته إلى صاحبه إن عرفه وإلا صرف المثل  أو القيمة في وجوه الخير وبقصد الصدقة عن صاحبه.


3    ـ المال الحرام لذاته ليس محلا للزكاة ، لأنه ليس مالا متقوما في نظر الشرع ، ويجب التخلص منه بالطريقة  المقررة شرعا بالنسبة لذلك المال.


4    ـ المال الحرام لغيره  الذي وقع  خلل شرعي في كسبه، لا تجب الزكاة فيه على حائزه، لانتفاء الملك المشترط لوجوب الزكاة ، فإذا عاد إلى مالكه وجب عليه  أن يزكيه  لعام واحد ولو مضى  عليه سنين  على الرأي المختار.


5    ـ حائز المال الحرام إذا لم يرده إلى صاحبه وأخرج قدر الزكاة  منه بقي الإثم بالنسبة  لما بيده منه ، ويكون ذلك إخراجا  لجزء من الواجب  عليه شرعا ولا يعتبر ما أخرجه زكاة ، ولا تبرأ ذمته  إلا برده  كله لصاحبه إن عرفه أو التصدق به عنه إن يئس من معرفته. )  .


 أما إذا كانت من الشركات المختلطة ( التي تتعامل في الحلال والحرام ) فإن الزكاة تجب في أصل المال المقتنى به الأسهم بفرض أن مصدره حلال بالإضافة إلى النسبة الحلال من الريع حسب تقدير أهل الخبرة والاختصاص ، والتخلص من النسبة الحرام من الريع مع التوبة والاستغفار  .


 


 


الترجيح :


والذي يظهر لنا رجحانه بالنسبة لأسهم المستثمر إذا كانت الشركة لم تؤد زكاة أموالها هو ما يأتي :


  أن الشخص يدفع زكاة أسهمه حسب موجوداتها الزكوية ، ونوعيتها وكل ما هو معتبر في زكاة الشخص الطبيعي المشارك مع الآخر ، مع مراعاة مبدأ الخلطة القاضي بعدم النظر إلى تحقق النصاب بالنسبة لكل مساهم .


  فإن كانت الشركة بنكاً إسلامياً يتعامل في التجارة والتمويل فإن زكاتها حسب زكاة عروض التجارة ، وإن كانت الشركة شركة تجارية أو تمويلية يكون نشاطها الأساس هو التجارة ، فتعامل أسهمها من حيث الزكاة معاملة زكاة عروض التجارة .


  فعلى ضوء ذلك فإننا ننظر في الميزانية فما كان نقداً حسب ، وما كان من عروض التجارة تقوم بقيمتها السوقية ، أو بما اشترى به وهو الأعدل في نظري  ، وهو رأي جماعة من الفقهاء  .


 


  وأما إذا كانت الشركة شركة خاصة بإنتاج الحبوب أو الثمار بأن يكون نشاطها في الزروع أو الثمار أو في كليهما فإن زكاتها لا بدّ أن تراعى فيها زكاة الزروع والثمار من حيث الشروط والضوابط ، ومقدار ما يجب فيه من حيث العشر 10% أو نصف العشر5% وتؤخذ من الإنتاج نفسه عند الجمهور ، أو من القيمة عند الحنفية ، وإلاّ فقد خالفنا النصوص الصريحة الواردة في زكاة الزروع والثمار ، وأن هذه التسمية “الأسهم” ليست وصفاً مؤثراً في تغيير طبيعة زكاة الزروع ، أو في عروض التجارة ، كما هو الحال في شركة العنان ، أو المفاوضة ، فلة اشترك شخصان ( أو أكثر ) في زراعة الأرض أو تربية الشجر ، فهل هذه المشاركة تؤثر في طبيعة الزكاة ومقدار الواجب فيها ـ سوى تأثير الخلطة عند بعض الفقهاء ، منهم : الشافعية ـ ؟ ، وكذلك لو كانت الشركة للأغنام والمواشي ، فما دام القصد منها التجارة فيها ، فتطبق عليها أحكام عروض التجارة ، والحكم في ذلك للنشاط العام للشركة ، ولأكثرية نوعية الانتاج ، فقد ذكر العلامة ابن شاس حول زكاة الحلي المكون من الذهب والفضة وأحجار وجواهر في منظومة يؤدى نزعها إلى فساد ، وضرر بصاحبتها فقال : ( وان لم يمكن نزعه إلاّ بفساد ، فعل يغلب حكم الجواهر التي فيه ، فيزكى زكاة العروض ؟ أو يراعى الأكثر فيعطى الحكم له ، أو يعطى لكل نوع حكمه فيتحرى ما فيه من العين فيزكى ، وما فيه من الحجارة يجري على حكم العروض ؟ ثلاثة أقوال )  .


 


 أما لو كانت الشركة شركة صناعية كشركات : الاسمنت ، والحديد ، والكهرباء ، والأدوية ونحوها ، حيث توجد لها مصانع تمثل نسبة كبيرة من موجودات الشركة ، التي لا تجب الزكاة فيها ، فهذه يمكن أن ينظر إليها من ناحيتين :


أ‌-    ناحية الأصول المنتجة وهي المصانع .


ب‌-  الإنتاج المعد للبيع والتجارة .


 فهذه يمكن أن يقال : أنها تزكى زكاة الأصول المنتجة ، مثل الأرض ، والشجر ، وتكون زكاتها في الربح الناتج ، ويكون الواجب العشر10% من الربح الصافي ، أو نصف العشر5% قياساً على الأرض .


  كما يمكن القول بأن زكاتها زكاة عروض التجارة ، وحينئذ تعتبر المصانع أصولاً ثابتة ، وإنما الزكاة في نقودها ، وديونها المرجوة ، وقيمة الانتاج الموجود عند حولان الحول أي عند 31/12 من كل عام ، وبقية البنود التي تعتبر من الموجودات الزكوية ، وحينئذ يكون مقدار الزكاة فيها 2,5% حسب الحول الهجري ، أو 2,5775% حسب الحول الشمسي ، وهذا ما أفتى به الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله  .


  والذي يظهر لي رجحانه القول الأول ، لأن القياس فيه صحيح ومتماش مع منهج الشريعة الاسلامية في أنها تزيد مقادر الزكاة في الأصول المنتجة التي لا تجب فيها الزكاة ، ولكن إنتاج مثل الأرض والثمر .


  وكذلك الحكم في الشركات الخاصة بالدواجن لأجل البيض ، أما الشركات الخاصة بالدواجن أو المواضي لأجل تسمينها ثم بيعها ، فهذه شركات تجارية تطبق عليها قواعد عروض التجارة .


  وهذا الرأي يتفق في بعض عناصره مع رأي الشيخ عبدالله بن المنيع  ، ولكن مع ملاحظة أن نسبة الزكاة في الشركات الصناعية 2,5% ، وكذلك مع رأي العلامة الشيخ الصديق الضرير في حالة معرفة المساهم ما يخص أسهمه من الزكاة  .


وقد قدم الشيخ الضرير مشروعه لاخراج الزكاة جاء فيه : (أ- إذا استطاع المساهم أن يعرف من حسابات الشركة ما يخص أسهمه من الزكاة لو زكت الشركة أسهمها ، زكى أسهمه على هذا الاعتبار ، لأنه الأصل في كيفية زكاة أسهم الشركات .)  .


  يقول الشيخ المنيع : (فإن كانت أسهم تملكه في شركة زراعية فإن زكاتها فيما تخرجه الشركة من حبوب وثمار طبقاً لأحكام الزكاة في الخارج من الأرض ، وإن كانت هذه الأسهم في شركة صناعية فإن زكاتها هي ما تخرجه الشركة عند كل حول …… وذلك من صافي أرباحها ، وإن كانت شركة تجارية كشركات المصارف الإسلامية وشركات الاستيراد والتصدير فإن الزكاة واجبة في قيمة السهم الحقيقية حسبما تٌقَّوم به الشركة عند وجوب الزكاة فيها بعد حسم مصاريف الإدارة والأصول الثابتة مما ليس محلاً للإدارة كمباني الشركة ومكاتبها ووسائل تجهيزها الثابتة )  .


  اعلى الصفحة