فقد نقلت بعض النصوص من الهيئة الشرعية للراجحي ، ولصندوق التوفيق والأمين ، ومن البحث المفصل لفضيلة الشيخ عبدالله بن منيع ، والآن ننقل خلاصة بعض البحوث للأهمية .
أولاً : لخص فضيلة العلامة الشيخ الصديق الضرير[1] ، بعض البحوث في هذا المجال نكتفي بتلخيصه حيث قال :
الدكتور علي محيى الدين القره داغي :
قدم الدكتور القره داغي بحثين في هذا الموضوع أحدهما في دورة المجمع السابعة والثاني في دورته التاسعة ، وأورد في بحثيه حججاً كثيرة على الجواز يفهم منها أنه يجيز المساهمة من غير قيد أو شرط ، ولكن الرأي الذي انتهى إليه ورجحه في بحثيه والضوابط التي وضعها للجواز تقربه من القائلين بالمنع :
رأي الدكتور القره داغي الوارد في بحثه الأول:
يقول في مجلة المجمع ، العدد السابع ص 109-111 :
الرأي الراجح مع ضوابطه :
الذي نرى رجحانه ـ والله أعلم ـ هو ان هذا النوع من الأسهم بالنسبة للشركات التي يمتلكها المسلمون هو ما يأتي :
أولاً ـ أن مجلس الإدارة والمدير المسؤول لا يجوز لهم قطعاً مزاولة أي نشاط محرم ، فلا يجوز لهم الاقراض أو الاقتراض بفائدة ، ولو فعلوا ذلك لدخلوا في الحرب التي اعلنها الله تعالى عليهم : (فأذنوا بحرب من الله ورسوله)[2] .
ولا سيما بعدما يسر الله للمسلمين وجود بنوك إسلامية في أغلب الأماكن ، او قيامها باستثمار جميع أموالها في خيارات إسلامية كثيرة .
ثانياً : أما مشاركة المسلمين في هذه الشركات السابقة وشراء أسهمها والتصرف فيها….فجائزة ما دام غالب أموالها وتصرفاتها حلالاً ، وإن كان الأحوط الابتعاد عنها .
ولكن ينبغي على من يشترك مراعاة ما يلي:
-
أن يقصد بشراء أسهم هذه الشركات تغييرها نحو الحلال المحض من خلال صوته في الجمعية العمومية ، أو مجلس الإدارة .
-
أن يبذل جهده وماله لتوفير المال الحلال الطيب المحض ما أمكن إلى ذلك سبيلاً ولا يتجه نحو ما فيه شبهة إلاّ عند الحاجة الملحة ومصلحة المسلمين ، واقتصادهم من المشاركة في التنمية والاستثمار والنهوض باقتصادهم من خلال الشركات الكبرى .
-
إن صاحب هذه الأسهم عليه أن يراعي نسبة الفائدة التي أخذتها الشركة على الأموال المودعة لدى البنوك ، ويظهر ذلك من خلال ميزانية الشركة ، أو السؤال من مسؤولي الحسابات فيها ، وإذا لم يمكنه ذلك اجتهد في تقديرها ، ثم يصرف هذا القدر في الجهات العامة الخيرية.
-
لا يجوز للمسلم أن يؤسس شركة تنص في نظامها الأساسي على أنها تتعامل بالربا اقراضاً واقتراضاً ، ولا يجوز كذلك التعاون في تأسيسها ما دامت كذلك ؛ لأنه تعاون على الإثم والعدوان إلاّ لمن يقدر على تغييرها إلى الحلال.
ثالثاً : ان الحكم بإباحة تداول هذه الأسهم ـ مع هذه الضوابط ـ خاص بما إذا كانت الأسهم عادية ، أو ممتازة لكن ليس امتيازها أساس المال .
أما أسهم الشركات التي يمتلكها غير المسلمين ولا ينص نظامها على التعامل في الحرام فقد شدد فيها البعض أكثر ، لكن لا أرى مانعاً من التعامل فيها حسب الضوابط السابقة….
والقول بالجواز إن كان نظام الشركة لا ينص على التعامل في الحرام ، ومع الضوابط السابقة هو الذي يتناسب مع روح الشريعة القائمة على التمييز ورفع الحرج ، ومراعاة حاجات الناس في الاستثمار….
هذا هو رأي الدكتور القره داغي في بحثه الأول في العدد السابع من المجلة سنة 1412هـ ـ 1992م .
وكتب رأيه في بحثه الثاني الذي نشره في العدد التاسع من المجلة الجزء الثاني ، الصفحة 85-87 سنة 1415هـ ـ 1995م ، ولكنه لخص رأيه في الخاتمة على النحو التالي :
5 ـ أسهم شركات يكون محل نشاطها الحلال ، وليس في نظامها الأساسي أن تتعامل في الحرام ، ولكن قد تتعامل مع البنوك الربوية اقراضاً واقتراضاً فحكم هذا النوع مختلف فيه:
فالذي تقتضيه مقاصـد الشـريعة والمصالح المرسـلة جواز الاسـتثمار فيها بالشـروط التالية :
-
أن يكون دخول المساهم في مثل هذه الشركات لأجل تغيير الشركة وأسلمتها .
-
أن يتخلص المساهم من نسبة الأموال المحرمة على ضوء الميزانية فيدفعها إلى الجهات العامة.
أما المدير وأعضاء مجلس الإدارة وكل من يشارك في كتابة العقود الربوية فآثمون بلا شك إلى أن يذروا الربا.
ومع ذلك فعلى الإنسان المسلم أن يتحرى الحلال بعيداً من الشبهات ، وعلى الدول الإسلامية أن تلتزم بالشريعة الإسلامية وتطهر أنظمتها من الربا والمحرمات والشبهات .
فالدكتور القره داغي بناءً على هذا التلخيص يرى المنع إلاّ إذا كان دخول المساهم في الشركة لأجل تغييرها وأسلمتها .
رأي الدكتور عبدالستار أبو غدة :
كتب الدكتور عبدالستار عن هذا الموضوع في بحثه عن (الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثمارية) المنشور في مجلة المجمع ، العدد التاسع ، الجزء الثاني ، وخصص للموضوع خمس صفحات تقريباً 115 – 120 ، أو رد فيها ما صدر في شأنه من قرارات وفتاوى ، ختم حديثه بما يدل على انه يرى الجواز بشروط تجعله أقرب إلى المانعين .
وهذا نص كلامه في ص 119- 120 :
(وفي ظل قرارات المجمع ـ يشير إلى توصية ندوة الربا المجيزة ، وقرار المجمع في الدورة السابعة المانعة ـ كان لا بد من الاهتمام بالتفصيل وبيان قيود التعامل وإبراز الفروق ، لبيان حالة الإباحة المشروطة).
هذا وان الأنشطة غير المشروعة قد ينص عليها في وثائق إنشاء الشركات المتعاملة بالمحرمات ، وقد لا ينص (وهذا التفصيل لا يحتاج إليه في البنوك الربوية لدلالة الحال المغنية عن النص من جهة ، ولأن النص يستلزمه الترخيص لها) ، فإن كان منصوصاً في نظامها على أن لها أن تتعامل في الأنشطة المحرمة التي سبقت الإشارة إليها ، أو أن تولد شركات فرعية مخصصة لتلك الأنشطة المحظورة ، وقد زاولت ذلك بالفعل (ويعرف من تقاريرها السنوية وميزانيتها المالية) فحينئذٍ لا يجوز تملك أسهمها ، ولا تداولها ببيع أو شراء أو وساطة .
وإن لم تكن الشركة زاولت شيئاً من هذه الأنشطة المحظورة فيجوز تملك أسهمها مع مراقبة تصرفاتها المستقبلية بحيث يتم التخلص مما يمتلك من أسهمها إذا ما أقدمت على مزاولة هذه الأنشطة المحظورة للمنصوص عليها في نظامها ، وكذلك الحال إذا لم يكن منصوصاً في نظامها على إمكانية التعامل في الأنشطة المحرمة ، ولكن وقع منها هذا التعامل ، فيحرم كذلك تملك أسهمها ، فالعبرة بوقوع التصرف على محل غير معتبر شرعاً ، سواء سبق القصد إليه أو لم يسبق .
وإذا ظهر ذلك التعامل بالأنشطة المحرمة بعد تملك أسهم الشركة ـ بأي حال ـ فإنه يجب التخلص من العائد الناشئ عن الأنشطة المحرمة،مع السعي للخروج من تلك الشركة .
رأي الدكتور صالح جميل ملائكة :
كتب الدكتور ملائكة بحثاً خاصاً في هذا الموضوع في 16 صفحة ، ويبدوا أنه قدمه لمجمع الفقه في دورته العاشرة ، ولكن الموضوع لم يبحث في تلك الدورة.
قال الدكتور ملائكة في الصفحة الثانية من بحثه انه سيركز على الشروط والقيود التي يجب مراعاتها في هذا المجال ، وأشار إلى أن الضوابط التي سيعرضها هي ثمرة من ثمرات عدد من الهيئات الشرعية التي درست الموضوع.
وأورد الدكتور ملائكة هذه الشروط في الصفحة 13 من بحثه وهي :
-
التأكد من سلامة غرض الشركة ونشاطها الأساسي ، بأن لا يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية .
-
التأكد من أن الخدمات الجانبية المحرمة التي قد تقدمها الشركات التي غرضها الأساسي مشروع لا تزيد نسبة معينة (5% إلى 10% كحد أقصى) بناء على القواعد العامة في ان الحكم للأغلب ، والأعم ، وانه يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً .
-
التأكد من أن نسبة القروض إلى موجودات الشركة لا تزيد عن حد معين ….في حدود الثلث على أقصى تقدير .
-
التأكد من أن نسبة الإيرادات الربوية لا يزيد عن نسبة معينة (في حدود 5% إلى 10%) من إجمالي عائد الشركة .
-
المتابعة الدورية لميزانيات الشركة للتأكد من استمرار توفر هذه الشروط فإذا ما تغيرت على ما هو أدنى من المطلوب يجب التخلص من أسهمها. (انتهى تلخيص الشيخ الضرير)
ثانياً : فتوى فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين “رحمه الله” عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ، رداً على سؤال حول الاستثمار في أسهم الشركات أجاب رحمه الله تعالى بما يلي :
(نفيدكم بأن ما يطرح للمساهمة على قسمين :
القسم الأول : أن تكون المساهمة في شركات ربوية أنشئت أصلاً للربا أخذاً واعطاء كالبنوك فهذه لا تجوز المساهمة فيها والمساهم فيها معرض نفسه لعقوبة الله تعالى…
أما القسم الثاني :
أن تكون المساهمات في شركات لم تنشأ للربا أصلاً ولكن ربما يدخل في بعض معاملاتها مثل شركة صافولا ونحوها مما وقع السؤال عنه فهذه الأصل فيها جواز المساهمة لكن إذا كان قد غلب على الظن ان في بعض معاملاتها ربا فإن الورع هجرها وترك المساهمة فيها لقول النبي صلى الله عليه وسلم : من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام .
فإن كان قد تورط فيها أو أبى أن يسلك سبيل الورع فساهم فإنه إذا أخذ الأرباح وعلم مقدار الربا وجب عليه التخلص منه بصرفه في أعمال خيرية من دفع حاجة فقير او غير ذلك ولا ينوي بذلك التقرب إلى الله بالصدقة بها لأن الله طيب لا يقبل إلاّ طيباً ولأن ذلك لا يبرئ ذمته من إثمها ولكن ينوي بذلك التخلص منها ليسلم من إثمها لأنه لا سبيل له للتخلص منها إلاّ بذلك ، وإن لم يعلم مقدار الربا فإنه يتخلص منه بصرف نصف الربح فيما ذكرنا) .
ثالثاً : فتوى فضيلة الشيخ مصطفى الزرقا “رحمه الله” :
.. وأما شراء الأسهم بعد كون الشركة قائمة عاملة ، وموضوع نشاطها ليس محرماً ، ولكنها تضع احتياطي أموالها ووفرها في البنوك الربوية وتدخل عليها فوائد عنه ، وتقترض بالفائدة ، فإني لا أرى إفتاء الناس فيه بالتحريم ، لأن كثيراً من صغار المدخرين لا تبلغ مدخراتهم حداً يستطيعون به استثمارها في شراء عقار وإيجاره ، ولا يكفي رأس مال في عمل تجاري ، كما أن إعطاءه مضاربة لمن يعمل فيه بربح مشترك يعرضه في أغلب الأحوال للخسارة والضياع بسبب فساد ذمم الناس واستباحاتهم ما تصل إليه أيديهم إلاّ من رحم ربك ، فليس لهؤلاء من صغار المدخرين طريق يستثمرون فيه وفرهم سوى الأسهم يشترونها ليأخذوا ريعها ، فربما تبرز الحاجة العامة لهؤلاء وهم كثر في كل مجتمع.
فأرى أن يباح لهم شراء أسهم هذه الشركات لأخذ ربحها على أن يقدروا بمعرفة أهل الخبرة ، او بسؤال العارفين في الشركة نفسها عن نسبة ما يدخل ريع السهم من الفائدة إذا كان ما تأخذه الشركة من فوائد عن رصيدها أكثر مما تدفعه عن قروضها فيخرج مالك السهم هذه النسبة من ريع أسهمه ويعطيها الفقراء دون أن ينتفع بها ولا يحتسبها من زكاتها) .
رابعاً : فتوى أ.د. نزيه حماد :
حيث قال : (إن هذه الشركات المساهمة أصبحت حاجة ملحة لا مناص منها في الحياة المعاصرة لأي شعب وفي أي دولة تريد الاستفادة من منجزات العلم والصناعة والتقنية (التكنولوجيا) ، دون أن تبقى في مستوى الحياة البدائية وذلك من عمارة الأرض التي أمر بها الإسلام لصالح الإنسانية العامة) .
ثم بعد ذكر الشروط والضوابط انتهى إلى جواز المساهمة والتعامل في أسهم الشركات التي موضوع نشاطها حلال ، ولكنها تتعامل مع البنوك الربوية ، مع ضرورة احتساب العنصر الحرام.
خامساً : حلقة عمل حول الاسهام في شركات المساهمة التي تتعامل أحياناً بالربا :
(الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين
بناء على دعوة كريمة مشتركة من مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية ، انعقدت حلقة العمل لمناقشة موضع ” الاسهام في شركات المساهمة التي تتعامل أحياناً بالربا” .
وقد شارك في الحلقة أكثر من عشرين من العلماء والباحثين وتقدموا بعدد من الأوراق غطت جوانب عديدة شملت حجج المانعين والمجيزين وشخصية شركة المساهمة وعلاقة المساهم بالشركة والتخريج الشرعي لهذه العلاقة والحاجات العامة والخاصة للاستثمار في البلاد الإسلامية وأوضاع شركات المساهمة فيها ، وبعد عروض ومداولات ومناقشات استمرت ثلاثة أيام من 27-29 من المحرم 1419هـ توصل المشاركون إلى التوصيات التالية :
أولاً : يرى المشاركون في حلقة العمل تأكيد القرار الذي انتهى إليه مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورته السابعة المنعقدة بجدة في الفترة 7-12 ذي القعدة 1412هـ ونصه : (الأصل حرمة الاسهام في شركات المساهمة التي تتعامل أحياناً بالمحرمات كالربا ونحوه بالرغم من أنشطتها الأساسية المشروعة).
ثانياً : يقترح المشاركون أن يستثنى من الأصل المذكور ما يلي :
أ ـ الاسهام في الشركات المشار إليها في القرار السابق للقادر على إخراجها من التعامل بالحرام بإسهامه في الشركة ، عند انعقاد أو لجمعية عمومية للشركة على أن يخرج من الشركة إن عجز عن التغيير.
ب ـ الاسهام في هذه الشركات في البلاد الإسلامية التي غرضها إنتاج ضرورية أو تقديم خدمات أساسية تتعلق بمرافق عامة لا غنى للأفراد عن الانتفاع بنتاجها سواء أكانت الشركة حكومية (القطاع العام) أو أهلية (القطاع الخاص) إذا كانت الشركة لا تقترض بفائدة إلاّ في الحالات التي تكون فيها مضطرة لهذا الاقتراض.
وهذا عندما لا تتوافر في هذه البلاد شركات لا توجد فيها هذه الشوائب لتحقيق الأغراض المشار إليها.
ج ـ مراعاة لدور البنك الإسلامي للتنمية في تنمية الدول والمجتمعات الإسلامية فإنه يجوز للبنك المساهمة في شركات المساهمة في البلاد والمجتمعات الإسلامية التي تتعامل أحياناً بالربا شريطة أن يوضع برنامج محدد لتعديل أوضاعها وفق الشريعة الإسلامية توافق عليه لجنة الفتوى بالمجمع .
ثالثاً : وفي جميع الأحوال فإنه لا بد للمسلم وللمؤسسة الإسلامية من تطهير مالهما مما يصيبه من ربا في هذه الشركات ، وذلك حسب ضوابط تضعها اللجنة الاقتصادية الشرعية في المجمع.
رابعاً : يوصي المشاركون بتكوين لجنة من عدد من علماء الشريعة والاقتصاد يشكلها المجمع بالتعاون مع المعهد للنظر فيما يلي :
أ ـ إعداد بحوث في ضوابط الحاجة الشرعية ، ولا سيما الحاجة العامة وأثرها في إباحة المحظور .
ب ـ إعداد بحوث في تكييف شركات المساهمة وشخصيتها المعنوية وعلاقة المساهم بإدارتها ومسؤوليته عن تصرفاتها وحكم ما يقع فيها من تصرفات ، من منظور الفقه الإسلامي.
ج ـ التعمق في دراسة موضوع المسؤولية المحدود في شركات المساهمة وذلك استكمالاً للقرار الصادر من المجمع في هذا الشأن في دورته السابعة.
وبذلك تتقدم اللجنة المذكورة أعلاه عن طريق المعهد والأمانة العامة للمجمع بتوصياتها إلى دورة قادمة لمؤتمر المجمع إن شاء الله .
خامساً : يوصي المشاركون في مراكز البحوث في المصارف الإسلامية بالعمل على إيجاد البدائل الكفيلة بتقديم المشروع لشركات المساهمة ، وكذلك إيجاد القنوات المشروعة لاستثمار فوائض السيولة لديها .
والله من وراء القصــد وهــو الهـادي إلـى سـواء الســبيل).
سادساً : فتوى فضيلة الشيخ نظام يعقوبي :
قدم فضيلته ورقة عمل إلى مجمع الفقه الإسلامي مضمناً مبررات إعادة النظر في مسألة الاستثمار في اسهم الشركات التي يكون أصل نشاطها حلال ولكنها تتعامل بالفوائد المصرفية ، حيث ذكر منها : (أن صيغة الشركات المساهمة واحدة من أهم المخترعات المالية في العصر الحديث ، فمن خلال هذه الصيغة المبتكرة أمكن جمع مبالغ من رؤوس الأموال بأحجام ما كان يمكن لأي صيغة أخرى أن تصل إليها ، ثم توجيهاه نحو الاستثمارات النافعة والاستخدامات المفيدة في مجال الصناعة الزراعة والإنشاءات العقارية والمشاريع التنموية ، ولذلك نجد في دول العالم المختلفة شركات كثيرة تبلغ مبيعات الواحدة منها عشرات آلاف الملايين من الدولارات .
ولطالما وجدنا بلداناً كثيرة يعتمد اقتصادها على عدد من الشركات المساهمة الضخمة والمؤسسات المالية العظيمة وعلى آلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تقوم على نفس الصيغة (ففي بريطانيا مثلاً يوجد أكثر من 120000 شركة مساهمة) ولم يكن شيء من ذلك ممكناً إلاّ بوجود هذه الصيغة المبتكرة للشركة المساهمة ، إن اهم عناصر القوة في صيغة الشركة المساهمة هو قدرتها على استقطاب وجمع المدخرات الكثيرة من السواد الأعظم من أفراد المجتمع وهم فئة ذوي الدخول المتوسطة والدنيا .
إن المشكلة الأساسية هي ان هذه الفئة من المسلمين لا يتوافر عليها فرص مجدية في الاستثمار (لصغر حجم مدخراتها) إلاّ في الأسهم و(الصناديق الاستثمارية التي تستثمر الأسهم) أو لدى البنوك (التي لا تمثل البنوك الإسلامية إلاّ جزءاً يسيراً منها) ولذلك فإن القول بحرمة الاستثمار في أسهم الشركات فيه إغلاق لباب الاستثمار أمام هذه الفئة التي تمثل السواد الأعظم من المسلمين كما أسلفنا وحرمان الاقتصاد الوطني من الانتفاع بهذه الموال ولا يقصد بذلك ان يعتمد الحكم في هذه المسالة على ما ذكر إنما الغرض هو التنبيه إلى أهمية هذه القضية .
ومنها : أن المراجع للمداولات التي سبقت قرارات المجمع آنفة الذكر ، والأوراق التي قدمت للمجمع في موضوع أسهم الشركات عموماً وفي المسالة محل النظر بخاصة يكشف نقطة هي غاية في الأهمية وهي ما يلي :
إن عمل الشركات المساهمة في كل بلاد العالم الإسلامي هو نتاج القوانين الوضعية المستمدة في الغالب من مصادر غير شرعية ، وتفرق هذه القوانين كما تفرق أصولها التي استمدت منها بين نوعين من الشركات يشار لكليهما في اللغة العربية بلفظ “شركة” بينما أن بينهما اختلاف جسيم : الأولى هي : ما تسمى في اللغة الانجليزية : “بارتنرشيب PARTNERSHIP ” والثانية هي : ما تسمى بالانجليزية : ” كومبني COMPANY ” ، فإذا راجعنا القواميس الانجليزية ـ العربية وجدنا أن كلا الكلمتين تترجم إلى شركة ، اما في الاصطلاح القانوني فإن الثنتين مختلفتين ، فالأولى ليس فيها إلاّ مجرد الاشتراك بين مجموعة منت الأفراد بطريقة تشبه صيغة الشركة في الفقه الإسلامي (شركة العنان) واما الثانية فمعناها في ذلك الاصطلاح القانوني الشخصية الاعتبارية ذات المسؤولية المحدودة.
إن مما يلفت النظر ان جميع المداولات المشار إليها أعلاه والأوراق التي قدمت في دورات المجمع السابقة إنما تتناول النوع الأول ولم تشر بوضوح إلى النوع الثاني ولا اعتمد ما توصلت إليه من استنتاجات على تصور الشخصية الاعتبارية ذات المسؤولية المحدودة ، لذلك فقد جاء تعريف المجمع للسهم بأنه : حصة شائعة في موجودات الشركة ، مع أن القوانين تنص على أن أموال الشركة ليست مملوكة لحملة أسهمها وهذا ما تنص عليه جميع القوانين المنظمة لعمل هذه الشركات .
وقد أشار السنهوري في شرح القانون المدني على ذلك فقال : ” لا يعتبر المال المملوك للشركة ـ رأس المال ونماءه ـ ملكاً شائعاً بين الشركاء بل هو ملك الشركة ذاتها إذ هي شخص معنوي “ثم يضيف : ” والشريك لا يملك في الشيوع مال الشركة ما دامت قائمة ” وكذلك يشير قاموس اكسفورد القانوني : “السهم حق في الشركة المساهمة لكنه ليس حقاً في ممتلكاتها” .
يترتب على هذا النظر أن امتلاك سهم الشركة يختلف عن حالة كون المساهم شريكاً في شركة عنان تعمل بالربا ، لأن الحالة الثانية ليس على القول بجوازها دليل ، إذ إن ذلك يؤول إلى القول بجواز التعامل بالربا فيكون مخالفاً لما عليه الإجماع قديماً وحديثاً ، أما الأولى فإن الأمر فيها يختلف ، إذ الشركة شخصية اعتبارية مستقلة عن ملاكها ، فالتفرقة بين النوعين مبرر إعادة النظر في المسألة) .
سابعاً : تعليق الدكتور محمد علي القري [3] حول الآثار الاقتصادية لهذا الموضوع:
حيث قال : الآثار الاقتصادية المتوقعة للقول بالحرمة :
1 ـ لما علم يقيناً أنه لا توجد شركة من الشركات المساهمة العامة إلاّ وتقع في نشاطها في بعض المعاملات الربوية( ولا يستثنى من ذلك إلاّ البنوك الإسلامية في الأغلب الأعم وليس مطلقاً) ، وان ذلك عام في الشركات المساهمة العامة سواء منها ما كان في بلاد غير المسلمين او في بلاد المسلمين ، على ذلك فإن تحريم الاسهام في الشركات التي يكون أصل نشاطها مباح ولكنها تتعامل أحياناً بالفائدة هذا الرأي يئول إلى القول بحرمة أسهم الشركات جملة ن ذلك أن تلك التي تعمل بالمحرمات كغرض أساس لنشاطها لم يقل أحد بجوازها أصلاً ، ولما كان ما بقي من الشركات لا يسلم من بعض التعامل بالمحرمات (مع كون غرضها الأساس مباح) فإذا حرم الاسهام في هذا النوع الثاني لم يبق من الشركات المساهمة ما يحل التعامل به لأن هذا النوع الثاني يستغرق من أسهم الشركات ما لم يدخل في النوع الأول ، فما الفرق بين هذا الرأي وبين القول بحرمة الأسهم مطلقاً ؟
2 ـ إذا تقرر ذلك فيقال : ما هي إذن الفرص الاستثمارية المتاحة للمسلم يثمر فيها أمواله خلاف الأسهم؟ ، والجواب : معلوم من المسلمين من كان غنياً كثير الثراء وهذا يستطيع استثمار أمواله في المشاريع التجارية والصناعية منفرداً ولا حاجة به إلى الشركة لأن لديه ما يكفي لتمويل مثل تلك المشاريع .
لكن السواد الأعظم من المسلمين هم من صغار التجار ومن الموظفين والعمال ومن كانت دخولهم على صفة رواتب شهرية يزيد في أيديهم عن حاجتهم الآنية مدخرات لا تستطيع وحدها تمويل مشروع خاص ، ولكنها يمكن تنمو بالاستثمار في المجالات التي يوفرها الاقتصاد والقنوات التي تتوفر عليها السيولة والأمان وأهمها الأسهم ، ويمكن أن يكون ذلك بصفة مباشرة بشراء أسهم الشركات ، كما يمكن أن يكون عن طريق المشاركة في صناديق الاستثمار وما شاكلها،وجلي أنه يترتب على القول بالحرمة إغلاق هذا الباب.
ورب قائل : ولكن فرص الاستثمار كثيرة متعددة لا تقتصر على الأسهم منها الإيداع في البنوك الإسلامية ؟ يرد على ذلك : أن البنوك الإسلامية لا توجد في كل بلد ، وهي إن وجدت فإن عائد الاستثمار على حساباتها الاستثمارية قليل حكم طبيعة هذه الحسابات ، وهو قصير الأجل لا يتحقق فيه الربح رأسمالي الذي هو سمة الأسهم وأنواع الاستثمار في الأصول الحقيقية .
3 ـ وإذا طبقنا هذا الرأي على المستوى المؤسسي (أي غير الفردي) كانت النتيجة عدم جواز استثمار صناديق التقاعد وبرامج التأمينات الاجتماعية في الأسهم ، فما هو البديل بالنسبة لها ؟
معلوم ان هذه المؤسسات تعتمد في استثماراتها على حسابات اكتوارية دقيقة تتأكد من خلالها من تحقيق النمو والاستقرار المطلوب في الدخل لكي تفي بالتزاماتها تجاه المتقاعدين الذين لن يحتاجوا لمدفوعات التقاعد إلاّ بعد سنين ذات عدد ، ومعلوم أننا إذا استبعدنا سندات الدين الربوية ، لم يكن أمام