مما لا شك فيه أن التكييف الفقهي له دور كبير في وجوب الزكاة وكيفية دفعها ، وفي مقدارها .


  فإذا قلنا : ان الشخصية المعنوية أو الاعتبارية لم يكن لها تأثير جوهري في الملكية وآثارها فيكون من الطبيقي القول بتطبيق أحكام الزكاة على مكونات الأسهم أنفسها ، فإذا كانت مكوناتها عروض تجارة ، أو نقوداً ، أو ديوناً ، أو أصولاً ثابتة ، أو مصانع ، أو مزارع فإن الزكاة لا بدّ أن تختلف حسب اختلافها في هذه الأصناف .


  أما إذا قلنا : إن السهم هو مجرد حق ليس لصاحبه علاقة بمكونات السهم ، وليست ملكيته إياه ملكية تامة فحينئذ يكون من الطبيعي القول بأن زكاة السهم مرتبطة بقيمة هذا الحق ، وبالتالي فلا ينظر إلى مكونات السهم ، أو المفروض أن لا ينظر إليها ، ولم أرَ من ذهب إلى هذا القول صراحة .


  والغريب هو تضارب الأقوال حول مسألة الأسهم فترى من يقول : إن زكاة الأسهم تختلف عن مكوناتها ، فمثلاً لو أن شخصاً قام بالتجارة والتمويل ـ مثل أعمال البنوك الاسلامية ـ فإن أمواله بإجماع المعاصرين تكون زكاتها زكاة عروض التجارة ، ولكن إذا شكلت شركة تعاملت بهذه المكونات نفسها ، من التجارة والتمويل ونحوهما فإن زكاة أسهمها تختلف عند بعض الفقهاء فمنهم من يقول : تعامل معاملة ما نتجته الأرض من الحبوب والثمار ، أو لا تجب فيها الزكاة ، وهكذا ، ومع ذلك فإن هؤلاء لا يختلفون في الاعتماد على مكونات الأسهم ونشاط الشركة في الحل أو الحرمة ، فالاضطراب الأكبر هو في هذه المفارقة حينما يعتمد على المكونات والنشاط في الحل والحرمة ، ولا يعتمد عليهما في الزكاة أو الآثار الناتجة عليهما .


  وأحسب أن سبب هذا الاضطراب يعود إلى عدم بحث الوصف الفقهي ( التكييف الفقهي ) للأسهم بحثاً عميقاً دقيقاً .


 


  والشريعة الاسلامية تقوم على الجمع بين المتماثلات ، والمتشابهات والتفريق بين المتفرقات ، يقول ابن القيم : ( وأما أحكامه الأمرية الشرعية فكلها هكذا تجدها متمثلة على التسوية بين المتماثلين ، والحاق النظير بنظيره ، واعتبار الشيء بمثله ، والتفريق بن المختلفين وعدم تسوية أحدهما بالآخر ، وشريعته سبحانه منزهة أن تنهي عن شيء لمفسدة فيه ، ثم تبيح ما هو مشتمل على تلك المفسدة ، أو مثلها ، أو أزيد منها ، فمن جوز ذلك على الشريعة فما عرفها حق معرفتها ، ولا قدرها حق قدرها … وقد فطر الله سبحانه عباده على أن حكم النظير حكم نظيره ، وحكم الشيء حكم مثله ، وعلى إنكار التفريق بين التماثلين ، وعلى إنكار الجمع بين المختلفين ، والعقل والميزان الذي أنزله الله تعالى شرعاً وقدراً يأبى ذلك )  .


  وكان منهج الصحابة في اجتهاداتهم وأحكامهم وقياسهم في الرد إلى المتشابهات والمتماثلات ، فقد قال عمر : ( ثم قايس الأمور عند ذلك ، واعرف الأمثال ، ثم اعمد إلى أشباهها بالحق)  .


  ولذلك فالقول ـ بأن عروض التجارة تعامل معاملة أخرى إذا كانت ملكاً للشركة تختلف عن معاملتها فيما لو كانت ملكاً لفرد أو أفراد ـ باطل لا ينبغي الاعتماد عليها .


  اعلى الصفحة