تمهيد


   فقد سبق أن القوانين الوضعية قد اعترفت بالشخصية الاعتبارية ، والذمة المستقلة عن ذمم الشركاء ، وأهلية أداء لها ، تكتسب بها الحقوق ، وتتحمل الالتزامات ، وأن الأموال المقدمة من المساهمين تنتقل إليها ، ولا يبقى لهم حق عيني عليها إلاّ الحق في الأرباح ما دامت الشركة قائمة ، ثم الحصول على حصصهم من موجوداتها عند تصفيتها ، ويظهر ذلك في الميزانية السنوية التي تصبح فيها جميع الحقوق والالتزامات ديناً على الشركة ( الشخصية الاعتبارية ) حيث تنص جميع الميزانيات العمومية على بيان كامل عن جميع الموجودات ، والمطلوبات ، وحقوق المساهمين ، ثم تختم بهذه العبارة ( مجموع  ” أو إجمالي ” المطلوبات وحقوق المساهمين … كذا مبلغ ) أي أن الشركة ( الشخصية الاعتبارية ) في ذمتها كذا مبلغ.


ثم إن غالبية القانونيين ـ كما سبق ـ قطعوا الصلة بين المساهمين وحصصهم التي قدموها .


فعلى ضوء هذا التكييف القانوني الغالب ، فإنه ليس للمساهم إلاّ حق شخصي في السهم .


ولكن المبالغة في ذلك كانت محل نقد لدى جماعة من القانونيين ـ كما سبق ـ.


  وكذلك كان من آثار الاعتراف بالذمة المستقلة للشخصية المعنوية الفصل بين دائني الشركة ، ودائني المساهمين وبالتالي فلا يجوز لأي من الدائِنَيْنِ الرجوع على الآخر ، وعدم المقاصة بين هذين الديني ، وعدم التلازم بين افلاس الشركة ، وافلاس المساهم ، ومسؤولية الشركة مدنية تعاقدية وتقصيرية ، وحق التقاضي لها وعليها  .


 


التكييف الفقهي :


  هذا هو واقع الشخصية المعنوية في ظل القوانين الوضعية ، فهل هذا الواقع يغيّر من طبيعة المال الذي قدمه المساهم إلى الشركة بأن يقال : إنه بما أنه أخرج من ملكه فلا تجب عليه الزكاة ؟ أو أنه يغيّر طبيعة الزكاة ، فلا ينظر إلى نوعية الموجودات ، بل يعتبر السهم مطلقاً مجرد حق للمساهم جون النظر إلى مكوناته ، وبالتالي فتكون زكاته معتبرة باعتبار كونه حقاً؟! .


  وقد حاول البعض أن يدخل بعض التغييرات على هذا الواقع القانوني الثابت في عالمنا ، فقال : ( ولا أوافق أهل القانون أهل القانون في قولهم : ” لا صلة ولا ارتباط بين الذمتين ” …. وقال في شأن الفصل بين دائن الشركة ، ودائن المساهم : ” فهو صحيح من وجه ، وغير صحيح من وجه آخر … ” )  .


 الذي يظهر لنا بوضوح هو أن الشخصية الاعتبارية للشركة هي اعتبارية كاسمها ، ومعنوية كتسميتها بها ، اقتضتها مجموعة من المصالح والحاجيات اقتضاها التنظيم الاداري وترتبت عليها مجموعة من الآثار المهمة لكنها لا تمس جوهر الملكية ، ولا تقضي على العلاقة بين المساهم وموجودات الشركة قضاءً مبرماً ، بل ان هذه الآثار قد ترتبت على رضا المساهم بها ، أو بالنظام الذي نظمها وذلك على ضوء ما يأتي :


أولاً ـ انه مهما بالغ القانونيون في استقلالية الشخصية الاعتبارية فإن صلاحيتها وأغراضها قد نظمها المساهمون أنفسهم من خلال النظام الأساس والعقد التأسيسي لها ، وبالتالي فهم أنشؤها ثم جاء القانون فوافق عليها بعد توافر شروطها وأركانها وضوابطها .


ثانياً ـ وأيضاً مهما قيل فإن المساهمين يملكون حق الغائها أو تقييدها في حدود القانون السائد من خلال جمعيتهم العمومية .


ثالثاً ـ فإن المساهمين هم الملاك الحقيقيون لموجودات الشركة عند تصفية الشركة بعد أداء الديون والالتزامات .


رابعاً ـ فإن المساهمين هم الذين لهم الغنم في أسهمهم من خلال الأرباح ، وعليهم الغرم وإن كان ذلك محدداً برأس مال الشركة .


 فعلى ضوء ذلك ظهر لنا أن ملكية المساهم لحصته التي قدمها لم تغب من حيث الواقع والنتائج والمآل ، حتى نستطيع القول : إن المساهمين يملكون الشركة وشخصيتها المعنوية من حيث الحقيقة والمآل والنتائج ، حيث لا يوجد على مستوى الواقع والحقيقة إلاّ هؤلاء المساهمون الذي أنشأوا الشركة ، وكونوا مجلس لادارة الشركة .


  وأما الشخصية الاعتبارية ـ فهي كما سبق وكما سيأتي ـ فهي عملية تنظيمية اقتضتها مجموعة من المصالح والحاجيات والتجارب وهي كلها في حدود الارادة والتراضي والتوافق ، وهي أشبه ما تكون بحالة الخلطة ، والقيود الورادة على ملكية رب المال في أموال المضاربة ـ كما سيأتي ـ .


  وذلك لأن المساهم رضي بكل هذه الآثار الناتجة من الشخصية الاعتبارية ، وقبل بها خين وافق على النظام الأساس للشركة ، ووقع على العقد التأسيسي ، وكذلك المساهم الجديد الذي يحل محل المساهم القديم بكل شروطه وقيوده .


  فعلى ضوء ذلك فإن ملكية المساهم لحصته في الشركة لا تخرج عن إطار الملكية التامة ، فهو قادر على بيع ما يمثلها وهو السهم والتصرف فيه بجميع التصرفات المشروعة ، وأما كونه غير قادر على التصرف في الحصة ذاتها وبعينها فإن ذلك يعود إلى أرادته ، ورضاه وموافقته على ذلك ، ولذلك نظائر كثيرة في الفقه الاسلامي مثل الراهن الذي وضع الرهن عند العدل ، فهو يملكه ولكن لا يملك التصرف فيه بالبيع ونحوه إلاّ بشروط ، ولكن له غلته وزوائده   ومثل مال رب المال بيد المضارب ـ كما سيأتي ـ  .


  وبناء على ذلك فإن حق المساهمين ليس مجرد حق ، وإنما هو حق ملكية تتبع نشاط الشركة ، وأن حقهم لا ينفصل في الجملة عن موجودات الشركة ، ولذلك يختلف حكم السهم حسب نشاط الشركة من حلال ، أو حرام ، أو مختلف فيه  .


  وقد رأينا فيما سبق أن بعض القانويين انتقد فكرة الفصل بين المساهم وموجودات الشركة ، ومن جانب آخر فإن ملكية الحصص لو انتقلت إلى الشخصية الاعتبارية انتقالاً كاملاً لما بقي لصاحب السهم الحق في الحصول على أرباحه ، ولذلك فالملكية الحقيقية إنما هي للمساهمين على سبيل الملكية الشائعة  ، وأن ملكية الشخصية الاعتبارية للموجودات ملكية اعتبارية وحكمية ، وتقديرية ، وكذلك الحال بالنسبة للفصل بين دائني الشركة ، ودائني المساهم ، حيث لا يستطيع دائن المساهم التنفيذ من موجودات الشركة بسبب النظام ، والقانون الواجب تطبيقه حفاظاً على الشركة ، ولكنه في المآل يستطيع الحجز على أسهمه وبيعها عن طريق القضاء ، إذن فالنتيجة في حقيقتها واحدة ، وإنما روعيت مع مصلحة دائن المساهم مصلحة الشركة بتوازن دقيق دون ضرر ولا ضرار .


  وأما جميع صلاحيات الشخصية الاعتبارية وما لها من حق التصرف يعود إلى إرادة الشركاء والنظام الذي نظم الشركة ، وبالتالي فهي نائبة ووكيلة عن المساهمين .


 


النتيجة :


 فإذا كان الأمر كذلك فأن زكاة الأسهم معتبرة بمكوناتها الأساسية وأنشطتها وأغراضها ، وبالتالي فلا تعامل الأسهم جميعها معاملة واحدة ، كما أن أحكام الأسهم من حيث الحل والحرمة تختلف حسب أنشطة شركتها ، فكذلك ينبغي أن يتغير حكم زكاتها إذا كانت أنشطتها مختلفة .


  لذلك كله فإن الشخصية الاعتبارية لن تغير من حقيقة الموجودات شيئاً ولا سيما في مجال حل النشاط ، أو حرمته ، وكذلك في نوعية الزكاة ورعاية مكونات الأسهم وأغراضها ، لذلك فأسهم الشركات معتبرة بمكونات الأسهم وموجوداتها وأغراضها ، وهذا هو محل نقاشنا في هذا البحث .


 اعلى الصفحة